خسرت كوت ديفوار مباراتها الثانية في دور المجموعات في كأس الأمم الأفريقية هذا العام، قبل أن تخسر المباراة الثالثة برباعية نظيفة أمام غينيا الاستوائية، وهو ما كان يعني أنها، ووفقا لأي تقييم واقعي، في طريقها للخروج من البطولة التي استضافتها على ملاعبها، خاصة عندما تقدمت غانا بهدفين دون رد على موزمبيق، وهو ما بدا وكأنه يُنهي تماما إمكانية تأهل كوت ديفوار إلى دور الستة عشر كواحد من أفضل أربعة منتخبات احتلت المركز الثالث.
لكن بعد ذلك سجلت موزمبيق هدفين في الوقت المحتسب بدل الضائع، وتأهلت كوت ديفوار وأقالت مديرها الفني. وبعد التعادل من ركلة جزاء في الدقيقة 86 أمام السنغال، والتعادل في الدقيقة الأخيرة وهي تلعب بعشرة لاعبين أمام مالي، واصلت كوت ديفوار تقدمها ووصلت إلى المباراة النهائية.
لقد انتهى الأمر بفوز كوت ديفوار في مباراتي نصف النهائي والنهائي بسهولة. وبنهاية البطولة، بدت كوت ديفوار وكأنها أفضل فريق في المسابقة! وفي وقت سابق من البطولة، كانت كوت ديفوار توصف بأنها فريق مفكك ومهلهل، لكنها رفضت الاستسلام وحاربت ضد كل التوقعات. ويبدو أنها قد استمدت قوتها من الشعور الذي لا يمكن تفسيره بأنه لا يمكن التفوق عليها. ويعني هذا أن الفريق الذي يفوز بالبطولة ربما لا يبدو هو الفريق الأفضل في البداية، بل وربما لا يكون الفريق الأفضل من الأساس!
في الحقيقة، تعد إسبانيا أفضل فريق في بطولة كأس الأمم الأوروبية 2024، وبفارق كبير عن باقي المنتخبات. وقد شهدت هذه البطولة تقديم المنتخبات الصغيرة كرة قدم مفتوحة وممتعة، في حين كانت المنتخبات الكبرى تلعب ببطء وحذر. ربما يرجع هذا جزئياً إلى التأثير الناجم عن تعرض اللاعبين للإرهاق المتراكم بسبب كثرة عدد المباريات، بالإضافة إلى تداعيات الاضطرابات الناجمة عن تفشي فيروس كورونا وإقامة كأس العالم الأخيرة في فصل الشتاء في قطر. وكان كل هذا يعني أن مباريات كرة القدم لم تتوقف تقريبا منذ انتهاء فترة الإغلاق نتيجة تفشي فيروس كورونا.
لكن هناك سببا آخر أيضا وهو الاعتقاد بأن اللعب الحذر هو الطريق للفوز بالبطولات. فعندما لا تستقبل أهدافا فإن هذا يعني أنك لن تخسر. وبالتالي، تعتمد معظم المنتخبات على اللعب الدفاعي الحذر وتضييق المساحات، والاعتماد على اللاعبين أصحاب المهارات والإمكانات الكبيرة لصنع الفارق في اللحظات الحاسمة.
ولم يُخف المدير الفني للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت، أبداً أنه يرى ما حققته البرتغال في كأس الأمم الأوروبية 2016 وفرنسا في كأس العالم 2018 نموذجين يجب أن يحتذي بهما. ونتيجة لذلك، نجح ساوثغيت في مقاومة كل الانتقادات والمطالبات بأن يتخلى عن اللعب الدفاعي الحذر (اللعب الممتع يأتي من خلال التوازن، وليس من خلال الدفع بأكبر عدد من اللاعبين المهاريين فقط: لا يهم عدد المهاجمين الموجودين على أرض الملعب إذا لم تتمكن من ممارسة الضغط واستخلاص الكرة ومنحها لهم، وإذا لم يجد هؤلاء المهاجمون المساحة اللازمة للتحرك).
وهناك مفارقة يجب الإشارة إليها هنا، فكرة القدم تعيش في الوعي الجماعي من خلال لحظات من المشاعر المشتركة، وكانت أكثر اللحظات التي لا تنسى لفرنسا في كأس العالم 2018 عندما انهار المنتخب الفرنسي وتأخر في النتيجة أمام الأرجنتين بهدفين مقابل هدف وحيد في دور الستة عشر، قبل أن يسجل بنيامين بافارد هدفا رائعا من تسديدة بعيدة المدى، ويضيف كيليان مبابي ثنائية لتنتهي المباراة بفوز فرنسا بأربعة أهداف مقابل هدفين، وهي المباراة التي لا يزال الجميع يتذكرها أكثر من الانتصارين اللاحقين لفرنسا على كل من أوروغواي وبلجيكا!
وعلاوة على ذلك، فازت البرتغال بكأس الأمم الأوروبية 2016 دون أن تفعل أي شيء يذكر! إن العزيمة هي التي تصنع المعجزات، وقد نجحت إنجلترا بالفعل في تقديم ثلاث لمحات بطولية خلال هذه البطولة. فبغض النظر عن نتيجة المباراة النهائية أمام إسبانيا (الأحد) المقبل، فإن الهدف القاتل الذي أحرزه جود بيلينغهام بركلة خلفية مزدوجة، وابتسامة بوكايو ساكا المريحة، واستقبال أولي واتكينز للكرة بشكل رائع وتسجيله لهدف الفوز في الدور قبل النهائي، ستظل دائما خالدة في أذهان عشاق كرة القدم الإنجليزية إلى جانب الهدف الثالث لجيف هيرست في كأس العالم عام 1966، وتسديدة ديفيد بلات في كأس العالم عام 1990، وتسديدة تيدي شيرينغهام في عام 1996.
في الحقيقة، لم نر في البطولات الثلاث السابقة للمنتخب الإنجليزي تحت قيادة ساوثغيت مثل هذه اللحظات الاستثنائية من الإرادة والعزيمة التي نراها هذه المرة في كأس الأمم الأوروبية 2024. وعلاوة على ذلك، لم تقتصر هذه اللحظات الاستثنائية على لاعب واحد فقط، وإنما قام بها عدد من اللاعبين المختلفين. وعلى الرغم من أن خمسة أهداف من إجمالي الأهداف التي سجلها المنتخب الإنجليزي في هذه البطولة جاءت عن طريق هاري كين وجود بيلينغهام، فإن مساهماتهما بخلاف ذلك كانت محدودة. وفي المقابل، لا يمكننا أن ننسى تمريرات كوبي ماينو، وركلتي ترجيح ترينت ألكسندر أرنولد وإيفان توني، والحماس الشديد لساكا، وتألق بيكفورد قبل أن ينجح واتكينز في إحراز هدف الفوز.
فماذا لو نجح المنتخب الإنجليزي في تكرار مع فعلته كوت ديفوار؟ وهل كانت إنجلترا بحاجة حقا لتقديم هذا الأداء السيئ والممل أمام الدنمارك لكي تعيد ضبط الأمور وتحقق الانتصارات بعد ذلك وتصل إلى المباراة النهائية؟
في الحقيقة، تعد إسبانيا المرشح الأوفر حظا للفوز بالمباراة النهائية، في ضوء المستويات القوية التي قدمتها خلال البطولة، خاصة أن لديها أفضل مهاجمين في هذه البطولة، وهما يامين لامال ونيكو ويليامز. وعلاوة على ذلك، لديها رودري الذي لا يخسر أبداً، ولديها داني كارفاخال صاحب الخبرات الكبيرة من خلال الفوز بالكثير من البطولات والألقاب.
والأهم من ذلك أن لديها هوية واضحة ونظاما أنتج أفضل اللاعبين فيما يتعلق باللعب السلس من خلال نقل الكرات القصيرة والتحرك المدروس جيدا. وإذا فازت إسبانيا على إنجلترا، فستصبح ثاني فريق - بعد البرازيل في كأس العالم عام 2002 - يفوز بجميع المباريات السبع التي يخوضها في بطولة كبرى.
في مقابل ذلك، تمتلك إنجلترا بعض اللاعبين الرائعين، فضلا عن الشعور بأن الأمور بدأت تسير في الاتجاه الصحيح. وبعدما نجح المنتخب الإنجليزي في تحقيق الفوز بعد التأخر في النتيجة في ثلاث مباريات، ربما أصبح هناك شعور بأنه قادر على تكرار ما فعلته كوت ديفوار في بطولة كأس الأمم الأفريقية في فبراير (شباط) الماضي، وبأنه لا يمكن التغلب عليها!