لم يجد رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي مفراً من مكاشفة مواطنيه بنتائج الجهود الدولية والأممية والإقليمية الرامية إلى تحقيق السلام؛ إذ أكد عدم إحراز أي تقدم في أي مسار من المسارات التي تطرقها تلك الجهود، بحسب أحدث خطاب له لمناسبة عيد الأضحى.
الاعتراف الرئاسي اليمني بمراوحة مساعي السلام مكانها أفرز حالة من الإحباط في الشارع السياسي، بخاصة وسط المخاوف من عودة المواجهات على نطاق واسع استناداً إلى تحركات الحوثيين العسكرية، وفي ظل المخاوف من الآثار الكارثية التي نجمت عن الحرب الاقتصادية التي يقودها الانقلابيون، بما في ذلك استمرار توقف تصدير النفط وعجز الحكومة عن توفير الموارد اللازمة لمواجهة الإنفاق الحتمي على الرواتب والخدمات في المناطق المحررة.
ويرى العديد من المراقبين للشأن اليمني وجود نوع من العجز الأممي والدولي أدى إلى استطالة المساعي الرامية لإقناع الحوثيين بالتخلي عن تعنتهم والركون إلى المفاوضات، وصولاً إلى الاتفاق على خريطة طريق لإنهاء الصراع بشكل مستدام بعيداً عن أدوات العنف أو التلويح بالعودة إلى القتال.
فمع مرور نحو 10 أشهر على انقضاء الهدنة الأممية، رفض الانقلابيون كل المقترحات المطروحة لتجديدها؛ إذ يطمعون في الحصول على كل شيء مقابل عدم التزامهم بأي شيء، بما في ذلك فك الحصار عن تعز وفتح الطرق الرئيسية والتوقف عن شن الحرب الاقتصادية.
عجز أممي وأوراق فارغة
الإحباط اليمني مما آلت إليه الأمور بخصوص مساعي الهدنة، يظهر في حديث الأكاديمي اليمني والمحلل السياسي الدكتور فارس البيل مع «الشرق الأوسط»؛ إذ يرى أن «الأمم المتحدة وصلت إلى مرحلة العجز، أو هي عاجزة منذ البداية لكنها كانت تستنفد الأوراق الفارغة»، وفق تعبيره.
ويجزم البيل أن الأمم المتحدة لا تملك حالياً سوى الهدنة كمدخل ومنتهى لطموحاتها في المشكلة اليمنية، وأن هذا العجز له أسباب كثيرة، بدءاً من الأمم المتحدة ذاتها وليس انتهاء بطبيعة الصراع في اليمن وارتباطاته الدولية.
ويعتقد أنه بعد أن غيرت تحركات السعودية طبيعة المسار التفاوضي، أصبحت الأمم المتحدة كالمنتظر لما يمكن أن تسفر عنه هذه الاختراقات، ثم بعد ذلك «ستضع إكليشاتها المعتادة».
ولا يرى البيل أن الميليشيات الحوثية قد تأقلمت مع المتغيرات الأخيرة؛ إذ تبدو «منصدمة ومضطرة لتخفيف حدة الخطاب، لكنها لا تملك الرؤية والاستراتيجية والتصرف إزاء ما الذي سيحدث وما الذي يمكن فعله، لذلك تجدها تتضارب في خطابها وتحركاتها بين التخفيف والإبقاء على ذات العدوانية، حتى لا تفقد نفسها تماماً».
«الحوثيون يضعون شروطاً مستحيلة، ويميلون إلى إفشال كل الجهود، ويتلاعبون بالزمن، وعينهم على عودة الحرب»
الأكاديمي والمحلل السياسي اليمني فارس البيل
ويؤكد البيل أن «الجماعة الانقلابية تدرك أن التغير من طرف إيران الراعية لها، ليس سوى تكتيك مؤقت، وأنه ليس تحولاً جذرياً في بنيتها وتفكيرها واستراتيجيتها، لذلك تجد نفسها في حالة مراوغة». ويتابع: «إضافة إلى ذلك، لا تملك الجماعة الحوثية أي صلاحية للتفكير في مستقبلها وكيف ستؤول إليه أمورها في حال التسوية أو أي مصالحة، أو حتى مجرد إيقاف الحرب؛ لأنها ليست معدة لهذه المرحلة، ولا تملك القيمة ولا القدرة ولا القرار للعيش في فضاء سياسي مشترك».
عين على عودة الحرب
يعتقد الأكاديمي اليمني أن «الجماعة الحوثية أميل إلى إفشال كل الجهود، أو تنتظر فشلها في أحسن تقدير، لأجل أن تعود لمهمتها الحربية التي تعرف وتتقن؛ إذ إن السلام مقدمة لنهايتها كميليشيا، وانتفاء الحاجة لوجودها». ويتوقع ألا تصبر ميليشيا الحوثي كثيراً، ولأجل ذلك «تضع شروطاً مستحيلة، وتتلاعب بالزمن، وعينها على عودة الحرب، لجهة أنه ليس لديها مسؤولية إزاء شيء سوى أن تبقى قيادتها تنهب ويُحارب من أجلها ولها».
أما في حال تم التوصل إلى اتفاقات تفرضها المتغيرات الدولية، وطبيعة السياسة في المنطقة، فيعتقد البيل أن ذلك «لن يكون أكثر من مرحلة استراحة بالنسبة لميليشيا الحوثي، وبخاصة أنها تدرك أنها قد زرعت من الفخاخ ما يعسر الوصول إلى السلام بسهولة».
ويتساءل البيل بخصوص العديد من القضايا الشائكة كيف يمكن حلها، مثل السلاح ونزعه والتعامل مع الدستور والقوانين والمؤسساتية التي لا تؤمن بها الميليشيا، وصولاً إلى مشكلة الموارد، والقضايا الوطنية كالوحدة أو الأقاليم أو غيرها، إلى جانب مأزق الديمقراطية والتنافس الحزبي بوصفه نظام الحكم في الدولة.
كل هذه المعوقات تكشف - وفقاً للدكتور البيل - أن الميليشيا تقف في مأزق، لكنها حشرت اليمنيين جميعهم في مأزقها هذا، ولا حل أنفع من نزع كل هذه المخالب التي تنهش بها الميليشيا الدولة اليمنية ومستقبل اليمنيين، وفق تقديره.
تكتيك إيراني
يذهب الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، من جهته، مذهباً آخر، ويعتقد في حديثه مع «الشرق الأوسط»، أن ما يجري حالياً «معد بإتقان، وهو من ضمن التكتيك والسيناريو الإيراني في التعامل مع الأزمة اليمنية ومنطقة الخليج العربي، بهدف توسعة النفوذ الإيراني، عن طريق القوة العسكرية عبر أذرعتها الموجودة في المنطقة».
ويعبر الطاهر عن حالة الإحباط من تعثر الجهود الدولية التي تراوح مكانها، ويعتقد أنه لا يمكن أن تتقدم أو تقدم أي اختراق للأزمة اليمنية سوى في الجانب الإنساني نتيجة للضغوط الدولية على جانب واحد، وهو ما يعني أننا أمام وقت طويل من هذا الجمود.
وفي ضوء التعامل الدولي تجاه الأزمة اليمنية، يقرأ الطاهر وجود سيناريوهين: الأول هو استمرار التكتيك الإيراني من خلال مناورة «الدفع بالحوثي» لطاولة الحوار أمام العالم على اعتبار أنهم أصحاب قرار، وفي السر استمرار الدعم العسكري والسياسي والاستخباراتي بشكل أوسع، حتى حصول الحوثي على الانتصار الكامل والسيطرة على اليمن، وفقاً لأي اتفاق قد تبرمه الجماعة.
أما السيناريو الثاني، فهو - وفق الطاهر - استمرار الميليشيا الحوثية في المراوغة والتعنت تجاه المبادرات الدولية، من خلال استغلال استجداء المجتمع الدولي السلام من هذه الجماعة، لكونها ترى أن أي تنازل تقدمه الحكومة اليمنية أو التحالف الداعم لها بمثابة حق مكتسب، وأنه رسائل انكسار، كما حدث بعد أن تم شطبها من قائمة المنظمات الإرهابية الأميركية.
ولا يستبعد الطاهر أن يعود الحوثيون للمواجهة العسكرية، ليس في الداخل فحسب، وإنما ضد دول الجوار والمصالح الدولية في المنطقة؛ إذ إنهم يعتقدون أنه بعد كل عملية إرهابية يقدمون عليها سيحصلون على تنازلات كبيرة.