هل يمكن أن يسبّب «سد النهضة» الإثيوبي زلازل في أفريقيا؟

تواتر حدوث هزات أخيراً أثار مخاوف من انهياره

سد النهضة الإثيوبي (غيتي)
سد النهضة الإثيوبي (غيتي)
TT
20

هل يمكن أن يسبّب «سد النهضة» الإثيوبي زلازل في أفريقيا؟

سد النهضة الإثيوبي (غيتي)
سد النهضة الإثيوبي (غيتي)

أثار تواتر حدوث الزلازل في إثيوبيا مؤخراً مخاوف تتعلق بانهيار «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل، جراء هذه الهزات الأرضية، والتي تحدث في منطقة توصف بأنها نشطة زلزالياً، وهي «منطقة الأخدود الأفريقي»، لكن هذه المخاوف التي تركز على تبعات وقوع الزلازل، لا تهتم كثيراً بأسباب وقوعها، والتي لا يمكن فصلها عن مشروع بناء السد.

ووقع الاثنين الماضي، على بعد 100كم فقط شمال شرقي سد النهضة، زلزال بقوة 4.4 درجة على مقياس «ريختر» على عمق 9.8 كم، وهو الأول في تاريخ تلك المنطقة، والأقرب لسد النهضة، وقبله بيوم وقع زلزال بقوة 4.1 درجة على عمق 10 كم، شرق إثيوبيا، على بعد نحو 650 كم شرق سد النهضة، وقبله وقعت عدة زلازل متوسطة، منها زلزالان في 26 ديسمبر (كانون الأول) 2022 بقوة 5.5، 4.6 درجة شمالي إثيوبيا على الحدود مع إريتريا، وزلزال بقوة 4.6 درجة على عمق 10 كم في 26 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، شمالي إثيوبيا، على بعد نحو 500 كم من سد النهضة.

وإذا كانت الزلازل عادة ما توصف بأنها كوارث طبيعية لا دخل للإنسان في حدوثها، إلا أن بعض الدراسات بدأت تهتم مؤخراً بأنواع تسمى بـ«الزلازل المستحثة»، والتي كما يظهر من اسمها، يكون سببها أنشطة بشرية حفزت حدوثها، ومن بين هذه الأنشطة التي يذكرها العلماء «بناء السدود».

يقول مارتن ماي، أستاذ علوم الأرض والهندسة بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست)، لـ«الشرق الأوسط»، إن «السدود الكبيرة يمكن أن تولد زلازل، ويقع ذلك ضمن فئة (الزلازل المستحثة)، ويكون معظم هذه الزلازل صغيرة، مثل تلك التي يولدها سد أسوان في مصر، لكن يمكن أيضاً أن تتسبب في زلازل ضخمة مثل زلزال (ونتشوان) بالصين عام 2008».

ومع اعترافه بوجود العلاقة بين بناء السدود وحدوث الزلازل، أضاف: «لا أستطيع تحديد فرص حدوث زلزال كبير، كالذي حدث في الصين، يكون مرتبطاً ببناء سد النهضة وملئه، ولا يسعني إلا أن أفترض أن الخبراء المعنيين يدرسون المشكلة، وأن لديهم معدات مراقبة الزلازل في المكان المناسب، لرصدها والتخفيف من حدتها».

ما قاله ماي إنه لا يستطيع تحديد فرص حدوثه، استشعرت خطورته دراسة لـ«يوهانس يهديغو ولديوهانيس» من جامعة «لاتروب» بأستراليا، حيث ذهبت تلك الدراسة المنشورة في يونيو (حزيران) 2017 بـ«المجلة العالمية للعلوم البيئية والإدارة»، إلى أن المنطقة مهيأة لزلزال عميق وضخم؛ لأن حجم مياه سد النهضة عندما يكتمل ملؤه سيؤدي إلى ضغوط كبيرة تحت سطح الأرض، ويمكن أن يؤدي إلى أحداث زلزالية كبيرة.

ويشرح إيكو تووهاتا، أستاذ الهندسة الجيوتقنية في جامعة طوكيو باليابان، لـ«الشرق الأوسط»، آلية تسبب السدود في حدوث الزلازل، موضحاً أن «استقرار مستويات الصدع (مستويات التلامس لكتلتين صخريتين) يعتمد على نسبة قوة الانزلاق ومقاومة الاحتكاك الناتجة عن ضغط التلامس لكتل الصخور مضروباً في معامل الاحتكاك، ويقلل ضغط الماء المرتفع من ضغط التلامس (وزن الكتلة الصخرية العلوية مطروحاً منها ضغط الماء)، وبالتالي مقاومة الاحتكاك، ويكون من نتيجة ذلك التأثير على استقرار مستوى الصدع؛ المزيد من احتمال تمزق الفوالق، وحدوث الزلزال».

يقول تووهاتا: «تتوافق فكرة هذا النشاط الزلزالي المستحث مع الزلازل التي سببها سد (كوينا) في (ماهاراشترا) بالهند، ومن بين أقوى تلك الزلازل، كان زلزال بقوة 6.6 قتل أكثر من 170 شخصاً، ورغم أن قوة الزلزال لم تكن كبيرة بشكل رهيب، فإن عمق مركزه كان ضحلاً (15 كم أو نحو ذلك فقط)، وقريباً من منازل الضحايا».

يضيف: «هناك المزيد من الأمثلة الأخرى مثل سد (نوريك) في طاجيكستان، وسد (أسوان) العالي في مصر، وسد (هوفر) بالولايات المتحدة، وما إلى ذلك، لكنها كانت أحداثاً ضعيفة ولم تحصد أرواحاً بشرية، أما زلزال (ونتشوان) بالصين فالباحثون الدوليون يلومون السد في الغالب، بينما يرفض الباحثون المحليون الصينيون الفكرة».

وبعد هذا الرصد التاريخي، يؤكد تووهاتا ضرورة عدم إغفال طبيعة المنطقة التي يتم بناء السد فيها، قائلاً: «لنفترض وجود صدع واحد يكون فيه الإجهاد التكتوني الطبيعي مرتفعاً بالقرب من الحد الأعلى، ومن المحتمل حدوث زلزال في غضون بضعة عقود (وقت قصير جداً بالمعنى الجيولوجي)، فإن إنشاء خزان في هذه الحالة يجعل ضغط الماء الإضافي، يؤدي إلى حدوث زلزال قبل بضعة عقود من العام الطبيعي، وفي مثل هذه الحالة، يكون حجز المياه الصناعية مساعداً في حدوث الزلزال، وليس السبب الرئيسي، وفي المقابل، فإن ارتفاع ضغط المياه في الخزان الذي يتسبب في حدوث زلزال في صدع مستقر بشكل طبيعي، سيكون هو المسؤول الكامل عن الكارثة»..

خريطة للهزات الأرضية التي شهدتها إثيوبيا أخيراً (عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة)
خريطة للهزات الأرضية التي شهدتها إثيوبيا أخيراً (عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة)

ويتفق عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، مع ما ذهب إليه تووهاتا، موضحاً أن «المنطقة الإثيوبية تقع ضمن أكبر فالق على اليابس في العالم، وهو (الأخدود الأفريقي)، وهي منطقة بطبيعتها نشطة زلزالياً؛ لذلك فإن هذا السد المخطط له أن يحجز 74 مليار متر مكعب من المياه، يمكن أن يسبب مزيداً من الإجهاد، الذي يكون من نتيجته زلزال مدمر».

يقول: «الزلازل التي وقعت مؤخراً تقترب من الزلازل المتوسطة غير المدمرة، لكن تظل هناك احتمالات لوقوع زلازل كبيرة، وسيزيد هذا الاحتمال بعد ملء السد بنحو 74 مليار متر مكعب، كما تقول إثيوبيا، وهو رقم ضخم للغاية».

ويضيف: «حتى دون بناء السد، فإن المنطقة نشطة زلزالياً، ويمكن أن تصل الموجات الزلزالية إلى السد في حالة وقع الزلزال بمنطقة بعيد عنه، وسوف يؤدي ذلك إلى تدميره». ويرفض شراقي المقارنة مع السد العالي، موضحاً أن «السد العالي يتسبب في حدوث زلازل ضعيفة؛ لأنه في منطقة غير نشطة زلزالياً، والزمن أثبت متانته، لكن سد إثيوبيا في منطقة لا تسمح جيولوجيتها بإنشاء سد بهذه الضخامة».

يقول إن «أقصى ما تسمح به جيولوجية هذه المنطقة هو سد لا يتجاوز حجم المياه التي يحجزها من 5 إلى 10 مليارات متر مكعب، بحيث إذا تأثر بوقوع الزلازل بتلك المنطقة النشطة، نكون حينها أمام فيضان مدمر، ولكن مع سد النهضة سنكون أمام طوفان يبتلع مدناً بأكملها».



«هاجم عرفات ونافس البرغوثي»... كيف تدرَّج حسين الشيخ في صفوف «فتح»؟

حسين الشيخ خلال أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله 23 أبريل الحالي (إ.ب.أ)
حسين الشيخ خلال أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله 23 أبريل الحالي (إ.ب.أ)
TT
20

«هاجم عرفات ونافس البرغوثي»... كيف تدرَّج حسين الشيخ في صفوف «فتح»؟

حسين الشيخ خلال أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله 23 أبريل الحالي (إ.ب.أ)
حسين الشيخ خلال أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله 23 أبريل الحالي (إ.ب.أ)

كان حسين الشيخ طفلاً حين وُلدت حركة «فتح» ذات شتاء عام 1965. لم يكن الطفل ذو الأعوام الخمسة يدرك حينذاك حجم التحولات التي مثَّلها الحدث، ولا ما سيتركه من علامات على مسيرة الفلسطينيين، ومسيرته الشخصية حتى اليوم.

لكن العقود التي تلت وتدرج خلالها الشيخ في صفوف «فتح» حتى أصبح نائباً للرئيس محمود عباس، لم تكن مساراً تصاعدياً مستمراً؛ إذ شهدت منعطفات خطيرة كادت تودي بمسيرته كلها، ولعل أبرزها خلافه العلني مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، مما تسبب في إصدار أمراً باعتقاله، وقبلها تنافسه بقوة مع القائد الفتحاوي البارز مروان البرغوثي.

من السجن إلى الانتفاضة

الشيخ المولود في رام الله عام 1960، انخرط مبكراً في سن السابعة عشرة في العمل السياسي والشعبي، وانضم إلى صفوف «فتح»، وحل معتقلاً عام 1978 على السجون الإسرائيلية بتهمة الانتماء لخلية نفَّذت هجمات.

أمضى الشيخ 11 عاماً خلف القضبان وتنقل من سجن إلى آخر، وخلال سجنه عكف الشيخ على تعلم العبرية، وفي مقابلة صحافية سابقة، قال إنه حين دخل السجن لم يكن يعلم شيئاً عن إسرائيل، فلجأ لتعلم العبرية ليعرفها ويحاول فهمها.

حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني برام الله في ديسمبر 2023 (رويترز)
حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني برام الله في ديسمبر 2023 (رويترز)

بينما كانت شرارات الانتفاضة الأولى (1987 - 1992) تتطاير، أفرجت السلطات الإسرائيلية عن الشيخ بعد إتمام محكوميته. فخرج ليجد الشارع الفلسطيني يغلي غضباً. ومجدداً، انخرط بنشاطات الانتفاضة وصولاً إلى انتخابه عضواً في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى.

يستذكر الكاتب الفلسطيني أكرم عطا الله تلك الحقبة ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الشيخ كان من أبرز وجوه (فتح) في الضفة الغربية قبل مجيء السلطة الوطنية (بعد اتفاق أوسلو عام 1993)». مضيفاً: «كان قائداً في (فتح) خلال الانتفاضة الأولى، وكان واحداً من وجوه الحركة في السجون الإسرائيلية».

في مطلع التسعينات وبعد توقيع اتفاق أوسلو الذي أفضى إلى ولادة السلطة الفلسطينية، شغل حسين الشيخ رتبة عقيد في قوات الأمن الفلسطينية من عام 1994 إلى 1997.

بعدها، انتُخب الشيخ في اللجنة الحركية العليا للحركة في الضفة الغربية. كما تولى منصب نائب رئيس اللجان السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، إلى أن جرى تعيينه أميناً لسر لحركة «فتح» في الضفة الغربية عام 1999.

ثنائية مع البرغوثي

تنافس الشيخ مع شخصية بارزة أخرى في «فتح» في عقد التسعينات، وخاض معها انتخابات داخلية محمومة. فكان غريمه ونده هو مروان البرغوثي المسجون حالياً في السجون الإسرائيلية وأحد أبرز الوجوه التي تحظى بشعبية في صفوف «فتح».

حسم الشيخ المنافسة الداخلية مع البرغوثي لصالحه عبر صندوق الاقتراع، فيما مضى البرغوثي ليكتب فصولاً أخرى في مسيرته؛ إلا أن الثنائية بينهما لم تنتهِ، إذ استمرت حتى غياب البرغوثي خلف القضبان ليُمضي حكماً عليه بخمسة مؤبدات و40 عاماً.

صورة أرشيفية لمحاكمة مروان البرغوثي في إسرائيل (رويترز)
صورة أرشيفية لمحاكمة مروان البرغوثي في إسرائيل (رويترز)

يقول عطا الله: «كان اسم حسين الشيخ دائماً إلى جانب مروان. المنافسة على قيادة (فتح) في الضفة الغربية كانت محصورة بينهما». ويضيف: «في لحظة من اللحظات، فاز حسين على مروان في انتخابات لم يحالف فيها الحظ البرغوثي، و حصل الشيخ على أمانة سر (فتح)».

بعد عقود، عاد الرجلان والتقيا، زار الشيخ البرغوثي في زنزانته أكثر من مرة كان آخرها عام 2021، إذ نقل إليه رسائل من القيادة الفلسطينية تدعوه لعدم الترشح في الانتخابات التي كانت مقررة حينها.

الملاحقة وغضب عرفات

مع اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، انخرط الشيخ في صفوفها أيضاً، وواجه ملاحقة إسرائيلية. لكن بعدها بثلاث سنوات تصادم مع الرئيس الراحل ياسر عرفات.

حينها تحدى الشيخ الرئيس عرفات عبر بيان أصدره باسم «كتائب شهداء الأقصى»، (الجناح المسلح لحركة فتح)، وحمل حينها انتقادات لقيادات في السلطة.

الرئيس الفلسطيني الرحل ياسر عرفات (أرشيفية)
الرئيس الفلسطيني الرحل ياسر عرفات (أرشيفية)

أمر عرفات حينها باعتقال الشيخ، وقررت اللجنة المركزية لفتح تنحيته من منصبه والدعوة لمحاكمته، وبات مُلاحَقاً من أجهزة الأمن الفلسطينية، لكن عرفات مات عام 2004، لتكتب وفاته حياة جديدة على ما يبدو للشيخ.

يستذكر عطا الله الحادثة مشيراً إلى أنها عكست «شخصية ذات حضور، لا تعيش في ظل أحد، وهذا يُحسب له، لأن من يتحدى عرفات ليس شخصاً هامشياً في حركة فتح».

صعود جديد

كان يمكن لصدام الشيخ مع عرفات أن يمثل انتحاراً سياسياً؛ إلا أن مسيرته استمرت، إذ عاد الشيخ للواجهة بعد تولي محمود عباس قيادة «فتح» والسلطة.

في عام 2007 تولى منصب وزير الهيئة العامة للشؤون المدنية ورئاسة لجنة التنسيق المدنية العليا، وهي الجهة المسؤولة عن التعامل المباشر مع الحكومة الإسرائيلية.

تولّى الشيخ مسؤوليات على تماسٍّ مع حياة المواطنين الفلسطينيين اليومية، مثل إدارة ملفات أموال الضرائب من إسرائيل، ولمّ الشمل، والتصاريح، والخدمات الاقتصادية.

سيارات منتظرة عند حاجز عطارة الإسرائيلي قرب رام الله يناير الماضي (أ.ف.ب)
سيارات منتظرة عند حاجز عطارة الإسرائيلي قرب رام الله يناير الماضي (أ.ف.ب)

وفي عام 2008 انتُخب الشيخ عضواً في اللجنة المركزية، كما انضم في عام 2017 إلى لجنة الحوار الوطني في ملف المصالحة مع «حماس»، ثم انتُخب في 2022 عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قبل أن يكلفه عباس في نفس العام بأمانة سر اللجنة خلفاً لصائب عريقات.

خليفة محتمل؟

يُعد الشيخ من الشخصيات المقربة للغاية من الرئيس عباس، إذ يرافقه في جولاته الخارجية ويشاركه الاجتماعات الإقليمية والدولية.

يقول عطا الله إن حسين خلال السنوات الماضية بات معروفاً على مستوى الداخل، الإقليم، والدول الغربية، منوهاً إلى «بات يُنظر إليه على أنه حالة قيادية فلسطينية تلعب أدواراً مهمة».

وكان لافتاً في الآونة الأخيرة أن معظم الوفود الأجنبية والعربية التي تزور فلسطين، لا سيما وزراء الخارجية، يجتمعون مع حسين الشيخ. يضيف عطا الله: «هذا يعني أن هناك تأهيلاً له من الرئيس للعب دور قيادي، وربما يكون وريثا وحيداً للرئيس عباس».

تسليم لجيل الداخل؟

يمثل تعيين الشيخ نائباً للرئيس تسليماً للسلطة من «الحرس القديم» إلى جيل جديد من القادة الفلسطينيين الذين وُلدوا ونشأوا وخاضوا تجاربهم في الداخل، بعد أن ظلت مواقع صنع القرار الرئيسية في المنظمة والسلطة و«فتح» لعقود حكراً على قادة الخارج وصولاً لآخر المؤسسين محمود عباس.

يقول أكرم عطا الله إن هذا التعيين «يُعبّر عن انتقال فعلي في القيادة الفلسطينية. فلطالما قيل إن القيادة الفلسطينية كانت محصورة في الخارج، أما اليوم، فلأول مرة نشهد انتقالاً حقيقياً من جيل الخارج إلى جيل الداخل؛ من جيل التأسيس في (فتح) إلى جيل لم يكن مؤسساً».

وداع ياسر عرفات قبل مغادرته بيروت عام 1982 (غيتي)
وداع ياسر عرفات قبل مغادرته بيروت عام 1982 (غيتي)

ويضيف: «حسين الشيخ، ربما يُمثّل الجيل الثاني أو حتى الثالث من هذه الحركة. وهذا ما يعطي الخطوة دلالة استثنائية؛ نحن على أعتاب عهد جديد. هذا يؤكد أننا أمام جيل مختلف، له تجربة داخلية متراكمة عبر مراحل مثل الانتفاضتين الأولى والثانية وصولاً إلى (السابع من أكتوبر - تشرين الأول 2023) وتداعياته».

زيارة لافتة لواشنطن

في مطلع أكتوبر الماضي، أجرى الشيخ زيارة لافتة للعاصمة الأميركية واشنطن بدعوة من إدارة الرئيس السابق جو بايدن، والتقى آنذاك أركان الإدارة الأميركية، وأجرى اجتماعات مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ويليام بيرنز.

ويحظى الشيخ بعلاقات مع الجانب الأميركي وأجرى لقاءات كثيرة معهم كان من بينها زيارات المبعوث الخاص هادي عمرو لرام الله، والذي بحث حزمة من القضايا الثنائية وتلك التي تتصل بإسرائيل.

ونقلت مجلة «فورين بوليسي» في تقرير موسَّع نشرته عن الرجل في يوليو (تموز) 2023، عن مسؤولين أميركيين أنهم لطالما لجأوا إلى الشيخ لإقناع الرئيس بالتراجع عن بعض الخطوات، مضيفةً أن علاقات الشيخ الوثيقة مع عباس، بالإضافة إلى استعداده لإبداء المرونة، لطالما جعلت منه «الشخصَ المُفضّل لدى الدبلوماسيين».

ونقلت المجلة عن مسؤول أمريكي، وصفه الشيخ بأنه «الهامس في أذن عباس؛ فعندما تشتد الأمور، يكون الشيخ هو نقطة الاتصال لتهدئة الوضع».

استمرار لنهج عباس؟

يُنظر إلى مسيرة الشيخ السياسية على أنها تتماهى مع سياسات الرئيس محمود عباس وتوجهاته، مما يعزز فرضية خلافته له مستقبلاً. يرى عطا الله أن الشيخ يمثل استكمالاً لنهج عباس، «حسين الشيخ هو الأقرب إلى الرئيس أبو مازن سياسياً وإدارياً، سواء فيما يخص الحلول السياسية، أو العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والتعاطي مع إسرائيل وكذلك العلاقة مع الدول العربية».

يُنظر إلى الشيخ على نطاق واسع في الشارع الفلسطيني على أنه يتسم ببراغماتية عالية بشأن التعاطي مع إسرائيل وفرص التوصل لحلول سياسية معها. في مقابلة صحفية أجراها قبل سنوات مع مجلة «فورين بوليسي» الأميركية قال إنه ينظر إلى التعاطي مع الإسرائيليين وفق مبدأ «أن تكسب تفاحة منهم خيرٌ من حزمة مكونة من أربع تفاحات بعيدة المنال؛ فمهما كان الإنجاز صغيراً فإنه مهم».

حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني خلال مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» في مكتبه برام الله 13 يونيو 2022 (أ.ب)
حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني خلال مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» في مكتبه برام الله 13 يونيو 2022 (أ.ب)

ورغم أن تعيين الشيخ يعكس توافقاً على الخطوة في صفوف القيادة الفلسطينية فإنّ السؤال حول فرص تأمين توافق وطني أوسع خلال المرحلة المقبلة يظل معلقاً.

ويرى عطا الله أنه من الصعب الحديث عن التوافق الوطني اليوم: «مآلات حرب غزة ستلعب دوراً كبيراً في إعادة هندسة التكتلات الفلسطينية، وفي شكل النظام السياسي الفلسطيني، ولذلك من المبكر الحديث عن إمكانية أن يلعب حسين الشيخ دوراً في إعادة التوازنات».