تحضيرات العيد في دمشق... هوة طبقية بين غالبية فقيرة وقلة ثرية

«الطبقة الوسطى» لم تعد موجودة

سوق الحميدية بالعاصمة السورية دمشق يوم 18 يونيو الحالي (أ.ف.ب)
سوق الحميدية بالعاصمة السورية دمشق يوم 18 يونيو الحالي (أ.ف.ب)
TT

تحضيرات العيد في دمشق... هوة طبقية بين غالبية فقيرة وقلة ثرية

سوق الحميدية بالعاصمة السورية دمشق يوم 18 يونيو الحالي (أ.ف.ب)
سوق الحميدية بالعاصمة السورية دمشق يوم 18 يونيو الحالي (أ.ف.ب)

فيما يستعد سكان العاصمة السورية دمشق لقدوم عيد الأضحى المبارك، أظهرت تحضيراتهم لاستقباله الحجم المتزايد للتفاوت الطبقي والمعيشي الكبير بين الفقراء الذين أصبحوا يشكّلون الأغلبية العظمى بعد اختفاء «الطبقة الوسطى»، وقلة قليلة من الأثرياء يقول منتقدوها إنها تمارس البذخ في تحضيرات العيد.

ورصدت «الشرق الأوسط» منذ أيام حالة ازدحام في معظم أسواق دمشق لشراء حاجيات العيد، وقد تنوعت استعدادات المواطنين كل بحسب إمكاناته المادية. وبدا في أغلبية الأسواق إقبال على شراء لوازم صناعة الحلويات في المنزل. وتوضح سيدة وهي من اللاجئين الفلسطينيين المعروف عنهم مهارتهم في صناعة حلوى المعمول بكافة أنواعه، أنها اكتفت بشراء كيلوغرام واحد من الطحين وآخر من العجوة ونصف كيلوغرام من السمنة النباتية وكمية من البهارات لصناعة «معمول بعجوة»، إضافة إلى كيلوغرام من السكاكر وإوقية قهوة.

وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أن ما اشترته يُعتبر «من نوعية متوسطة» وقد كلفها أكثر من 125 ألف ليرة و«الحالة المادية لا تسمح بأكثر من ذلك... سقى الله أيام ما كنا نعمل 10- 15 كيلو طحين للمعمول بعجوة والمعمول بفستق (حلبي) والمعمول بجوز ومقروطة... ليس هذا فقط، فقد كنا نشتري من السوق أيضاً مبرومة وبقلاوة وآسية وبيتيفور وبرازق وغريبة وأفخر أنواع الحلويات».

إقبال جيد... بكميات قليلة

ويوضح صاحب السوبر ماركت الذي كان منهمكاً في تلبية طلبات الزبائن، أن هناك «إقبالاً جيداً» من قبل ربّات المنازل على شراء مستلزمات صناعة الحلويات و«لكن بكميات قليلة»، مشيراً إلى أن هذه الكميات تتراجع في كل عيد عن العيد الذي سبقه، بسبب ارتفاع الأسعار. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في العيد الماضي كانت الناس تشتري 2 – 3 كيلوغرام من الطحين، في هذا العيد يكتفون بـ2 كيلوغرام والكثير منهم يشتري كيلوغراماً واحداً ونصف كيلو سكاكر والبعض يطلب ربع كيلو».

تاجر ينتظر زبائن في محله بسوق الحميدية بدمشق القديمة يوم 18 يونيو (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من التدهور القياسي للقدرة الشرائية للأغلبية العظمى من السوريين بسبب الغلاء غير المسبوق، فإن أصحاب محال صناعة الحلويات في الأسواق استعدوا لموسم العيد بعرض أنواع الحلويات بطرق جذابة تلفت انتباه الناس. وتعرض تلك المحال أنواعاً شتى من الحلويات الشرقية والغربية، وأصنافاً كثيرة من «ممتاز» و«أول»، وهي مصنّعة بالسمن الحيواني ومحشوة بالفستق الحلبي، بالإضافة إلى أصناف «وسط» و«شعبي» تُصنع بالسمن النباتي وتحشى بالفستق.

ووصل سعر الكيلوغرام الواحد «الممتاز» من حلوى آسية في بعض المحال إلى ما يصل إلى 250 ألف ليرة سورية، فيما بلغ سعر الكيلوغرام من «معمول الفستق» ما بين 150- 175 ألف ليرة، و«البيتيفور» و«البرازق» و«الغربية» ما بين 50 – 60 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد.

وبينما يشكو بعض أصحاب المحال الذين يصنعون أصناف «أول» و«وسط» و«شعبي»، من ضعف الإقبال، يؤكد أصحاب محال صناعة الصنف «الممتاز» تلقيهم منذ بداية الأسبوع اتصالات هاتفية من عوائل ثرية لتسجيل طلباتها من الحلويات وبكميات كبيرة لمناسبة عيد الأضحى.

ورصدت «الشرق الأوسط» خلال تواجدها في سوق حي الميدان الدمشقي الشهير بمحلات الحلويات العريقة، ركون العديد من السيارات الفارهة أمامها وقيام العمال بنقل كميات كبيرة من الحلويات إلى صناديقها، في حين كان عمال آخرون يقومون بإيصال طلبات الزبائن إلى منازلهم أو محالهم في الحي ذاته أو أحياء أخرى. وقال أحد العمال لـ«الشرق الأوسط» وهو يهم بإيصال إحدى الطلبيات: «زبائننا أثرياء... صحيح أنهم قلة ولكنهم يشترون في الأعياد وغير الأعياد كميات كبيرة. الزبون الواحد يوازي 50 زبوناً ممن يشترون من المحال الأخرى، التي تبيع صنفي (الوسط) و(الشعبي)».

تراجع في الأسواق الشعبية

وينسحب هذا الوضع على محال بيع الألبسة الجاهزة، إذ يلاحظ في الأسواق الشعبية إقبال ضعيف من الناس على الشراء ومعظمه على المحال، التي تبيع بضائع مصنّعة محلياً وذات جودة متدنية بسبب تردي الوضع المعيشي، في حين يقبل البعض على محال الألبسة المستعملة (البالة). ويقول رجل كان رفقة ابنه الصغير: «كسوة جيّدة للولد اليوم تكلّف أكثر من نصف مليون ليرة فيما الراتب يبلغ 100 ألف ليرة. لقد قضيت الأمر بشراء بنطال وقميص بـ200 ألف ليرة، ولولا الحوالة التي أرسلها الولد الكبير (من خارج سوريا) لما استطعت أن أشتري شيئاً للصغير».

في المقابل، تشهد محال الألبسة الجاهزة في الأحياء الراقية ومن بينها الشعلان وباب توما والحمراء، التي تبيع ماركات عالية الجودة وبعضها ذات مصدر أجنبي، حركة إقبال «مقبولة» على الشراء من قبل عائلات «الطبقة المخملية»، وفق ما قالت مصادر في تلك الأسواق لـ«الشرق الأوسط».

وقبل سنوات الحرب المستمرة منذ منتصف مارس (آذار) 2011، لم تكن غالبية السوريين من الأثرياء الذين كانت أعدادهم قليلة، لكن البلاد اتسمت بوجود «طبقة وسطى» واسعة، تتمتع بمستوى معيشة مريح نسبياً. ومع هذا، تسببت إجراءات تحرير الاقتصاد، التي بدأت في تسعينات القرن الماضي، في اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء. وخلال سنوات الحرب راحت أعداد «الطبقة الوسطى» تتراجع تدريجياً وصولاً إلى انعدامها تقريباً حالياً وانضمامها إلى طبقة الفقراء المعدمين مادياً بسبب الغلاء وتراجع مداخيل العائلات الشهرية. في المقابل، ظهرت طبقة جديدة نسبتها قليلة جداً وأطلق عليها «أثرياء الحرب»، وبعض أفرادها راكم ثروات كبيرة مستفيداً من الأوضاع التي استجدت في البلاد.

ولا يتعدى الراتب الشهري لموظفي القطاع الحكومي 150 ألف ليرة، فيما باتت العائلة المؤلفة من 5 أفراد تحتاج إلى أكثر من 4 ملايين ليرة شهرياً بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، خصوصاً المواد الغذائية.


مقالات ذات صلة

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، أمس، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لم تصدر أي تفاصيل حول نتائج لقاء الموفد الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الأحد، مع وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

«حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)
«حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)
TT

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

«حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)
«حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)

قال القيادي في حركة «حماس» أسامة حمدان اليوم الاثنين إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض، مؤكدا أن الحركة معنية في الوقت نفسه بوقف الحرب.

وأضاف حمدان لتلفزيون «الميادين» اللبناني: «نحن معنيون بوقف العدوان على شعبنا، والحديث عن هدنة لـ5 أيام ثم العودة إلى القتال لا يحقق مطلبه»، مشيرا إلى أن آخر عرض أميركي كمقترح لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة تم تقديمه قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية الماضية.

وتابع قائلا: «الإسرائيلي يريد أن يسترجع الأسرى لدى المقاومة وأن ترفع الأخيرة راية الاستسلام ثم يقرر إذا ما أراد وقف الحرب أم لا».

وحول وضع الأسرى في ظل المعارك الدائرة في القطاع، قال حمدان: «لا أحد يستطيع أن يجزم بأي أمر بشأن وضعية الأسرى وحالتهم».

وأضاف: «في غزة معركة تدور، إذا انقطعت أخبار الآسرين من المقاومة تنقطع أخبار الأسرى الإسرائيليين. إذا استشهد المقاوم الذي يهتم بأسرى إسرائيليين فإن حياتهم تصبح في خطر عندما يخسرون من يهتم بهم».

وانهارت العديد من جولات المفاوضات للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية مصرية وقطرية وأميركية، باستثناء هدنة واحدة جرى التوصل إليها لمدة أسبوع في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أبلغت قطر «حماس» وإسرائيل بأنها ستوقف جهودها في الوساطة حتى يظهرا «الاستعداد والجدية» لاستئناف المحادثات.

وقال خليل الحية القائم بأعمال رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة في وقت سابق هذا الشهر إن المقترح الأميركي الأخير لوقف إطلاق النار «لم يتحدث عن وقف الحرب ولا عودة النازحين، بل عن إعادة بعض الأسرى الإسرائيليين فقط»، وأضاف: «نريد أن يتوقف هذا العدوان، ويجب أن يتوقف أولاً لكي يتم أي تبادل للأسرى».