ملف النزوح السوري في «الثلاجة» اللبنانية

الأولوية لوقف الهجرة المعاكسة إلى لبنان

TT

ملف النزوح السوري في «الثلاجة» اللبنانية

عائلات سورية تتجمع قرب شاحنات في بلدة عرسال في منطقة البقاع تمهيداً للعودة أكتوبر الماضي (أ.ب)
عائلات سورية تتجمع قرب شاحنات في بلدة عرسال في منطقة البقاع تمهيداً للعودة أكتوبر الماضي (أ.ب)

أعيد ملف عودة النازحين السوريين إلى مدنهم وقراهم إلى «ثلاجة» الانتظار اللبنانية، ليس بسبب تعذّر تشكيل الوفد الوزاري اللبناني للتفاوض مع السلطات السورية للاتفاق على جدول زمني لإعادتهم، وإنما لأن النظام في سورية يربط عودتهم بمبادرة التحالف الدولي إلى إعادة إعمار ما تهدّم، بذريعة أنه كان وراء الدمار الذي لحق بسورية.

وهذا ما تبلّغه لبنان بصورة غير رسمية من الجانب السوري، بصرف النظر عن إلحاح عدد من الوزراء في حكومة تصريف الأعمال (برئاسة نجيب ميقاتي) على تشكيل وفد توكل إليه مهمة التواصل مع نظرائهم السوريين لترتيب عودة آمنة وطوعية للنازحين.

ولا يعود سبب تعذّر عودة النازحين السوريين إلى اتساع رقعة الاحتجاجات في جنوب سورية، وتحديداً في محافظة السويداء التي يطالب المشاركون فيها بتغيير النظام في سورية، محمّلين إياه مسؤولية تفاقم أوضاعهم المعيشية والاجتماعية، بمقدار ما أنه يكمن في أن اللجنة الوزارية العربية التي شُكّلت لتطبيع العلاقات العربية - السورية، بعد عودة سورية إلى الجامعة العربية، اصطدمت بحائط مسدود في مفاوضاتها مع دمشق على خلفية عدم تجاوبها مع ما نصّت عليه خريطة الطريق الموضوعة عربياً لتنقيتها من الشوائب التي أصابتها.

وكشف مصدر دبلوماسي عربي لـ«الشرق الأوسط»، عن أن النظام في سوريا لم يبدِ أي تجاوب حيال مطالبة اللجنة الوزارية العربية بوجوب التقيُّد بجدول زمني لإعادة النازحين السوريين من البلدان العربية التي لجأوا إليها، والتعهُّد بوقف تصدير الكبتاغون وكل الممنوعات من سوريا إليها، والسير قدماً إلى الأمام بالحل السياسي، استجابة للقرارات الدولية في هذا الخصوص، انطلاقاً من التوافق على الخطوط السياسية العريضة ذات الصلة بالإعداد للدخول في المرحلة الانتقالية.

ولفت المصدر الدبلوماسي العربي إلى أن النظام في سوريا لم يحسن الإفادة من عودتها إلى الجامعة العربية، وهذا ما أعاق الانتقال إلى مرحلة تطبيع علاقاتها بالدول العربية. وسأل: ما الجدوى من إقفاله الأبواب أمام عودة النازحين من بلد كلبنان يرزح تحت أعباء لا قدرة لديه على توفير الحلول لها، وباتت تُنذر بإحداث تغيير في واقعه الديموغرافي يؤدي إلى الإخلال بالتوازن الطائفي، إضافة إلى امتناعه عن ترسيم الحدود بين البلدين؟

ورأى أن عدم تجاوبه مع عودة النازحين يشكل إحراجاً لحلفائه في لبنان بعد أن تصدّر وزير المهجرين عصام شرف الدين المحسوب على محور الممانعة الدعوة إلى عودتهم، لكنه سرعان ما لاذ بالصمت وغاب كلياً عن السمع لتفادي الإحراج الذي أوقع نفسه فيه؛ كونه لم يكن ملماً بموقف دمشق من عودتهم.

وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين (يسار) خلال زيارته الأخيرة لدمشق مع وزير الإدارة المحلية السوري حسين مخلوف المكلف ملف النازحين (الوكالة الوطنية)

فالوزير شرف الدين حاول تحميل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومن خلالها المجتمع الدولي، مسؤولية عدم التعاون لتأمين عودة النازحين، مع أنه يدرك سلفاً أن النظام في سوريا يواجه مشكلة في تأمين الحد الأدنى من احتياجات السواد الأعظم من السوريين بداخل بلداتهم، فكيف سيكون عليه الوضع في حال قرر الاستجابة لطلب الحكومة اللبنانية بالتفاهم على جدول زمني لإعادتهم، ليس لأنهم يشكلون عبئاً ثقيلاً على الوضع الداخلي فحسب، وإنما لارتفاع منسوب التفلُّت الأمني وعدم قدرة السجون والنظارات التابعة لقوى الأمن الداخلي على استيعاب العدد الأكبر من الموقوفين السوريين ممن ارتكبوا جرائم وجنحاً ومخالفات يعاقب عليها القانون اللبناني؟

لذلك؛ فإن تراجع الآمال المعقودة على تجاوب النظام مع عودة النازحين بات يستدعي اتخاذ الإجراءات والتدابير المشددة لمنع الهجرة المعاكسة من سورية إلى لبنان تحت وطأة تفاقم الأزمة المعيشية والاجتماعية بحثاً عن مكان آمن يتيح للنازحين الجدد تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية بأن الجيش اللبناني بادر إلى تعزيز تواجده على طول الحدود اللبنانية - السورية التي تقدّر بأكثر من 350 كيلومتراً لمكافحة التهريب وضبط الحدود، وتحديداً المعابر غير الشرعية لمنع الدخول خلسة من سورية إلى لبنان.

وأكدت المصادر الأمنية أن الأفواج العسكرية المكلّفة حماية الحدود البرية أوقفت المئات من السوريين لدى محاولتهم العبور إلى الداخل اللبناني عبر المعابر غير الشرعية. وقالت: إن المنطقة الحدودية مليئة بالتضاريس التي يصعب السيطرة عليها في ظل انعدام التعاون اللبناني - السوري الذي من دونه لا يمكن ضبط هذه المعابر.

وعليه، فإن ملف النازحين إلى مزيد من التعقيد، ما يحول دون الدخول في تطبيع جدي للعلاقات اللبنانية - السورية؛ وهذا ما يضع الإحراج في خانة محور الممانعة الذي سعى إعلامياً لتأمين عودة النازحين، رغم أنه يدرك سلفاً بأن العقبة أمام عودتهم هي في دمشق وليست في مكان آخر، فكيف سيكون عليه الوضع في حال أن الحكومة اللبنانية لم تتشدد في ضبط الحدود لمنع الهجرة المعاكسة لاضطرار المزيد من السوريين إلى سلوك دروب غير شرعية للتسلل على لبنان بحثاً عن لقمة العيش.

ويبقى السؤال: إلى متى يتحمل لبنان الجريح هذا الكم من الأعباء المترتبة على انسداد الأفق السياسي أمام إيجاد حل لعودة النازحين السوريين لقطع الطريق على كل ما يهدد النسيج اللبناني القائم على التوازن ويرفع من منسوب الجرائم وحوادث الإخلال بالأمن بامتناع السلطات السورية عن استردادها لأكثر من ألفين من مواطنيها بين محكوم وموقوف للتخفيف من الاكتظاظ في السجون والنظارات اللبنانية!


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يهرب من الضغوط علي «القرض الحسن» بإنشاء مؤسسات جديدة

خاص أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ب)

«حزب الله» يهرب من الضغوط علي «القرض الحسن» بإنشاء مؤسسات جديدة

بدأت مؤسسة «القرض الحسن» الذراع المالية لـ«حزب الله» في لبنان بخطة تحويل جزء من خدماتها نحو مؤسسة تجارية كجزء من «سياسة تموضع قانوني» في ظل الضغوط لإغلاقها

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي عائلات أسرى لبنانيين لدى إسرائيل يعتصمون في وسط بيروت (إ.ب.أ)

توثيق 23 أسيراً لبنانياً لدى إسرائيل

طالبت «هيئة ممثلي الأسرى والمحررين اللبنانيين»، الدولة اللبنانية بتحريك ملف الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل، ووضعه في صدارة الأولويات

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع (القوات اللبنانية)

جعجع يتّهم بري بضرب المهل الدستورية للاستحقاقات اللبنانية

تفاقم الخلاف السياسي حول تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان، مع انتقال السجال من إطار تقني - إجرائي إلى مواجهة مفتوحة تمسّ جوهر العمل البرلماني.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل السفير المصري علاء موسى (الرئاسة اللبنانية)

مصر تستكمل مساعيها بزيارة رئيس وزرائها بيروت الأسبوع المقبل

تعمل مصر على محاولة تخفيف حدة التوتر، وتجنيب لبنان أي تطور عسكري إسرائيلي، ضمن مبادرة متواصلة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)

خاص لبنان: الانتخابات النيابية هل تتقدم على نزع سلاح «حزب الله»؟

يقف لبنان على بُعد خمسة أشهر من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2026، من دون أن تلوح في الأفق بوادر إيجابية تدعو للتفاؤل بأن إنجازها سيتم في موعده

محمد شقير (بيروت)

إسرائيل تغتال قيادياً بارزاً في «القسام»

فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)
فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)
TT

إسرائيل تغتال قيادياً بارزاً في «القسام»

فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)
فلسطينيون يعاينون حطام سيارة استهدفتها ضربة إسرائيلية في مدينة غزة أمس (رويترز)

تواصل إسرائيل الاستفادةَ من التشوش الذي يحيط بخطة «سلام غزة»، بتحقيق مكاسب على الأرض، كما فعلت أمس، باغتيال القيادي في «كتائب القسام» رائد سعد، في غارة استهدفت مركبة، غرب مدينة غزة، أسفرت عن مقتل 5 أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين، وذلك في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع حركة «حماس» منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأكَّدت مصادرُ فلسطينية اغتيالَ سعد، إلى جانب رياض اللبان، رئيس جهاز الأمن وحماية الشخصيات في حكومة «حماس»، وكذلك 3 نشطاء بارزين آخرين.

وحسب قناة «12» العبرية، فإنَّه أُطلق على العملية اسم «العشاء الأخير».

من جهة أخرى، قال مسؤولون إسرائيليون إنَّ الإدارة الأميركية تخطِّط لأن يبدأ عمل القوة الدولية متعددة الجنسيات في القطاع اعتباراً من الشهر المقبل، من دون خطة واضحة بشأن سلاح «حماس»

وقالت هيئة البث الإسرائيلية (كان 11) إن ممثلي الإدارة الأميركية قدَّموا تفاصيل أولية عن الهيكلية المقترحة لإدارة المرحلة الانتقالية في غزة.


«حزب الله» يجزِّئ ذراعه المالية هرباً من العقوبات الدولية


أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

«حزب الله» يجزِّئ ذراعه المالية هرباً من العقوبات الدولية


أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
أحد مباني مؤسسة «القرض الحسن» في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

بدأ «حزب الله» بتجزئة ذراعه المالية «مؤسسة القرض الحسن» هرباً من العقوبات والضغوط الدولية والمحلية لإغلاقها، وذلك عبر إنشاء مؤسسة معنية ببيع الذهب بالتقسيط، بديلاً عن رهن الذهب الذي كانت تعتمده «القرض الحسن»، وهو ما يُنظر إليه على أنَّه «سياسة تموضع قانوني».

وقالت مصادر مالية لـ«الشرق الأوسط» إنَّه من المستبعد أن يُرضي هذا الإجراء وزارة الخزانة الأميركية التي تطالب لبنان بإغلاق المؤسسة، ووضع حد للانفلات بالاقتصاد النقدي، مضيفةً أن «تغيير الشكل لن يُرضي الأميركيين، ما دام الأصل لا يزال قائماً».

في غضون ذلك، سُجّل اشتباك غير مباشر بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي في جنوب الليطاني بجنوب لبنان، حين أصدرت إسرائيل إنذار إخلاء لمبنى فتَّشه الجيش اللبناني صباحاً، فيما أسهمت الاتصالات في تجميد القصف «مؤقتاً» إلى حين تفتيشه مرة أخرى من الجيش الذي لم يعثر على أي أسلحة فيه.


تركيا: «قسد» تستقوي بإسرائيل ولم تتحرك يوماً ضد نظام الأسد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
TT

تركيا: «قسد» تستقوي بإسرائيل ولم تتحرك يوماً ضد نظام الأسد

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)

قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، اليوم السبت، إن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» تستمد جرأتها من إسرائيل، مشيراً إلى أنها لم تتحرك يوماً مع المعارضة ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

ونقلت وكالة «الأناضول» للأنباء عن فيدان قوله إن ما يجري في جنوب سوريا «ربما يشكل حالياً أكبر منطقة خطر بالنسبة لنا. فالمشكلة في الجنوب لا تكمن بحد ذاتها في حجمها، بل في تحوّل إسرائيل إلى طرف متدخل، ما يخلق منطقة خطر».

وأكد فيدان أن ملف إلقاء تنظيم حزب العمال الكردستاني للسلاح «يسير بشفافية عالية وبشكل جيد جداً من جانب تركيا... لكن لا نسمع أي جملة عما يعتزم التنظيم القيام به».

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية ذكي آق تورك، أمس الجمعة، إن بعض الدول تشجع قوات «قسد» على رفض إلقاء السلاح وعدم الاندماج في صفوف الجيش السوري، نافياً نية بلاده شن عملية عسكرية في سوريا.

وأكد المتحدث خلال مؤتمر صحافي في أنقرة أنه «لا جدوى من محاولات قسد لكسب الوقت ولا خيار آخر أمامها غير الاندماج بالجيش السوري»، مؤكداً أن أنشطة قوات سوريا الديمقراطية تضر بجهود تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا.

ونفى المتحدث ادعاءات بأن الجيش التركي يستعد لعملية عسكرية في سوريا، مؤكداً أن التحركات الأخيرة للجيش التركي كانت في إطار «عمليات تناوب اعتيادية للوحدات».

وأشار المتحدث إلى أن تركيا سبق أن أعربت عن تطلعها لاندماج «قسد» في الجيش السوري أفراداً، وشدد على أنه يجب متابعة تحركات «تنظيم قسد وأنشطة الجيش السوري».

كان الرئيس السوري أحمد الشرع وقع اتفاقاً مع مظلوم عبدي قائد «قسد» في العاشر من مارس (آذار) الماضي لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا لكن لم يتم التنفيذ حتى الآن.