حرب غزة... ورقة بوتين لتصعيد حملته السياسية على الغرب

روسيا مستعدة لوساطة... وإعلامها منقسم بين الطرفين

الرئيس بوتين وخلفه وزير الخارجية لافروف في بشكيك، اليوم الجمعة (سبوتنيك - أ.ب)
الرئيس بوتين وخلفه وزير الخارجية لافروف في بشكيك، اليوم الجمعة (سبوتنيك - أ.ب)
TT

حرب غزة... ورقة بوتين لتصعيد حملته السياسية على الغرب

الرئيس بوتين وخلفه وزير الخارجية لافروف في بشكيك، اليوم الجمعة (سبوتنيك - أ.ب)
الرئيس بوتين وخلفه وزير الخارجية لافروف في بشكيك، اليوم الجمعة (سبوتنيك - أ.ب)

مهما بدا الموقف متناقضاً و«سوريالياً»، بحسب وصف دبلوماسي سابق، فإن روسيا التي فوجئت كما فوجئ العالم بقوة واتساع حجم هجوم «حماس» على مستوطنات غلاف غزة، السبت الماضي، اتخذت بعد تمهّل قصير موقفاً يشدد على الخط العام للرؤية الروسية للصراع في المنطقة. جوهر المدخل الروسي يقوم على ضرورة احترام القرارات الدولية والانطلاق من أهمية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل.

التناقض يظهر في مسارعة بلد يواجه اتهامات كثيرة باحتلال مناطق في بلد مجاور، إلى الدفاع عن مبادئ القانون الدولي، عندما يتعلق الأمر بصراع تخوضه أطراف أخرى. لكن هذه الازدواجية، كما قال الدبلوماسي السابق، ليست حكراً على روسيا، فهي ظهرت عند الأوكرانيين الذين يواجهون «الاحتلال الروسي»، لكنهم «يدعمون استخدام القوة الإسرائيلية المفرطة ضد شعب آخر يعاني من الاحتلال منذ عقود. وظهرت أيضاً عند الغرب الذي يقاتل روسيا في أوكرانيا، بينما يرسل حاملات الطائرات لدعم بلد آخر يشن عدواناً مماثلاً على شعب أعزل».

نزوح من غزة اليوم في ضوء تحذير إسرائيلي بهجوم وشيك (أ.ف.ب)

هذه المقاربة لا يتطرق إليها الروس على صفحات إعلامهم الذي انقسم بشدة إلى طرف ينتقد تصرفات الغرب ويذكّر بالدعم الإسرائيلي لأوكرانيا، وفريق يمثّل الغالبية الكبرى ويمعن في عقد مقارنات بين الفلسطينيين و«نازيّي أوكرانيا».

أما الموقف الرسمي فهو يحمل بشدة انعكاسات المواجهة المتفاقمة مع الغرب. أول تعليق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ركّز على «فشل سياسات واشنطن في الشرق الأوسط». قال الرئيس الروسي خلال أعمال منتدى اقتصادي قبل يومين: «احتكرت الولايات المتحدة القرار بشأن التسوية، وأبعدت الأطراف الأخرى، ماذا كانت النتيجة؟ فشلت في تطبيق القرارات الدولية ووضع حد للمواجهة المتفاقمة وأسفرت سياساتها عن الوضع الحالي». كما انتقد بوتين، في عبارة لافتة، الوعود الأميركية الكثيرة بـ«رخاء اقتصادي» في مقابل التنازل عن حقوق وطنية، وقال إن تلك الوعود لم تنجح في إقناع شعب فلسطين بإنهاء جوهر المشكلة التي تقوم على احترام حقه في بناء دولته وتقرير مصيره.

وهكذا اتضح أن المدخل الروسي للتعليق على الحدث انطلق من ضرورات حشد كل الأدوات في تعزيز رزمة الانتقادات للمواقف الغربية. وكل ما تلا ذلك من تصريحات ودعوات جاء في هذا الإطار، من دون أن يحمل تلويحاً جاداً بتقديم عون اقتصادي أو إغاثي أو سياسي لحماية سكان غزة.

الرئيس الروسي مستعد لـ«وساطة» بين إسرائيل والفلسطينيين (أ.ف.ب)

في وقت لاحق، أكّد الرئيس الروسي أن بلاده مستعدة لتقديم جهود «وساطة» بين الطرفين، من دون أن يوضح المدخل الذي سوف تنطلق منه إذا وافق الطرفان على تلك الجهود. وهو أمر له دلالاته، لأن روسيا كانت تقليدياً تعلن استعدادها لاستقبال مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ثم تتحدث لاحقاً عن أن هذا يتطلب «موافقة الطرفين»، وهو أمر لا يمكن تحقيقه عملياً. أيضاً، قال الرئيس الروسي: «يتعيّن علينا البحث عن حل سلمي لتفاقم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نظراً لأنه في الوضع الراهن لم تعد هناك بدائل أخرى». هذه العبارة كانت لافتة أيضاً، ففي حين يراقب العالم تحضيرات متسارعة لحرب برية شاملة، وعملية تهجير شاملة جديدة للفلسطينيين من غزة، تركّز تصريحات الكرملين على تكرار خطاب سياسي صحيح من وجهة النظر القانونية، لكنه منفصل عن الواقع المتسارع في تدهوره وعن ألسنة اللهب المتصاعدة حول غزة.

سُئل الرئيس الروسي في ندوة حوارية عن موضوع التهجير، فقال: «إلى أين يذهبون؟ (...) هذه أرضهم». عبارة أخرى تعكس دقة الموقف الروسي في التعامل مع الملف وفقاً لمدخل مبدأي، لكنها لم ترتبط بإعلان موقف جدي من جانب روسيا لعرقلة التحرك الإسرائيلي، المستند كما يبدو إلى غطاء غربي شامل انطلاقاً من حق إسرائيل في «الدفاع عن نفسها».

لقاء سابق بين بوتين والرئيس الفلسطيني محمود عباس في سوتشي على البحر الأسود عام 2021 (سبوتنيك - أ.ب)

سألت «الشرق الأوسط» الدبلوماسي السابق الذي لا يخفي معارضته للحرب في أوكرانيا، عن تفسيره لهذه المواقف، فقال: «قد يعكس هذا في جانب مهم منه ضحالة الرهان الروسي والصيني على إقامة عالم جديدة متعدد الأقطاب، حتى الآن على الأقل».

لتفسير عبارته، قال الدبلوماسي إن «اللحظة العالمية» مواتية لموسكو وبكين لترسيخ فكرة هدم آليات هيمنة الغرب على اتخاذ القرار العالمي، لكن الطرفين فضّلا تكرار خطاب سابق على إطلاق أفكار جديدة أو إعلان تحرك ملموس لوقف التحركات العسكرية الإسرائيلية، ولمواجهة عمليات «حشد القوات الغربية في البحر المتوسط والمنطقة». ورأى أن هذا الحشد مهمته الرئيسية «تخويف أطراف إقليمية»، مشيراً إلى أن روسيا لم تقم بأي خطوة عملية لإعلان اعتراضها على ذلك.

في المقابل، قال بوتين الجمعة أمام قمة رابطة الدول المستقلة، في بشكيك عاصمة قرغيزيا، تعليقاً على العملية البرية المحتملة في غزة، إن «استخدام المعدات العسكرية الثقيلة في المناطق السكنية يحمل تداعيات، في الوقت الذي سيكون فيه تنفيذ تلك العملية من دون المعدات أكثر صعوبة». كيف يمكن فهم تلك العبارات؟ يظهر، كما يبدو، أن موسكو ما زالت تتعامل مع الملف ليس بصفته حدثاً كبيراً يمكن أن يغيّر المنطقة والعالم، بل باعتباره «ورقة من أوراق المواجهة مع الغرب». أي أن موسكو ليست مقتنعة بعد بأن التحرك الإسرائيلي الحالي المستند إلى دعم غربي واضح وكامل يقوم على وضع مقدمات لـ«حل نهائي» للمسألة الفلسطينية، بل باعتبار المواجهة الحالية «واحدة من حلقات الصراع المتكررة».

وهذا في الواقع ما بدا من تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عندما قال إن روسيا «تأمل أن يأخذ الجميع على محمل الجد الالتزام بإنشاء دولة فلسطين، بعد انتهاء المرحلة الساخنة من الصراع الحالي في الشرق الأوسط». وشدد على «ضرورة التزام طرفي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي باحترام القانون الإنساني وتجنب الاستخدام العشوائي للقوة وأن يتحلى الجميع بالمسؤولية الجدية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن إنشاء دولة فلسطينية على أساس المبادئ التي وافقت عليها الأمم المتحدة».

لقاء سابق بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكرملين عام 2020 (أ.ب)

حملت تلك العبارات تكراراً حرفياً لكلام بوتين أمام قمة الرابطة المستقلة، عندما قال إن «هدف المفاوضات المقبلة يجب أن يكون تنفيذ صيغة الأمم المتحدة، التي تنطوي على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، تتعايش في سلام ووئام مع إسرائيل (...) التي نرى أنها تعرضت لهجوم غير مسبوق في قسوته، وبالطبع لها الحق في الحماية، ولها الحق في ضمان وجودها السلمي، وفي الوقت نفسه، فإن الخسائر في صفوف المدنيين (...) غير مقبولة على الإطلاق». اللافت هنا ليس أن بوتين تعمّد أمام نظرائه الرؤساء إعلان تفهمه لخطوات إسرائيل خلافاً لتصريحات سابقة أمام وسائل الإعلام، بل الأهم من ذلك أنه تحدث عن «مفاوضات مقبلة» ليس مفهوماً كيف يمكن أن تنضج مقوماتها في الظروف الراهنة.

في هذه الأثناء، تواصل وسائل الإعلام الروسية محاولة تلمّس آفاق تطور الموقف، وسط قناعة كاملة بأن الحرب على غزة ستكون حاسمة هذه المرة.

ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية عن مستشار السياسات، فلاديمير بروتر، إن الغرض الرئيسي من جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في المنطقة وضع ترتيبات المرحلة بعد العملية البرية في غزة، ملاحظاً أن واشنطن لم تبدِ حماسة مباشرة للعملية، لكن إسرائيل سعت إلى إقناعها بأنها تشكل نقطة تحول أساسية ومهمة في الصراع. وزاد: «ستضطر واشنطن إلى الموافقة على تنفيذها، لأنه لا يوجد حل آخر للوضع الإسرائيلي الراهن».


مقالات ذات صلة

عشرات جنود الاحتياط يرفضون الخدمة في إسرائيل

المشرق العربي جنود في مقبرة بالقدس يوم 6 أكتوبر الحالي خلال تشييع عسكري قُتل بهجوم بطائرة مسيّرة يُعتقد أنها أُطلقت من العراق (أ.ف.ب)

عشرات جنود الاحتياط يرفضون الخدمة في إسرائيل

كشفت مصادر إعلامية في تل أبيب عن اتساع ظاهرة التذمر في صفوف الجيش، وسط معلومات عن رفض 130 جندياً الخدمة في جيش الاحتياط.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي القيادي بحركة «حماس» خالد مشعل (وسط الصورة) خلال كلمة له في الدوحة (رويترز - أرشيفية)

خالد مشعل: السابع من أكتوبر أعاد إسرائيل إلى «نقطة الصفر»

قال خالد مشعل، رئيس حركة «حماس» في الخارج، إن هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 «جاء نتيجة تصاعد جرائم التنكيل بالأسرى، وزيادة التضييق على الفلسطينيين».

«الشرق الأوسط» (كوالالمبور)
تحقيقات وقضايا سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)

الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة

الغزيون مرهقون بأسئلة صعبة: مَن يعيد الأحبة والبلاد؟ من يبني البيوت؟ أين يجدون جثامين أحبائهم لدفنهم؟ غالبيتهم يبحثون عن الهجرة ولا يفكرون بمن يحكم القطاع غداً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)

ماكرون يطالب بالكفّ عن تسليم الأسلحة للقتال في غزة

دعا الرئيس الفرنسي، السبت، إلى الكفّ عن تسليم الأسلحة للقتال في غزة، لافتاً إلى أن الأولوية هي للحلّ السياسي للحرب المستمرة منذ عام بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة ترفع صورهم خلال احتجاج قرب مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس يوم 30 سبتمبر (إ.ب.أ)

عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة تنفّذ إضراباً عن الطعام

بدأ أفراد في عائلات الإسرائيليين المحتجزين في أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة إضراباً عن الطعام، متهمين حكومة بنيامين نتنياهو بأنها أهملت قضيتهم في ظل حرب لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

منسق الأمم المتحدة لدى لبنان لـ«الشرق الأوسط»: الوضع الإنساني «كارثي»

المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان عمران ريزا (الشرق الأوسط)
المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان عمران ريزا (الشرق الأوسط)
TT

منسق الأمم المتحدة لدى لبنان لـ«الشرق الأوسط»: الوضع الإنساني «كارثي»

المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان عمران ريزا (الشرق الأوسط)
المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان عمران ريزا (الشرق الأوسط)

حذر المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية لدى لبنان، عمران ريزا، بأنه «إذا استمرت الحرب لمدة أطول، فسيتفاقم الوضع الكارثي أكثر، وستزداد الأمور سوءاً على الجميع»، مشدداً على الحاجة إلى «وقفٍ عاجل لإطلاق النار»، في ظل تفاقم الوضع الإنساني والضغط الإنساني الهائل على مؤسسات الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية للتعامل مع أزمة النازحين الطارئة بفعل التصعيد العسكري، والتي دفعت بأكثر من مليون شخص إلى النزوح من أماكن سكناهم. وإذ أشار إلى أن الحاجات هائلة تفوق 400 مليون دولار، فقد أعلن أن 12 في المائة من الاحتياجات أُمّنت عبر المانحين، وأن الأمم المتحدة تنتظر المزيد لتلبية الاحتياجات.

الوضع كارثي

ويصف ريزا، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، الوضع الإنساني في الأسبوعين الأخيرين، منذ 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، بـ«الكارثي»، بعد تراكم الأزمة منذ نحو عام. ويقول: «هي كارثة بالنسبة إلى المدنيين. لدينا الآن أكثر من ستمائة ألف نازح، وأكثر من مليون متضرر، ولدينا 300 ألف شخص عبروا الحدود»، علماً بأن كثيراً من هؤلاء الأشخاص «لم ينزحوا مرة واحدة فقط، بل انتقلوا إلى أكثر من مكان بحثاً عن الأمان». ويؤكد أن هذه الحرب التي دخلت تصعيداً كبيراً منذ 23 سبتمبر الماضي، «هي أزمة تضرب المدنيين بشدة في لبنان»؛ ذلك «أننا نتحدث عن أكثر من مليون متضرر؛ أي نحو ربع سكان لبنان».

وقال إن الأمم المتحدة قد تحركت للتعامل مع هذه الأزمة، ويشير ريزا إلى «أننا نحاول تلبية جميع احتياجات هؤلاء الناس، ولكن من أجل القيام بذلك؛ فإننا نحتاج إلى الموارد»، لافتاً إلى أنه على مدار العام الماضي «كنا نقول باستمرار إننا لا نملك أموالاً كافية، وذلك عندما كان هناك 110 آلاف نازح» فقط.

وأطلقت الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي نداءً إنسانياً عاجلاً لجمع 426 مليون دولار من المانحين لتغطية الاحتياجات الإنسانية. ويشير ريزا إلى أنه «جرى توفير 12 في المائة بالفعل من الحاجات حتى الآن، ونتوقع المزيد من المانحين»، لافتاً إلى أن دولاً مانحة قدمت وعوداً بدعم إضافي. ويقول: «إننا ممتنون جداً لجميع المساهمات الدولية، ولمساهمة دول مجلس التعاون الخليجي التي ساعدت في توفير الإمدادات الصحية والإغاثية العاجلة»، مضيفاً: «إننا نتطلع إلى مزيد من المساهمات، ونتوقعها».

ريزا في مكتبه يستعرض الاحتياجات الإنسانية للنازحين جراء الحرب الأخيرة على لبنان (الشرق الأوسط)

تنسيق مع الحكومة

وتنسق الأمم المتحدة وممثلو منظماتها لدى لبنان مع الحكومة اللبنانية بشكل يومي، ضمن استراتيجيات لتوفير الاحتياجات؛ من مأوى، وغذاء، ومتطلبات صحية، ومياه، وذلك للتأكد من أنها تستجيب بشكل صحيح لاحتياجات الناس.

ويقول ريزا إن «تفاعلنا الآن مع الحكومة بشأن هذه الاستجابة ممتاز»، من غير أن ينفي ضعف مقدرات الحكومة بعد نحو 5 سنوات من الأزمات المتلاحقة، في وقت يعاني فيه السكان من المعضلة نفسها جراء الأزمات المالية والمعيشية والاقتصادية التي ضربت لبنان بدءاً من 2019. ويضيف: «بات الناس أقل قدرة مما كانوا عليها في حرب 2006، كما أن الحكومة ضعيفة، كذلك المؤسسات والبلديات». لذلك؛ «نحاول مساعدة الحكومة على الاستجابة، والتأكد من أنها شفافة وخاضعة للمساءلة»، كما «نعمل على التأكد من أن التمويل المقبل يجب أن يسلك طريقه إلى المحتاجين بطريقة شفافة ونزيهة».

وتتعاون الأمم المتحدة مع كثير من الشركاء الذين باتوا يمتلكون خبرات بعد الأزمات التي عانى منها لبنان على مدار السنوات الأخيرة، وهي نقطة مساعِدة بما يتخطى الواقع في عام 2006، على ضوء وجود منظمات غير حكومية محلية ومنظمات دولية تعمل في لبنان، كما تضمن السلوكيات في مراكز الإيواء لمنع الانتهاكات.

عمران ريزا يتحدث لـ«الشرق الأوسط» بمكتبه في بيروت (الشرق الأوسط)

وضع مختلف عن 2006

وإلى جانب قدرات الناس والحكومة، تنسحب الآن المتغيرات عما كانت عليه في 2006، على الوضع السياسي، فالحكومة هي حكومة تصريف أعمال، ويعاني البلد من شغور رئاسي، فضلاً عن أن حضور بعض الدول في لبنان خلال ذلك الوقت كان أكبر. يقول ريزا: «الآن ليس في لبنان الحضور نفسه. لذا؛ فقد كان الوضع مختلفاً تماماً، فضلاً عن أن الحرب في 2006 استمرت 33 يوماً فقط، بينما الآن مر عام كامل»، لافتاً إلى أسئلة ناس التقاهم في الجنوب، خلال زيارات متكررة إلى المناطق الحدودية، عن التقديرات لانتهاء الحرب، قبل أن «يصبح الوضع أسوأ بكثير خلال الأسبوعين الأخيرين».

ويوضح ريزا أنه «في الأسبوع الأول، كان من الصعب للغاية معالجة الأمر، وحتى الآن، لا يزال هناك نازحون في الشوارع دون مأوى»، قائلاً: «إننا نعمل مع الحكومة للتأكد من أننا نوفر المأوى للجميع، وأننا قادرون على توفير الطعام والرعاية الصحية... وما إلى ذلك. لكن الأمر ليس سهلاً».

أزمة النازحين على الطرقات

ويأمل منسق الأمم المتحدة لدى لبنان أن «نتمكن في الأيام المقبلة من إيواء الناس بشكل مناسب»، مع اقتراب موسم الشتاء؛ حيث «لا يمكننا ترك الناس دون مأوى». ويشكل نقص الملاجئ وإمدادات المياه والصرف الصحي، والقلق من تفشي الأوبئة، هاجساً له، رغم التعاون الوثيق مع المؤسسات الأممية والدولية والشركاء. يقول: «كثير من الوكالات يستجيب».

وينفي ريزا التمييز بين النازحين واللاجئين الفلسطينيين والسوريين والأجانب، يقول: «يوجد كثير من اللبنانيين والسوريين في مدارس (أونروا) المحمية الآن». ويشير إلى مباحثات مع الحكومة حول الأماكن التي يمكن مساعدة السوريين على اللجوء إليها، لافتاً إلى أنهم تلقوا رداً إيجابياً من الحكومة.

وإذ يعرب عن قلقه بشأن ما سيحدث للعام الدراسي وتعليم الأطفال، يقول «إننا نتطلع أيضاً إلى مناطق أخرى؛ ليس فقط من أجل ألا يكون الناس في ملاجئ جماعية، بل أيضاً ليكون بإمكانهم العيش في منازل أو شقق»، مضيفاً: «لذلك؛ فنحن ننظر في جميع الخيارات».

نازحون داخلياً في وسط بيروت يفترشون الطرقات (أ.ف.ب)

حرب طويلة الأمد

ولا تنظر الأمم المتحدة إلى الحلول المتوقعة للأزمة في الجانبين الإنساني والعسكري، ويشدد ريزا على أن «الحل سياسي دبلوماسي»، لكن حتى يمكن الوصول إليه «فإننا نحتاج إلى وقف لإطلاق النار». ويضيف: «نحن لا نرى ما يدعو إلى التفاؤل حتى الآن، لكن ما نحن متفائلون به هو الاستجابة التي نحصل عليها من شركائنا لنكون قادرين على مساعدة النازحين والقيام بالمهام حيالهم»، مشيراً إلى إجلاء نحو ألف شخص في قافلة من عين إبل الأسبوع الماضي، وتوزيع مساعدات في صور يوم الأحد الماضي، وشدد على «أننا نحاول التأكد من أن الناس يمكنهم الوصول إلينا ويمكننا الوصول إليهم».

ويناشد ريزا «جميع الأطراف بأن عليهم احترام القوانين الدولية والقوانين الإنسانية، وأن يمنحونا إمكانية الوصول الآمن، وأن نتمكن من الذهاب ومساعدة الناس»، لافتاً إلى «كثير من الانتهاكات، مثل مقتل رجال إطفاء وعاملين في القطاع الصحي والدفاع المدني وموظفين بالأمم المتحدة»، ويضيف: «التكلفة على البنية الأساسية الإنسانية والمدنية والصحية آخذة في الارتفاع».