عبد الله الثاني: لا استقرار في المنطقة من دون «حل الدولتين»

الأردن سيتحدث مع بلينكن عن مخاطر «العقاب الجماعي» و«تدهور الأوضاع في الضفة»

الملك عبد الله الثاني مفتتحاً أعمال مجلس الأمة الأردني بخطاب العرش (الديوان الملكي)
الملك عبد الله الثاني مفتتحاً أعمال مجلس الأمة الأردني بخطاب العرش (الديوان الملكي)
TT

عبد الله الثاني: لا استقرار في المنطقة من دون «حل الدولتين»

الملك عبد الله الثاني مفتتحاً أعمال مجلس الأمة الأردني بخطاب العرش (الديوان الملكي)
الملك عبد الله الثاني مفتتحاً أعمال مجلس الأمة الأردني بخطاب العرش (الديوان الملكي)

سبق العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى عمّان الخميس، بتصريحات تكشف عن جوهر موقف المملكة الرسمي في مواجهة «التصعيد الخطير وأعمال العنف والعدوان» الذي تشهده الساحة الفلسطينية؛ ما يهدد بـ«تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، ومخاطر سياسات التهجير التي تسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى تنفيذها، والخشية من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية تباعاً»، بحسب مصادر سياسية أردنية.

وكان الملك عبد الله الثاني، قد قال لدى افتتاحه أعمال مجلس الأمة بخطاب العرش، الأربعاء: «إن ما تشهده الأراضي الفلسطينية من تصعيد خطير وأعمال عنف وعدوان، يجدد التأكيد على أن المنطقة لن تنعم بالأمن والاستقرار دون تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين»، مشدداً على أولوية أن يحصل «الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتنتهي دوامات القتل التي يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء».

وشدد عبد الله الثاني، الأربعاء، خلال افتتاحه أعمال الدورة العادية الأخيرة من عمر مجلس النواب الحالي، بأنه «لا أمن ولا سلام ولا استقرار من دون السلام العادل والشامل، الذي يشكل حل الدولتين سبيله الوحيد».

يسبق الموقف الرسمي الأردني الذي جاء على لسان الملك عبد الله الثاني، الأربعاء، الزيارة المرتقبة لبلينكن إلى المنطقة والتي تقتصر على لقاءات رسمية في تل أبيب، وتتبعها لقاءات في عمّان. وهي الزيارة التي تشير إلى دور الأردن في تقييم التطورات على الساحة الفلسطينية، وبذل الجهود لتجنيب المدنيين سياسات العقاب الجماعي الذي تتبعه إسرائيل اليوم، ومخاطر تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، وهو ما تحدثت به مصادر سياسية مطلعة إلى «الشرق الأوسط».

وهنا؛ قد يتضح للمتابعين المحليين، أن عمّان اتبعت سياسة التدرج في تطور الخطاب الرسمي الأردني في مواجهة السياسات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، فبعد أيام استغرق فيها مركز القرار في البحث عن إجابات عن أسئلة المرحلة وتداعياتها، ورسم جملة السيناريوهات المحتملة التي قد ينشأ عنها مخاطر تهدد بالضغط على السكان نحو التهجير، وهو ما تعدّه المملكة «خطراً وشيكاً» إذا ما استمرت سياسة القتل الجماعي التي تُهدد بتفاقم الأوضاع الإنسانية سوءاً.

فلسطينيون في رام الله بالضفة الغربية يحتمون بحاوية قمامة أثناء اشتباكهم مع القوات الإسرائيلية الأربعاء (أ.ف.ب)

ما يخشاه الأردن، بحسب المصدر السياسي الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، هو احتمالات «تدهور الأوضاع في الضفة الغربية»، وهي حلقة جديدة قد تُضاف إلى حلقات التطورات الميدانية الخطيرة في الداخل الفلسطيني، والتي سينسحب تأثيرها «على دول في المنطقة»؛ الأمر الذي يستدعي ضغطاً دولياً فاعلاً في حث الأطراف للحؤول دون «تصعيد الموقف العسكري»، والبحث عن فرص «الاحتواء والتهدئة»، وفي هذا المجال فقد عبّرت عمّان صراحة عن «القلق الشديد» من الأمر، وفق اتصالات متعددة مع الأطراف الفاعلة.

القلق الأردني من انسحاب التداعيات أحداث غزة على الضفة الغربية بدا لافتاً في الخبر الرسمي الذي أعلنت المملكة عن تسيير طائرة مساعدات عاجلة إلى غزة عن طريق مصر، تحمل مواد إغاثية طارئة مكونة من مواد طبية (أدوية ومعقمات وإسعافات أولية) وخيام ومواد غذائية وحقائب إخلاء طبي، من المتوقع وصولها اليوم (الأربعاء)، على أن الخبر الرسمي تضمن أيضاً توجيهاً ملكياً لـ«تحديد الاحتياجات المطلوبة للأشقاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وتوفيرها بالسرعة الممكنة»؛ وهو ما يكشف «حجم القلق الرسمي الأردني من تطورات لا بد من احتوائها».

في السياق، لم يعد خافياً حجم الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية على زعماء في المنطقة من أجل انتزاع «إدانة» لعملية «طوفان الأقصى» التي بدأتها حركة «حماس» السبت الماضي، وشكّلت صدمة كبيرة لدولة الاحتلال بعد سقوط مئات القتلى والجرحى وأسر مدنيين وقيادات وعناصر من جيش الاحتلال. إلا أن المساعي «المفترضة» دولياً، يجب أن تركز على الجانب الإنساني في قضية الحرب على غزة، فذهاب الجيش الإسرائيلي إلى سياسات العقاب الجماعي تفتح الباب واسعاً على المجهول في معادلة الصراع.

ما سبق سيكون على أجندة المباحثات التي سيجريها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع الأردن، وإن سبق ذلك سلسلة اتصالات هاتفية من المفترض أن يجريها العاهل الأردني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، فإن الملك عبد الله الثاني سينفذ جولة أوروبية الأسبوع المقبل تشمل ألمانيا وفرنسا؛ بهدف حث الأطراف الفاعلة للتوصل إلى تهدئة تجنب المنطقة التداعيات الخطيرة لاستمرار الحرب في غزة، بحسب المصادر ذاتها.

داخلياً، فإن الحراك الشعبي قد يتصاعد أمام سياسات القتل الجماعي الإسرائيلية في غزة، وقد بدا ذلك جلياً خلال مسيرة نُفذت ليلة الثلاثاء - الأربعاء أمام الجامع الحسيني وسط العاصمة، والتي شهدت حضوراً واسعاً، في حين لا يزال فيه محيط السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية في عمّان محاطاً بحزام أمني واسع لمنع وصول المظاهرات على مقربة منها، وفي ذلك مشهد آخر من القلق الرسمي الأردني على الصعيد الداخلي.


مقالات ذات صلة

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
TT

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

حين قرر «حزب الله»، ومن خلفه إيران، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحويل جبهة جنوب لبنان إلى جبهة دعم وإسناد لغزة، التزاماً باستراتيجية «وحدة الساحات» التي تقول إن كل القوى المحسوبة على طهران تتحرك تلقائياً لتدعم أي هجوم على أي منها، لم يستشر أحداً، لا الحلفاء ولا الأخصام، ولم يعد لأي من المؤسسات الدستورية لتغطية قراره هذا، لعلمه بوقتها أن أحداً لن يغطيه.

اليوم وبعد ما يتردد عن قراره فصل مساري غزة ولبنان، بالموافقة على وقف النار، باتت القوى التي تجنبت طوال الفترة الماضية انتقاد هذه السياسة علناً، لا تتردد باعتبار التزام الحزب السابق بهذه الاستراتيجية «خطأ استراتيجياً».

تحسين شروط

ولفت مؤخراً ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد ساند «حماس» و«حزب الله» بعد «طوفان الأقصى»، عن وجوب «فصل المسارات ووقف استخدام الجنوب ساحة صراع لدعم غزة أو الضفة»، منتقداً استخدام إيران للبنان في «ربط المسارات من أجل تحسين شروط المناقشات حول موضوع النووي الإيراني».

أما حركة «أمل»، الحليف الأقرب لـ«حزب الله»، التي انخرطت ولو بشكل رمزي بحرب الإسناد، فتشير المعلومات إلى أنها لم تكن تؤيد استراتيجية «وحدة الساحات» لكنها وبعد بدء المواجهات جنوباً انخرطت بالحرب «دفاعاً عن لبنان».

ويتجنب نواب وقياديو الحركة الحديث بهذا الخصوص، إذ يصر «الثنائي الشيعي» على تظهير موقف واحد مرتبط بالحرب الراهنة.

لا مصلحة لبنانية فيها

وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، حليف «حزب الله» منذ عام 2006، أول من خرج ليصف التزام «حزب الله» باستراتيجية «وحدة الساحات» بـ«الخطأ الاستراتيجي»، معتبراً أنها «تصب لصالح دول أخرى وليس لصالح لبنان».

ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جيمي جبور إلى أنه «تم العمل باستراتيجية وحدة الساحات حصراً عند تضامن (حزب الله) مع غزة، وفتحه لجبهة الإسناد التي رأينا منذ البداية ألا مصلحة لبنانية فيها، وإذ تبين لاحقاً أن موقفنا كان صائباً بتراجع الجميع عن هذا الإسناد عملياً، بما فيهم (حزب الله) الذي دفع وحيداً مع لبنان ثمن وحدة الساحات من غير أن نرى إيران، أم غيرها من الدول والقوى، تنضم تضامناً معه إلى هذه المعركة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كل ما حصل بات يُحتم «إعادة النظر الجذرية باستراتيجية السلاح فور انتهاء المعارك»، مضيفاً: «آن الأوان لحوار داخلي يجعل السلاح في خدمة لبنان فقط دون سواه من الدول ضمن استراتيجية دفاعية تكون الدولة ومؤسساتها صاحبة القرار، ويكون الجيش اللبناني العمود الفقري والأساس في الدفاع عن لبنان».

مقاتل من «حزب الله» يطلق صاروخاً موجهاً (أرشيفية)

بالتسوية أو بالقوة

ويُعدُّ حزب «القوات اللبنانية» أبرز المعارضين لـ«وحدة الساحات»، وبالأصل لوجود «حزب الله» حزباً مسلحاً. وترى عضو تكتل «الجمهورية القوية» غادة أيوب أن «إيران اعتمدت استراتيجية (وحدة الساحات)، لأنها أرادت بذلك أن تكون لاعباً قوياً يتدخل في 5 بلدان عربية عبر أذرعه بدءاً من (حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن، و(حماس) في غزة، و(الحشد الشعبي) في العراق، والنظام السوري بوجود (فيلق القدس) والحرس الثوري الإيراني»، مشيرة إلى أنه «غداة إعلان (طوفان الأقصى) في 8 أكتوبر (تشرين الأول) لم تتحرك سوى ساحتين لمساندة (حماس) في غزة انطلاقاً من لبنان واليمن، وبذلك تعطلت استراتيجية وحدة الساحات التي ابتدعتها إيران، وسقطت بمجرد أن رفض النظام السوري الدخول في هذه الحرب لاعتبارات تتعلق بالوجود الروسي على أراضيه واعتبارات أخرى، وكذلك العراق، مع العلم أن إيران، وبالرغم من هذه الاستراتيجية، فهي لم تسلم من الضربات المباشرة على أراضيها والتهديدات المباشرة إذا ما أكملت في سياستها».

وتعدُّ غادة أيوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الاستراتيجية تنتهي إما عن طريق التسوية مع إيران أو بالقوة»، لافتة إلى أن محور الممانعة أصبح «محوراً صوتياً أو سياسياً لا عسكرياً» كممانع للعلاقة مع إسرائيل لحين تبلور صورة الشرق الأوسط.

مدماك حزام النار

أما مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، فيوضح أن «استراتيجية وحدة الساحات التي تم تفعيلها عند بدء الحرب على غزة، وشارك فيها اليمن وطبعاً (حزب الله) الذي أعلن جبهة جنوب لبنان جبهة دعم وإسناد، قررت إيران وقفها، وليس بشكل علني، لأنها واجهت ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة، وأصبح الاستمرار بهذه الاستراتيجية مكلفاً جداً، بخاصة على (حزب الله) الذي هو المدماك، أي الحجر الأساس في ما يُسمى حزام النار الذي أنشأته إيران لتطويق إسرائيل، الذي يُسمى سياسياً بـ(وحدة الساحات)».

ويلفت نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدأ أخيراً تقليم أظافر (حزب الله) وصولاً لشبه إنهائه من خلال اقتلاع قدراته العسكرية، وهذا أمر مستمر»، موضحاً أن «إيران وأذرعها لم يقرروا فقط وقف العمل باستراتيجية وحدة الساحات، إنما باتوا يريدون وقف النار وإنهاء العمليات العسكرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».