شدد الدكتور توفيق الربيعة، وزير الحج والعمرة السعودي، الاثنين، على أن نجاح الجهود التنظيمية يتطلب تعاون الحاج والتزامه بالأنظمة والتعليمات التي أكد عليها البيان التاريخي لهيئة كبار العلماء السعودية، الذي أوضح عدم جواز الحج بلا تصريح.
وحرصت «ندوة الحج الكبرى» في دورتها الـ48 بعنوان «مراعاة الرخص الشرعية والتقيد بالأنظمة المرعية في شعيرة الحج» التي عُقدت في مكة المكرمة، الاثنين، على التوعية بأوجه الرخص الشرعية ومواءمتها مع الجهود التطويرية لتيسير أداء المناسك وإثراء رحلة الحجاج، وسط حضور ومشاركة وزراء وكبار علماء العالم الإسلامي ومفكريه.
وأكد وزير الحج والعمرة السعودي في كلمة له مع انطلاق أعمال الندوة حرصهم على مواصلة خدمة ضيوف الرحمن بكل تفانٍ وإخلاص، مضيفاً: «مستلهمين شرف الخدمة ومستحضرين دائماً أن ملك هذه البلاد يٌلقَّب بخادم الحرمين الشريفين».
#ندوة_الحج_الكبرى محفل فكري سنوي، ومنبر علمي دوري، يجمع القيادات العلمية والفكرية من كل العالم الإسلامي، لإيجاد حلول شرعية معاصرة لقضايا الحج والحجاج.#حج_1445هـ pic.twitter.com/Ek3r8yR3z6
— ندوة الحج الكبرى (@HajjSymposium) June 10, 2024
وأشار إلى الدعم السخي والمتواصل من قيادة بلاده لكل ما يخص خدمة الإسلام والمسلمين، مشيراً إلى أن هذين الدعم والعناية يتعاظمان في موسم الحج كل عام، مثمناً ما تحظى به الندوة من دعم لاستدامتها وتطويرها وتعظيم شانها لما يقارب نصف قرن من الزمن.
وأضاف: «في كل عام وفي هذا الوقت من السنة يترقب العالم الإسلامي هذه الندوة، ودورها الفكري القيادي، حيث يحرص الجميع على متابعة هذه الندوة وعمقها الفكري والشرعي وتجسيد المعاني العظيمة في الحج».
وأشار إلى تضافر جهود الأجهزة الأمنية والخدمية في منظومة خدمة ضيوف الرحمن ليل نهار؛ من أجل التيسير على كل حاج أداءه شعيرة الحج، لافتاً النظر إلى الحملة الدولية التي أُطلقت في أكثر من 20 دولة حول العالم للتوعية بخطورة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج والحملات الوهمية، وإلى الحملة الوطنية التوعوية «لا حج بلا تصريح» التي أُطلقت بقيادة وزارة الداخلية وشركاء منظومة الحج للتوعية بالأنظمة والتعليمات.
من جانبه، أوضح الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، المفتي العام للسعودية رئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء، أن العالم بالرخص المدرك للأنظمة يعلم أن ثمة رابطاً وثيقاً بين الرخص الشرعية والأنظمة المرعية؛ يتلخص عند مراعاتهما من قِبل الحاج وحملات الحج في تيسر أداء شعيرة الحج.
وأشار في الكلمة التي ألقاها نيابةً عنه الشيخ الدكتور فهد الماجد، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، في «ندوة الحج الكبرى»، إلى أن الرخص الشرعية في شعيرة الحج متعددة «ذلك أن الله سبحانه ما جعل علينا في هذا الدين من حرج». مشيراً إلى أن الشعيرة العظيمة (الحج) مبنية على رفع الحرج؛ ولذلك فرضه الله تعالى في العمر مرة واحدة.
وأوضح أن من مظاهر التيسير في الحج الترخيص في ترك المبيت بمزدلفة إلى الفجر والاكتفاء بالمبيت إلى منتصف الليل. والترخيص للمشتغلين بخدمة الحجاج من السقاة والرعاة في أن يتركوا المبيت بمنى أيام التشريق.
وقال: «إن من فضل الله علينا وعلى جميع المسلمين، أن مكَّن لهذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية فخدمت البيتين، وأشرفت على الحرمين، وتولت رعاية القاصدين، وسخّرت كل إمكاناتها كي يؤدي الحجاج والمعتمرون نسكهم بكل يسر وسكينة. ومن ذلك أن أصدرت الأنظمة، والتعليمات المتعددة التي ترتب أوضاع الحجيج منذ رغبة الحاج في الحج إلى وصوله إلى هذه الديار المباركة إلى تنقلاته في أداء شعائره ومن ثم إلى عودته إلى دياره ووطنه».
وأضاف: «من هذا المنبر نوصي حجاج بيت الله الحرام بأن يراعوا هذه الأنظمة، وليعلموا أن ذلك من طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن تعظيم حرمات الله في الحرم؛ فإن هذه الأنظمة ما وُضعت إلا تعظيماً لهذه الشعيرة، وتمكيناً للحجاج والعمار في أن يؤدوا مناسكهم بكل يسر وسكينة. وفي طليعة هذه الأنظمة الالتزام باستخراج تصريح الحج، وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بيانها بخصوص ذلك، وبيّنت أنه لا يجوز لمن لم يتمكن من استخراج هذا التصريح الذهاب إلى الحج، وأن من فعل فهو آثم، فهل يبدأ المسلم حجه بمعصية الله تعالى؟!».
وأوضح أن عدم التمكن من استخراج التصريح فهو في حكم عدم المستطلع، مشيداً بالجهود العظيمة التي تبذلها قيادة وحكومة المملكة لخدمة المسلمين وخدمة الحرمين الشريفين وفي سبيل أن يؤدي المسلمون الركن الخامس من دينهم.
من جانبه، عدّ الشيخ الدكتور محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، موضوع الندوة في طليعة الموضوعات العلمية المهمة في استطلاعاتها البحثية والنوعية بالنظر إلى حاجة التبصير بها.
وأضاف الدكتور العيسى: «لا يخفى أن الرخص الشرعية من محاسن تشريعنا الإسلامي وخصائصه؛ إذ هي فيما يرجح من التعاريف: الحكم الشرعي الذي انتقل عن أصله التشريعي إلى تشريع آخر راعى ظرفية معينة للمكلف... وقد بلغت خاصية التشريع الإسلامي في هذا أن أوصلت بعض الرخص إلى درجة الوجوب... مع أهمية اليقظة في هذا للفرق بين حقيقة التخفيف والتيسير وخداع النفس والشيطان بافتعال واختلاق ذلك، من خلال نسج فتاوى على مقاس طالبيها، ففي الأول: نصوص الشريعة وقواعدها... وفي الآخر: الأهواء وحيلها».
وتابع: أما الأنظمة المرعية، فهي على وصفها الكاشف واجبة الرعاية لصدورها عن ولي الأمر، ولا يسع من وٌجّهت إليه إلا السمع والطاعة لها... وفي هذا يحسن التنبيه إلى أن فتح باب التساهل في هذا الشأن المهم لا حد لتبعاته ومخاطره، ومن هناك كان الحق الشرعي في التعزيز عليه لما يجره من فوضى وفتن».
وأضاف: «متى شرع باب التأويل لتخطي تلك الأنظمة انحلت عرى الانتظام بفعل الأهواء وخطل الأفكار (في متاهات ومجازفات لا تخفى ولا تنتهي)، ومؤدى هذا التيه أن كل فئة تصمم لنفسها مسار حجها (في شان الحج العام)، وهو سطو شائن على تدابير الحج... سطو خالي الوفاض وخاسر الرهان».
وشدد الدكتور العيسى: «لا يفوت العاقل أنه لا حرص على الحجيج كحرص من أُنيطت بهم مسؤولية الحج، وكان نجاح شهادة استظهار على الاستحقاق الإسلامي الكبير، فضلاً عن الدعوات الطيبات بأن يجزل الله المثوبة والأجر لمن قام بالرعاية والخدمة خير قيام».
وحث الشيخ الدكتور سعد الشثري، عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي السعودي، في الجلسة الرئيسية الأولى في الندوة الفقهاء مراعاة المصالح ودرء المفاسد وعدم تعريض الحجاج إلى فتاوى مضادة، بينما قال الدكتور شوقي، علام مفتي مصر، خلال الجلسة إن موسم الحج يشهد تطوراً مذهلاً يكاد يشبه المعجزة؛ إذ يحتوي على أعداد كبيرة مع حسن التنظيم، معرباً عن تأييده بيان هيئة العلماء في المملكة وما جاء فيه من أن عدم استطاعة استخراج التصريح يعدّ من عدم استطاعة الحج، مشيراً إلى أن التنظيمات التي تصدرها المملكة ودول الحجاج واجبة الاتباع، بينما قال راساكي اولاديجو، نائب الرئيس العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بنيجيريا، إن أعمال الحج والعمرة في حقيقتها تنطوي على كثير من اليسر والرفق، مشيراً إلى أن القرآن الكريم يحثّ على اتباع ولاة الأمر فيما يصدرونه من أحكام وتنظيمات تحقق المصلحة الجماعية.
كما تضمنت «ندوة الحج الكبرى» جلسات عدة تناولت فقه الترخيص وأثره في تيسير الشعيرة، وجهود المملكة التنظيمية لتيسير أعمال الحج، وأهمية التقيد بالتوجيهات والأنظمة المنظمة للحج.
وقطعت الندوة بصفتها منصة عالمية إسلامية 48 عاماً من العطاء المتواصل؛ في مناقشة الكثير من القضايا التي تهم العالم الإسلامي في الكثير من المجالات؛ عبر أكثر من 200 بحث علمي خلال مسيرتها؛ مع التأكيد على تجديد أعمالها من حيث جودة الأبحاث، واختيار الضيوف والموضوعات، ومواكبتها الأحداث العالمية وتطوراتها.
الفريق البسامي
وأكد الفريق محمد البسامي، مدير الأمن العام في السعودية، جاهزية الأجهزة الأمنية لردع ومنع كل ما يؤثر على سلامة الحجاج وأمن المشاعر والوطن من خلال مركز قيادة وسيطرة يتابع كل ما يمكن أن يعكر صفو ضيوف الرحمن.
وأشار البسامي، خلال مشاركته في جلسة حوارية على هامش ندوة الحج الكبرى، إلى أن الأجهزة الأمنية تتكامل مع كل الجهات ذات الصلة أدراكاً منها أن العمل الجماعي هو عنوان العمل الناجح. وأشار إلى أن العمل الذي يبذل في مكة أيام الحج استثنائي لا مثيل له في العالم، معرباً عن سعادتهم بمرافقة الحجيج في كل مراحل الحج والقيام بأمنهم.
وأوضح البسامي أن كل الخطط الأمنية تهدف لإراحة الحجاج، وأن لكل مفصل من مفاصل الخطة دليلاً إجرائياً دقيقاً، مبيناً على مراعاة الخطط لكل المخاطر المحتملة وتحتاط لها. وأشار إلى أن بعد كل موسم تتم مراجعة إيجابيات وسلبيات الخطط والعمل على تطويرها للموسم اللاحق، لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية تقوم مع نهاية كل موسم بسلسلة إجراءات تبدأ بمراجعة الخطط الماضية ثم إقرار الخطط الجديدة وصولاً إلى تنفيذها.
المجلس الاسكندنافي
من جهته، ثمن الشيخ حسين الداودي، رئيس المجلس الاسكندنافي للعلاقات وعضو المجلس الأعلى في رابطة العالم الإسلامي، في الندوة ذاتها، الجهود التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لضيوف الرحمن من كل أنحاء العالم، داعياً الحجاج من مواطني دول التنوع الديني إلى أن يحملوا الفقه الصحيح من علماء المملكة. وبيّن أن أداء الحاج شعيرة الحج بتعبدية كاملة ونقل معانيها إلى بلده يهزم كل من يحاول تسيس الحج، مطالباً بمضاعفة التوجيه والمتابعة لجعل الحج خالياً من الشعارات الطائفية والسياسية.
وأضاف: منذ القدم وعلى مر العصور سعى أصحاب الأجندات الخاصة إلى التأثير على الحج لكن الحزم والعزم السعودي جعلا الحج عبادة خالصة ومنعا الأجندات الأخرى، مبيناً أن الإسلام السياسي يحاول استغلال مشاعر المسلمين على نحو لا يحقق أي مصلحة شاملة، ومناشداً الحجاج التقيد بالأنظمة الصادرة عن الجهات المنظمة طاعة لله ورسوله وولاة الأمر.