المغتربون يضخّون الدولار في شريان الاقتصاد اللبناني

يدفعون بالعملة الأميركية في المتاجر والفنادق والمطاعم

لبنانيون ينتظرون أقاربهم المغتربين أثناء وصولهم إلى المطار (الشرق الأوسط)
لبنانيون ينتظرون أقاربهم المغتربين أثناء وصولهم إلى المطار (الشرق الأوسط)
TT

المغتربون يضخّون الدولار في شريان الاقتصاد اللبناني

لبنانيون ينتظرون أقاربهم المغتربين أثناء وصولهم إلى المطار (الشرق الأوسط)
لبنانيون ينتظرون أقاربهم المغتربين أثناء وصولهم إلى المطار (الشرق الأوسط)

يعرض 3 زبائن على عامل محطة الوقود في بيروت الدفع بالدولار. «لا أحمل عملة لبنانية»، يقول الأول، ويعطي الثاني عامل المحطة ورقة من فئة المائة دولار، ويطلب إعادة الفرق بالليرة اللبنانية. لكن العامل يبلغه أنه لا يحمل أوراقاً نقدية بالعملة المحلية. «كل الزبائن تدفع بالدولار»، يجيبه العامل، ويشير إلى أن هذا الأمر تكثف منذ الأسبوع الماضي «مع عودة المغتربين في عطلة عيد الأضحى».

وتزايدت الأوراق النقدية بالعملة الأجنبية في الأسواق، بشكل غير مسبوق، منذ وصول المغتربين اللبنانيين الذين يزورون البلاد في فترة الصيف. وأسهم وجود هؤلاء في ضخّ كميات من العملة الصعبة في مختلف القطاعات التي لا تقتصر على الفنادق أو شركات تأجير السيارات، بل وصلت إلى بائع الخضار نفسه على قارعة الطريق، مما يشير إلى حجم اعتماد السوق اللبنانية على «ثروة» موجودة في الخارج، وفق تعبير وزير سابق، وساعدت الكثير من العائلات على أن تتمكن من تيسير أمورها وتلبية احتياجاتها، كما صنعت حركة اقتصادية، بالنظر إلى أن هؤلاء يمتلكون قدرة على الإنفاق.

شريان الحياة الأساسي

تعرف السلطات اللبنانية قيمة هذه القدرة الإنفاقية في البلاد، وهو ما لم يخفه وزير الخارجيّة والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب الذي قال إن «المغتربين يساهمون دائماً في مساعدة لبنان»، مؤكداً أن «شريان الحياة الرئيسي في البلد مصدره أموال الاغتراب في الخارج». وقال خلال مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الثالث: «رغم أن المغتربين هم من ضحايا الأزمة الاقتصادية وتلك المرتبطة بالودائع، فإنهم ما زالوا مستمرين بتحويل الأموال إلى لبنان»، في إشارة إلى خسائر المغتربين اللبنانيين جنى أعمارهم في المصارف اللبنانية إثر الأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب لبنان منذ عام 2019.

وأشار بوحبيب إلى أن «المنتشرين اللبنانيين الموجودين في الخليج وأفريقيا وأوروبا يشكلون المُعين الأول للاقتصاد اللبناني من دون تجاهل الدور المهم للبنانيين المغتربين في الأميركيتين وأستراليا».

وبدأ لبنان يتلمس نتائج إنفاق المغتربين منذ الأسبوع الماضي، حيث تراجع الطلب على الدولار لدى صرافي الأسواق الموازية، مما أدى إلى تراجع سعر صرف الدولار إلى نحو 90 ألف ليرة، بعدما كان يتراوح بين 94 و95 ألفاً في الأسابيع الماضية.

اقتصاد الدولار

ويقول مغترب لبناني في أربيل العراقية، يزور بلاده خلال إجازة العيد، إنه لم يجر مبادلة للعملة منذ وصل إلى بيروت في الأسبوع الماضي، شارحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه يدفع بدل إيجار السيارة، وفاتورة المطعم، وفواتير الشواطئ والمنتجعات البحرية بالدولار، ويضيف: «حتى العيديات دفعناها بالدولار الأميركي... كل شيء تدولر ويتصرف اللبنانيون على هذا الأساس».

ولم يعد اللبنانيون يشكون من عدم وجود فكّة بالدولار في الأسواق، ففي المحال التجارية، توجد الأوراق النقدية من فئة 5 و10 و20 دولاراً بكثرة، ويعيد التجار الفكة بأوراق الدولار النقدية، في تحول نادر للاقتصاد الوطني باتجاه العملة الأجنبية. وأعلنت المنتجعات والمطاعم عن أسعارها بالدولار الأميركي، كذلك الفنادق ومتاجر الحلويات، وغالباً ما تكون الأسعار في المتاجر أقل مما كانت عليه قبل الأزمة، لكنها في المطاعم تتخطى هذا الجانب.

أسعار سياحية

ويشكو السيّاح من هذه القضية، إذ ارتفعت أسعار المأكولات وفواتير المطاعم بشكل قياسي، وتقول لبنانية مقيمة في إسبانيا تزور لبنان لعشرة أيام لـ«الشرق الأوسط» إن الأسعار «زادت ضعفين عما كانت عليه في الصيف الماضي»، معربة عن استغرابها لهذا التضخم «غير المبرر»، وتسأل: «هل هناك استغلال للمغتربين في هذه الفترة لتعويض ما فاتهم من تراجع للأعمال في الأشهر الماضية؟».

وينتظر اللبنانيون فصل الصيف لاستقبال السيّاح وتوفير الخدمات السياحية لهم. ففي بيروت، تغصّ المطاعم بالزوار، وعجزت شركات تأجير السيارات عن تأمين الطلب العالي، مما اضطر الزائرين لاستئجار سيارات مخصصة للاستخدام الخاص من لبنانيين مقيمين لقاء 30 و40 و50 دولاراً يومياً. وترسل المنتجعات البحرية في الشمال إشعارات عن إغلاق الحجوزات في أيام عطلة الأسبوع، بسبب كثافة الطلب، فيما ارتفعت أسعار الشاليهات الخاصة وبيوت الضيافة إلى حدود الـ350 دولاراً ليوم واحد في جنوب لبنان.

ويصف مغترب لبناني في الولايات المتحدة الأسعار بأنها «مبالغ فيها»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن الأسعار هنا «تتخطى الأسعار التي ندفعها في الولايات المتحدة بأضعاف»، ويعدها «أسعاراً سياحية يستحيل أن تكون موجهة للبنانيين في الداخل»، لكنه يرى أن ما يقضيه هنا «فترة وستنقضي في الأسبوع الأخير من يوليو (تموز)، وهي الرحلة الأولى لي منذ 5 سنوات، حيث منعتنا (كورونا) من السفر، وهي مناسبة لزيارة العائلة والتفسّح في الشمال والجبل والعاصمة بيروت».

لبنانيون ينتظرون أقاربهم المغتربين أثناء وصولهم إلى المطار (الشرق الأوسط)

أعلى حركة سفر منذ سنوات

ونشطت حركة المسافرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت خلال يونيو (حزيران) الفائت وسجلت الرقم الأعلى منذ مطلع العام الحالي، بل منذ سنوات، إذ ارتفعت بنسبة فاقت 22 في المائة عن يونيو 2022 وبلغ مجموع الركاب 708 آلاف و970 راكباً مقابل 580 ألفاً و787 راكباً في يونيو من العام الماضي، بينما ارتفع عدد الوافدين إلى لبنان بنسبة فاقت 25 في المائة مسجلاً 427 ألفاً و854 وافداً.

ومنذ بداية يونيو وعلى مدى أيامه الثلاثين، سجلت الحركة اليومية للوافدين إلى لبنان أكثر من 10 آلاف وافد، وبقيت في مسار تصاعدي حتى وصلت في بعض الأيام إلى أكثر من 20 ألف وافد. وبلغت الحركة اليومية للمسافرين عبر المطار أكثر من ثلاثين ألفاً بين واصلين ومغادرين وهذا ما يعيد حركة المطار إلى معدلات ما قبل عام 2019.


مقالات ذات صلة

المصارف اللبنانية تشترط صدور مرسوم حكومي لكشف بيانات العملاء

المشرق العربي وزير المالية اللبناني مترئساً اجتماعاً لتعزيز موارد الدولة مايو الماضي (إكس)

المصارف اللبنانية تشترط صدور مرسوم حكومي لكشف بيانات العملاء

تحول التباسات قانونية وعملانية دون تحصيل ضرائب مستحدثة على عمليات شراء الدولار عبر منصة «صيرفة» التي أوقفها الحاكم الحالي لـ«المركزي» اللبناني وسيم منصوري.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي شاطئ مدينة صور وتبدو في الخلفية جبال حدودية مع إسرائيل تتعرض لقصف إسرائيلي متكرر (أ.ف.ب) play-circle 01:27

الحرب تقوّض النشاط السياحي في جنوب لبنان... وصور استثناء

لا تمنع الحرب رواد شاطئ صور من الاستمتاع ببحر المدينة وشمسها، رغم أن القصف لا يبعد أكثر من 10 كيلومترات عنه، بينما تخلو المنتجعات جنوبه من أي حركة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مظاهرة احتجاجية لأساتذة لبنانيين أمام وزارة التربية والتعليم (أرشيفية - أ.ب)

​تقرير دولي: موظفو لبنان يعانون من «التوتر والغضب»

كشف تقرير دولي أصدرته مؤسسة «غالوب» الاستشاريّة العالميّة أن أكثر من ثلثي الموظفين بلبنان يعانون من التوتر اليومي في عملهم و40 % يشعرون بالغضب.

علي زين الدين (بيروت)
الاقتصاد احتجاج للمودعين الذين يريدون استعادة أموالهم خارج فرع أحد البنوك في بيروت (أ.ب)

البنك الدولي: الفقر في لبنان تضاعف 3 مرات خلال 10 سنوات

قال البنك الدولي، اليوم (الخميس)، إن الفقر في لبنان تضاعف ثلاث مرات على مدى عقد من الزمن انزلقت خلاله البلاد إلى «أزمة مالية طويلة الأمد».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد المقر الرئيسي لمصرف لبنان (رويترز)

«صندوق النقد»: إصلاحات الاقتصاد اللبناني غير كافية لتعافيه

دعا صندوق النقد الدولي، لبنان، لاتخاذ مزيد من الإجراءات لإصلاح اقتصاده المنهك، مشيراً إلى أن هناك حاجة لمواصلة العمل لعلاج أزمتي البطالة والفقر.

«الشرق الأوسط» (بيروت )

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
TT

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

تعرض مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، فجر السبت، لهجوم بأسلحة خفيفة من قبل مجهولين في محافظة كركوك.

يأتي الهجوم في غمرة الحديث عن قيادة بارزاني لمفوضات مع المكونين العربي والتركماني لحسم معضلة الحكومة المحلية ومنصب المحافظ بعد نحو 7 أشهر على إجراء الانتخابات المحلية، فيما نفى مسؤول كردي رفيع ذلك، وذكر لـ«الشرق الأوسط» أن «مسعود بارزاني يوجد خارج البلاد هذه الأيام ولم يلتق أعضاء في مجلس كركوك».

وقالت مصادر أمنية في المحافظة إن مسلحين مجهولين أطلقوا فجر السبت النار على مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في منطقة ساحة العمال وسط كركوك ولم يسفر عن الهجوم أي إصابات بشرية أو أضرار مادية.

وحضرت قوة من الشرطة عقب الهجوم إلى موقع الحادث، وفتحت تحقيقاً وعممت أوصاف المهاجمين الذين فروا إلى جهة مجهولة.

وسبق أن أثار مقر «الحزب الديمقراطي» في كركوك أزمة كبيرة داخل المحافظة نهاية العام الماضي، بعد أن طالب قيادة العمليات العسكرية بتسليم المقر الذي تشغله منذ عام 2017، وحدثت مواجهات بين أنصار الحزب والقوات الأمنية أدت إلى مقتل أفراد إلى جانب ضابط في قوات «البيشمركة».

وانتهت الأزمة بعد قيام رئيس الحزب مسعود بارزاني بتسليم وإهداء المقر، في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى جامعة كركوك لـ«يكون في خدمة طلب العلم والمثقفين في المدينة».

متظاهرون من الكرد فوق بناية مقر حزب بارزاني في كركوك (أرشيفية - شبكة روادو)

معلومات أولية عن الهجوم

وأعلن المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الديمقراطي» في كركوك عن امتلاك الحزب «معلومات عن استهداف المقر»، في حين قال الباحث الكردي كفاح محمود إن «الشبهات تحوم حول المستفيد من تعطيل عمل مجلس المحافظة وعدم التوصل إلى شخصية متفق عليها لإدارة المحافظة».

وأضاف محمود في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «باستنتاج بسيط يمكن الربط بين عمليات حرق الأسواق في أربيل وكركوك ودهوك وبين هذه العملية التي كانت تستهدف اختراق سور الحماية والدخول إلى المبنى وإحراقه، خصوصاً وأنها تشبه توقيتات حرق الأسواق التي جرت في ساعة متأخرة من الليل وتحديداً في الساعات الأولى للصباح».

وتابع محمود: «هذه الأذرع لديها مراكز ووجود وتتسبب في إشكاليات إقليمية بين العراق وإقليم كردستان من جهة وبين دول الجوار من جهة أخرى».

وذكر محمود أن «الأمر المتعلق بمعرفة الجناة يبقى معلقاً لحين كشف تسجيلات منظومة الكاميرات التي صورت حركة تلك العناصر التي استخدمت مبنى قيد الإنشاء».

وتتهم أوساط «الحزب الديمقراطي»، منذ فترة طويلة، عناصر «حزب العمال» الكردستاني التركي بالتورط في مختلف الأعمال العدائية التي تقع ضده وضد بعض الشركات النفطية وشركات الغاز العاملة في الإقليم، خصوصاً في محافظتي كركوك والسليمانية، كما تحمله مسؤولية توغل القوات التركية داخل الأراضي العراقية في إقليم كردستان.

وقال المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» في كركوك، مريوان جلال، السبت، إن «الفرع كان يمتلك معلومات عن استهداف المقر، وإن الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وتزامن مع دور الحزب في تقريب وجهات النظر لتشكيل إدارة كركوك ومجلسها».

وأضاف في تصريحات صحافية أن «الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وهو ليس استهدافاً للحزب الديمقراطي الكردستاني، بل يستهدف جميع مكونات كركوك، وجاء في وقت يعمل فيه الحزب الديمقراطي بتقريب وجهات النظر بين مكونات المحافظة للشروع بتشكيل إدارة المحافظة، وتفعيل عمل المجلس لغرض تقديم الخدمات لجميع مكونات المحافظة».

السوداني خلال استقباله نواباً من المكون التركماني (إعلام حكومي)

السوداني يجتمع بالتركمان

من جانبه، استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت، عضوين من المكون التركماني في مجلس محافظة كركوك، وحثهم على الاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة.

ولم تفلح جهود رئيس الوزراء محمد السوداني حتى الآن في حل أزمة المحافظة برغم لقاءاته المتكررة مع القوى الفائزة في مقاعد مجلسها.

وأشار السوداني، خلال اللقاء، طبقاً لبيان صادر عن مكتبه، إلى «أهمية تقديم مصلحة أبناء كركوك في أي اتفاق بين القوى السياسية التي فازت بالانتخابات، إثر النجاح في إجرائها بعد تعطل استمر منذ عام 2005».

وشدد السوداني على ضرورة «اختيار الإدارات الحكومية المحلية الناجحة، والاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة».

وتتردد منذ أسابيع أنباء عن سعي القوى المتخاصمة في مجلس المحافظة للاتفاق على صيغة لحسم منصب المحافظ من خلال تدويره بين الكتل الفائزة، بحيث يشغل الأكراد المنصب في السنتين الأولى، ثم يذهب إلى العرب في السنتين الأخيرتين من عمر دورة مجلس المحافظة المحددة بأربع سنوات، وهناك حديث عن أن للتركمان حصة في عملية التدوير رغم امتلاكهم لمقعدين فقط من أصل 16 مقعداً في المجلس.