عمرها من عمر نكبة فلسطين... فاللاجئة أم علي تفتّحت عيناها عام 1948 في مخيم الوحدات بشرق العاصمة الأردنية عمان، ولا تعرف وطناً سواه.
رافقها اللجوء طوال سنوات عمرها الخمسة والسبعين. وكأي لاجئ فلسطيني كانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) رفيقاً لها في شتى مناحي الحياة.
وتقول إن «الأونروا» ليست جهة لدعم اللاجئين الفلسطينيين فقط، وإنما «بقاؤها إثبات لهويتنا، وبقاؤها من بقاء حق عودتنا لبلادنا».
تحتفظ أم علي بما يُطلق عليه «كارت المؤن»، وهو بمثابة بطاقة تسجيل هوية تمنحها «الأونروا» للاجئين الفلسطينيين من أجل الحصول على المساعدات. وتمثل هذه البطاقة اليوم إثباتاً قانونياً لأجيال من اللاجئين الفلسطينيين، يحتفظون بها رغم عدم استفادة غالبيتهم منها على صعيد الدعم المالي.
وتضيف «بوصفنا أبناء مخيمات، لمسنا تراجعاً في الخدمات التي تقدمها الوكالة في مجال التعليم والصحة في مخيم الوحدات، ولكن الأهم استمرارها لضمان حقوق الأجيال المقبلة من الفلسطينيين في الشتات».
ومن الجيل الثالث للجوء، ما زال الشاب زيد يحافظ على زيارته لمخيم الوحدات الذي سكنه أبوه وجده، ويحتفظ بالوحدة السكنية التي وزعتها «الأونروا» على اللاجئين الفلسطينيين عقب نكبتهم بديلاً عن الخيم.
ورغم أن زيد يسكن العاصمة عمان منذ ولادته، فإنه يقول للوكالة إن «كارت المؤن» والوحدة السكنية في المخيم سيظلان رابطاً يربطه هو وأطفاله وربما أحفاده بصفتهم كلاجئين فلسطينيين، ويضيف: «بقاء (الأونروا) هو اعتراف ببقاء قضية اللاجئين».
انهيار وشيك
باتت الأزمة المالية التي تعصف بـ«الأونروا» منذ سنوات هاجساً لدى مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، حيث يعيش في البلاد العدد الأكبر منهم على مستوى العالم، لكن تصريحات إدارة «الأونروا» تنذر بأن انهيارها بات وشيكاً.
ورداً على استفسارات «وكالة أنباء العالم العربي»، قال المستشار الإعلامي لـ«الأونروا» عدنان أبو حسنة إن الأزمة المالية عميقة ومركبة، وتتكرر منذ سنوات عديدة، إلا أنها هذا العام تأخذ بعداً آخر بسبب النقص الكبير في تبرعات الدول المانحة.
يقول أبو حسنة إنه في الوقت الذي ازدادت فيه أعداد اللاجئين ومتطلباتهم، لم تزد الميزانية منذ سنوات.
ويضيف أن «الأونروا» أنهت عام 2022 بعجز مالي بلغ 75 مليون دولار جرى ترحيله للعام الحالي، ما زاد من الأعباء المالية على ميزانيتها؛ إذ لم تعد قادرة على مزيد من الإجراءات التقشفية التي أصبحت تمس برامجها.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد حذر في تصريحات أدلى بها الشهر الحالي من أن وكالة «الأونروا» «على وشك الانهيار المالي».
فيما أعلن المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني أمس الخميس أن الوكالة لن تتمكن دون تمويل فوري من مواصلة عملها بعد شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، ما يهدد «بإغلاق أكثر من 700 مدرسة و140 مركزاً صحياً تابعة لـ(الأونروا)».
وقال لازاريني خلال اجتماع اللجنة الاستشارية للوكالة في العاصمة اللبنانية بيروت إن خدمات الطوارئ في كافة مناطق عمليات «الأونروا» ستتوقف، «ما يترك الملايين من لاجئي فلسطين الذين يعتمدون على المعونات من (الأونروا) على أعتاب مجاعة».
وفي وقت سابق من الشهر، وصف لازاريني الوضع المالي للوكالة بأنه خطير للغاية، ودعا الدول الأعضاء إلى عدم النظر إلى قدرة الوكالة على تقديم الخدمات للاجئي فلسطين «بوصفه أمراً مسلّماً به».
وأضاف: «الوكالة لم تعد قادرة على تلبية مستوى التوقعات، وأصبح هذا التوتر بين نقص الموارد وزيادة الاحتياجات - عاماً بعد آخر - أمراً لا يطاق بالنسبة للوكالة. نحن المنظمة الوحيدة التي تعمل اليوم بتدفق نقدي سالب».
وحذر من أن هذا يضع الخدمات الأساسية التي تقدمها «الأونروا» لنحو 5.9 مليون لاجئ فلسطيني «على المحك».
لا بدائل
عن ذلك، قال المستشار الإعلامي لـ«الأونروا» عدنان أبو حسنة لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن تلك التصريحات تعكس رؤية حقيقية لواقع «الأونروا المالي» وعدم قدرتها في سبتمبر المقبل على مواصلة تقديم خدماتها، ودفع رواتب موظفيها، ما لم تستطع توفير الموارد المالية.
وأشار إلى أن ما حصلت عليه «الأونروا» من تعهدات جديدة هو 13 مليون دولار فقط حتى الآن، في حين بلغ مجموع ما تسلمته من ميزانية البرامج 57 في المائة فقط من ميزانيتها المقررة لهذا العام والبالغة 847 مليون دولار، يضاف إليها 75 مليوناً هو عجز العام الماضي.
وقال إن هذا يعني أنها «لن تكون قادرة على مواصلة تقديم خدماتها في الفترة ما بين سبتمبر حتى نهاية العام الحالي».
أما جمال الشوربجي، عضو المكتب التنفيذي للجنة العليا للدفاع عن حق العودة، فيرى أن أزمة «الأونروا» المالية تتكرر كل عام بسبب ما وصفه بعبارة «الابتزاز المالي الذي تمارسه بعض الدول المانحة». وقال إن هذا يعطل دور «الأونروا» في تقديم خدماتها للاجئين، ويضيف أن الدعم المالي لا يغطي 30 في المائة من موازنة الوكالة.
وقال الشوربجي إن هناك محاولات مستمرة «تقودها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لتصفية قضية حق العودة» عن طريق إلغاء دور «الأونروا» بصفتها الشاهد التاريخي الأكبر على النكبة الفلسطينية والتهجير.
وأضاف أن «الأونروا» تمثل في ذهن اللاجئ الفلسطيني الرمز للمأساة والشتات، وهي الراية التي يقف خلفها لتبقى قضيته ظاهرة أمام العالم، مؤكداً أن لانسحابها آثاراً سلبية على اللاجئين لا سيما في قطاع التعليم والصحة.
أعباء اقتصادية إضافية على الأردن
الخبير الاقتصادي حسام عايش قال لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن «الأونروا» تتحمل جزءاً كبيراً من كلفة اللاجئين الفلسطينيين في المجال التعليمي والصحي في الأردن، لكنها تواجه «محاولات تصفية بوقف تمويلها أو تقليصه».
وأكد عايش أن التبرعات التي تحصل عليها «الأونروا» من الدول المانحة تقل عن حاجتها بنسبة 70 في المائة، وهو ما يمثل ضغطاً على الأردن المنهك اقتصادياً من قضية اللاجئين خصوصاً اللاجئين السوريين في الآونة الأخيرة.
إلا أن عايش يرى أن تحويل قضية «الأونروا» إلى قضية مالية «أمر خطير لأنه محاولة لإزاحة الأنظار عن القضية الأصلية وهي حقوق الفلسطينيين بأرضهم»، وقال إن محاولة إلغاء دور «الأونروا» «يشغل الفلسطينيين عن الهم الأصلي، ويحوّل اهتمامهم إلى هم خاص يتعلق بمعيشتهم».
ويقول إن هذا يبعد أيضاً الأردن عن التفكير بحقوق مواطنيه من أصل فلسطيني، فيما يتعلق بأرض فلسطين، ويحوّله إلى التفكير فقط بتدبير مزيد من العون والمساعدات المالية للاجئين.
تأسست «الأونروا» بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة والتشغيل للاجئي فلسطين. ووفقاً لموقعها الرسمي، يعيش في الأردن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين وبنسبة 41 في المائة من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين.
ويوجد أكثر من 2.2 مليون لاجئ فلسطيني مسجل لدى الوكالة في الأردن حتى عام 2020.
ويتمتع اللاجئون الفلسطينيون بالمواطنة الأردنية الكاملة باستثناء نحو 140 ألف لاجئ أصلهم من قطاع غزة الذي كان حتى عام 1967 يتبع الإدارة المصرية، وهم يحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة لا تخولهم حق المواطنة الكاملة مثل حق التصويت وحق التوظيف في الدوائر الحكومية.
وبالأردن عشرة مخيمات رسمية وثلاثة غير رسمية، يعيش فيها 400 ألف لاجئ، بينما يعيش اللاجئون الآخرون في مختلف المدن الأردنية.
وتقدم «الأونروا» تعليماً أساسياً لأكثر من 122 ألف طالب وطالبة في 169 مدرسة تابعة لـ«الأونروا» في مخيمات الأردن.