أثار إعلان جامعة الدول العربية عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر منذ ما يقرب من 12 عاماً، نقاشاً بشأن مبررات تجميد الجامعة عضوية أعضائها، وما الذي يترتب على قرارات تعليق العضوية، وبالتبعية ما الذي يعنيه تفعيلها.
لا يوجد في ميثاق جامعة الدول العربية نص واضح بشأن تعليق أو تجميد عضوية أعضائها. ويكتفى في المادة 18 منه بالنص على حق الدول في الانسحاب من العضوية بقوله إنه «إذا رأت إحدى دول الجامعة أن تنسحب منها أبلغت المجلس عزمها على الانسحاب قبل تنفيذه بسنة». وفي الشق الثاني من نفس المادة يذكر الميثاق أن «لمجلس الجامعة أن يعتبر أي دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق منفصلةً عن الجامعة، وذلك بقرار يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها».
ولم يحدث منذ إنشاء الجامعة عام 1945، أن صدر قرار فصل بحق أي من أعضائها، وإن صدرت قرارات بتعليق أو تجميد العضوية. كان آخرها قرار تجميد عضوية سوريا الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 بعد نحو 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في البلاد، الذي انتهى يوم 7 مايو (أيار) الحالي، بموجب قرار من مجلس وزراء الخارجية العرب عقب اجتماع استثنائي بحث المسألة، وبموجب القرار يتم استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها.
السياسي والدبلوماسي المصري الأسبق الدكتور مصطفى الفقي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن قرار عودة سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية «لا يعني بالضرورة تطبيع العلاقات بين دمشق والعواصم العربية»، فهذا «قرار سيادي تحكمه العلاقات الثنائية بين الدول»، على حد قوله. ويضيف الفقي أن «قرار عودة دولة ما إلى الجامعة العربية تترتب عليه إمكانية تمثيل هذه الدولة في الاجتماعات المختلفة وعلى جميع المستويات، وما يستتبعه ذلك من تصويت على قراراتها المختلفة».
ويشير الفقي إلى أنه «من الناحية الإجرائية، فإنه مع عودة دولة ما إلى الجامعة العربية تجري مراجعة لتسوية التزاماتها المالية تجاه الجامعة إن وجدت، مع بحث حصة هذه الدولة في تعيين موظفين داخل الجامعة، وهو ما سيتم بالنسبة لسوريا».
ولا يؤيد الفقي قرار تجميد العضوية، ويقول إن «ميثاق الجامعة لا ينص على تعليق العضوية أو تجميدها»، واصفاً مثل هذه القرارات بـ«العقوبة السياسية المخترعة». ويضيف أنه «يمكن لمجلس الجامعة محاسبة أي دولة، دون أن يعلق عضويتها ويتركها فريسة لدول خارجية كما حدث مع سوريا، التي أدت سنوات عزلها إلى زيادة النفوذ الإيراني في أراضيها».
وتعد مصر صاحبة أشهر وأبرز واقعة في سياق تجميد العضوية، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، أصدر مجلس جامعة الدول العربية قراراً بتعليق عضويتها، ونقل مقر الجامعة إلى تونس، حيث تولى التونسي الشاذلي القليبي منصب الأمين العام. وجاء القرار على خلفية زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى إسرائيل، وتوقيعه معاهدة سلام معها. ولم يقتصر القرار على تجميد العضوية بالجامعة، بل استتبعته مقاطعة عربية لمصر استمرت نحو 10 سنوات، وبعدها استعادت مصر مقر الجامعة، وعادت إلى شغل مقعدها بين أعضائها عام 1989.
في ذلك الوقت، أثار قرار التجميد ونقل مقر الجامعة جدلاً قانونياً، ولا سيما أن المادة العاشرة للميثاق تنص على أن القاهرة هي المقر الدائم للجامعة. ويقول الفقي إن «قرار نقل مقر الجامعة لم يكن صائباً، لمخالفته الميثاق»، مشيراً إلى أن «تلك الفترة شهدت قطيعة دبلوماسية بين مصر وكل الدول العربية، انتهت بإرادة عربية أعادت مصر إلى محيطها العربي».
عودة مصر جاءت عبر عدة قرارات، حيث أنهت قمة عمّان عام 1987 المقاطعة الدبلوماسية للقاهرة، بالنص على أن «العلاقات الدبلوماسية بين أي دولة عضو في الجامعة وبين مصر من أعمال السيادة». وفي العام 1989 حضرت مصر قمة الدار البيضاء، واستعادت عضويتها في الجامعة. قبل أن تعود الجامعة إلى مقرها بالقاهرة عام 1990، ويتولى عصمت عبد المجيد أمانتها العامة.
وعلقت عضوية ليبيا عدة أشهر أيضاً، حيث تقرر تجميد عضويتها في فبراير (شباط) 2011 لحين التزام السلطة بتحقيق أمن الشعب الليبي والالتزام بقرارات الجامعة، على خلفية الاحتجاجات ضد نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، واستمر القرار سارياً حتى اعترفت الدول العربية بالمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا في أغسطس (آب) من نفس العام، لتعود ليبيا إلى مقعدها.
إجراء التجميد استخدم لأول مرة عام 1958، حيث جمدت عضويتا مصر وسوريا لزوال الشخصية القانونية بالاندماج، وحلت الجمهورية العربية المتحدة بديلاً عن الدولتين في الجامعة، قبل أن تستعيد مصر وسوريا العضوية المستقلة بعد الانفصال عام 1961، نفس الشيء حدث عند اتحاد اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990.
ويقول الفقي إن «هذا لم يكن تجميداً للعضوية بالمعنى المعروف، حيث انضمت مصر وسوريا إلى الجامعة كدولة واحدة بعد الوحدة»، مشيراً إلى أن «مصر ظلت تستخدم اسم الجمهورية العربية المتحدة بعد الانفصال عن سوريا، حتى تم تغيير الدستور بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر».