إنشاء المدن وأنسنتها... برهان السعودية على متانة اقتصادها

خبير سياسي: مشاريع «نيوم» ستكون إرثاً في تاريخ ولي العهد

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال إعلانه عن إطلاق منطقة «ذا لاين» في مدينة نيوم (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال إعلانه عن إطلاق منطقة «ذا لاين» في مدينة نيوم (واس)
TT

إنشاء المدن وأنسنتها... برهان السعودية على متانة اقتصادها

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال إعلانه عن إطلاق منطقة «ذا لاين» في مدينة نيوم (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال إعلانه عن إطلاق منطقة «ذا لاين» في مدينة نيوم (واس)

بينما ألقت جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وأسعار الطاقة وارتفاع نسب التضخم العالمية، بظلالها على كثير من اقتصاديات العالم الكبرى، أماطت السعودية اللثام عن متانة اقتصادها، عبر الإعلان عن التقدم في مشاريع مناطقها الوليدة من مدينة نيوم. واعتُبر الإعلان عن هذه المشاريع الفريدة من نوعها ضمن خطة السعودية التنموية «رؤية 2030» شيئاً مبهراً في حينه، لكن الأكثر إبهاراً هو استمرار التقدم اليوم في كثير من هذه المشاريع بوتيرة عالية، رغم الظروف الاقتصادية الدولية.

تجاوز آثار جائحة كورونا في وقت قياسي
في الثامن من أبريل (نيسان) العام الماضي، كشف وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن بلاده قد «تجاوزت آثار جائحة كوفيد-19 نتيجةً لسرعة الاستجابة والإجراءات غير المسبوقة التي اتّخذتها لحماية المواطنين والمقيمين ودعم النشاط الاقتصادي، التي قُدّرت بنحو 13.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي».
وأعطت دلالات هذا التاريخ انطباعاً بأن البلاد قد بدأت بعده العودة بالتدريج لاستئناف العمل على خطتها التنموية «رؤية السعودية 2030» لكن الواقع كان مختلفاً وسار بوتيرة عالية لم تعتَدْ عليها المنطقة وليس السعودية فحسب، حيث أذاعت وكالة الأنباء الرسمية ووسائل إعلام محليّة ودولية قبل ذلك التاريخ بشهرين، في العاشر من يناير (كانون الثاني)، الإطلاق الرسمي لمشروع منطقة «ذا لاين» في مدينة نيوم الجديدة كليًّا شمال غربي السعودية. أي أن هذا الإعلان المثير للدهشة لمشروع بهذه المزايا غير المسبوقة، جاء في الوقت نفسه الذي كانت فيه البلاد ما زالت تتعافى من الآثار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة.

إبهار بصري من الطبيعية 100 في المائة
وفي الإعلان نفسه، دُهش المراقبون، بالإبهار البصري الذي أزاح الستار عن منطقة وليدة سوف تسبق مثيلاتها من المناطق اللاتي لم تولد بعد، إلى أن تكون أول منطقة مخلوقة من الطبيعة بنسبة تقارب الـ95 في المائة، وسوف تعتمد في تركيبتها للحياة والبناء على 100 في المائة من المصادر المتجددة والنظيفة.
يشير ذلك إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قد التزم بتعهده الذي أعلنه قبل عام فقط من الانتشار المروّع لفيروس كورونا حول العالم، عندما قال إبَّان مشاركته إلى جانب قادة شرق أوسطيين، في منتدى اقتصادي عقد في العاصمة السعودية الرياض، في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018: «الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة، هذه حربي وحرب السعوديين».

اقتصاد يتجاوز الظروف
كان يمكن تخيل أن تساهم جائحة كورونا، والتقلّبات في أسواق الطاقة والحرب في أوكرانيا، وارتفاع نسب التضخم، في جعل هذا التصريح المدوّي، «تعهّداً مع وقف التنفيذ»، لكن إطلاق مشروع منطقتي «أوكساچون» الصناعية و«تروجينا» السياحية في نيوم، وإعلان تصاميم منطقة «ذا لاين» في نيوم أيضاً، واكتمال أجزاء رئيسية من مشروع وجهة البحر الأحمر، كشف عن متانة اقتصاد البلاد، بالقدر الذي راهن عليه ولي العهد السعودي للدفع بهذه المشاريع العملاقة إلى الأمام، في وقتٍ عصيب على كبرى اقتصاديات العالم، وعلى المملكة التي كانت في قلب العاصفة حينما اجتاح فيروس كورونا الكون، وترأست حينه مجموعة العشرين، لتقود كبرى اقتصاديات العالم إلى مواجهة اقتصادية حامية الوطيس مع الجائحة.

فرص للاستثمار الواعد
ويدلّل أمير منطقة تبوك - المنطقة الإدارية المجاورة لمدينة نيوم - الأمير فهد بن سلطان، على قدرة بلاده في الخروج من أقسى الظروف الاقتصادية بأفضل طريقة، من خلال مشروع «ذا لاين» قائلاً إنه سوف يمثل «نموذجاً عالمياً رائداً لمفهوم المجتمعات الحضرية مستقبلاً ويحقق الاستدامة ومثالية العيش بالتناغم مع الطبيعة وتوفير بيئة صحية جاذبة كما سيعزز من مكانة المملكة ويجعلها رائدة في هذا المجال نحو اقتصاد متجدد ومتنوع يرتكز على تقنيات حديثة وفق معايير نوعية».
وبالنظر إلى هذه النماذج، يجادل الدكتور بول سوليفان، خبير الطاقة والمحاضر في جامعة جون هوبكنز، بأن هناك فرصا هائلة للاستثمار الواعد في السعودية «يمكن للمستثمرين ذوي العقليات الإبداعية المستعدين لبذل الجهود في فهم ثقافة السعودية ومكانتها في العالم أن يستثمروا هناك، لكن إذا كانوا لا يعتقدون أنهم بحاجة إلى فهم ثقافي واستعداد للعمل من خلال تعقيدات الحقائق الدولية المتغيرة اليوم، فأنا أقترح عليهم البحث في مكان آخر» ويضيف الدكتور سوليفان أن مستقبل السعودية لا يقتصر على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المعمول بها الآن فقط، بل إن مبادرة السعودية الخضراء على سبيل المثال لا الحصر تعمل على «تكريس استخدام الطاقة المتجددة، وتطوير تقنيات احتجاز الكربون، وزيادة خيارات النقل العام، وتعزيز كفاءة الطاقة وتنفذ في الوقت ذاته مشاريع لزراعة المزيد من الأشجار وحماية الأرض والبحار والقضاء على انبعاثات الكربون».

شروق الشمس وغروبها على خليج نيوم
ولا يُخفي البروفيسور في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن ديفيد ديروش، مشاعره عندما كان ضابطاً في الجيش الأميركي «أول وظيفة لي كضابط شاب في الجيش الأميركي كانت في خليج العقبة، وكنت أشاهد كل يوم شروق الشمس وغروبها على الساحل السعودي الرائع وأنا مفتون بجمالها ... من الجيد أن أرى بأنني لست الوحيد الذي شعر بهذه الطريقة».
ويكشف ديروش عن إيمانه بأن مشاريع مدينة نيوم، وعلى وجه الخصوص منطقة «ذا لاين»، يمكن أن تحقق النجاح المرجو منها لسبب بسيط يرتبط بتاريخ المشاريع الكبرى الأخرى مثل «القطار الفرنسي السريع، وعمليات الإنزال على سطح القمر في الولايات المتحدة، والتطوير الأولي لميناء دبي، وقناة السويس، التي اعتُبرت أيضاً على نطاق واسع في بداية انطلاقها، على أنها غير قابلة للتحقق أو مستحيلة ومتهورة. واليوم تعتبر جميعها أمثلة على التفكير البصري الذي كان أنصاره متقدمين على عصرهم وتمكنوا من استخدام رؤيتهم ومواردهم لتغيير العالم كما نراه الآن»، مؤكداً في استطراد أن ولي العهد السعودي «يخوض مغامرة كبيرة وستكون هذه المشاريع جزءًا كبيرًا من إرثه ومكانته في التاريخ إذا تمكن من الاستمرار في إنجاحها».
وباتت مشاريع إنشاء المناطق الصناعية والسياحية والحضرية، القائمة على الطاقة النظيفة والمتجددة، وتحاكي تقنيات المستقبل، جزءًا لا يتجزأ في خطط تنمية الاقتصاد السعودي، كما عمدت السعودية إلى مشاريع موازية لأنسنة المدن القائمة في إطار خطتها للتنمية «رؤية 2030».


مقالات ذات صلة

الميزانية السعودية... استدامة مالية واستمرار في الإصلاحات

الاقتصاد ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

الميزانية السعودية... استدامة مالية واستمرار في الإصلاحات

أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أمس (الثلاثاء)، ميزانية عام 2025 بإيرادات متوقعة عند 1.184 تريليون ريال.

مساعد الزياني (الرياض) عبير حمدي (الرياض)
الخليج الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي (الشرق الأوسط)

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة خطية من رئيس جنوب أفريقيا

تلقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، رسالة خطية، من سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا، تتصل بالعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز

خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل بـ«حساب المواطن» والدعم الإضافي للمستفيدين

وجّه خادم الحرمين الشريفين، بناءً على ما رفعه الأمير محمد بن سلمان، بتمديد العمل ببرنامج «حساب المواطن».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان (الشرق الأوسط)

القيادة السعودية تهنئ سلطان عُمان بذكرى اليوم الوطني لبلاده

هنأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الخارجية السعودية)

ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي يستعرضان التطورات هاتفياً

استعرض الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الخميس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء السعودية

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)
TT

خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء السعودية

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى إقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء السعودية يوم الخميس المقبل.

وقال بيان صدر عن الديوان الملكي السعودي: «تأسّياً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بإقامة صلاة الاستسقاء، فقد دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى إقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء المملكة 26 من شهر جمادى الأول 1446هـ حسب تقويم أم القرى».

وطلب من الجميع أن يُكثروا من التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله سبحانه، والإحسان إلى عباده والإكثار من نوافل الطاعات من صدقات وصلوات وأذكار، والتيسير على عباد الله وتفريج كربهم، وقال: «ينبغي على كل قادر أن يحرص على أداء الصلاة، عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإظهاراً للافتقار إلى الله جلّ وعلا، مع الإلحاح في الدعاء، فإن الله يحب من عباده الإكثار من الدعاء والإلحاح فيه».