محمد صلاح... اللاعب الأكثر قيمة تجارية في «بريمرليغ»

النجم المصري ليس بحاجة للترويج إذ إنه «وجه لألف لوحة إعلانية»

محمد صلاح وعائلته بعد مباراة لليفربول (غيتي)
محمد صلاح وعائلته بعد مباراة لليفربول (غيتي)
TT

محمد صلاح... اللاعب الأكثر قيمة تجارية في «بريمرليغ»

محمد صلاح وعائلته بعد مباراة لليفربول (غيتي)
محمد صلاح وعائلته بعد مباراة لليفربول (غيتي)

ليست الأرقام المهمة هي التي ستحدد إرث ليفربول، ولكنَّ الأرقام التي جرى تقديمها بهدوء في مارس (آذار) هي التي ساعدت على توضيح قيمة محمد صلاح في ضوء مختلف.

قدمت الحسابات السنوية لشركة صلاح التجارية البريطانية المحدودة، وهي الشركة المسؤولة عن التعامل مع شريحة من دخل المهاجم خارج الملعب في البلد الذي يعده موطنه منذ عام 2017، لقطة من الثروة المتضخمة.

يوجد الآن ما يزيد قليلاً على 25 مليون جنيه إسترليني (32 مليون دولار) في الميزانية العمومية لشركة خاصة مسجلة في المملكة المتحدة، حيث صلاح هو المدير الوحيد المدرج في القائمة، مقارنةً بمبلغ 19.8 مليون جنيه إسترليني قبل 12 شهراً -وهو ما يمثل زيادة سنوية تزيد على 5 ملايين جنيه إسترليني بعد خصم الضرائب.

إنه جزء بسيط من الأجور التي يتقاضاها صلاح في ليفربول -التي تُقدَّر بما يتراوح بين 18 مليون جنيه إسترليني و21 مليون جنيه إسترليني سنوياً منذ إعادة التفاوض على عقد جعله اللاعب الأعلى أجراً في النادي في عام 2022- ولكنَّ هذه العائدات تكشف عن لمحة من الجاذبية التجارية الدائمة للاعب المصري، ولا شكَّ أن العلامة التجارية لصلاح هي تجارة كبيرة.

أشار رامي عباس عيسى، مستشار اللاعب ومحاميه منذ فترة طويلة، العام الماضي، إلى أن حقوق الصورة والأنشطة التجارية تزيد من أرباح صلاح مجتمعةً إلى ما يقرب من مليون جنيه إسترليني في الأسبوع. هذا التقييم، الذي ورد في دراسة أجرتها كلية «هارفارد للأعمال»، من شأنه أن يدعم نظرية أن اللاعب المصري قد وصل إلى تلك المرحلة في مسيرته حيث يمكن جني أموال أكثر خارج الملعب مقارنةً بما يفعله داخله.

محمد صلاح (رويترز)

إن أرباح صلاح التجارية في المملكة المتحدة هي غيض من فيض بالنسبة إلى الرياضي الأكثر شهرة في العالم العربي.

تتصدر صفقة طويلة الأمد مع شركة «أديداس» المورِّدة للأحذية قائمةً من الشراكات التي شملت «بيبسي» و«فودافون» و«دي إتش إل» و«أوبر» و«أوبو» و«بنك الإسكندرية» وشركة «ماونتن فيو» العقارية.

وقد تهافتت العلامات التجارية الكبرى على صلاح في السنوات الأخيرة، وكذلك العوائد.

يقول عباس إن كل صفقة تجارية تبلغ قيمتها عادةً ما بين 3.5 مليون جنيه إسترليني و6 ملايين جنيه إسترليني في السنة لموكله. ربما يكون هذا تفاؤلاً، ولكن لا أحد في هذه الصناعة يتحدى الحد الأدنى من هذه الشريحة.

تشير جميع المؤشرات إلى أن صلاح هو اللاعب الأكثر قيمة تجارية في الدوري الإنجليزي الممتاز؛ فهو الاسم والوجه الذي يتمتع بأكبر جاذبية دولية.

يقول إحسان شاه، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «بي إنغيغد»، المتخصصة في التسويق الرياضي: «على الصعيد العالمي، يمكنني القول إنه أكبر من أي شخص آخر بعد كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي ونيمار. لقد كان في القمة لبضع سنوات وأثبت ذلك في أحد الأندية الكبرى. لم يحقق نفس النجاح مع المنتخب المصري، لكنه فاز بدوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي الممتاز. لديك جود بيلينغهام الصاعد، لكنَّ صلاح سيكون الرابع في القائمة في الوقت الحالي».

يقول دان حداد، رئيس الاستراتيجية التجارية في وكالة «أوكتاغون» للرياضة والموسيقى والترفيه: «على الأرجح هو كذلك، نعم. من المحتمل أن يكون ذلك من أعراض عدم ثبات أداء مانشستر يونايتد وعدم وجود أي لاعب له أهمية عالمية خاصة. يمكنك القول فقط إن إرلينغ هالاند لديه القدرة على منافسة صلاح. ربما سيفعل ذلك لأنه يتمتع بخصائص متشابهة. إنه مميز للغاية، ويشارك في اللحظات الكبيرة. إنه في مسار تصاعدي، يتوافق مع نجاح مانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. فيرجيل فان ديك هو لاعب آخر بدأت ألاحظه حقاً في السنوات الأخيرة، حيث أصبح في مقدمة الحملات الإعلانية المختلفة للعلامات التجارية، لكنَّ صلاح ربما لا يزال اللاعب الأول من حيث التسويق في الدوري الإنجليزي الممتاز».

صلاح هو بلا شك أيقونة ليفربول الحديثة. الموسم الماضي تخللته بطولة كأس الأمم الأفريقية وإصابات طفيفة، ولن يسجل أحدَ أفضل مواسمه في أنفيلد، لكنَّ رأسيته في فوز ليفربول 4 - 2 على أرضه أمام توتنهام هوتسبير كانت الهدف رقم 211 في جميع المسابقات منذ انضمامه من روما مقابل 36 مليون جنيه إسترليني.

سبعة مواسم مثمرة مع ليفربول جعلت صلاح من بين النخبة وجعلت منه على نحو متزايد تذكرة ذهبية لمسؤولي التسويق. إنه الموهبة الفذة صاحب الوجه البشوش، رب الأسرة الذي بدأ بلا شيء في مسقط رأسه نجريج في مصر، ثم أصبح لديه كل شيء.

لا تحتاج قصته إلى الكثير من الترويج، حيث يصطف الكثيرون للاستثمار في صلاح. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هو وجه لألف لوحة إعلانية.

في عام 2022، كان نجم غلاف مجلة «جي كيو» للأزياء. وهناك ظهوره المنتظم في الإعلانات التلفزيونية، وكان صلاح يصور إعلاناً آخر، هذه المرة لصالح شركة «بيبسي» في ليفربول قبل ثلاثة أشهر.

يقول شاه: «إذا نظرت إلى المناطق التي يمكنه الاستفادة منها من خلال اللغة والثقافة، فهي سوق لا يمكن لأحد آخر أن ينافسه فيها حقاً. إنه يحتكرها تقريباً. فهو لا يمتلك شمال أفريقيا فحسب، بل يمتلك الشرق الأوسط بأكمله. ولهذا السبب دفع السعوديون بقوة للحصول عليه (للانتقال إلى الدوري السعودي للمحترفين الصيف الماضي). إنه ذلك الشخص الذي يملك ذلك النفوذ في السوق. أيٌّ من هذه العلامات التجارية الكبيرة التي تحتاج إلى مصداقية أو نفوذ في التسويق، تضعه واجهةً».

إنه الشخص الذي يجذب الانتباه، وتوقف التمرير (على وسائل التواصل الاجتماعي). ترى الوجه الذي تتعرف عليه وتسأل: «ماذا يفعل؟ إنها قدرة على إيقاف شخص ما لثانية أطول مما لو كنت تستخدم شخصاً قد لا تتعرف عليه. يمنحك صلاح هذا الضمان في هذا الجزء من العالم».

كانت الدراسة التي أجرتها كلية «هارفارد للأعمال»، والتي أيَّدها صلاح وعباس قبل نشرها في سبتمبر (أيلول) الماضي، نافذة نادرة على آليات تجديد العقد على أعلى مستوى.

كان هناك قبول بأن صلاح كان قريباً من رفض ليفربول في صيف 2022، حيث قيل إن المناقشات «انهارت تماماً» قبل أن يتم التوصل في النهاية إلى اتفاق على صفقة جديدة مدتها ثلاث سنوات تنتهي الصيف المقبل.

النجم المصري هو العلامة التجارية الأولى في إنجلترا (رويترز)

قدم عباس أرقاماً علنية أيضاً. وهي أرقام كبيرة. وقال إن التوقعات كانت تشير إلى أن صلاح سيجني «ما بين 54 مليون يورو (46.3 مليون جنيه إسترليني أو 58.8 مليون دولار) و62 مليون يورو سنوياً» من الأجور وحقوق الصورة خلال فترة تعاقده مع ليفربول.

أحدث الأرقام المودعة في «كامابنيز هاوس Companies House»، وهو السجل العام للشركات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، لا يمثل سوى أنشطة صلاح التجارية في موطنه الأصلي.

وقد أصبح ممارسةً معتادة بالنسبة إلى نخبة الرياضيين، أن تذهب مدفوعات حقوق الصورة إلى شركة بدلاً من الفرد، وبالتالي الاستفادة من ضرائب أقل من الـ45 في المائة التي يتم تحصيلها على الأرباح.

ولا بد من تأكيد أن شركة صلاح التجارية البريطانية المحدودة دفعت 2.3 مليون جنيه إسترليني ضريبةً على الشركات خلال الفترة المحاسبية الأخيرة.

من الآمن أن نفترض أن الحسابات التي قُدمت في شهر مارس تروي جزءاً فقط من قصة صلاح بوصفه عملاقاً تجارياً.

هناك مقياس غير علمي ولكنه معبّر عن مكانته من خلال عدد متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يقترب من 100 مليون شخص.

فبالإضافة إلى أكثر من 35 مليون متابع على منصتَي «إكس» و«فيسبوك»، يمكنه أن يتباهى بأكثر من 63 مليون متابع على «إنستغرام».

هذا جزء بسيط من الـ628 مليون متابع الذين جمعهم رونالدو، أكثر الأفراد شعبية على هذه المنصة، لكنَّ صلاح يفتخر بأكبر عدد من المتابعين مقارنةً بأي لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويأتي بعده هالاند بـ39 مليون متابع.

لا يوضح ذلك جاذبية صلاح العالمية فحسب، بل يؤكد أيضاً سبب انجذاب العلامات التجارية إليه. فهو يمنحهم الشهرة والمصداقية. وقد حظي أحدث إعلان لصلاح على حساب «فودافون» الذي نُشر على حسابه على «إنستغرام» في يناير (كانون الثاني) بأكثر من 510 آلاف إعجاب.

تقف شركة «فودافون مصر»، عملاق الاتصالات، إلى جانب صلاح منذ عام 2017. وقد نفَّذت الشركة إعلانات تلفزيونية لا حصر لها معه، وفي أحد الإعلانات الدعائية، عرضت على عملائها 11 دقيقة من المكالمات المحلية المجانية في مصر مقابل كل هدف يسجله صلاح في الأسابيع الأخيرة من موسم 2017 - 2018.

وقد تسببت الشراكة القوية مع «فودافون» في خلاف دبلوماسي عندما اكتشفت الشركة أن صورته قد تم لصقها على جانب الطائرة التي كان من المقرر أن تُقلّ المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا.

وكانت الصورة قد ظهرت إلى جانب شعار شركة الاتصالات «وي We»، التي تربطها شراكة مع الاتحاد المصري لكرة القدم، وهي منافس مباشر لشركة «فودافون».

وقال صلاح: «للأسف، الطريقة التي تم التعامل بها مع هذا الأمر مهينة للغاية. كنت آمل أن يكون التعامل أرقى من ذلك». وفي نهاية المطاف، تراجع الاتحاد المصري لكرة القدم ورضخ لمطالب صلاح بعدم استخدام صورته مع «وي We».

صلاح فاز بكثير من الجوائز في الدوري الإنجليزي (أرشيفية)

كانت «بيبسي» شركة أخرى من الشركات الكبرى التي ارتبطت بصلاح. وقد تم تمديد اتفاق مبدئي لمدة 12 شهراً عندما كان لا يزال مع روما، وتم تصوير إعلانات بشكل روتيني إلى جانب ميسي وبول بوغبا ورحيم سترلينغ. وقد تم بث آخر هذه الإعلانات العام الماضي عندما تم تصوير صلاح وزميله السابق في ليفربول ديان لوفرين، في أثناء مطاردتهما في شوارع الإسكندرية.

ثم هناك صلاح ومورِّد أحذيته «أديداس». لطالما كان أحد الوجوه البارزة في قسم كرة القدم لديها، وفي العام الماضي، كان جزءاً من الشراكة بين الشركة الألمانية المصنِّعة للأحذية الرياضية والعلامة التجارية الفاخرة «غوتشي».

لاعبو كرة القدم والموضة... وكيف أصبحت صورة اللاعب الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى

يقول حداد: «الشيء الأساسي بالنسبة لصلاح هو أنه أيقونة في العالم العربي. لم يكن لديك أي شخص في نفس المستوى في العالم العربي الذي يضم عدداً كبيراً من السكان الذين لديهم اهتمام كبير بكرة القدم ويتابعون الدوريات الدولية مثل الدوري الإنجليزي الممتاز. لقد كان لديك رياض محرز هناك لفترة من الوقت ولكن من الواضح أنه لم يكن بنفس القدر أو لنفس المدة الزمنية. مصر في حد ذاتها سوق ضخمة ذات اقتصاد نامٍ، وقد رأيت صلاح يقوم بكثير من الحملات التي تستهدف تلك المنطقة. إنه تقريباً النجم العالمي الوحيد والأيقوني الوحيد في العالم العربي. هذا شيء هائل».

لن يلحق صلاح أبداً برونالدو وميسي، اللذين ذكرت مجلة «فوربس» أن دخلهما السنوي سيتجاوز 100 مليون جنيه إسترليني في عام 2023، لكنَّ مسار اللاعب المصري التصاعدي كان رائعاً.

وسيشعر ليفربول أيضاً بفوائد ذلك. اسم صلاح هو الأكثر شيوعاً على ظَهْر القُمصان وقد حققا معاً زواجاً تسويقياً سعيداً.

هل تستمر قوة صلاح تجارياً؟ (رويترز)

السؤال، بالطبع، هو: إلى متى سيستمر كل هذا؟ لقد رُفض عرض بقيمة 150 مليون جنيه إسترليني من نادي الاتحاد السعودي خلال الصيف الماضي، كما أن صلاح سيدخل قريباً في الأشهر الـ12 الأخيرة من صفقة ليفربول المربحة التي تم توقيعها في عام 2022. هناك غموض، متوقف في الوقت الحالي، حول مستقبله على المدى الطويل بعد صيف 2025.

يقول حداد: «هناك عدد قليل جداً من اللاعبين الذين يحركون الإبرة بشكل كبير للنادي. يمكن بناء حالات تجارية حول ميسي مع الأندية التي تشهد نمواً جماهيرياً كبيراً. لقد رأيت ذلك في باريس سان جيرمان ثم في إنتر ميامي. يجب على اللاعب أن يجلب جمهوره الخاص ليصنع الفارق، ولكن مع صلاح لم يجلب جمهوره، بل ازداد جمهوره في أثناء وجوده في النادي. كانت الرحلة مفيدة للطرفين بدلاً من أن يقدم صلاح لليفربول أكثر مما قدموه له. لقد كانت علاقة متكافئة، لذا لا أعتقد أن الأمر سيتسبب في تأثير كبير إذا رحل. لا يزال هناك الكثير من المواهب الأيقونية في النادي ولا يزال هناك كثير من المواهب المميزة في النادي. حجم القاعدة الجماهيرية لليفربول لن يتغير. لا أعتقد أن صلاح يقود حقاً مبيعات القمصان إلى الحد الذي سيؤدي إلى انخفاض إيرادات ليفربول التجارية».


مقالات ذات صلة

الأهلي السعودي يفوز على الغرافة القطري ودياً

رياضة سعودية جانب من مواجهة الأهلي السعودي والغرافة القطري ودياً (الشرق الأوسط)

الأهلي السعودي يفوز على الغرافة القطري ودياً

واصل فريق الأهلي السعودي انتصاراته في مبارياته الودية ضمن معسكره المقام حالياً في النمسا استعداداً للموسم الجديد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة سعودية من مواجهة الهلال السعودي وماميلودي صن داونز الجنوب أفريقي ودياً (الشرق الأوسط)

الهلال يخسر ثالث مبارياته الودية بمعسكر النمسا

تلقى فريق الهلال الخسارة في ثالث مبارياته التجريبية في معسكره الاستعدادي الحالي المقام في مدينة باد إيرلاخ شرق النمسا، وذلك عندما تغلب عليه ماميلودي صن داونز.

هيثم الزاحم (الرياض)
رياضة سعودية جياكومو بونافينتورا (فيورنتينا الإيطالي)

الإيطالي بونافينتورا على مشارف الشباب

يستعد الدولي الإيطالي جاكومو بونافينتورا للانتقال إلى الدوري السعودي؛ إذ اختار لاعب خط الوسط الإيطالي في الواقع الانضمام إلى نادي الشباب.

نواف العقيّل (الرياض)
رياضة سعودية يهدف الاتحاد السعودي بدعمه إلى رفع مستوى المسابقات النسائية (الاتحاد السعودي)

الاتحاد السعودي يعزز دعم دوري السيدات بـ60 مليون ريال

أطلق الاتحاد السعودي لكرة القدم، اليوم (الجمعة)، النسخة الثانية من برنامج دعم وتطوير الفرق النسائية المشارِكة في الدوري الممتاز ودوري الدرجتين الأولى والثانية.

لولوة العنقري (الرياض)
رياضة سعودية ميشيل غونزاليس مدرب القادسية يُعطي التعليمات للاعبيه خلال التدريبات الأخيرة (الشرق الأوسط)

القادسية يختبر نجومه الجدد أمام أولمبياكوس اليوناني

يخوض فريق القادسية، اليوم الجمعة، ثالث مبارياته الودية في معسكره الحالي في هولندا حينما يواجه فريق أولمبياكوس اليوناني المنافس في الدوري الممتاز.

علي القطان (الدمام)

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
TT

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)

أوقدت باريس شعلتها الأولمبية، وسط افتتاح مذهل دُشّن بمقطع فيديو للكوميدي من أصول مغربية جمال دبوز، ولاعب كرة القدم السابق زين الدين زيدان «من أصول جزائرية» في استاد «دو فرانس»، قبل العرض غير المسبوق على نهر السين، بمشاركة 6 آلاف و800 رياضي، أمام معالم تاريخية في العاصمة الفرنسية.

وللمرة الأولى يُقام حفل الافتتاح خارج الملعب الرئيسي، يشاهده 320 ألف متفرج من مدرجات بُنيت خصوصاً للحفل على ضفاف النهر، ونحو 200 ألف من على شرفات المباني المجاورة.

وعَبَر أول قارب يقلّ البعثة اليونانية جسر «أوسترليتز» في باريس، ليُطلق موكب الوفود على نهر السين، في بداية حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، الجمعة، في باريس.

بعثة اللاجئين تشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية (رويترز)

وانفتح جدار من المياه المتدفقة تحت الجسر؛ ما أتاح مرور قارب البعثة اليونانية، كما تقضي التقاليد بوصف اليونان مهد الحركة الأولمبية الحديثة، وهو الأول من بين 85 قارباً يجب أن تنقل 6 آلاف و800 رياضي إلى تروكاديرو.

وحملت نجمة التايكوندو دنيا أبو طالب علم البعثة السعودية، التي ظهرت على متن قرب، وارتدى أفرادها الزي التاريخي (البشت والشماغ والعقال)، في حين ارتدت الرياضيات زياً نسائياً تراثياً (جلابية وطرحة على الرأس)، ورفرف جميعهم بالأعلام السعودية.

ومرت الساعات والدقائق ببطء شديد، بعد ظهر الجمعة بانتظار انطلاق الحفل الافتتاحي للأولمبياد الـ33 للعصر الحديث في باريس، التي تحوّلت إلى قلعة حصينة يصعب على المواطن العادي التنقل داخلها ما لم يكن حاصلاً على «الخاتم السحري»، الذي يُطلب منه عند كل مفترق طرق أو عند أي جسر على نهر السين.

الرئيس الفرنسي ماكرون يصافح باخ رئيس الأولمبية الدولية قبل انطلاق الحفل (رويترز)

الحكومة الفرنسية بدت قلقة وهي تضع نصب عينيها توفير الأمن المطلق للملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، الذين أمّوا باريس؛ للمشاركة في أضخم حدث أولمبي تشهده العاصمة الفرنسية، الذي تريده الأجمل والأكثر إثارة في تاريخ الأولمبياد. كوكبة ضخمة تزيد على 120 مسؤولاً كبيراً كانوا على موعد مع «عاصمة النور» التي عبّأت أجهزتها الأمنية بشكل مطلق، إذ يصل إلى 90 ألف رجل أمن عام وخاص وأفراد من الجيش، بل استعانت بعناصر أجنبية من 60 دولة؛ لتوفير أفضل تغطية أمنية، ولسد المنافذ كافّة التي يمكن أن تؤثر في المسار الصحيح للاحتفال.

أولمبياد باريس: الاستثناء

سمعة فرنسا كانت في الميزان. ولأن باريس عرفت في السنوات والأشهر الأخيرة حراكاً اجتماعياً أو أحداثاً أمنية لها علاقة بالإرهاب، ولأن أولمبيادها يجري في ظل توترات جيوسياسية وحربين مشتعلتين، الأولى في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022، والثانية في غزة منذ عشرة أشهر، فإن المخاوف كانت أن تنعكس هذه الحالة على الحفل الافتتاحي، ولكن أيضاً على الفعاليات الرياضية التي ستُجرى في العاصمة وفي عديد من المدن الأخرى. ومنذ ما قبل حصوله، برز غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يُدع إلى الاحتفال «عقاباً» له على حربه على أوكرانيا.

الفنانة ليدي غاغا خلال فقرتها الغنائية (رويترز)

كذلك تقلّصت البعثة الرياضية الروسية إلى 15 فرداً مُنعوا من حمل علم بلادهم، وسُمح لهم بالمشاركة بصفتهم الفردية، في حين كانت البعثة الروسية في المناسبات السابقة من الأكبر (أكثر من 300 رياضي). وكما غاب بوتين، غاب أيضاً الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا... كذلك، فإن حرب غزة كانت حاضرة من خلال الدعوة إلى منع مشاركة الوفد الإسرائيلي في الحفل الافتتاحي، بل في الفعاليات الرياضية.

ولأن اللجنة الأولمبية المسؤولة عن الدعوات رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب، فقد اتُّهمت بـ«ازدواجية المعايير».

وخلال مباراة كرة القدم، التي تواجه خلالها الفريقان المالي والإسرائيلي، في ملعب «بارك دي برانس» في باريس، رُفعت الأعلام الفلسطينية وسُمعت أهازيج فلسطينية وصفير وتنديد بالفريق الإسرائيلي. ومن بين البعثات الرياضية كافّة، فإن البعثة الإسرائيلية تحظى بأكبر حماية بوليسية، إن في موضع سكنها أو خلال تنقلاتها ومشاركاتها الرياضية. وسارع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية إلى الترحيب بالمشاركة الإسرائيلية وإلى التنديد بدعوة المقاطعة، في حين سارعت الهيئات القريبة من إسرائيل إلى التذكير بما حصل للفريق الرياضي الإسرائيلي خلال ألعاب ميونيخ في عام 1974.

البعثة السعودية لدى مرورها أمام المتفرجين وضيوف الحفل (أ.ف.ب)

المفاجأة الأولى

أرادت باريس، من خلال أولمبيادها، أن تدهش العالم... هذا ما دأب مسؤولوها على ترداده يوماً بعد يوم. ولذا، رُصد للأولمبياد ما يقارب سبعة مليارات يورو للإنشاءات الأولمبية ولتجميل العاصمة.

ولم يكن اختيار مجرى نهر السين، الذي يقسّم باريس إلى قسمين «شمال وجنوب» للحفل الافتتاحي إلا لغرض إبراز الانقطاع عما عرفته الأولمبيادات السابقة، خصوصاً من أجل إبراز الإرث التاريخي العمراني والحضاري والمعماري للعاصمة التي نشأت على ضفتي النهر. ذلك أن التطواف في نهر السين لـ94 مركباً، التي حملت جانباً كبيراً من أفراد 204 بعثات أولمبية (ما يقارب 8 آلاف و500 شخص)، لمسافة نهرية تزيد على ستة كلم؛ دفع إلى الواجهة أبرز المحطات الباريسية، التي يتعيّن على كل زائر للمدينة أن يعرفها؛ أكان ذلك «كاتدرائية نوتردام»، ومبنى «بلدية باريس»، وصولاً إلى جزيرتي «سان لويس»، و«لا سيتيه»، و«جسر الفنون» (لو بون دي زار أو جسر العشاق)، ومتحف «اللوفر»، وقصر «التويليري»، وامتداداً إلى مبنى «الجمعية الوطنية»، وقصر «كي دورسيه» (وزارة الخارجية)، فضلاً عن «متحف أورسي» وبرج إيفل. وانتهى المسار تحت أقدام ساحة تروكاديرو الشهيرة وحديقتها المطلة مباشرة على نهر السين؛ إذ كانت الوفود الرسمية التي تقدمها الرئيس إيمانويل ماكرون.

ويمكن اعتبار المشاهدين الـ320 ألفاً الذين توفّرت لهم الفرصة لمشاهدة التطواف مباشرة من مقاعدهم على ضفتي نهر السين من المحظوظين. بيد أنهم لم يكونوا وحدهم مَن تمتع بهذه المشاهد؛ إذ إن الاحتفالية نُقلت مباشرة على شاشات التلفزة في العالم كله، إذ قُدّر أن هناك ما بين مليار ومليار ونصف المليار مشاهد تابعوا التطواف في نهر السين، وما رافقه من أنشطة وفعاليات فنية وموسيقية ولوحات راقصة، قدّمها ما لا يقل عن 3 آلاف فنان وراقص وموسيقي، وبمشاركة أسماء عالمية دُعيت خصوصاً إلى هذه المناسبة.

ماكرون: كل شيء جاهز

قبل الموعد الحاسم، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقطع مصور نشره على موقع «إكس» للتواصل الاجتماعي: «كل شيء جاهز»، مشيراً بشكل خاص إلى الإجراءات الاستثنائية التي عمدت الأجهزة المعنية إلى اتخاذها. وأكد وزير الداخلية «المستقيل» جيرالد دارمانان، من جانبه، أن الاستعدادات قد تمت، وأنه لا يوجد أي «تهديد محدد» لحفل الافتتاح أو المنافسات.

وفي هذا السياق، لجأت السلطات، في إطار عملية أمنية واسعة النطاق، إلى الصلاحيات التي أقرها قانون مكافحة الإرهاب، ووضعت 155 شخصاً قيد إجراءات المراقبة الصارمة التي تحد من تحركاتهم كثيراً.

كذلك عمدت إلى تجميع الأشخاص الذين يفترشون الشوارع والساحات وأخرجتهم من العاصمة إلى مراكز خارجها، في حين فرضت داخل باريس، خصوصاً في المناطق القريبة من مجرى السين والساحات الرئيسية، مثل: «التروكاديرو» و«الكونكورد» و«الأنفاليد»؛ تدابير استثنائية، إن للمشاة خصوصاً السيارات. ولكن على الرغم من ذلك، جاءت مفاجأة من العيار الثقيل لتذكّر المسؤولين أن سد الثغرات كافّة ليس بالعمل السهل.

وقد برز ذلك مع الأعمال التخريبية، التي ضربت صبيحة يوم الجمعة شبكة القطارات السريعة من خلال إشعال مجموعة حرائق استهدفت صناديق الإشارة التي تتحكم بسير القطارات.

وسارع المسؤولون الرسميون وممثلو الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها إلى التنديد بالعمل التخريبي، وعمدت النيابة العامة إلى فتح تحقيق قضائي لاستجلاء ظروف ما حدث. ووصف رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الهجمات بأنها «أعمال تخريب منسّقة».

وغرّد عبر منصة «إكس»، قائلاً إن آثار الهجوم على شبكة السكك الحديدية في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية ضخمة وحادة. وأضاف: «تمّت تعبئة أجهزة المخابرات ووكالات إنفاذ القانون، للعثور على الجناة في هذه الأعمال الإجرامية ومعاقبتهم». وقال دارمانان إن الأعمال التخريبية «ليست لها نتائج مباشرة على الحفل الافتتاحي ولا على الفعاليات الرياضية»، مشيراً، في المقابل، إلى أن هناك أكثر من 50 ألف رجل أمن، بالإضافة إلى العسكريين الذين يسهرون على سلامة الافتتاح.

وقال ديفيد لابارتيان، رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية، إن الرياضيين المشاركين في الفعاليات وصلوا جميعهم إلى مواقعهم. وحتى عصر الجمعة، رفض أي مسؤول فرنسي توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة، والدعوة إلى انتظار نتائج التحقيق الذي بدأته الأجهزة الأمنية. بيد أن مصادر أخرى أشارت إلى احتمال ضلوع مجموعات يسارية متشددة أو أخرى بيئوية متطرفة في الأعمال التخريبية التي أضرّت بما لا يقل عن 800 ألف مسافر، بينهم الأكثرية الساحقة التي كانت تتحضّر للذهاب إلى المنتجعات في إطار العطلة الصيفية. واعترف المسؤولون عن الشبكة بعجزهم عن حماية 30 ألف كلم من الخطوط الحديدية.

قناصة فوق الأسطح... وغطاسون في مياه السين

منذ ما بعد الظهر، كانت شبكة الأمان قد انتشرت تماماً في منطقة التطواف النهري. والصعوبة الأولى، وفق المصادر الأمنية، كانت تكمن في تأمين الحماية لمسافة 12 كلم على ضفتي نهر السين، إن من خلال تفتيش المنازل والأقبية والأبنية القائمة على جانبي النهر، أو التعرّف إلى هويات الأشخاص الذين يسكنون في شققها. فضلاً عن ذلك، كان على الأجهزة أن تنشر قناصتها على أسطح البنايات لتدارك أي عملية إطلاق نار على الوفود الرسمية، كما حصل في إطلاق النار على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في مناسبة مهرجان انتخابي. واستبقت الأجهزة الأمنية بداية التطواف النهري بعملية تفتيش واسعة ودقيقة، أسهمت فيها الكلاب البوليسية للمراكب التي شاركت في الافتتاح، والتي حملت أفراد البعثات الرياضية. بيد أن الهم الأكبر الآخر تمثّل في توفير الحماية الجوية للافتتاح. ولذا، مُنع تحليق أي طائرة في دائرة قطرها 150 كلم حول العاصمة؛ ما شلّ حركة الطيران في مطاري باريس الرئيسيين: «رواسي شارل ديغول» في شمال العاصمة، و«أورلي» جنوبها.

ووُضع الطيران الحربي في حالة تأهب لإسقاط أي طائرة أو مروحية تنتهك الإجراءات المشار إليها.

إلا أن للقلق مصدراً آخر هو المسيرات. لذا، فقد تم إيجاد مركز تنسيق لمواجهتها في قاعدة «فيلاكوبليه» الجوية الواقعة جنوب العاصمة ومهمته القضاء، بكل الوسائل المتاحة، على أي تهديد يمكن أن تشكّله أي مسيرة أكانت مثلاً حاملة لعلم من الأعلام أو أن تكون مفخخة. وعُلم أن مجموعة كبيرة من القناصة الذين تقوم مهمتهم على إسقاط هذه المسيّرات سيتم نشرهم إلى جانب وسائل الدفاع الجوي التقليدية.

التطلّع إلى السماء

ليس سراً أن باريس تسعى دوماً، في كل ما تفعله، إلى أن تكون متميزة. ولأنها انتظرت مائة عام لتنظم الأولمبياد الصيفي، فإنها أرادت الحدث انعكاساً لتميّزها وفرادتها. من هنا، أهمية الاستثنائية التي أُفردت للجوانب الجمالية والفنية، الأمر الذي برز في اللوحات الاستعراضية، بداية مع المراكب التي مخرت نهر السين، وما رافقها من أنشطة فنية، وأخيراً في الحفل الغنائي والألعاب النارية التي اختتم بها الحفل الافتتاحي. كما استمتع المشاهدون بلوحات فنية أداها فنانون من على أسطح عدة أبنية تطل على مجرى السين أو على نوافذ بعض الشقق. بيد أن العديد من هذه الأنشطة كانت رهن حالة الطقس المتأرجحة بين الماطرة والغائمة. ووفق تخطيط مصممي الاحتفال، فإن الغرض من بدء الاحتفال في الساعة السابعة والنصف بتوقيت باريس (أي قبل غياب الشمس)، وانتهائه قبل منتصف الليل، كان الجمع بين الليل والنهار في حركة انسيابية وانسجامية ذات أبعاد فنية كثيرة.