الهواجس المالية والنقدية «تستيقظ» مجدداً في لبنان

الحكومة «تؤخر» بتّ آليات صرف مخصصات القطاع العام

نائب حاكم «المركزي» اللبناني وسيم منصوري (أ.ب)
نائب حاكم «المركزي» اللبناني وسيم منصوري (أ.ب)
TT

الهواجس المالية والنقدية «تستيقظ» مجدداً في لبنان

نائب حاكم «المركزي» اللبناني وسيم منصوري (أ.ب)
نائب حاكم «المركزي» اللبناني وسيم منصوري (أ.ب)

بينما تترقب الأوساط المالية والنقدية انتهاء الحكومة من إقرار بنود مشروع قانون موازنة العام الحالي وإحالته رسمياً إلى مجلس النواب، تزداد كثافة الضبابية بشأن آليات صرف مخصصات القطاع العام بنهاية الشهر الحالي، في ظل رفض نائب حاكم البنك المركزي وسيم منصوري أي تمويل بالدولار يغطي الحاجات المالية الأساسية للدولة قبل إقرار تشريع ائتماني يحدد المبالغ المطلوبة وآليات السداد.

ويرجّح مسؤول مالي معني، العودة إلى صرف مستحقات الرواتب بالليرة لأكثر من 350 ألف موظف ومتقاعد في الإدارات والمؤسسات العامة، في حين تصدر الحكومة توجيهات إلى المركزي لتغطية الأكلاف الملحة للأدوية المستعصية والمصاريف الخارجية للدولة من الرصيد المتبقي في حساب حقوق السحب الخاصة التي تلقاها لبنان قبل نحو عامين من صندوق النقد الدولي، وتم إنفاق معظم مبالغها من الرصيد الأساسي البالغ نحو 1.14 مليار دولار على مصاريف خاصة بقطاع الكهرباء والدواء والقمح وسداد أقساط قروض متوجبة لصالح مؤسسات دولية وإقليمية.

وريثما يتم كشف الرصيد الصافي لهذا الحساب، وما يتيحه من مهلة للمصروفات الملحة بالدولار، يثير التحول المستجد لصرف مخصصات القطاع العام بالليرة، بما يماثل 80 مليون دولار شهرياً، إشكاليات مستعادة في إدارة السيولة النقدية بالليرة من قِبل السلطة النقدية، ومخاوف محقّة من حسم فوري لفارق يقارب 5 آلاف ليرة من كل دولار. والأهم، مخاطر استخدام تدفقات كبيرة لسيولة الليرة في إنعاش المضاربات في أسواق العملات بعد وقف منصة «صيرفة»، وبما يؤثر طرداً على الاستقرار الهش للدولار والمستمر حالياً دون مستوى 90 ألف ليرة.

وأبلغ وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل الممثل المقيم لصندوق النقد فريديريكو ليما، أن مشروع موازنة العام الحالي أصبح في نهايته. وهو يتضمن استكمال عملية التصحيح المالي إلى تعزيز الواردات المرتقبة إلى ما بين 8 و9 في المائة من الناتج المحلي، بعدما كانت مقدرة بنحو 6 في المائة في موازنة العام السابق.

وإذ ترجّح المصادر المالية التأخير الإضافي لشهر على الأقل في المجلس النيابي، بعد إحالته المرتقبة من قِبل الحكومة منتصف الشهر الحالي، تنشد اهتمامات المراقبين في الداخل ولدى المؤسسات المالية الدولية، إلى اختبار التعهدات الحكومية بالعمل مبكراً خلال الأشهر المقبلة، أي ضمن المهلة الدستورية، لإعداد مشروع موازنة العام المقبل، والذي يفترض أن يستجيب لإصلاحات مالية هيكلية تشمل تحرير سعر الصرف وتوحيده عبر إجراءات محددة تكفل «تقليص التشوّهات والفجوات الناتجة من تعدّد سعر الصرف في الاقتصاد والتي من شأنها تعزيز الواردات؛ مما يساهم في استعادة الموارد لصالح الخزينة العامة».

كذلك، يقع في أولويات اهتمامات المراقبين، الإفصاحات المتوقعة عن توجهات السياسات النقدية التي سيتم اعتمادها من قِبل القيادة الجديدة في البنك المركزي، ومدى انسجامها مع السياسات المالية للحكومة. وبالمثل، تتبع استجابة الحكومة والمجلس النيابي لتسريع إقرار حزمة قوانين مالية ملحة، ولا سيما بينها وضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) وإعادة هيكلة المصارف واستعادة التوازن المالي. فضلاً عن خريطة طريق واضحة المعالم لإدارة سعر الصرف وحدود تدخل البنك المركزي في ضبط عمليات العرض والطلب.

وينوّه وزير المال بتزامن إنجاز الموازنة مع سياسة السلطات النقدية في ما يخصّ تمويل الخزينة، وبالأخص لجهة ضبط العجز وتعزيز الواردات وتمكين قدرات الخزينة التمويلية. عادّاً أن استعادة القدرة التمويلية للخزينة، إلى جانب مساهمتها في تأمين الاستقرار المالي والنقدي، ومساندة السلطات النقدية في الحفاظ على استقرار سعر الصرف، من شأنها المساهمة في تمكين العدالة الاجتماعية ومساندة الفئات المهمّشة من خلال إعادة توزيع المداخيل ومن خلال تعزيز الإنفاق الاجتماعي، كما والسير بالعمل بإصلاح القطاع العام وتفعيل الإدارة العامة وتأمين الخدمات للمواطنين بطريقة مجدية.

وتشير البيانات الأساسية لمشروع الموازنة إلى عجز بنسبة 19 في المائة بين النفقات والإيرادات، حيث تحوز التقديمات الاجتماعيّة، والمترتبة بمعظمها عن مضاعفات المخصصات للقطاع العام، نحو نصف (44.83 في المائة) النفقات الحكوميّة المتوقّعة. تتبعها أصول الرواتب وملحقاتها بنسبة 16.75 في المائة، ثم النفقات الماليّة بنسبة 7.1 في المائة.

ووفقاً لمشروع القانون المقترح، فإن التقديمات الاجتماعية لموظفي القطاع العام لن تُدرج ضمن الراتب الأساسي. وبناءً عليه، لن تُحتسب في تعويض نهاية الخدمة. كما أنّه، وللمرّة الأولى منذ زمن ليس بقريب فإنّ مشروع الموازنة لا يلحظ أي سلفة لمصلحة مؤسّسة كهرباء لبنان، وذلك بعد قيام هذه الأخيرة خلال عام 2023 بتعديل تعرفتها لتفوق تكلفة إنتاج الطاقة.

ويقترح مشروع الموازنة المبني على سعر صرف 85.5 ألف ليرة لكل دولار، وهو السعر الأخير للتداول على منصة «صيرفة»، مجموعة من الضرائب الجديدة ورفع جزء كبير من الضرائب والرسوم الحاليّة بهدف زيادة الإيرادات الحكوميّة. ويقترح أيضاً رفع شطور ضريبة الدخل. مع العلم بأنّ جزءاً مهماً من رواتب القطاع الخاص أصبح يدفع بالدولار المحلّي والدولار الفريش. كذلك تطبيق المبدأ نفسه على الإيرادات التي يجنيها أصحاب المهن الحرّة؛ وذلك بهدف زيادة مدخول الدولة من ضريبة الدخل.

ويسمح المشروع بصفة استثنائية للشركات، حتى عام 2026، بإعادة تقييم أصولها الثابتة على أساس سنوي، مع زيادة الضريبة على ربح التحسين من 10 إلى 15 في المائة. بينما لا يتم إخضاع أرباح التحسين المستخدمة لإطفاء الخسائر لأيّ ضرائب.

وبالإضافة إلى ذلك، يطلب القانون من المصارف خصم نسبة 3 في المائة من حسابات المتوفين قبل تحويل هذه الحسابات إلى الورثة. وأيضاً فرض ضريبة بنسبة 2 في المائة على إيرادات الأشخاص والشركات المقيمين خارج لبنان الذين يقدمون خدمات لصالح الأشخاص داخل البلد عبر الإنترنت. كما ينص على رفع الرسوم الحالية عن طريق زيادة رسوم المعاملات الإدارية العامة لتصبح 30 ضعف معدّلاتها الحالية، ورفع رسوم المعاملات القضائية لتصبح 10 أضعاف معدّلها الحالي، وزيادة الغرامات على التأخير في دفع الضرائب.



لبنان أمام «حوار روما المتوسطي»: نتطلع إلى دعمكم لبناء دولة قوية

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
TT

لبنان أمام «حوار روما المتوسطي»: نتطلع إلى دعمكم لبناء دولة قوية

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)

جدّد وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، التأكيد أن بلاده مستعدة للوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في القرار «1701»، مشدداً على أنه «لن يكون هناك سلاح دون موافقة الحكومة اللبنانية، ولا سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية».

وأثنى بوحبيب، في كلمة ألقاها خلال افتتاح مؤتمر «حوار روما المتوسطي»، على عمل قوات الـ«يونيفيل» في جنوب لبنان. وقال: «اللبنانيون ممتنون لأن 17 دولة أوروبية تشكل جزءاً لا يتجزأ وأساسياً في الـ(يونيفيل). وفي هذا الصدد، يدين لبنان بشدة أي هجوم عليها، ويدعو جميع الأطراف إلى احترام سلامة وأمن القوات ومقراتها. علاوة على ذلك، يدين لبنان الهجمات الأخيرة على الكتيبة الإيطالية، ويأسف لمثل هذه الأعمال العدائية غير المبررة».

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب (رويترز)

وشدد على أن اللبنانيين يتطلعون إلى دولة قوية تدافع عن حقوقهم وسيادتهم وسلامة أراضيهم، مضيفاً: «كانت القناعة السائدة بين صناع القرار السياسي في مرحلة ما بعد الاستقلال هي أن قوة لبنان تكمن في ضعفه: إذا لم يكن لبنان يشكل تهديداً لجيرانه، فلن يهددنا أحد. وبالتالي، كان للفشل في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في إقامة الدولة الفلسطينية آثار سلبية على لبنان بدءاً من منتصف الستينات. ومنذ ذلك الحين لم تتحقق جهودنا لبناء مؤسسات عسكرية وأمنية قوية».

وقال: «لكي يحدث ذلك، نحتاج إلى دعمكم لبناء قوات مسلحة وأمنية للدفاع عن أراضينا وحمايتها. تتطلب التحديات السائدة بذل جهود وطنية ودولية جماعية لبناء أجهزة أمنية لبنانية قوية. هدفنا الأساسي هو تمكين السلطة الوطنية الشرعية، باعتبارها الضامن للأمن والسلام. وفي هذا السياق، فإن التنفيذ المتوازي والكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (1701) هو بوابة الاستقرار».

وجدد التأكيد على أن «لبنان مستعد للوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في القرار المذكور أعلاه. وهذا يعني حرفياً: (لن يكون هناك سلاح دون موافقة الحكومة اللبنانية، ولا سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية). ويتطلب تحقيق هذا الهدف شرطين ضروريين، هما وقف فوري لإطلاق النار، وانتشار قوات مسلحة لبنانية إضافية جنوب نهر الليطاني»، مؤكداً أنه «وبمجرد تحقيق ما سبق، وبالتعاون مع قوات الـ(يونيفيل)، فسيكون لبنان قادراً على بسط سلطته على أراضيه».

وختم بوحبيب: «نجدد التزام لبنان بالسلام والأمن في منطقتنا، وندعو إلى العودة الآمنة للنازحين إلى قراهم وبلداتهم. ومع ذلك، فإن الأمن والسلام الدائمين والمستدامين على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية يتطلبان إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. وإلا، فإن الاحتلال المستمر سيولد مقاومة وصراعات محتملة في المستقبل».