علاوي: حاول صدام قتلي لكنني رفضت رؤيته معتقلاً لدى الاحتلال

رئيس الوزراء العراقي الأسبق روى لـ«الشرق الأوسط» رحلته مع «البعث» وصدام وعراق ما بعد الاحتلال (1)

TT

علاوي: حاول صدام قتلي لكنني رفضت رؤيته معتقلاً لدى الاحتلال

اياد علاوي (غيتي)
اياد علاوي (غيتي)

ما أصعب الاقتراب من موضوع صدّام حسين على رغم المسافة التي تفصلنا عن موعد التفاف حبل المشنقة حول عنقه، في 30 ديسمبر (كانون الأول) 2006. والحقيقة هي أن الرجل مستفز، سواء أقام في القصر أو تمدد في القبر. ضحاياه وأعداؤه كثر. وأنصاره ليسوا قلائل. وفي العراق لا يداوي الوقت الجروح، بل يدسّ الملح فيها. صعب على من دفع ثمن ظلم صدام أن يقرأ أنه كان يقود مقاومة ضد الاحتلال الأميركي أو أنه كان نزيهاً في تعامله مع المال العام. وصعب على أنصاره أن يسلّموا أن صورته تقتصر على صورة الحاكم البطاش، الذي أدمى بلاده والإقليم. لكن متعة الصحافة تكمن في الاقتراب من جمر المحطات وجمر القساة الذين تركوا بصماتهم على مصائر الخرائط وسكّانها.

قبل شهور التقيت في عاصمة عربية عراقياً ربطته بالرئيس صدام حسين «علاقات عمل ومودة» أفسحت المجال لمئات اللقاءات بينهما. اعتذر الرجل عن عدم التحدث باسمه لأسباب أمنية، لكنه قال كلاماً استوقفني. كشف أنه التقى صدام حسين مرتين بعد سقوط نظامه. الأولى على أطراف الفلوجة في 11 أبريل (نيسان) 2003، أي بعد يومين من سقوط النظام، والثانية في بغداد في 19 يوليو (تموز) التي كانت في قبضة القوات الأميركية.

رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي خلال حواره مع رئيس التحرير غسان شربل (الشرق الأوسط)

روى أن صدّام كان قريباً من ساحة الفردوس، حين قامت مدرعة أميركية بإسقاط تمثاله. وأضاف أن صدام قاد في الليلة نفسها، من مقر سري قريب، أول عملية لـ«المقاومة» ضد الأميركيين، وهي استهدفت مواقع لقواتهم في محيط مسجد أبو حنيفة النعمان بالأعظمية، وأنه كاد يشارك شخصياً في الهجوم لكن مرافقيه منعوه خوفاً عليه. وذكر أن صدام غادر بغداد إلى هيت، ومنها إلى الفلوجة، حيث عقد اجتماعاً أمنياً بحضور نجله قصي دعا خلاله إلى نصب كمائن للقوات الأميركية «كي يعرفوا أن العراق لقمة صعبة». وزاد أن صدام توجّه في اليوم التالي إلى بغداد، والتقى في مقر بديل بمنطقة الدورة محاسبي ديوان الرئاسة، وحصل منهم على مبلغ مليون و250 ألف دولار، ووقّع على ورقة تقول إن الهدف من القرض «إدامة عمليات للمقاومة ضد الاحتلال الأميركي وعليّ اعادتها في أقرب الأجلين». وأكد أن صدام تحدث في لقاء بغداد في يوليو محذراً من «أن سقوط العراق سيعني امتداد نفوذ إيران حتى المغرب».

إسقاط تمثال صدام في بغداد عام 2003 (أ.ف.ب)

علّمنا أساتذة المهنة أن نستقبل الروايات بالقدر الضروري من التحفظ، وأن نبحث عن المزيد منها. التقيت أيضاً رجلاً عمل في القصر إلى جانب صدام وسألته عن انطباعاته. انتقد الرجل قرار غزو الكويت، معتبراً أنه قصم ظهر العراق، لكنه حرص على الإشارة إلى «نزاهة صدام الذي ادعى الإعلام أنه كدّس المليارات في حسابات سرية في الخارج أو في مقراته. الفساد الحقيقي حصل بعد سقوط النظام، وأنتم نشرتم على لسان مسؤولين أن الأموال الضائعة هي في حدود 500 مليار دولار». قال الرجل الذي عاش مع صدام الشاب في منزل واحد أيام العمل السري: «تستطيع القول إنه قاسٍ أو مفرط في القسوة، لكنه كان يعدُّ نهب المال العام نوعاً من الخيانة». حرص أيضاً على القول إن صدّام كان يدير قسماً من المقاومة ضد الاحتلال الأميركي.

صدام... لا ندم أو انكسار

كان صدّام قابعاً في سجنه في قبضة الجنود الأميركيين. أبلغ الأميركيون عدداً من السياسيين أن باستطاعتهم زيارة سيّد بغداد السابق ورؤيته في المعتقل. ذات يوم فوجئ صدام بزيارة له قام بها عدد من معارضيه وأعدائه. عدنان الباجه جي وعادل عبد المهدي وهوشيار زيباري وأحمد الجلبي وموفق الربيعي، الذي سيشرف لاحقاً على عملية إعدامه. قال لي الجلبي لاحقاً إنه ذهب لرؤية ما كان يصعب تصوّر حدوثه، مضيفاً أن المشهد كان يستحيل حدوثه لولا التدخل العسكري الأميركي. اعترف أيضاً أن صدام لم يُظهر ندماً أو انكساراً، وحين استخدم الربيعي ألفاظاً خشنة في التحدث إليه، ردّ عليه بعبارات قاسية ومهينة.

صدام حسين خلال محاكمته (غيتي)

كان باستطاعة عضو مجلس الحكم ورئيس الوزراء لاحقاً إياد علاوي أن يذهب لزيارة أكبر معتقل في تاريخ العراق الحديث. كان باستطاعته أيضاً أن يرشق صاحب الفأس التي أدمته بنظرة احتقار أو شتيمة. لم يفعل. قال إن اثنين امتنعا عن هذه الزيارة:

امتنعت عن الذهاب لأن الشماتة ليست من عاداتنا، خصوصاً حين يكون خصمك في وضع لا يسمح له بالرد عليك. ثم إن صدام، وعلى رغم كل ما فعله بالبلاد وبي شخصياً، كان رئيساً للعراق ولم أرغب في رؤية رئيس العراق أسيراً في سجن أميركي. يُضاف إلى ذلك أننا كنا نحلم بتأسيس العراق الجديد على قاعدة العدالة لا على قاعدة الثأر. الرجل الثاني الذي رفض مشاهدة صدام في المعتقل هو مسعود بارزاني، الذي خاض ضده مواجهات طويلة ودفع آلاف الضحايا من عشيرته وشعبه وعائلته المباشرة. وكان بارزاني قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يذهب لرؤية صدام معتقلاً «لأن الشماتة ليست من شيم الرجال».

يعتقد سياسيون عراقيون، وبينهم علاوي، إن طريقة إعدام صدّام فجر عيد الأضحى كانت خطأ حقق له ما كان يرمي إليه من مكابرة أظهرها لحظة الإعدام. فقبيل التفاف الحبل حول عنقه، نظر صدام إلى الربيعي وقال له: «هذا الحبل للرجال هذا الحبل للرجال». وكان صدام استقبل قرار المحكمة بإعدامه بشعارات من نوع «الموت للفرس» و«الموت لإسرائيل».

كان علاوي مؤيداً لمحاكمة صدام وإنزال العقوبة اللازمة بحقه. وها هو يروي.

شعرت يوم إعدام صدام بألم كبير. كنت اقترحت على الأميركيين أن يتم إجراء حوار مع الرجل علّه يروي لنا قصة العراق في السنوات الطويلة التي كان فيها صاحب القرار فيه. كنت أريد أن يعرف العراقيون ماذا حدث بلسان الرجل نفسه. لماذا حارب إيران، وما هي ملابسات الحرب؟ ولماذا غزا الكويت وكيف اتخذ القرار؟ لماذا أعدم وجبات كبيرة من المواطنين المعارضين ومن البعثيين أيضاً؟ ولماذا شنّ الحروب الفظيعة على الأكراد؟ ولماذا اغتال معارضين في الخارج أو حاول اغتيالهم وأنا بينهم؟ كنت أريده أن يروي وما كان لروايته أن تمنع محاكمته. كان من شأن رواية من هذا النوع أن تكشف الحقائق وتظهر المسؤوليات وتدفع الذين أعجبوا بصدام إلى التفكير في ثمار أعماله. للأسف، لم يحصل ذلك. توقيت الإعدام ساهم أيضاً في تعاطف عراقييين معه. هل كان ضرورياً إعدامه فجر يوم العيد؟ أضيفت إلى مشاهد الإعدام قصة أخرى حذّرنا منها مراراً. طلبنا أن يعالج موضوع ما سمّوه اجتثاث البعث على يد القضاء، لا أن يتحول إلى أداة سياسية لتصفية الحسابات واستبعاد أناس أو تهميشهم. للأسف، لم يتم الاستماع إلى نصائحنا. هذه المسائل جعلت قسماً من الناس يحتفظون بمشاعر التعاطف مع صدّام، وهو أمر لا يمكن انكاره. مفهوم أن يعاقب من تلطخت يداه بالدماء لكنك لا يجوز أن تعاقب الناس لأنهم يؤيدون فكرة ما.

حل الجيش واجتثاث البعث

انتقلت مع علاوي إلى موضوع آخر لا يقل حساسية عن السابق. هناك جدل لا يتوقف حول سلوك صدام حسين بعد سقوط نظامه، وفي الفترة التي تفصل عن موعد تمكّن القوات الأميركية من إلقاء القبض عليه. هل هناك صحة للأنباء التي تقول إنه اختار طريق المقاومة ونظّم مجموعات وأوكل إليها مهمات بينها نصب كمائن للأميركيين؟ يميل عدد من أعداء الرجل إلى عدم التصديق وربما يريدون شطب هذا الجانب من صورته كي لا يبقى منها إلا صورة مُشعل الحروب ومُرتكب المجازر ومُعمم ممارسات القهر والقمع. وسألت نفسي هل يستطيع رجل كإياد علاوي لا يزال يحمل في جسده أوجاع «فأس» النظام العراقي أن يكون موضوعياً في الإجابة ويعترف بأن الرجل لم يكن مجرد فار يبحث عن سلامته حين اضطر إلى مغادرة بغداد تحت وطأة الآلة العسكرية الأميركية.

سألت علاوي عن المقاومة والإرهاب وتركته يروي.

أدى حل الجيش العراقي وتفكيك الدولة العراقية وإجراءات اجتثاث البعث إلى دفع آلاف العسكريين والموظفين والحزبيين إلى المجهول. من المعروف أن الإرهاب والإرهابيين حاولوا التستر بالمقاومة وكان تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي يهدفون إلى إيجاد شرخ أو أكثر في المجتمع العراقي. لم يجدوا أفضل من تعزيز النهج الطائفي بالقتل والتفجيرات والاغتيالات وإلقاء التهم تارة على الشيعة، وتارة أخرى على السنّة. هذا ديدن الإرهاب بأن يعمل في بيئة تقوم على الفوضى وأن تتحول البيئة بالتالي إلى حاضنة للإرهاب وليست بيئة طاردة له، لذا كان الإرهابيون يتشدقون بمقاومة الاحتلال ليضفوا الشرعية على إرهابهم بوصفه مقاومة.

كما استفاد الإرهاب كثيراً من اجتثاث البعث، ليس بتجنيد بعثيين وإنما بعزل ما لا يقل عن خمسة ملايين من البعثيين وعوائلهم واجتثاثهم من الحياة السياسية والمهنية وقطع أرزاقهم، مثلما استفاد الإرهاب من حل الأجهزة الأمنية والجيش العراقي. هذه كلها كانت هدايا من الاحتلال إلى الإرهاب الذي وجد البيئة المناسبة لنفث سمومه في العراق والعمل على تدمير نسيجه الاجتماعي.

كان عمل المقاومة يتصاعد والأعمال الإرهابية كذلك، والحصيلة تدفق الدم العراقي بغزارة، فقررت أن التقي بعض عناصر المقاومة. جرى ذلك عندما كنت في رئاسة مجلس الحكم وقبل أن أكلّف برئاسة الوزراء. أوصلت إليهم طلبي عن طريق بعض الأصدقاء، وكان بعض الذين التقيت بهم من أهل الفلوجة الكرام. طلبت منهم التوقف عن أي نشاط مقاوم كي لا تتم شرعنة العمل الإرهابي تحت يافطة المقاومة. تكلمت في هذا مع الإخوة من الفلوجة، الذين تربطني ببعضهم علاقات ووشائج تاريخية. فهموا قصدي وقالوا لي إن الزرقاوي بنى مؤسسات وأنفاقاً وأجهزة اتصالات واسعة في الفلوجة وبعض مناطق العراق الأخرى. أخبروني أيضاً أن أهل الأنبار والفلوجة أصابهم الضرر من الاحتلال فمئات الآلاف منهم ومن غيرهم قد تم اجتثاثهم أو تسريحهم بعد حل الجيش والأجهزة الأمنية.

شرحت ذلك لرئاسة مجلس الحكم، وكذلك للجانبين الأميركي والبريطاني من سلطات الاحتلال، لكن للأسف لم تكن هناك استجابة. كانت إجراءات الاجتثاث تنفذ على نحو مسيّس وبأسلوب عشوائي وليس بالقانون وعن طريق القضاء، لذا كانت نتائجها ضارة جداً بالبلاد. أدى ذلك إلى بقاء نسبة عالية جداً تمتاز بالكفاءة والمهنية من أبناء الشعب خارج إطارات العملية السياسية والسلطة مرفوضين ومهمشين ومعاقبين، مما أضعف العملية السياسية كثيراً. وقد طالت هذه العملية في معظمها معارضين لنظام الحكم الذي قاده صدام وجلّهم كان من الخارج.

اعتقال صدام

عاودت السؤال عن صدام وتحديداً عن علاقته بالمقاومة، فتابع.

كنت في زيارة إلى لندن وبلغني نبأ اعتقال صدام حسين. لم أفاجأ. هو ليس من النوع الذي يهرب، بل يواجه، وهو كان يقود المقاومة. ذكرت لك أنني اجتمعت ببعض أفراد المقاومة في بستان بأبو غريب. قلت لمجموعة منهم: «عيب عليكم أن تصبحوا في يد الزرقاوي وأنتم أبناء عشائر مهمة وعسكريين مهمين؟ لماذا سلّمتم أموركم إلى الزرقاوي وأصبحتم إرهابيين». أجابوا: «نحن لسنا إرهابيين، نحن ضد الأميركيين». قلت لهم: «نحن لا نقول لكم إننا مع الأميركيين وأنا شخصياً دخلت العراق مع عشائر الأنبار ولم أدخل مع الأميركيين ولم أركب دبابة أميركية ولا طائرة أميركية. نحن ضد الحرب وضد الاحتلال. مواقفنا واضحة من هذه القضية». في الحقيقة، كانوا كلهم يحبون صدام ويقاومون عن محبة جدية، وإلى الآن يحبونه. تسألني لماذا بقيت هناك شعبية لصدام في بعض الأوساط على رغم كل ما فعل. السبب الرئيسي لهذه الشعبية هو سوء تصرّف الحكام الحاليين. حكيت لك عن أسلوب تطبيق قرار الاجتثاث، والمشاعر ضد الاحتلال ويمكن أن نضيف ما ظهر من حساسية سنية - شيعية.

كان لا بد من سؤال علاوي أيضاً عن علاقة صدام بالمال العام. زاد رغبتي في طرح السؤال ما سمعته في بغداد، وفيه أن الزعيم عبد الكريم قاسم مات فقيراً لا يملك شقة. وأن رفيقه وعدوه عبد السلام عارف لم يُتهم أبداً بالفساد. ويصدق ذلك على وريثه وشقيقه عبد الرحمن عارف. هل كان صدام شغوفاً بالمال والأملاك؟

قبل الغزو الأميركي للعراق، كتب الكثير في الإعلام العالمي ومعه العربي عن الثروات المذهلة التي يمتلكها صدام. تحدثت بعض السيناريوهات عن مليارات الدولارات التي أودعها بأسماء مستعارة في مصارف بعيدة. قيل أيضاً إنه يكدّس في قصوره كميات ضخمة من العملات، فضلاً عن الذهب. وضاعف هذا الاعتقاد شعور العالم بأن صدام كان الآمر الناهي، فلا الحكومة تجرؤ على الكلام ولا البرلمان يجرؤ على رفع سبابته. حُكي أيضاً عن ثروات راكمها نجله عدي. وانتظر كثيرون أن ينجح الجنود الأميركيون الذين داهموا قصور صدام ومقرات إقامته في الكشف عن الثروات المذهلة. لم يحدث شيء من هذا النوع. وساد اعتقاد أن صدام الذي بدد ثروات العراق في حروب الخارج والداخل لا بد أن يكون اشترى مساحات واسعة من الأرض أو وضع يده عليها.

كان من الطبيعي أن تسعى المعارضة العراقية بعد تسلمها الحكم إلى فتح دفاتر صدّام المالية. سألت علاوي فأجاب: «بعد سقوط صدام حسين أجرينا تحقيقات ولم نجد عليه شيئاً (في الموضوع المالي). لم نعثر على عقار مسجل باسمه. كل شيء مسجّل باسم الحكومة العراقية ووزارة الخارجية ومجلس قيادة الثورة».

سألته ألم تعثروا مثلاً على أموال فرد: «أبداً أبداً. حتى طائرته الخاصة كانت مسجلة في شركة تملكها مجموعة من المخابرات العراقية. أقصد الطائرة الخاصة القادرة على الطيران لمسافات بعيدة».

كررت السؤال عن العقارات فأجاب: «لم نعثر على أي شيء باسمه». سألته إن كان ذلك يعني أنه لم يكن يحبّ المال، فأجاب: «لم يكن يحب المال ولم يكن يبحث عنه. كان يبحث عن السلطة والنفوذ والقوة. هذا هو صدام. لا يبحث عن المال والحرام. هذه الأمور لم يفعلها... كان صدّام محافظاً على الصعيد الشخصي. كان محافظاً جداً. وكانت العلاقة به قوية منذ بدء معرفتي به وحتى موعد مغادرتي العراق. تصوّر أنه أصرّ على أن يذيع شخصياً نبأ وفاة والدتي».

من هو إياد علاوي؟

إياد علاوي (إ.ب.أ)

> ولد إياد هاشم حسين علاوي ببغداد في 30 مايو (أيار) 1944.
> انتمى إلى حزب البعث وهو في الرابعة عشرة من عمره.
> تخرج في كلية الطب ببغداد في 1970 وتابع لاحقاً تخصصه في بريطانيا.
> عمل لبعض الوقت بمنظمة الأمم المتحدة في 1980.
> عمل في الحقل التجاري والأعمال الحرة من 1981 إلى 2003.
> شكل تنظيماً سياسياً معارضاً للنظام الحاكم في العراق عام 1975، وسمي التنظيم لاحقاً حركة الوفاق الوطني العراقي.
> تعرض لمحاولة اغتيال في 1978 وخضع بسببها لسلسلة من العمليات الجراحية.
> عاد إلى بغداد في 2003.
> أصبح عضواً في مجلس الحكم وانتخب في رئاسته بعد تشكيله عام 2003.
> انتخبه مجلس الحكم بالإجماع أول رئيس لوزراء العراق في العهد الجديد، بعد سقوط نظام صدام حسين، وبكامل السلطات التشريعية والتنفيذية.
> ترأس الوزارة من يونيو (حزيران) 2004 إلى مايو (أيار) 2005.
> متزوج من الدكتورة ثناء حميد الحصونة ولهما 3 أولاد؛ هم سارة ونجاة وحمزة.

القذافي وعلي عبد الله صالح... وحبل صدام

صدام وحبل المشنقة (أ.ف.ب)

شاهد أهل الشرق الأوسط بذهول التفاف حبل المشنقة حول عنق الرئيس صدام حسين في بغداد، التي كانت تقيم تحت وطأة الدبابات الأميركية. استوقف المشهد على نحو خاص زعيمين من مدرستين وأسلوبين.
لم يخف الرئيس علي عبد الله صالح، أمام الصحافي الزائر، استغرابه انتزاع أميركا حق محاكمة الآخرين وصولاً إلى إعدامهم. استهجن حقها في نبش التواريخ وإصدار شهادات حسن السلوك بدل ترك الدول ورموزها لإرادة شعوبها. لم يتردد في أن يطلق علانية عبارة «حين يحلق جارك عليك أن تبلّ ذقنك»، أي أن تستعد للحلاقة. شعر أن الحلاّق الأميركي قد ينقل تجربة الحلاقة إلى خرائط أخرى. لم تكن حساباته دقيقة. ستأتيه الطعنة القاتلة من الذين أدمنوا هجاء «الشيطان الأكبر».

علي عبد الله صالح (أ.ب)

الرجل الآخر هو معمر القذافي. وصول الطائرات الأميركية إلى غرفة نومه في 1986 أصابه بالخوف. لم تعد محاولات إضرام النار في الرداء الأميركي سهلة. لهذه الإمبراطورية ذاكرة لا تنسى ويد صارمة وطويلة. حين شاهد القذافي إعدام صدام انتقل من الخوف إلى الهلع.
أمام المشاركين في القمة العربية في دمشق جاهر بمخاوفه. قال: «سيأتي الدور عليكم وستتم محاكمتكم». أدرك أن باستطاعة أميركا أن تقتلع نظاماً معادياً لها من جذوره.
سألت أمين المراسم العامة نوري المسماري، وهو كان ظل الزعيم الليبي في الخيمة وخارجها، إن كان القذافي يكره صدام، فأجاب: «كان يكرهه في شكل غريب. كان يشتمه وينعته بالغبي، ويقول عنه إنه إنسان تافه متهور. قد يرجع ذلك إلى أن صدام أيضاً كان صاحب سلوك يوحي بالاستعلاء. ثم إن صدام لم يكن في وارد الاعتراف للقذافي بدور وزعامة. دعم القذافي أخصام صدام في العراق فردّ صدام بدعم خصوم القذافي في تشاد. كانت العداوة بين الرجلين شديدة».

معمر القذافي.. قتله معارضوه الليبيون مع "لمسة أطلسية" (غيتي)

أضاف المسماري: «قبل الغزو الأميركي في 2003 استقبل القذافي مبعوثاً أوفده صدام. قال للمبعوث إنه لا يرى أن الأمور ستمر على خير. أعرب عن استعداده لاستضافة صدام في ليبيا إذا كان ذلك يجنّب العراق ويلات الحرب. وقال إن صدام يستطيع اختيار مكان آخر إذا كان غير راغب في المجيء إلى ليبيا. طبعاً، لم يكن صدام في وارد المغادرة ولا يتخيل المرء أن يأتي ويقيم في ليبيا، التي ساندت معارضيه وقدّمت أسلحة إلى إيران خلال حربها مع العراق. المبعوث العراقي أكد أن الاستعدادات لجبه العدوان عالية ومثلها المعنويات، لكن القذافي لم يكن مقتنعاً».
طرحت السؤال نفسه على «الرجل الثاني» عبد السلام جلود فأجاب: «كان من الصعب جداً قيام علاقة بينهما حتى ولو كانا في النهاية من عقلية الاستبداد نفسها. مواصفات الرجلين لا تسهّل قيام علاقة بينهما. الحقيقة أن معمر لم يرتح إلى صدام منذ البداية. الحقيقة أيضاً أن تصرّف كل منهما مقزز. انظر ماذا فعل صدام بالعراق وماذا فعل الطاغية بليبيا».
سألته عن حرص كل من الرجلين على تقديم نفسه كاتباً أيضاً فقال: «لا مجال للمقارنة. القذافي قرأ أكثر من صدام. كلاهما قاسٍ. القذافي طاغية من الطراز الأول وفرض على الليبيين النفاق بالقوة. الليبيون جائعون ويقولون الحمد لله نحن شبعانون بالقوة».
ما أقسى الأيام حين تتغير. يكون لقبك القائد ثم يسميك رفيق دربك «الطاغية».
لم يلتف الحبل على عنق القذافي. تعرّض لما هو أدهى. جاءته الطعنة على أيد ليبية من دون أن ننسى دور اللمسة الأطلسية في إسقاط نظامه.


مقالات ذات صلة

العراقيون منقسمون حول انتخابات الرئاسة الأميركية

خاص لاجئ عراقي وصل إلى أميركا في 2010 يرتدي قميصاً كتب عليه: «لاجئون عرب من أجل ترمب» (رويترز)

العراقيون منقسمون حول انتخابات الرئاسة الأميركية

العراق منقسم حول الموقف من ترمب وهاريس... والصدر يغرد خارج السرب.

فاضل النشمي (بغداد)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله ثابت العباسي وزير الدفاع العراقي في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)

السعودية والعراق يعززان التعاون العسكري

أبرمت السعودية والعراق، الاثنين، مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري، وذلك خلال استقبال الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، نظيره العراقي ثابت العباسي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي وزير الداخلية الإيراني إسكندر مؤمني يترأس اجتماعاً مشتركاً مع نظيره العراقي عبد الأمير الشمري في طهران اليوم (تسنيم)

وزير الداخلية العراقي بطهران في مهمة «غامضة»

وصل وزير الداخلية العراقي إلى طهران، وسط تكهنات بأنه يحمل رسالة خاصة، لبحث «عدم زج العراق في الصراع الإسرائيلي مع غزة ولبنان»، وفقاً لمصادر مطلعة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي صورة نشرها مكتب السيستاني من استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد لدى العراق العماني محمد الحسان (أ.ف.ب)

السيستاني يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة ورفض التدخلات الخارجية

حدد المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، 7 عوامل لتحقيق «استقرار العراق»، خلال لقائه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
العالم العربي السيستاني خلال استقبله اليوم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان والوفد المرافق معه (واع)

السيستاني: يجب منع التدخلات الخارجية في العراق وحصر السلاح بيد الدولة

قال المرجع الشيعي بالعراق علي السيستاني، اليوم الاثنين، إنه يجب منع التدخلات الخارجية بمختلف صورها وحصر السلاح في يد الدولة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

لبنانيون يعودون إلى الضاحية... مع حقائب موضبة للرحيل السريع

مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

لبنانيون يعودون إلى الضاحية... مع حقائب موضبة للرحيل السريع

مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

تعيش ن. حمود وعائلتها على وقع الإنذارات التي تطلقها إسرائيل إلى سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، بعدما قرّرت العودة إلى منزلها في منطقة الغبيري التي تتعرض للقصف الإسرائيلي بين الحين والآخر، «نفضّل أن نموت في بيتنا ولا نتعرض للذل خارجه».

بهذه الكلمات تعبّر الفتاة العشرينية عن وضعها ووضع عائلاتها التي باتت حياتها وحياة من قرّر العودة إلى الضاحية رغم الخطر، مبرمجة على وقع حساب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي اعتاد أن ينذر الضاحية عبر منصة «إكس»، ويحدد الأبنية المستهدفة قبل قصفها بوقت قصير، مؤكدة أن هناك الكثير من العائلات التي أجبرتها الظروف على اتخاذ هذا القرار بحيث تهرب بعد الإنذارات ومن ثم تعود إلى منازلها.

وإذا كان البعض عاد إلى الضاحية لأسباب مرتبطة بالأوضاع المادية، وعدم القدرة على دفع بدل الإيجار المرتفع أو توفر مكان آمن له، فإن عائلة حمود عادت «لأسباب مرتبطة بالتضييق علينا ولا سيما على إخوتي الشباب، في المنطقة التي لجأنا إليها، في جبل لبنان حيث باتوا يدققون في هوية الأشخاص الذين يأتون إلينا، كما عند خروج إخوتي ودخولهم».

وأتى هذا التضييق بعد التفجيرات التي استهدفت أشخاصاً محسوبين على «حزب الله» في مناطق خارج الضاحية والجنوب والبقاع، والتي تعدّ في معظمها مناطق آمنة، وهو ما أدى إلى حالة من القلق والخوف في أوساط المجتمعات المضيفة انعكست سلباً على وجود النازحين.

وفي ظل هذا الواقع، وبعد شهر على إقامة عائلة حمود في منزل مستأجر في جبل لبنان، قررت العودة إلى الضاحية التي يسود فيها الهدوء الحذر في الأيام الأخيرة، بعدما كانت قد تعرضت للقصف قبل خمسة أيام.

تتحدث نور عبر الهاتف وصوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لا يغادر أجواء الضاحية، وتقول: «عدنا قبل عشرة أيام. نظفنا منزلنا بعدما أحضرنا ما تيسّر من السوق؛ كي لا نضطر للدخول والخروج كثيراً، وجهّزنا حقائب صغيرة تحتوي على بعض الأغراض الأساسية، وننتظر الإنذارات الإسرائيلية كي نخرج من الضاحية». المكان الآمن بالنسبة إلى نور وعائلتها اليوم بات شاطئ البحر، «بعد الإنذارات الإسرائيلية نذهب إلى الشاطئ، ننتظر انتهاء القصف، ومن ثم نعود إلى بيتنا على أمل أن يبقى صامداً ليبقى ملجأنا».

وعند سؤال نور عن الشعور بالخوف الذي يعيشونه اليوم في منطقة باتت شبه مدمرة وهدفاً دائماً للقصف الإسرائيلي، تقول: «نحن شعب لا نخاف، نؤمن أنه من الأفضل أن نموت في بيوتنا ولا نتعرض للذل... وما كتب لنا سيحصل... إما أن ننتصر ونحن على يقين بذلك، وإما أن تنتهي الحرب ونكون من الشهداء».

وبانتظار توقف آلة الحرب وانكشاف الصورة الحقيقية للحرب المدمرة، تشير التقديرات وفق الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، إلى أن هناك 240 مبنى مدمراً في الضاحية الجنوبية لبيروت، و360 مبنى تعرضت لدمار جزئي أي نحو 12 ألف وحدة سكنية، كعدد إجمالي، وهي تتوزع بشكل أساسي بين حارة حريك والليلكي والجاموس والغبيري.

وإذا كانت عائلة حمود قادرة على دفع إيجار منزل، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون قدرة الكثير من العائلات على إيجاد أماكن آمنة للجوء إليها، أدت أيضاً إلى عودة بعض العائلات، فيما تفكّر عائلات أخرى بالعودة كذلك إذا لم تجد مأوى.

وهذا ما تعبّر عنه، أم محمد، التي طلب منها وعدد من العائلات الخروج من مدرسة في بيروت كانت قد لجأت إليها مع عائلتها، بعدما اتُّخذ قرار بإعادة فتح المدارس للتعليم، وطلب منهم المغادرة يوم الخميس كحد أقصى. وفي حين تؤكد أن مدير المدرسة الخاصة الذي استقبلهم في منطقة عين الرمانة، منذ بدء الحرب قام بكل ما يلزم لمساعدتهم وقدم لهم كل التسهيلات اللازمة، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لكن اليوم اتخذ القرار وفرضت علينا المغادرة، والمشكلة أننا لا نجد مكاناً نذهب إليه، وإذا بقي الوضع كذلك، فسنعود أنا وولدي وزوجي المريض إلى الشياح، في ضاحية بيروت الجنوبية، كما فعل الكثير من العائلات».

مواطن وعائلته على متن «توك توك» في ضاحية بيروت الجنوبية بعد وقت قصير من تعرضها لقصف إسرائيلي في بداية شهر نوفمبر (أ.ب)

والأسباب نفسها، جعلت من فاطمة تتخذ قرار العودة أيضاً إلى الضاحية الجنوبية، مع أطفالها الثلاثة، رغم خطر القصف الدائم، وذلك بعدما ضاق البيت الذي كانت تسكن فيه مع أقارب لها بسكانه، ونشأت الخلافات فيما بينهم، فما كان لها إلا حمل أغراضها والعودة إلى منزلها وما تبقى من المنطقة التي نشأ أولادها فيها، «على أمل أن ينتهي هذا الكابوس قريباً».

أما من لا يزال صامداً في أماكن النزوح التي لجأ إليها، وبقيت جدران منزله في الضاحية بعيدة عن القصف، فهو يزورها بين اليوم والآخر في فترة الهدوء، ليطمئن عليه ويحمل ما تيسّر له من الأغراض له ولعائلته، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء والمؤشرات التي تجعل الجميع شبه مقتنع أن أيام الحرب ستكون طويلة.

مع العلم أن معظم سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، يتحدرون من منطقتي الجنوب والبقاع، اللتين تتعرضان بدورهما إلى قصف إسرائيلي متواصل وتدمير ممنهج، ما يمنع العودة إليهما أيضاً، وهو ما عاد وحذّر منه أدرعي، الثلاثاء، متوجهاً إلى أهالي الجنوب مذكراً إياهم بأن الحرب لا تزال مستمرة: «نناشدكم بالامتناع عن السفر جنوباً والعودة إلى منازلكم أو إلى حقول الزيتون الخاصة بكم».

مناصر لـ«حزب الله» يجول بين ركام ناتج من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية (أ.ب)