ترك أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي رحل صباح اليوم (السبت)، بصمة واضحة في الحياة السياسية لدولة الكويت، بالرغم من المدة القصيرة التي قضاها أميراً للبلاد، والظروف الصحية التي مرّ بها واضطرته لتفويض أخيه وولي عهده الشيخ مشعل الأحمد بممارسة بعض الاختصاصات الدستورية المنوطة به، في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وذلك بعد عام واحد من توليه مقاليد الحكم في 29 سبتمبر (أيلول) 2020.
وكان مجلس الوزراء الكويتي نادى بالشيخ نواف الأحمد، أميراً للبلاد خلفاً للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، في 29 سبتمبر عام 2020 باعتباره ولياً للعهد ووفقاً لأحكام الدستور الكويتي والمادة الرابعة من القانون رقم (4) لسنة 1964 في شأن أحكام توارث الإمارة، بما عرف عنه «من حكمة وعفة وإخلاص وتفانٍ لكل ما فيه رفعة الكويت ومصلحتها وأمنها وازدهارها»، حسب بيان المجلس.
وخلال المدة القصيرة التي قضاها أميراً للبلاد، شغلت القضايا المحلية الاهتمام الأكبر لدى أمير الكويت الراحل، وخاصة خلال السنة الأولى من عهده؛ نظراً لما عرف عنه من اهتمام بالغ بالتفاصيل التي تتعلق بشؤون المواطنين، فضلاً عن الظروف الطارئة التي شهدها العالم الناجمة عن انتشار فيروس «كورونا المستجد» والتي استدعت توجيه الجهات المعنية إلى بذل جهودها الحثيثة للحد من تداعياتها على البلاد.
على الصعيد الشخصي، يتميز الشيخ نواف الأحمد بالحرص الشديد على تعزيز الفضائل والقيم ويؤمن بأهمية وحدة وتكاتف
أبناء الكويت جميعاً باعتبار أن قوة الكويت في وحدة أبنائها، وأن تقدمها وتطورها مرهون بتآزرهم وتلاحمهم ووحدتهم وتفانيهم وإخلاصهم في أعمالهم.
الحاكم الـ16 للكويت
وجاء تتويج الشيخ نواف أميراً للبلاد بعد نحو 58 عاماً من العمل السياسي تقلد خلالها مناصب عدة، بدأها بتعيينه محافظاً لمحافظة حولي، ثم وزيراً للداخلية، ثم وزيراً للدفاع، فوزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل، ثم نائباً لرئيس الحرس الوطني، فنائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية.
وعلى مدى 14 عاماً خلال توليه منصب ولي العهد، كان الأمير الشيخ نواف الأحمد، ملاصقاً لأخيه الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وفقاً للأمر الأميري الذي أصدره الأمير الراحل في السابع من فبراير (شباط) عام 2006 بتزكية الشيخ نواف الأحمد لولاية العهد.
وُلد الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الحاكم الـ16 لدولة الكويت، في 25 / 6 / 1937، في فريج الشيوخ (موقع مجمع المثني حالياً) في مدينة الكويت. وهو النجل السادس لحاكم الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح (حكم الكويت في الفترة ما بين 1921 - 1950)، وهو الأخ غير الشقيق لاثنين من حكام الكويت: الشيخ جابر الأحمد (حاكم الكويت الـ13، ما بين 1977 - 2006)، والشيخ صباح الأحمد (حاكم الكويت الـ15، ما بين 2006 - 2020).
عاش وتربّى في بيت الحكم قصر دسمان، وتلقّى تعليمه في مدارس الكويت المختلفة، مثل مدرسة حمادة، وشرق، والنقرة، ثم في المدرسة الشرقية والمباركية، وواصل دراساته في أماكن مختلفة من الكويت.
بدأ عمله السياسي منذ استقلال الكويت مطلع الستينات، حيث عيّنه الراحل الشيخ عبد الله السالم في 21 فبراير 1961 محافظاً لحوّلي، لمدة 16 عاماً، وظل في هذا المنصب حتى 19 مارس (آذار) 1978، حيث عُيّن وزيراً للداخلية لمدة عشر سنوات، ويعد الشيخ نواف الأحمد المؤسس الحقيقي لوزارة الداخلية في الكويت بشكلها الحديث، وإداراتها المختلفة، وقد تولى مسؤولية الوزارة على مدى فترتين؛ الأولى من مارس 1978 إلى يناير (كانون الثاني) 1988، والثانية من 2003 إلى فبراير 2006، وخلال توليه وزارة الداخلية قام بتحديث هذه المؤسسة الأمنية، لتواجه التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد.
كما تولى الشيخ نواف الأحمد وزارة الدفاع عام 1988، حتى عام 1991، وخلال فترة توليه هذا المنصب شهدت البلاد كارثة الغزو العراقي للكويت (2 أغسطس/ آب 1990 - 28 فبراير 1991).
ومع تشكيل أول حكومة بعد تحرير الكويت، تولى الشيخ نواف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في أبريل (نيسان) عام 1991، ثم أصبح نائباً لرئيس الحرس الوطني في 1994، وعاد لتولي حقيبة وزارة الداخلية مجدداً في 2003 إلى أن أصبح ولياً للعهد في 2006.
وبعد تولي الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم في 29 يناير 2006، خلفاً للشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، الذي تنازل عن الحكم بسبب أحواله الصحية، أصدر الشيخ صباح الأحمد أمراً أميرياً بتزكية الشيخ نواف الأحمد ولياً للعهد، في 7 فبراير 2006، وتمت مبايعته من قبل مجلس الأمة ولياً للعهد في 20 فبراير 2006.
الشيخ نواف الأحمد متزوج من شريفة سليمان الجاسم، ولهما من الأبناء: شيخة، وفيصل، وأحمد، وعبد الله، وسالم.
وحدة الشعب
وفي كلمته الأولى بعد أن أدى أمير الكويت الجديد اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة (البرلمان)، أميراً للبلاد، (في 30 سبتمبر 2020)، دعا الشيخ نوّاف الأحمد الجابر الصباح، مواطنيه إلى الوحدة في مواجهة التحديات التي تواجهها البلاد، متعهداً بالعمل من أجل ازدهار واستقرار وأمن الدولة، وقال إن «الكويت تعرضت خلال تاريخها الطويل إلى تحديات جادة ومحن قاسية نجحنا بتجاوزها متعاونين متكاتفين، وعبرنا بسفينة الكويت إلى بر الأمان».
وأضاف: «يواجه وطننا العزيز اليوم ظروفاً دقيقة وتحديات خطيرة لا سبيل لتجاوزها والنجاة من عواقبها إلا بوحدة الصف وتضافر جهودنا جميعاً مخلصين العمل الجاد لخير ورفعة الكويت وأهلها الأوفياء».
وقال: «نؤكد اعتزازنا بدستورنا ونهجنا الديمقراطي، ونفتخر بكويتنا دولة القانون والمؤسسات، وحرصنا على تجسيد روح الأسرة الواحدة التي عرف بها مجتمعنا الكويتي، والتزامنا بثوابتنا المبدئية الراسخة».
محاربة الفساد
وفي كلمته التي وجهها للمواطنين في 23 أغسطس 2020، خصصها للحديث عن القضايا التي شغلت البلاد، وبينها قضية الفساد؛ إذ أظهرت تحقيقات تورط أعضاء من الأسرة الحاكمة في ملفات الفساد. وفي كلمته رفع الشيخ نواف الأحمد الغطاء عن أفراد الأسرة الذين يثبت تورطهم في قضايا الفساد.
وقال: «إن محاربة الفساد ليست خياراً بل هي واجب شرعي واستحقاق دستوري ومسؤولية أخلاقية ومشروع وطني يشترك الجميع في تحمل مسؤوليته»، مضيفاً: «لكل من يثير التساؤل حول محاسبة أبناء الأسرة الحاكمة، نؤكد أنهم جزء من أبناء الشعب الكويتي وتسري عليهم ذات القوانين، ومن يخطئ يتحمل مسؤولية خطئه، فليس هناك من هو فوق القانون»، مؤكداً أنه «لا أحد فوق القانون ولا حماية لفاسد أياً كان اسمه أو صفته أو مكانته».
وقال: «أدعو الإخوة في الحكومة ومجلس الأمة إلى اعتماد التدابير الفاعلة والتشريعات الكفيلة بردع الفاسدين والقضاء على مظاهر الفساد وأسبابه بكافة أشكاله».