العراق: أوامر اعتقال واستقدام بحق 42 مسؤولاً على خلفيات فساد

بينهم نائب حالي ووزراء ومديرون عامّون ومحافظون حاليون وسابقون

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)
TT

العراق: أوامر اعتقال واستقدام بحق 42 مسؤولاً على خلفيات فساد

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، الثلاثاء، عن إجمالي أوامر الاعتقال والاستقدام الصادرة عن الجهات القضائيَّة المنفذة بحقّ مسؤولين كبار في الدولة خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي.

وأعلنت دائرة التحقيقات في الهيئة، عن إصدار المحاكم المختصة في بغداد والمحافظات، 42 أمر اعتقال واستقدام لمسؤولين وذوي درجات عليا، في القضايا التي تولت مديريات ومكاتب تحقيق الهيئة في بغداد والمحافظات، التحقيق فيها وإحالتها على القضاء.

وطبقاً لبيان صادر عن الهيئة، فإن «الأوامر التي صدرت بحق 39 منهم خلال المدة من 1/ 6 لغاية 30/ 6 توزَّعت بين 5 أوامر قبض، و37 أمر استقدام».

وأضاف، أن الأوامر «شملت عضواً حالياً في مجلس النواب وعضواً سابقاً، ووزيرين سابقين، ووكيلي وزير سابقين، فضلاً عن مُحافظين حاليَّين ومحافظَين سابقين، و13 مديراً عاماً حالياً، و8 سابقين، و6 مُديرين سابقين، كما شملت الأوامر اثنين من أعضاء مجالس المحافظات».

من المشاريع العامة التي تفتح فرص الفساد (رويترز)

وفي إطار جهودها المستمرة في ضبط حالات الفساد، أعلنت هيئة النزاهة، الثلاثاء، إلقاء القبض على موظف في دائرة الأمانة في جانب الكرخ ببغداد يقوم بابتزاز المواطنين المخالفين للحصول على أموال منهم مقابل التغاضي عن تجاوزاتهم، وأعلنت كذلك عن تمكن فريق عمل مكتب تحقيق الهيئة في محافظة الديوانيَّة (جنوباً) «من ضبط رئيس لجنة المُشتريات في البلديَّة وأحد أعضاء اللجنة، لوجود مغالاة في أسعار شراء حاويات نفاياتٍ بلاستيكيَّةٍ سعة 660 لتراً». ورأت أن «الشراء تم بمبالغ مرتفعة جداً قياساً بالأسعار السائدة، ما تسبب بإحداث ضرر في المال العام».

ويوم الاثنين، كشفت الهيئة عن تنفيذ عمليتي ضبطٍ لحالات تجاوزٍ واستيلاءٍ على 435 دونماً من العقارات العائدة للدولة في محافظة نينوى (شمالاً)، تصل قيمتها إلى أكثر من 75 مليار دينار (نحو 50 مليون دولار).

وقالت الهيئة في بيان، إن «فريق عمل مديرية تحقيق نينوى الذي انتقل إلى جمعية إسكان مُنتسبي مصنع الألبسة الجاهزة في الموصل، قام بضبط أوليَّات الجمعية من صور قيود وعقود بيع نفَّذها رئيس وأعضاء مجلس إدارة الجمعية، من خلال الاستيلاء على أراضٍ زراعية مملوكة للدولة وبيعها دون الحصول على الموافقات الأصولية».

من جلسة مجلس النواب لإقرار الموازنة العامة (رويترز)

ورغم قيام «هيئة النزاهة» بشكل روتيني بنشر البيانات المتعلقة بعمليات إلقاء القبض والاستقدامات لكبار المسؤولين على خلفية تهم سوء إدارة وفساد، كما قيامها بشكل شبه يومي بالإعلان عن عمليات إلقاء القبض على متورطين بالجرم المشهود، فإن جهود مكافحة الفساد ما زالت بعيدة عن طموح قطاعات شعبية واسعة، بالنظر لبقاء كبار الفاسدين بمنأى عن المحاسبة بحسب تلك القطاعات؛ إذ يعتقد كثيرون أن جهود المحاسبة «تطال صغار الموظفين من غير المرتبطين بأحزاب وكتل نافذة».

وما زالت حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني، رغم تشديدها في برنامجها الحكومي على مكافحة الفساد، تخشى من سيطرة جماعات النفوذ على الأموال المخصصة للوزارات التي أقرتها الموازنة المالية الاتحادية... وقد أشار السوداني بوضوح تام، إلى تلك الخشية خلال ترؤسه الجلسة السابعة للهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات غير المرتبطة بإقليم؛ إذ قال مخاطباً المحافظين: «ستتم مراقبة كيفية تعاطي المحافظين مع المخصصات وآلية استثمارها واستخدامهم للصلاحيات، كما ستتابع الحكومة خطة كل محافظ وطريقة صرفه الأموال».

مناصرو «التيار الصدري» أثناء تحرك احتجاجي ضد الفساد وسط بغداد (رويترز)

وشدد على ضرورة التصدي لمن وصفهم بـ«المتربصين من أجل الاستفادة من الأموال العامة لأغراض شخصية أو حزبية أو نفعية، وضرورة التصدي لهم وصرف الأموال في مكانها الصحيح، وقطع الطريق على ضعاف النفوس من الموظفين أو غير الموظفين الذين سيحاولون بشتى الطرق الدخول على هذه المشاريع واستثمارها».

ولا يكاد يمر يوم من دون أن تعلن «هيئة النزاهة» عن الإطاحة بهذه العصابة أو تلك، أو بهذا المسؤول أو ذاك من المتورطين بسرقة المال العام، غير أن مراقبين يعدون أن هذه الملاحقات وعمليات إلقاء القبض، ما زالت بعيدة عن أن تمثل أداة ردع قوية في إيقاف حالات الفساد المستشري في معظم مؤسسات الدولة. وما زال العراق يقبع في ذيل قائمة أكثر الدول فساداً، بحسب مؤشرات المؤسسات الدولية المختصة في هذا الشأن.

حقائق

50 مليون دولار

قيمة أراضٍ استولى عليها مسؤولون فاسدون وباعوها لحسابهم في محافظة نينوى في الآونة الأخيرة...


مقالات ذات صلة

«نزاهة» السعودية توقف 139 متهماً في قضايا فساد

الخليج هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية (الشرق الأوسط)

«نزاهة» السعودية توقف 139 متهماً في قضايا فساد

أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية «نزاهة»، أنها حققت مع 380 موظفاً بوزارات الداخلية والدفاع والعدل والصحة والتعليم والبلديات والإسكان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا صورة التقطتها وزارة الدفاع الروسية يناير 2015 تُظهر نائب وزير الدفاع السابق بافيل بوبوف في الصورة الرسمية بموسكو (أ.ب)

اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي السابق بتهمة الاحتيال

أمرت السلطات الروسية باحتجاز مسؤول عسكري روسي سابق بتهمة الاحتيال، اليوم (الخميس)، في أحدث اعتقال رفيع المستوى لمسؤول عسكري كبير بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة متداولة لـ«نور زهير» المتهم الرئيسي لما تُعرف بـ«سرقة القرن» (فيسبوك)

​المتهم بـ«سرقة القرن» مطارداً بمذكرة قبض عراقية

بات المتهم بـ«سرقة القرن» نور زهير مطارداً بمذكرة قبض أصدرتها محكمة الفساد العراقية بعدما ألغت الكفالة المشروطة التي منحت له لاسترداد صكوك الأمانات الضريبية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي نور زهير المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» خلال حوار تلفزيوني (قناة الشرقية)

غموض يلفُّ إصابة المتهم بـ«سرقة القرن» العراقية في بيروت

تحوّل خبر حادث مروري مزعوم في بيروت إلى سجال عراقي حول قضية المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن» في العراق.

«الشرق الأوسط» (بيروت - بغداد)
الخليج هيئة الرقابة أكدت مضيها في تطبيق ما يقتضيه النظام بحق المتجاوزين دون تهاون (الشرق الأوسط)

السعودية: إيقاف ضابط متقاعد و3 مقيمين تورطوا بقضية فساد

أعلنت «هيئة الرقابة» السعودية إيقاف ضابط متقاعد وثلاثة مقيمين تورطوا بقضية فساد منظورة لديها، مؤكدة أن العمل جارٍ لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

القضاء العراقي: معلومات «شبكة التنصت» مبنية على «التحليل والاستنتاج»

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
TT

القضاء العراقي: معلومات «شبكة التنصت» مبنية على «التحليل والاستنتاج»

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (د.ب.أ)

أعاد مجلس القضاء الأعلى العراقي، الأحد، التذكير بقضية «شبكة التنصت» التي تفجرت قبل نحو أسبوعين، وضمت مسؤولين وضباطاً متخصصين في الأمن الرقمي، يعملون في مكتب رئاسة الوزراء.

ووصف مجلس القضاء الأعلى المعلومات المتداولة بشأن القضية بأنها «غير دقيقة». وأكد في بيان «عدم دقة المعلومات المتداولة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص التحقيق فيما تعرف بقضية (شبكة محمد جوحي) كون هذه المعلومات مبنية على التحليل والاستنتاج، بعيداً عن الحقيقة». وجوحي المشار إليه شغل منصب معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء، وهو ابن أخٍ لرائد جوحي، مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

وفي مقابل البيان القضائي الذي أشار إلى المتورط في «قضية التنصت» بصراحة، أصدر الناطق الرسمي باسم الحكومة، باسم العوادي، الأحد، بياناً يشير إلى القضية نفسها التي تتوالى فصولها منذ أيام.

وقال بيان الناطق إن حكومته «تتابع من منطلق التزامها ومسؤولياتها القانونية، الحملات المضللة التي تستهدف إعاقة عملها في مختلف المجالات، ومنها ما جرى تناوله من معلومات غير دقيقة تستبطن الغمز، وبعضها تضمن الاتهام المباشر للحكومة تجاه قضايا تخضع الآن لنظر القضاء؛ إذ تنتظر السلطة التنفيذية ما سيصدر عنه بهذا الصدد، مع تأكيد الحكومة المستمر على الالتزام بالقانون واحترام قرارات القضاء».

وأضاف أن «الحكومة تشدد على المضي في محاربة الفساد وكل أشكال التعدي على القانون، وذلك بالتعاون المستمر والوثيق مع السلطتين القضائية والتشريعية، كما أنها تعوّل في هذا المسار على يقظة المواطن ووعيه، حتى لا يكون ضحيّة لمن يشوه الحقائق ويتعمد تضليل الرأي العام».

وذكر بيان الناطق الحكومي أن «هناك من يعمل على جرّ الحكومة وإشغالها عن نهجها الوطني، عبر محاولات يائسة لا تصمد أمام الإجراءات القانونية الحقيقية والفعلية التي تعمل الحكومة على تنفيذها ودعمها. وقد أثبتت السنتان الماضيتان من عمر الحكومة قوة الإرادة في هذا الاتجاه، والتصميم المتواصل على تنفيذ الإصلاحات، وعدم التهاون في الحق العام، مهما كانت الضغوط والتبعات».

رد متأخر

بيان القضاء الجديد، وكذلك الحكومة، صدرا بعد 4 أيام من بيان مماثل أصدره القضاء، وقال فيه إنه «لا صحّة لما يجري تداوله على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بشأن وجود محاولات تنصت على القاضي فائق زيدان»، بالنظر إلى أن المعلومات التي رشحت عن عمل شبكة التنصت، ذهبت إلى أن زيدان كان ضمن لائحة المستهدفين.

ويضفي البيانان الجديدان مزيداً من الغموض على القضية بدلاً من تفكيك تفاصيلها، حسب مراقبين؛ خصوصاً مع ما يتردد عن تورط مسؤولين كبار في رئاسة الوزراء. وتشير بعض المصادر إلى صدور أوامر قبض جديدة على مسؤولين رفيعين في مكتب رئيس الوزراء.

وكان السوداني قد أمر في 20 أغسطس (آب) الماضي بـ«تشكيل لجنة تحقيقية بحقّ أحد الموظفين العاملين في مكتب رئيس مجلس الوزراء؛ لتبنّيه منشوراً مُسيئاً لبعض المسؤولين، وعدد من السادة أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق».

وأبلغت مصادر مطلعة «الشرق الأوسط» الخميس الماضي، بأن «زعيمين بارزين في (الإطار التنسيقي) من ضحايا عملية التنصت التي قامت بها الشبكة المذكورة، وأنهما أبلغا القضاء بمعطيات القضية».

وحسب إفادات سابقة للنائب مصطفى سند، فإن محكمة تحقيق الكرخ، المختصة بقضايا الإرهاب، قامت، الأسبوع الماضي، بـ«اعتقال شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء؛ وعلى رأسهم المقرَّب (محمد جوحي)، وعدد من الضباط والموظفين».

وذكر أن الشبكة «كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة؛ ومنها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسهم رقم هاتفي)، كذلك تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية، وصناعة أخبار مزيفة، وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات».

حجاج شيعة على طريق كربلاء لإحياء «ذكرى عاشوراء» في أغسطس 2024 (رويترز)

«تمثيلية» أو تصفية حساب

وترى أوساط مقربة من السوداني أن تلك محاولات لتصفية الحسابات معه، نظراً إلى أن معلومات كهذه سوف تتسبب في إحراج كبير له، قد يؤثر على وضعه السياسي على مشارف الانتخابات. لكن القيادي السابق بالتيار الصدري، ونائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، وصف الأمر بأنه لا يخرج عن إطار «التمثيلية».

الأعرجي -في لقاء متلفز- قال إن «(الإطار التنسيقي) قام بتمثيلية إعلامية ضد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من أجل أن يعود إلى صفوفه في الانتخابات المقبلة». وأضاف الأعرجي أن «بعض الخلافات بين السوداني و(الإطار) قديمة، وظهرت الآن مع قرب الانتخابات»، مضيفاً أن «الهجمة الإعلامية ضد رئيس الوزراء هي تمثيلية، من أجل أن يعود إلى صفوف (التنسيقي) في التحالفات الانتخابية». وأكد الأعرجي أن «بعض الأطراف في (الإطار) كانت تتصور أن يكون السوداني سهلاً، ويمكن أن يمرر كثيراً من الأمور والعقود والمصالح، وأن يكون مديراً لهم؛ لكنه لا يقبل بذلك، وأصبح قائداً سياسياً».

ورقة ضغط انتخابية

في وقت بدأت فيه بعض الأطراف داخل «الإطار التنسيقي» الشيعي التي بدأت خلافاتها مع السوداني تظهر على السطح، ترفع سقف طموحاتها بشأن نتائج التحقيقات في قضية التنصت، والتي أشاعوا تسميتها «شبكة التجسس»، لا تزال هناك قوى ضمن دائرة «الإطار» نفسه، لا ترغب في هذا التصعيد؛ كونها داعمة للسوداني أصلاً، ولكونها ترى أن أي هزة في البيت الشيعي، وفي هذا الظرف، لن تتوقف تداعياتها عند منصب رئيس الوزراء.

وفي هذا السياق، ورغم عدم عقد اجتماع دوري لقوى «الإطار التنسيقي»، فإن قائدين بارزين، هما: زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، وزعيم «العصائب» قيس الخزعلي، التقيا مؤخراً ليصدرا بياناً يؤازران فيه حكومة السوداني.

لكن بالنسبة للأطراف التي تعتمد على تسريبات متداولة حول تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، من نهاية العام المقبل إلى منتصفه، بعدما فشلت في إجراء انتخابات مبكرة نهاية العام الحالي، فإن تركيزها الآن ينصب على المطالبة بتغيير قانون الانتخابات، من الدائرة الواحدة إلى دوائر متعددة، للحد من قدرة السوداني والمتحالفين معه على الحصول على الأغلبية التي تؤهلهم لتشكيل الحكومة المقبلة.