عاودت «جبهة إسطنبول»، إحدى الجبهات المتصارعة على قيادة تنظيم «الإخوان»، الظهور بعد أشهر من الخفوت، وطرحت مشروعاً جديداً أطلقت عليه اسم «رسوخ»، لـ«تجاوز خلافات (قيادات الخارج)، والحفاظ على (ثوابت التنظيم)»، في حين تجاهلت قيادات «جبهة لندن» ما طرحته «مجموعة إسطنبول». وقال باحثون في الشأن الأصولي إن «مشروع (رسوخ) مجرد محاولة لحسم الصراع وإثبات الوجود». وأفاد الباحثون بأن «مشروع (جبهة إسطنبول) لن يحلَّ الخلافات المتعمقة».
ووفق موقع «إخوان أونلاين»، التابع لـ«جبهة إسطنبول»، فإن ما يسمى «الهيئة اﻹدارية في (الإخوان)» قد «أطلقت إشارة البدء لمشروع (رسوخ)، الذي يعمل عليه فريق من المختصين من كوادر (الإخوان)، ويهدف إلى الحفاظ على ثوابت التنظيم وأصوله وأركانه من كل أشكال تغيير هويته، أو محاولات تحويل مساره، وسدّ الثغرات التي أفرزتها الأزمة الحالية، والظروف التي مر بها التنظيم منذ 2011».
وأكد البيان، الذي حمل توقيع محمود حسين، القائم بأعمال المرشد العام لـ«الإخوان»، الأحد، فإن «رسوخ» يهدف كذلك إلى ترسيخ منظومة (الأصول والثوابت والأركان والمؤسسية) لدى مؤسسات التنظيم والقيادة والرموز. ووفقاً للبيان «سوف يتم، خلال المشروع، تشخيص التغيرات المهدِّدة للتنظيم، ومن المتوقع أن يستمر العمل في المشروع عامين».
الباحث المصري المتخصص في الشأن الأصولي عمرو عبد المنعم قال إن «(مجموعة إسطنبول) تحاول، عبر مشروع (رسوخ)، حل الأزمة الداخلية داخل التنظيم، عبر مبادرات مختلفة، حيث يعاني التنظيم من (تآكل) النخبة القيادية، وتسرب الأعضاء بسبب الانقسامات الداخلية، طوال السنوات الماضية». وأضاف، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الانقسامات والأزمات ما زالت متصاعدة بين جبهتيْ (لندن) و(إسطنبول) على القيادة، وكل جبهة تُمثل نفسها، وتدَّعى أنها (هي الإخوان)، خلال أية فعالية سياسية أو حزبية في الخارج»، لافتاً إلى أن «التنظيم يكافح للسيطرة على عناصره وخلافات القيادات».
ويرى الباحث المصري المتخصص في الشأن الأصولي أحمد زغلول أن «مشروع (رسوخ) هو من الأدوات الإعلامية في الصراع على قيادة التنظيم، فالصراع داخل التنظيم الآن صراع إعلامي في المقام الأول؛ بسبب تشظي التنظيم سياسياً، وتشظي قواعده بين أكثر من دولة، وغياب المشروع الجامع، فضلاً عن الخلافات الأيديولوجية والفكرية، والأزمات الاجتماعية لعناصر الإخوان، خصوصاً في تركيا، لذا لا توجد مجموعة داخل (الإخوان) لديها تصور وحضور وتأثير على أرض الواقع تستطيع من خلاله حسم الصراع الإداري الموجود».
وأضاف زغلول، لـ«الشرق الأوسط»، أن «طرح (جبهة إسطنبول) مشروع (رسوخ) هدفه تأكيد أن الجبهة قادرة على الاشتباك مع الواقع، وأن لديها تصورات لحل الأزمات الداخلية، ولديها (مرونة) للاستجابة لمختلف التحديات، وتحاول (مجموعة محمود حسين) تصدير أن لديها تصوراً للأزمة على عكس (جبهة لندن)»، لافتاً إلى أن «قيادات (مجموعة لندن) تجاهلت ما أعلنته (مجموعة إسطنبول) حول مشروع (رسوخ)»، موضحاً أن «هدف (جبهة إسطنبول) من المشروع هو حسم الصراع وإثبات الوجود، لكن لن يكون لهذا المشروع أي وجود بين عناصر التنظيم، ولن يحلّ الخلافات المتعمقة».
وشهدت الأشهر الماضية هدوءاً بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» حول قيادة تنظيم «الإخوان»، عقب خلافات وأزمات بسبب اختيار «جبهة لندن» القيادي الإخواني صلاح عبد الحق قائماً بأعمال مرشد «الإخوان»، في مارس (آذار) الماضي. لكن «جبهة إسطنبول» عارضت هذا الاختيار. وقالت «مجموعة إسطنبول»، حينها، إن «(الإخوان) لها (مجلس شورى عام) من الداخل والخارج، وقد اختار محمود حسين قائماً بأعمال المرشد، وشكل هيئة إدارية جديدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
وهنا أوضح عبد المنعم أن «تنظيم (الإخوان) يعيش حالياً حالة من الضعف الفكري والأيديولوجي والسياسي والحركي والتنظيمي، وهذا يظهر في تصورات (قيادات الخارج) في التعامل مع قضايا التنظيم الداخلية، وبدت (لغة الصراع) واضحة في أي محاولة للتقارب بين الجبهات المتصارعة (سواء «جبهة لندن» أو «جبهة إسطنبول» أو «تيار الكماليين») لتهدئة الخلافات».
وفي مطلع الشهر الحالي، رفضت السلطات التركية منح الداعية المصري المُوالي لـ«الإخوان» وجدي غنيم، «المُدان في قضايا عنف بمصر»، الجنسية والإقامة، على غرار ما سبق مع قيادات وعناصر التنظيم، الذي تصنِّفه السلطات المصرية على أنه «إرهابي». ووفق عمرو عبد المنعم، فإن «السلطات التركية تُعيد الآن التقييم الأمني والقانوني لما يقرب من 100 من عناصر (الإخوان)، بعضهم حصل على الجنسية والإقامة في تركيا بالفعل، والبعض الآخر لم يحصل عليها».
يأتي هذا في وقت تقترب العلاقات المصرية التركية من منعطف جديد، يضاف إلى الحراك الإيجابي المتسارع على صعيد التقارب بين القاهرة وأنقرة، عقب توجيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان دعوة إلى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة تركيا، وفقاً لما أعلنه القائم بالأعمال التركي في القاهرة، صالح موتلو شان، قبل أيام.
واتفق السيسي وإردوغان، في وقت سابق، على «رفع درجة التمثيل الدبلوماسي إلى درجة السفراء». وكانت السلطات التركية قد اتخذت، على مدى الأشهر الماضية، عدداً من الإجراءات «المشددة» تجاه عناصر مُوالية لـ«الإخوان» ومنابر «التنظيم» الإعلامية التي تنطلق من الأراضي التركية، وفرضت ضوابط للحد من تحريضهم ضد السلطات المصرية، وهو ما اعتُبر، وقتها، «إشارات تركية تؤكد جديتها في طي صفحة التوتر مع القاهرة».
من جهته، ذكر عبد المنعم أن «خطاب (الإخوان) الحالي لا يتمتع بالتكيف مع الوضع السياسي القائم، سواء في تركيا أم بعض الدول الموجود بها عناصر (الإخوان)، فالتنظيم يتحول من المركزية إلى تبرير (فلسفة الصراع)، من دون القدرة على إنتاج تأويل يناسب حاجات التنظيم في البقاء أو فتح مسار لعلاقات جديدة وفق المستجدّات الإقليمية والدولية».