مع إعلان الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودية عن موافقة المجلس على نظام المعاملات المدنية الجديد بعد استكمال كامل الإجراءات النظامية لدراسته، تدخل السعودية مرحلة من الإصلاحات القضائية، خاصة وأن نظام المعاملات المدنية يعد نقلة كبرى ضمن منظومة التشريعات المتخصصة، ويأتي لتنظيم أحكام العقود والمعاملات المالية بين الأفراد في خطوة ستسهم بتنظيم الحركة الاقتصادية وتعزيز فرص الاستثمار.
نقلة كبرى في المنظومة القضائية
وأوضح ولي العهد السعودي، أن نظام المعاملات المدنية يمثل نقلة كبرى منتظرة ضمن منظومة التشريعات المتخصصة وقد روعي في إعداده الاستفادة من أحدث الاتجاهات القانونية وأفضل الممارسات القضائية الدولية، في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها وأتى منسجماً مع التزامات السعودية الدولية في ضوء الاتفاقيات التي صدقت عليها، بما يحقق مواكبة مستجدات الحياة المعاصرة، مشيراً إلى أنه ثالث مشروعات منظومة التشريعات المتخصصة صدوراً التي جرى الإعلان عنها بتاريخ 8 فبراير (شباط) من عام 2021، وبقي منها مشروع نظام العقوبات.
وأكد الأمير محمد أن النظام جاء منطلقاً من أسس تتمثل في حماية الملكية، واستقرار العقود وحجيتها، وتحديد مصادر الحقوق والالتزامات وآثارها، ووضوح المراكز القانونية؛ ما ينعكس إيجاباً على بيئة الأعمال ويزيد من جاذبيتها.
وأوضح ولي العهد أن النظام يسهم أيضاً في تنظيم الحركة الاقتصادية واستقرار الحقوق المالية، وفي تسهيل اتخاذ القرارات الاستثمارية، إضافة إلى تعزيز الشفافية وزيادة القدرة على التنبؤ بالأحكام في مجال المعاملات المدنية والحد من التباين في الاجتهاد القضائي وصولاً إلى العدالة الناجزة، والإسهام كذلك في الحد من المنازعات.
وبيّن الأمير محمد بن سلمان أن المصلحة اقتضت صدور نظام المعاملات المدنية في موعد يختلف عن الذي كان محدداً له سابقاً، (الربع الرابع من عام 2022)، وذلك لإجراء مزيد من الدراسة والتدقيق والمراجعة لأحكامه، وأنه استحدثت لجان لهذا الغرض من خبراء على مستوى عالٍ.
ونظراً إلى أهمية النظام وحساسيته وارتباطه بأنظمة عديدة ومجالات مختلفة وأنشطة متنوعة، فيجب إحكام نصوصه، والتأكد من توافق أحكامه مع أحكام غيره من الأنظمة ذات العلاقة ومواءمتها لتلك المجالات والأنشطة، سعياً إلى تجويدها وضمان كفاءة النظام في تحقيق الأهداف التي وضع من أجلها.
نظام يوازن المصالح و ينظم أحكام العقود
ويشتمل نظام «المعاملات المدنية» على أحكام تحدد جميع ما يتعلق بالعقود، مثل أركان العقد، وحجيته، وآثاره بين المتعاقدين، والأحكام المتعلقة ببطلانه وفسخه، وأحكام الفعل الضار وقواعد التعويض عنه، وتطرقت نصوصه النظامية كذلك إلى جميع صور الملكية وأحكامها.
ويتضمن النظام أيضاً تنظيم أحكام العقود والتعاملات المالية في الحياة اليومية مثل عقود البيع والإيجار والمقاولات وغيرها، إضافة إلى أحكام التعويض عن الضرر كالأضرار بالممتلكات أو الإضرار بالنفس ومقدار التعويض الذي يستحقه المتضرر.
ووضع النظام القواعد والأحكام التي تضمن للدائنين استيفاء حقوقهم من المدينين وتوازن بين مصالحهم بشكل دقيق، كما نظمت أحكام الملكية وفسرت كل ما يتعلق بالحقوق العينية والعقود المسماة ومصادر الالتزام وأحكامه.
تطوير للبيئة القضائية استناداً إلى الشريعة الإسلامية
في هذا السياق، أكد الدكتور وليد الصمعاني وزير العدل السعودي أن «هذه التشريعات تستهدف تطوير البيئة القانونية ورفع كفاءتها وجودتها، والإصلاح القضائي، وصون الحقوق، وزيادة نسبة التنبؤ بالأحكام القضائية».
فيما أشار النائب العام في السعودية سعود المعجب إلى أن «صدور نظام المعاملات المدنية، سيكون شاملاً ومنظماً لجميع الأمور الحياتية المدنية وسيوفر الاستقرار في التعاملات المدنية بين المواطنين والمقيمين، مستنداً بذلك إلى الشريعة الإسلامية ومواكباً التطورات الحديثة المعاصرة بما يتوافق مع أحكام الدولة ومبادئها وقيمها».
في حين ذكر المحامي حمود الناجم أن النظام يتعلق بالمعاملات المدنية المالية الناشئة بين الأفراد، وله أهمية بالغة لأنه يرتبط بأنظمة عديدة ويتناسق معها، ومن المتوقع أن يكون هو الفاصل في القضايا بمجال الإثبات على اختلاف أنواعها ودرجاتها والأحكام التي يصدر فيها، ويمنع من الاجتهاد وينظم عمل القضاء.
وأضاف الناجم أن النظام سيسهل مهمة المحامي في الترافع ومهمة القاضي في الاستناد إلى النص، مشيرا إلى أن النظامين السابقين؛ الأحوال الشخصية ونظام الإثبات، بعد صدورهما، قلت مدة التقاضي والاجتهاد، حيث إن بعض القضايا التي كانت تأخذ سنوات عدة أصبحت تنجز في أشهر قليلة مع هذه الأنظمة ومن الأكيد أن نظام المعاملات سيساعد أكثر في تسريع العملية القضائية.
وفيما يخص العقارات ذكر الناجم أنه «في السابق كان هناك من يستولي على أراض غير قابلة للسكن بطرق قضائية عبر الحجج، ما ساهم في تكوين ثغرة أدت إلى الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي»، وأشار إلى أنه كانت هناك خطوات سابقة من هيئة عقارات الدولة للحد من هذه الطريقة، ليأتي النظام متوائما مع مشروع الهيئة ويساعد في عدم قبول هذه القضايا التي كانت تشغل النظام القضائي بشكل كبير.
يذكر أن النظام جاء ضمن مبادرات تطوير البيئة التشريعية في السعودية، وهو أحد أربعة أنظمة أخرى؛ نظام الأحوال الشخصية ونظام الأثبات، وتم اعتماد تلك الأنظمة والعمل عليها، ويتبقى نظام العقوبات الجزائية التعزيرية الذي من المتوقع أن يعلن عنه قريبا.