استياء أردني من دمشق ومطالبات بوقف الحراك السياسي تجاه «سوريا غير المكترثة»

ارتفاع عمليات التسلل وإسقاط مسيّرة ثالثة من سوريا والمخدرات مستمرة

مؤتمر صحافي في دمشق لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونظيره الأردني أيمن الصفدي 3 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
مؤتمر صحافي في دمشق لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونظيره الأردني أيمن الصفدي 3 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

استياء أردني من دمشق ومطالبات بوقف الحراك السياسي تجاه «سوريا غير المكترثة»

مؤتمر صحافي في دمشق لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونظيره الأردني أيمن الصفدي 3 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
مؤتمر صحافي في دمشق لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونظيره الأردني أيمن الصفدي 3 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

أعلنت القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي)، الاثنين، إسقاط طائرة مسيّرة هي الثالثة القادمة من الأراضي السورية خلال الشهر الحالي، في حين أن عودة نشاط تهريب المخدرات والأسلحة، دفع مراقبين محليين إلى طرح جملة تساؤلات حول «الجدوى من استمرار الحديث الرسمي عن المبادرة الأردنية لحل الأزمة السورية، ضمن مستوياتها الثلاثة: الأمني والإنساني والسياسي».

وكان مصدر عسكري في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، قد أكد أن قوات حرس الحدود وبالتنسيق مع إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية العسكرية بالمنطقة العسكرية الشرقية، أول من أمس، تصدت لطائرة مسيرة آتية من الأراضي السورية.

وجاء في البيان العسكري المقتضب الذي نُشر (الاثنين): «بعد أن تم رصد محاولة اجتياز طائرة مسيرة من دون طيار، الحدود، بطريقة غير مشروعة من الأراضي السورية، تم إسقاطها داخل الأراضي الأردنية»، مضيفاً أنه «بعد تكثيف عمليات البحث والتفتيش للمنطقة، تم العثور على الطائرة وتحويلها إلى الجهات المختصة».

استمرار أزمة الحدود

البيان العسكري الأخير، جاء بعد الإعلان عن إحباط سلسلة عمليات تهريب أسلحة ومخدرات ومتفجرات، إلى جانب الإعلان عن إحباط محاولات تسلل لمجموعات من المسلحين إلى داخل الأراضي الأردنية، وتطبيق قواعد الاشتباك واعتقال عدد منهم وفرار آخرين إلى الداخل السوري.

تلك العمليات، أكدت على استمرار أزمة الحدود بين البلدين، خصوصا في ظل اتهامات رسمية غير مُعلن عنها للجانب السوري، بعدم الجدية والالتزام بمخرجات اجتماعات لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا، والتي اجتمعت في الرياض وعمان والقاهرة بحضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.

من اليسار: وزير الخارجية السعودي والأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري وفيصل المقداد في اجتماع بشأن سوريا بعمان (أ.ف.ب)

وأمام جملة التساؤلات، عن فرص التعامل مع أزمة الحدود الأمنية والعسكرية والحرب المفتوحة مع ميليشيات السلاح والمخدرات في الجنوب السوري، لم يعلق الأردن على معلومات تحدثت عن إقامة منطقة عسكرية عازلة، لمكافحة خطر تدفق المخدرات والسلاح سواء استقر في الأردن أو عبر منها إلى دول الجوار، أو لصالح أن هذه المنطقة تُشكل «حلا مؤقتا» لأزمة اللاجئين السوريين في الأردن، وما تُشكله من ضغط على الموارد والبُنى الوطنية بعد تراجع حجم المساعدات الأممية المقدمة داخل مخيمات اللجوء. وفي هذا المجال ركزت مقالات لصحافيين محليين مقربين من دوائر صنع القرار، على ضرورة إبقاء ملف الحدود ضمن نطاقيه العسكري والأمني. و تحدث الكاتب الحافي ماهر ابو طير في يومية «الغد» عن «استياء أردني من تصرفات دمشق الرسمية».

وكتب، أنه «رغم كل المحاولات لحض السوريين على وقف محاولات تهريب السلاح، والمخدرات، وتموضع تنظيمات وميليشيات قرب الحدود مع الأردن، فإن شيئا لم يتغير بشكل جذري، بل إن دمشق تُعيد التموضع في المنطقة العربية، دون أن تتجاوب مع الأردن، بل وتقفز عنه عبر سماء الإقليم».

وأبو طير الذي يطالب بـ«نزع هذا الملف الأمني، من يد السياسيين في الأردن»، يُعلل موقفه، بأن «السياسيين وإن كانت لديهم تقديرات مختلفة، وقد لا تتناقض مع الاعتبارات الأمنية»، إلا أنه بات ضروريا «تغيير الأولويات»، فـ«مبدأ المسارات المتوازية أمنياً وسياسياً في العلاقة مع السوريين»، قد لا ينجح «حين نعرف أن عصابات المخدرات تستعمل تقنيات عسكرية متطورة جدا في الوقت الحالي، وهي أيضا لديها مدافع ضد الطائرات، ولديها طائرات درون، وكأننا نتعامل مع جيش جديد منفلت».

وإلى جوار أبو طير في الصحيفة ذاتها، يقول الصحافي مالك العثامنة إن هنالك «حربا حقيقية بكامل التعبئة العسكرية يخوضها الأردن وقواته المسلحة بإسناد أجهزته الأمنية على طول الحدود الشمالية والشرقية، ومع ذلك، فإن الدبلوماسية الأردنية لا تزال تخوض سياسات صد الحرج».

واسترجع في مقالته تصريحاً سابقاً للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أعلن فيه أمام الجيش على الجبهة الشمالية «سياسة العين الحمراء» في مواجهة كارتيلات تصنيع وتجارة المخدرات في العالم، في وقت لا تزال فيه «الدبلوماسية الأردنية تسير في مسارات الحذر وصد الحرج» على المستويين الإقليمي والدولي في طلب المساعدة «الضرورية والواجبة».

ويصف العثامنة ما يجري على الحدود الشمالية بأنه «حرب كاملة الأهلية عسكريا، وهي خط دفاع أول وأخير، عن عمق إقليمي يتجاوز النقاط الحدودية الأردنية»، وفي حين «يبتهج عند قراءة خبر إسقاط الجيش الأردني لطائرة درون، لسقوط خطر قاتل مثل هذا»، استدرك بـ«قلقه» من «تلك الطائرات التي لم تسقط بعد، وربما اجتازت الحدود بقدرات تقنية هائلة، واستطاعت حمولتها أن تصل إلى أيدي الشباب المقهور والعاطل والباحث عن المخدرات».

إسقاط طائرة مسيرة على واجهة المنطقة العسكرية الشرقية (الجيش العربي)

أما الكاتب سميح المعايطة الذي سبق أن تسلم حقيبة الإعلام في حكومات سابقة، فقد اعتبر أن محاولات التهريب لها بُعدان سياسي وأمني لانخراط «الحرس الثوري» والميليشيات التي تتبعه في عمليات التهريب في محاولة لإزعاج الأردن أمنيا في ظل فشل إيران عبر عقود في اختراق الساحة الأردنية، إضافة إلى قناعات لدى بعض أوساط الحكم في سوريا بأن تهريب المخدرات للأردن ودول أخرى هو «عقوبة لها على موقفها من النظام السوري في فترة الحرب».

ووجد المعايطة عاملا آخر في حرب التهريب المفتوحة على الحدود، بأن هناك «قناعة سورية وإيرانية، بأن ملف تهريب المخدرات ورقة سياسية للطرفين، سواء للضغط السوري في ملف المساعدات من الخليج، أو إعادة الإعمار، أو إيرانياً للتفاوض حول مصالحها». ووصف ملف شبكات التهري، بأنه «ليس نشاطاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً لسوريا وإيران وميليشياتها، بل ورقة للضغط والابتزاز السياسي»، في إشارة واضحة لعدم وقف عمليات التهريب في المدى المنظور.


مقالات ذات صلة

أميركا تعاقب لبنانيين وسوريين يمولون «حزب الله» بالكبتاغون

المشرق العربي نائب وزير الخزانة الأميركي والي أدييمو مع وزير العدل ميريك غارلاند ونائبته ليزا موناكو والنائبة المساعدة نيكول أرجينتيري خلال مؤتمر صحافي مشترك في واشنطن (أ.ب)

أميركا تعاقب لبنانيين وسوريين يمولون «حزب الله» بالكبتاغون

فرضت واشنطن عقوبات جديدة على ثلاثة أفراد وأربع شركات لدورهم في شبكة للتهرب من العقوبات الأميركية والحصول على عائدات لـ«حزب الله» بما في ذلك بتجارة الكبتاغون.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي سوق الهال للخضراوات بدمشق (أرشيفية - سانا)

تجار يتحدثون عن عرقلة دخول شاحنات الفاكهة السورية إلى الأردن

شكّل انخفاض أسعار الفواكه والخضار الصيفية في دمشق لغزاً للسوريين الذين حرم أغلبهم من تناولها خلال الشهرين الماضيين لارتفاع أسعارها.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي قوّة أمنية تفتش منزل مهرب بالسويداء (السويداء 24)

دمشق تعلن مصادرة كميات من المخدرات في 3 محافظات

أعلنت دمشق ضبط عمليات تهريب مخدرات في 3 محافظات سورية «كانت في الطريق إلى دول الجوار».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقطة من فيديو لاجتماع  الذكرى الـ13 للأزمة السورية

بربارة ليف: أولويات واشنطن لم تتغير حيال دمشق

أكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركية أن أولويات واشنطن حيال سوريا لم تتغير، لا تأييد التطبيع مع الأسد والعقوبات مستمرة لتغيير سلوك النظام

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي كميات كبيرة من الكبتاغون صودرت مارس 2022 عند معبر القائم على الحدود العراقية - السورية (أ.ف.ب)

ملف الكبتاغون يزداد تعقيداً بإعلان دمشق ضبط شحنة متوجهة إلى العراق

قال التلفزيون السوري الرسمي إنّ السلطات السورية ضبطت الشاحنة في أثناء عبورها الأراضي السورية، قادمة من إحدى الدول المجاورة (دون تسميتها).


ليلة الاستعداد للعودة في مراكز الإيواء: فرحة تنتظر الأمان المؤجل

ليلة الاستعداد للعودة في مراكز الإيواء: فرحة تنتظر الأمان المؤجل
TT

ليلة الاستعداد للعودة في مراكز الإيواء: فرحة تنتظر الأمان المؤجل

ليلة الاستعداد للعودة في مراكز الإيواء: فرحة تنتظر الأمان المؤجل

منذ ساعات الفجر الأولى، بدأت أمل جعفر جمع أغراضها، من فرش وأغطية. لا أشياء ثمينة تقتنيها في خيمتها التي لجأت إليها طوال شهرين، هي وأطفالها الأربعة وشقيقها، لكنها تأخذ معها ما تيسر من حاجيات ضرورية بعد أن دُمر منزلها وكل محتوياته في يارون (قضاء بنت جبيل).

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «هي فرحة لا توصف، سنعود بعد نحو سنة و3 أشهر من التهجير، فقد نزحت بداية إلى النبطية، ومن ثمّ إلى مبنى (العازارية) في وسط بيروت بعد بدء العدوان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي».

ولأجل عودتها إلى قريتها التي تأمل أن تتمكن من الوصول إليها في حال انسحاب الجيش الإسرائيلي منها، ألبست أطفالها ثياباً تليق بالمناسبة، وفق ما تقول، تحضيراً للعودة إلى بلدتها الحدوديّة. وتضيف: «كأنه يوم ولادتنا من جديد. هو يوم استثنائي، لا مثيل له طوال سنوات حياتي التي لم تتعد الخمسين».

تروي أمل كيف أمضت ليلتها الماضية: «لقد أشعلنا موقدة من حطب، واجتمعنا حولها في انتظار مرور الوقت، حتّى الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي حصل عند الرابعة فجراً». وتضيف: «رغم أنها كانت ليلة صعبة ودامية للغاية، فإنها انتهت، وانتهى معها كابوس الحرب وكل القهر. سنعود حتّى لو لم يكن لنا مكان يؤوينا. سننصب خيمة ونسكن فيها».

اللافت أيضاً أن أمل تبضعت بعض حاجيات المطبخ، في اليومين الماضيين؛ «كي نتمكن من طهي طعامنا حيث سنمكث. أحضرت بعض الأدوات التي نحتاجها في المطبخ».

تحضيرات في مراكز الإيواء

ومثل أمل كثر، في مراكز الإيواء، يتحضرون للعودة إلى منازلهم وقراهم في الجنوب والنبطية والضاحية الجنوبية لبيروت، منذ إعلان سريان وقف إطلاق النار بلبنان. في باحة أحد المراكز، تقف سيارة أجرة، رُفعت على سقفها فرش وأغطية، وأشياء خاصة.

وإلى جانبها، سيارة أخرى تنقل منال شحيمي أغراضها إليها. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «الفرحة اليوم أكبر من أن تسعني؛ سنعود إلى منزلنا الذي نشتاق إليه في برج البراجنة. لا بأس إن تضرر قليلاً، سنعيد ترميمه، المهم أن نأوي إليه ليحتضننا من جديد».

ليل الثلاثاء - الأربعاء، لم تغمض عينا منال، حالها حال غالبية النازحين، واللبنانيين عموماً، تقول: «سمعنا أن هناك اجتماعاً إسرائيلياً، فبتنا نعدّ الثواني وليس الساعات؛ وددنا لو نعود إلى البرج لحظة إعلان وقف النار، لكننا تريثنا بينما تتضح الأمور أكثر، وها نحن اليوم نحمل أغراضنا ونغادر».

وعن الأشياء التي جمعتها واختارت أن تنقلها معها، تقول: «ملابسنا وتفاصيل رافقتنا أنا و8 من أفراد عائلتي طوال فترة نزوحنا إلى هنا، التي امتدت لأكثر من 9 أسابيع. أخذنا معنا أغطيتنا وفرشنا وحاجياتنا الأساسيّة. الأشياء لا تهم، المهم أننا سنعود».

تُخبر منال عن أمنياتها المستقبلية: «أول ما خطر ببالي، بعد العودة إلى الضاحية، أن تعود أيضاً حياتنا إلى طبيعتها، كما كانت قبل العدوان. لا نريد أكثر... نريد الاستقرار ليس أكثر، وأن نكون آمنين في منازلنا».

فرح وأناشيد

داخل باحة «العازارية»، مظاهر الفرح والأناشيد الجنوبية تعمّ المكان. نسوة يرقصن ويصفقن احتفالاً بالعودة، وأطفال يلهون، تبدو على وجوههم ملامح الفرح، وفي المكان نفسه، لا تزال الملابس معلقة على حبال موصولة بين جدران المكان، وطفلة صغيرة قررت غسل الأواني والصحون، لأخذها نظيفة إلى منزلها في الضاحية الجنوبية.

وخلال الحرب التي استمرت نحو 65 يوماً، استقبل مركز «العازارية» في وسط بيروت أكثر من 3500 نازح من مختلف المناطق اللبنانية، وهو حتّى ساعات النهار الأولى، كان قد غادره نحو نصف النازحين إليه، في حين اختار بعض العائلات التريث قليلاً وعدم مغادرة المكان.

وهناك أيضاً، تجلس مُسنة سبعينية في الباحة تحتسي فنجان قهوة، وتقول إنها لن تغادر المكان راهناً في انتظار التأكد من أن مدينة النبطية باتت آمنة تماماً؛ إذ إن مدينتها نالت حصة كبيرة من العدوان والتدمير الذي أصاب البشر والحجر هناك.

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أننا نشتاق إلى النبطية؛ أرضها وناسها، فإننا لا نثق بإسرائيل؛ فماذا لو غدرت بنا؟ لسنا خائفين، لكننا حذرون قليلاً. سننتظر بعض الوقت ونرى متى سنعود، وكذلك تفادياً لزحمة السير أيضاً».

وتروي ثقل ساعات الليلة الأخيرة في الحرب: «كانت ليلة دامية، تساوي في همجيتها كل ما عشناه في أيام العدوان السابقة ببيروت، ربما يمكن القول هي الأعنف، والأكثر توتراً على الإطلاق. بكيت في نهايتها، لا سيّما عند سماعنا تأكيد خبر وقف إطلاق النار». وتختم: «لا نريد سوى الأمان. لا شيء سوى الأمان، وألا تتكرر الحرب».