شدد الشيخ ماهر المعيقلي إمام وخطيب المسجد الحرام، (السبت)، على أن الحج ليس مكاناً للشعارات السياسية ولا التحزبات مما يوجب الالتزام بالأنظمة والتعليمات التي تكفل أداء الحجاج لمناسكهم وشعائرهم بأمن وطمأنينة.
جاء ذلك في خطبة عرفة التي ألقاها بمسجد نمرة، حيث أكد أن الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة لله، حاثّاً الحجاج على اغتنام الفضل العظيم خلال وقوفهم بمشعر عرفات الطاهر، حيث يباهي الله بهم ملائكته، في موطن شریف وزمان فاضل تُضاعف فيه الحسنات، وتُغفَر فيه السيئات، وترفع الدرجات.
وقال الشيخ المعيقلي إن القرآن أنزل رحمة بالخلق، وإصلاحاً لأحوالهم، ومن لطف الله بالناس أن أرسل إليهم محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ داعياً للخلق لما تحصل به مصلحتهم، وتتنزل عليهم به رحمته، متابعاً: «مَن كان مِن أهل التقوى تحققت له العاقبة الحميدة، والفوز الأكيد في الدنيا والآخرة، وإنّ مِن تقوى الله الواجبة أن يفرد العبد ربه بالعبادة فلا يصرف شيئاً من العبادة لغيره سبحانه».
وأضاف: «شهادة التوحيد (لا إله إلا الله) هي علامة الإسلام، وسبب النجاة، وتُضم لها شهادة الرسالة فمحمد رسول الله حقاً، وهاتان الشهادتان هما الركن الأول من أركان الإسلام، التي تشمل أيضاً إقامة الصلوات الخمس، وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمَن استطاع إليه سبيلاً»، مواصلاً: «أيها المؤمنون، هذا هو دين الله وشريعته التي ارتضاها للخلق ورحمهم بها، مما يجلب لهم الخيرات والمصالح، ويدرأ عنهم السوء والمفاسد».
وأبان خطيب عرفة أن «من هذه المنطلقات الواضحة جاءت الشريعة المباركة بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد أو تقليلها، وقررت أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما جاءت بتحصيل أعلى المصالح ولو بتفويت أدناها وبارتكاب أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما، فعند التزاحم يتم اختيار أعلى المصلحتين واختيار أخف المفسدتين»، موضحاً أن الشريعة أكدت أن الضرر يزال بلا ضرر، حيث يدفع بقدر الإمكان، ومن هذا الباب جاءت الشريعة بكل ما تزدهر به الحياة، وتحصل به التنمية، ومنعت من الإضرار بالآخرين، أو إلحاق الأذى بهم، وأمرت بالعدل والأخلاق الفاضلة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وصدق الحديث، وحفظ الحقوق مع إيصالها لأهلها، وأداء الأمانات، والوفاء بالعقود والعهود والسمع والطاعة لأصحاب الولاية.
ونوّه بأن الشارع الحكيم أكد وجوب المحافظة على الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع على العناية بها وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض، بل عدّ الشرع أن التعدي عليها جريمة تكون سبباً للعقوبة، مضيفاً: «من هنا كان الحفاظ على هذه الضروريات من أسباب دخول الجنان ورضا الرحمن، ومن أسباب الاستقرار والسعادة والرقي والحضارة في الدنيا، وبفقدها تختل الحياة، ويكون الإخلال بها سبباً لعقوبة الآخرة».
وشدد الشيخ المعيقلي على أن للدين ضرورة، إذ لا غنى للإنسان عن طاعة ربه وعبادته التي خُلق من أجلها، وقد قرر الله ضرورة حفظ النفس ومحرماً الاعتداء على الدماء، وضرورة حفظ المال و العقل، لافتاً إلى أن نصوص الكتاب والسنة جاءت بالنهي عن الوقوع في أعراض الناس، ومبيناً أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فما أدى إلى حفظ مقاصد الشريعة من الوسائل فهو مأمور به شرعاً، مبيناً أنه لما كانت المقاصد والمصالح الضرورية لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق مفضية إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها في أحكامها.
وأكد أن على كل مؤمن أن يسعى للمحافظة على الضروريات الخمس؛ مما يؤدي إلى سلامة الخلق واستقرار الحياة وانتشار الأمن وتمكن الناس من تحصيل مصالحهم الدينية والدنيوية، وعليه أن يتعاون مع غيره في ذلك تقرباً لله، وطلباً لثوابه في الآخرة، وعلى كل مسلم عدم تمكين العابثين من محاولة التأثير في مقاصد الشرع بالمحافظة على هذه الضروريات، متابعاً: «علينا جميعاً كل بحسب مهمته وعمله ومركزه مسؤولية تجاه ذلك، أن نربي النفوس، خصوصاً الناشئة على احترام هذه الضروريات، والتي تعد المحافظة عليها واجبةً في كل مكان وزمان، ووجوبها يتأكد في هذه المواطن الشريفة».
وقال الشيخ المعيقلي مخاطباً الحجاج: «إنكم في عرفة في موقف عظيم، يباهي الله بكم ملائكته، فهذا موطن شریف وزمان فاضل تضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه السيئات، وترفع فيه الدرجات، فأروا الله من أنفسكم اتباعاً للسنة، واقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم»، مضيفاً: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطراً ليكون ذلك معيناً له على الذكر والدعاء، وقد وقف يذكر الله في عرفة ويدعوه فاقتدوا به».
وزاد: «ادعوا الله لأنفسكم ولوالديكم ولمَن له صلة بكم، فمَن دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك الموكل به آمين ولك بمثل، وادعوا لإخواننا في فلسطين الذين مسّهم الضر وتألموا من أذى عدوهم سفكاً للدماء، وإفساداً في البلاد، ومنعاً من ورود ما يحتاجون إليه من طعام ودواء وغذاء وكساء»، مشيراً إلى أن «مِن أولى مَن يُدعى لهم مَن قدّموا الجميل، وأقدموا على فعل الإحسان، ومن ذلك الذين يقومون بخدمة الحرمين الشريفين، ويسهرون على راحة ضيوف الرحمن، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان».
وأدى الحجاج صلاتَي الظهر والعصر جمعاً وقصراً؛ اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم المصلين الأمير سعود بن مشعل بن عبد العزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة، والدكتور عبد اللطيف آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، والدكتور عبد الرحمن السديس رئيس الشؤون الدينية بالحرمين الشريفين.