ارتياح استثماري لقرار «شورى الدولة» بمنع إلغاء التزامات «المركزي» اللبناني

مساهمون عرب في البنوك لوّحوا بمقاضاة السلطة

مصرف لبنان المركزي (رويترز)
مصرف لبنان المركزي (رويترز)
TT

ارتياح استثماري لقرار «شورى الدولة» بمنع إلغاء التزامات «المركزي» اللبناني

مصرف لبنان المركزي (رويترز)
مصرف لبنان المركزي (رويترز)

تلقّف مساهمون خارجيون في القطاع المالي اللبناني، بارتياح ظاهر، قرار «مجلس شورى الدولة»، إبطال قرار سابق لمجلس الوزراء يقضي بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف.

و«مجلس شورى الدولة» هو المرجعية القضائية التي تتولى القضاء الإداري ومراقبة إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية، ووضع محدّدات قانونية صارمة للمقاربات الخاصة بمعالجة فجوة الخسائر المالية.

وشكل تصنيف المجلس للجزء الوازن من فجوة الخسائر بوصفها ديوناً قائمة ومتوجبة على الدولة، مرتكزاً لتصحيح ضروري وواعد لمعادلة التوزيع العادل للأعباء، وفقاً لدرجات المسؤوليات على ثلاثي الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي، حيث لاحظ القرار القضائي أنّ تلك المبالغ، التي تزيد على 60 مليار دولار، كما جاء في متن قرار الإبطال، استدانتها الدولة، وبالتالي يجب أن تردّها للمصارف، وبالتالي للمودعين.

ورغم التنويه بأن ذلك الاقتراض مخالف للقانون، فقد ثبت المجلس صفة الدين على الدولة، مستشهداً بتصريح للحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، عن إقراض الدولة مبلغ 62 مليار دولار. كما أن وصف المبالغ عينها بوصفها ديوناً قائمة على الدولة ورد في مستندات التدقيق الجنائي في ميزانيات البنك المركزي، الذي نفذته الشركة الدولية «ألفاريز آند مارسال»، بناء لطلب السلطة التنفيذية، وبدعم تشريعي من قبل مجلس النواب عبر قانون رفع السرية عن البيانات المطلوبة.

أمل للمستثمرين والمودعين

ويؤمل أن تسهم هذه الخطوة، المسنودة نصاً إلى ركيزة صلاحية مجلس الشورى للنظر في طلبات الإبطال بسبب تجاوز حد السلطة للمراسيم والقرارات ذات الصفة الإدارية، سواء كانت تتعلق بالأفراد أو بالأنظمة الصادرة عن السلطة الإدارية، في الحؤول دون تحركات مضادة لوّح بها كثير من المستثمرين الاستراتيجيين في القطاع المالي اللبناني، أفراداً كانوا وشركات من دول عربية. وقد تصل، وفقاً لمسؤول مصرفي كبير، إلى حد إقامة دعاوى قضائية في الخارج رداً على التعمّد الرسمي الظاهر لتكبيدهم الكثير من الخسائر في محافظهم من الأسهم وسندات الدين المتنوعة في المصارف المحلية.

ويرفض المستثمرون بشكل قاطع الأذى المعنوي وكذلك المادي الذي تمعن الجهات الحكومية بإلحاقه بهم وبكبار المودعين، من خلال التصنيفات غير العادلة التي ترمي إلى تحميلهم أوزاراً إضافية ناجمة عن الأزمات النظامية التي تعصف بالبلد، عبر الإصرار على تسويق خيارات غير سويّة قانونياً وإجرائياً، من شأنها ليس فقط وضع رساميلهم ومدخراتهم بالتساوي الذي قبلوا به مع أقرانهم اللبنانيين، قيد مصير مجهول، بل وتغريمهم بردّ حقوق استثمارية بمفعول رجعي لسنوات سابقة، وتجاهل تعريفها بوصفها عوائد مشروعة ومتناسبة مع المتوسطات، وأحياناً أدنى من مثيلاتها السارية في أسواق مشابهة.

وبالفعل، تلقى مسؤولون كبار في كثير من المصارف ذات المساهمات الخارجية الوازنة أو الجزئية، إشعارات مباشرة من مستثمرين رأسماليين ومودعين، تطلب إبلاغ مواقفهم للجهات المعنية في السلطتين التنفيذية والنقدية، خصوصاً لجهة تقديرهم لقرار مجلس الشورى وجديّة الاعتراضات الشديدة من قبلهم على المنهجيات الخاطئة التي تصر الحكومة اللبنانية على اقتراحها، وفي مقدمها شطب التزامات البنك المركزي لصالح البنوك، والتصنيفات غير العادلة التي تطالهم مع كبار المودعين.

قاعدة قانونية للمقاربات المالية اللاحقة

وأكد مسؤول مصرفي كبير ومعني لـ«الشرق الأوسط»، أن تبعات القرار القضائي الأحدث تتعدى النطاق الحصري لاقتراحات مالية سابقة، لتتحول إلى قاعدة قانونية مرجعية لأي مقاربات لاحقة، بما يشمل خصوصاً المندرجات ذات الصلة الواردة في مشروع القانون الجديد والحامل لعنوان «معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها»، والذي يفترض إدراجه قريباً على جدول أعمال مجلس الوزراء.

توازياً، ينبغي التشديد، حسب المصرفي، على أن الدولة مسؤولة أساساً عن معالجة أي خسائر تلحق بميزانية البنك المركزي، وفق منطوق المادة 113 من قانون النقد والتسليف، وهو ما أكده الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، في بيان رسمي أوائل العام الحالي. كما ارتكز إلى مضمونها أساس الدعوى إلى مجلس الشورى، والتي تقدمت بها مجموعة تضم أكبر 11 مصرفاً محلياً، بغية مواجهة نظريات «الشطب» التي يصر فريق في الحكومة على ورودها في مشاريع قوانين مالية، ولم يفلح في تمريرها لدى السلطة التشريعية.

ورداً على سؤال، أوضح المصرفي أنه يتعذر حالياً تقدير الحجم الفعلي للمساهمات الخارجية في البنوك المحلية، بسبب الالتباسات المحاسبية الناشئة عن الأزمتين المالية والنقدية، ومن المؤكد أنها تشمل مجمل البنوك، ولا سيما الكبيرة منها، وهي تتنوع بين حصص ملكية أسهم والاكتتاب في سندات دين وإيصالات إيداع عمومية، وسواها من أدوات رأسمالية. كما تتنوع مصادرها من غالبية خليجية إلى توظيفات لجهات استثمارية مصرية ويمنية وسورية وأردنية وسواها، فضلاً عن حصص وازنة ترد ضمن قائمة المودعين غير المقيمين، والتي تضم أيضاً لبنانيين عاملين في الخارج ومغتربين.

وبالإضافة إلى الثقل النوعي الذي كانت تمثله هذه الكتلة من التوظيفات الخارجية في القطاع المالي اللبناني، يشير المسؤول المصرفي إلى أولوية محاكاة دورها المرتجى والمفصلي في مرحلة التعافي الموعودة بعد انتظام الاستقرارين السياسي والأمني، إذ إن الدعم العربي عموماً، والخليجي خصوصاً، لطالما أعان لبنان وقطاعاته كافة ولم يتخل عنه بتاتاً في أصعب الظروف، وما من منطق يبرّر الإساءة إلى منظومة علاقات تاريخية ومستمرة في الميادين كافة مع الأشقاء الذين يحتضنون أيضاً مئات الآلاف من اللبنانيين العاملين والمقيمين في بلدانهم.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي سحابة من الدخان ترتفع في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت جراء غارات إسرائيلية (رويترز)

مقتل 6 أشخاص في بعلبك وغارة إسرائيلية «عنيفة» على الضاحية الجنوبية

أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، مساء السبت، بأن غارة إسرائيلية وصفتها بأنها «عنيفة جداً»، استهدفت منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أعمدة دخان تظهر في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارات إسرائيلية (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ «جولة ثالثة» من القصف على الضاحية الجنوبية لبيروت

قال الجيش الإسرائيلي، الجمعة، إن طائراته الحربية نفذت جولة ثالثة من القصف على أهداف لـ«حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي أحد عمال البلدية ينتشل العلم اللبناني من بين الأنقاض في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

مسعفة تبحث عن والدها بين الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على شرق لبنان

على خطى والدها علي، انضمت سوزان كركبا إلى صفوف الدفاع المدني في لبنان، لكنها لم تكن لتصدّق أنّها ستُضطر يوماً إلى البحث عن جثته بين أنقاض مركز لجهاز الإسعاف.

«الشرق الأوسط» (دورس)
المشرق العربي بري خلال لقائه السفيرة الأميركية الخميس (مجلس النواب)

بري لـ«الشرق الأوسط»: الورقة الأميركية لا تتضمن حرية حركة لإسرائيل... ولا قوات «أطلسية»

بري تعليقاً على استهداف مسقط رأسه ومناطق نفوذه: ضغط نتنياهو «ما بيمشيش معنا».

ثائر عباس (بيروت)

بغداد: التعداد السكاني سيُستخدم للتنمية ومستقبل أفضل للعراقيين

وزير التخطيط محمد تميم خلال ترؤسه اجتماعاً لخلية التعداد السكاني (إعلام وزارة التخطيط)
وزير التخطيط محمد تميم خلال ترؤسه اجتماعاً لخلية التعداد السكاني (إعلام وزارة التخطيط)
TT

بغداد: التعداد السكاني سيُستخدم للتنمية ومستقبل أفضل للعراقيين

وزير التخطيط محمد تميم خلال ترؤسه اجتماعاً لخلية التعداد السكاني (إعلام وزارة التخطيط)
وزير التخطيط محمد تميم خلال ترؤسه اجتماعاً لخلية التعداد السكاني (إعلام وزارة التخطيط)

ينشغل الفضاء العراقي من أقصى جنوب البلاد إلى أقصى شمالها بأدق التفاصيل للتعداد السكاني العام، المقرر إجراؤه الأربعاء المقبل، ويشمل جميع محافظات البلاد، ومن ضمنها إقليم كردستان.

وجرى آخر تعداد سكاني عام 1997، لكن من دون شمول محافظات إقليم كردستان، التي كانت خارجة عن سيطرة الحكومة في بغداد، بعد خضوعها لعقوبات دولية عقب غزوها دولة الكويت عام 1990.

وتؤكد وزارة التخطيط العراقية، المُشرفة على إجراء التعداد، منذ أيام، إكمالها جميع مستلزمات التعداد السكاني، وأن العملية ستستمر نحو 10 أيام بعد إجرائه في العشرين من الشهر الحالي، وأعلنت الحكومة حظراً للتجوال يومي الأربعاء والخميس المقبلين.

خريطة للتنمية

بدوره، أكد وزير التخطيط ونائب رئيس مجلس الوزراء، محمد تميم، السبت، «أن التعداد السكاني سيرسم خريطة التنمية في العراق».

تميم يراقب الإجراءات والتحضيرات للتعداد السكاني المقبل (إعلام وزارة التخطيط)

وقال تميم في كلمة وجهها إلى المواطنين بمناسبة قرب موعد انطلاق التعداد: «إن التعداد السكاني هو أول تعداد تنموي شامل للعراق يجري منذ 37 عاماً، وهو أول تعداد إلكتروني، ويمثل رسالة على الاستقرار الاجتماعي والأمني والاقتصادي في البلاد». في إشارة إلى تعداد عام 1987، الذي شمل جميع المحافظات العراقية.

وأضاف تميم أن «التعداد السكاني يأتي ضمن أولويات البرنامج الحكومي، كونه أول تعداد تنموي تقوم به وزارة التخطيط، وأن الحكومة دعمت إجراءاته؛ لأنه يمثل استحقاقاً وطنياً ودستورياً». وأشار إلى أن «التعداد سيرسم للحكومة والحكومات اللاحقة خريطة التنمية وتقديم الخدمات والمشروعات للمواطنين، وأن بياناته سيجري استخدامها للتنمية واستشراف مستقبل أفضل للعراقيين، وتحقيق حالة من الاستقرار السكاني».

بدورها، أعلنت مديرية إحصاء أربيل، السبت، عن إتمام تدريب 300 عدّاد، استعداداً للمرحلة المقبلة من التعداد السكاني، مشيرة إلى أن العدادين سيباشرون اليوم زيارة المنازل داخل الأحياء السكنية بالمحافظة لتعبئة الاستمارة العائلية.

وقال مدير إحصاء أربيل، الدكتور دلزار حمة صالح، خلال مؤتمر صحافي، السبت: «لقد أنجزنا المرحلة الأخيرة من تدريب 300 عدّاد في محافظة أربيل؛ حيث استمر التدريب لمدة 3 أيام متواصلة».

وأضاف: «إن العدّادين سيبدأون، اليوم، زيارة المنازل لتعبئة الاستمارة العائلية التي تحتوي على مجموعة من الأسئلة، وستستمر هذه الحملة حتى نهاية يوم 19 من الشهر الحالي».

وأشار صالح إلى أنه «سيجري فرض حظر للتجوال في يومي 20 و21 من الشهر الحالي؛ إذ سيقوم العدادون بزيارة المنازل مجدداً للتأكد من صحة المعلومات المدونة، أو لتسجيل أي تغييرات طرأت على الوضع العائلي خلال تلك الفترة، وسيجري تثبيت تلك المعلومات بدقة زمنية»، ودعا المواطنين في أربيل إلى «التعاون مع فرق التعداد، وفتح منازلهم أمامهم للإجابة عن الأسئلة»، مؤكداً «أهمية المشاركة في هذه العملية الوطنية».

كان رئيس هيئة المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، فهمي برهان، قد طالب، في وقت، الحكومة الاتحادية بتأجيل إجراء التعداد السكاني إلى موعد آخر؛ بسبب «عدم معالجة مسألة المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، المشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي». بيد أن الطلب قوبل بالرفض من حكومة بغداد، ويبدو أن الأمور تسير باتجاه إنجاز التعداد في جميع المحافظات العراقية.