ماذا يأمل السوريون من محكمة العدل الدولية؟

مشاركة تحمل لافتة تعبر بها عن انتظار قريبها المعتقل لدى النظام السوري (الشرق الأوسط)
مشاركة تحمل لافتة تعبر بها عن انتظار قريبها المعتقل لدى النظام السوري (الشرق الأوسط)
TT

ماذا يأمل السوريون من محكمة العدل الدولية؟

مشاركة تحمل لافتة تعبر بها عن انتظار قريبها المعتقل لدى النظام السوري (الشرق الأوسط)
مشاركة تحمل لافتة تعبر بها عن انتظار قريبها المعتقل لدى النظام السوري (الشرق الأوسط)

يخشى السوريون من أهالي المعتقلين والمخفيين قسراً من تعطيل مسيرة محاكمة النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية التي شهدت، الثلاثاء، جلسة الاستماع الأولى في الدعوى المقدمة من الحكومتين الهولندية والكندية ضد الحكومة السورية حول انتهاك التزاماتها بمعاهدة مناهضة التعذيب الدولية، لكن غياب ممثلين عن النظام السوري أدى إلى إرجائها ثلاثة أشهر.

أمام مبنى المحكمة في مدينة لاهاي في هولندا وقفت رئيسة «رابطة عائلات قيصر»، مريم حلاق، برفقة عدد من الناشطين والناشطات رافعين صور أحبائهم وأقربائهم من المعتقلين، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، «عدم حضور النظام أو ممثلين عنه كان متوقعاً، فكلنا نعرف الكذب والتسويف واللامبالاة التي يسلكها النظام تجاه أفراد شعبه».

لسنوات كان البحث عن الحقيقة هو هاجس مريم مع عائلات أكثر من 155 ألف معتقل أو مختفٍ قسرياً في سوريا، وفقاً لإحصائيات «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، وكانت المشاركة في الاحتجاجات والوقفات حول العالم هي وسيلتها للمطالبة بحق الإفراج عن الأحبة وحق معرفة المصير حتى وإن لم تتوقع «الكثير» من نتائج هذه المحكمة، مضيفة أن أهميتها تكمن في أنها «أول خطوة لمحاسبة النظام السوري من قبل محكمة من الأمم المتحدة».

المطالبة بالمعتقلين من شمال سوريا إلى جنوبها

صورة من حساب المحكمة في «إكس» يظهر مقعد سوريا خاليا في أولى الجلسات

وطالبت الحكومتان الهولندية والكندية بفرض المحكمة لعدد من «التدابير المؤقتة» من الحكومة السورية، التي من المتوقع أن يتم البت بها خلال أسابيع، وحتى موعد لا يتجاوز ستة أشهر، حتى وإن استمرت القضية بكاملها لسنوات، وتشمل تلك التدابير وقف جميع أنواع التعذيب والكشف عن مواقع دفن من قتلوا بسببه وإطلاق سراح أي شخص محتجز بشكل تعسفي والسماح للمراقبين المستقلين والعاملين الطبيين بالوصول لمواقع الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية.

أمل في أعزاز

في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، شاركت مياسة الشيخ أحمد مسؤولة «عائلات من أجل الحرية» في الداخل السوري، بوقفة مساء الثلاثاء للمطالبة بمحاسبة النظام، بعد أن قدمت لها المحاكمة «الأمل» في إيقاف التعذيب عن المعتقلين، وبالوصول في النهاية لحل القضية السورية، في حال تلقت المحكمة الدعم الحقيقي، حسبما قالت لـ«الشرق الأوسط».

نساء يقفن في أعزاز بريف حلب الشمالي ويرفعن لافتات تطالب بمحاسبة النظام السوري على جرائم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري (الشرق الأوسط)

تعرض زوج مياسة، محمد، للاعتقال قبل نحو 12 عاماً بتهمة المشاركة في الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح في سوريا، ولم تره منذ ذلك الحين ولم تحصل على تأكيد حول موقع احتجازه أو إمكانية الإفراج عنه، وقالت «تعرضنا للابتزاز من قبل قريبة للواء بالجيش السوري، دفعنا لها مبلغ 12 ألف دولار ليتم نقله إلى سجن عدرا تمهيداً للإفراج عنه، بقيت قرب الهاتف بانتظار الخبر الذي لم يصل، وفي النهاية أخبرنا أحد الناجين أنه التقاه في سجن صيدنايا».

صدى أسماء السجون

لأسماء السجون في سوريا صدىً يثير الرعب في القلوب لما أثبتته التحقيقات والشهادات عما تضمه أروقتها من أنواع التعذيب الوحشية التي يلقاها المعتقلون بلا غاية سوى للمتعة والتشفي، مثل تحقيق صحيفة «Washington Post» لعام 2018، وتحقيق صحيفة «New York Times» لعام 2019، لكن لا تزال أبرز إثباتات التعذيب في سوريا هي الصور التي سربها الضابط المعروف باسم «قيصر» عام 2014 والتي أثبتت وفاة أكثر من سبعة آلاف شخص تحت التعذيب في سجون النظام السوري.

برأي الناشطة لبنى الباسط، المشاركة في احتجاجات السويداء، فإن صور قيصر كانت أكبر دليل على ما عاناه السوريون من ظلم النظام وترهيبه لكل من خالفه خلال العقود السابقة، بما في ذلك اعتقاله لعائلات بأكملها، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «حلم كل سوري هو محاسبة نظام الأسد على جرائمه، برأيي هذه المحاكم ضرورية للحفاظ على العدل والسلام العالميين لأن إفلات النظام من العقاب يشرع ثقافة الظلم والتعذيب في العالم».

كانت قضية المعتقلين من أبرز القضايا التي حملها المحتجون في المحافظة الجنوبية، التي تخضع لسيطرة ضعيفة للنظام السوري، خلال موجة احتجاجاتهم المستمرة يومياً خلال الشهرين الماضيين، وكما ترى لبنى فإن تسليط الضوء على مطالب السوريين أعاد التذكير بقضيتهم رغم ضعف حضورها عالمياً نتيجة طيلة أمد الحرب وتعطيل حلفاء النظام، روسيا والصين، لقرارات مجلس الأمن السابقة بحقه عن طريق استخدام حق النقض (الفيتو).

هل يبقى الحكم معلقاً بتعاون النظام؟

الجلسة التي جرت أمس الثلاثاء كان من المقرر إجراؤها في 19 من يوليو (تموز) الماضي، لكن بطلب من الحكومة السورية تم التأجيل، وثم فرض رفض حضور ممثلي النظام إلى المحكمة تأجيل الجلسة مجدداً، ما سبب خشية استمرار عرقلة المسار القانوني من قبل النظام السوري كحال المسار السياسي العالق منذ سنوات.

المدير التنفيذي لـ«لمركز السوري للعدالة والمساءلة»، محمد العبد الله، نفى عبر منشور على «فيسبوك» قدرة الحكومة السورية على عرقلة المسار القانوني الخاص بالمحكمة، موضحاً أن أي طرف بإمكانه طلب المضي بالمحاكمة قدماً عند امتناع طرف آخر عن الحضور.

وأوضح العبد الله في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المحاكمة الحالية هدفها إثبات حقوق الضحايا في سوريا، كما أن إصدار الحكم بحق دولة ما من قبل محكمة العدل الدولية يعتبر «مشيناً» بحقها، حتى وإن لم تفد أحكامها بإجبار الحكومة السورية على الالتزام بتنفيذ التدابير المؤقتة المطلوبة، وإنما لها فائدة مستقبلية عند تقديم الدعاوى الجنائية لاحقاً ما يسمح بالمطالبة بتعويض الضحايا ومحاسبة الجناة، وقال «هذه الدعوى لن ينتج عنها سجن لأحد ولكن مفاعيلها مهمة إن أثبتت حكماً على سوريا».


مقالات ذات صلة

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي صورة من موقع غارة إسرائيلية على معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا - 20 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

«المرصد السوري» يعلن ارتفاع عدد قتلى الهجوم الإسرائيلي على تدمر إلى 92

قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، اليوم (الجمعة)، إن عدد قتلى القصف الأخير الذي شنَّته إسرائيل على مدينة تدمر، في ريف حمص الشرقي بوسط البلاد هذا الأسبوع ارتفع

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».