السعودية تقود تحول الابتكار المائي نحو الاستدامة بالتقنيات الواعدة

الغفاري لـ«الشرق الأوسط»: أكثر من 360 تحالفاً نوعياً مع الشركات

شهد مؤتمر الابتكار في استدامة المياه حضوراً دولياً كبيراً (هيئة المياه)
شهد مؤتمر الابتكار في استدامة المياه حضوراً دولياً كبيراً (هيئة المياه)
TT

السعودية تقود تحول الابتكار المائي نحو الاستدامة بالتقنيات الواعدة

شهد مؤتمر الابتكار في استدامة المياه حضوراً دولياً كبيراً (هيئة المياه)
شهد مؤتمر الابتكار في استدامة المياه حضوراً دولياً كبيراً (هيئة المياه)

تتصدر السعودية مشهد الابتكار المائي عالمياً من خلال توظيف تقنيات متقدمة ومتنوعة للحفاظ على المياه ورفع كفاءة إدارة الموارد المائية. إذ تعتمد الهيئة السعودية للمياه على حلول رقمية حديثة تشمل الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، والبرمجيات المتخصصة ومنصات رصد متطورة، إلى جانب أنظمة نوعية مبتكرة تهدف إلى خفض الفاقد وتحسين كفاءة الإمداد.

شهد مؤتمر الابتكار في استدامة المياه حضوراً دولياً كبيراً (هيئة المياه)

تأتي هذه الجهود في وقت تشهد فيه السعودية انطلاق مشاريع مبتكرة، مثل الواحة الابتكارية في رابغ، التي توظف أحدث الحلول التقنية لتمكين المبتكرين والخبراء من تحويل الأفكار إلى نماذج عملية قابلة للتطبيق، وتعزز المحتوى المحلي وتوسع دائرة التوطين، بما يعكس النهج السعودي في تحويل الابتكار إلى واقع عملي مستدام.

وقال المهندس طارق الغفاري، وكيل الرئيس للأبحاث والتقنيات الواعدة في الهيئة السعودية للمياه في حديثة لـ«الشرق الأوسط»، إن الهيئة تمتلك اليوم 74 براءة اختراع، وهي موزعة على مجالات متقدمة في حلول وتقنيات المياه، بدءاً من الإنتاج ووصولاً إلى مراحل الاستخدام المختلفة، مؤكداً أن هذا لا يمثّل سوى جزء من الجهود الجارية، والعمل حالياً على توسيع نطاق التقنية عبر شركاء؛ محلياً وعالمياً، لاستحداث تقنيات جديدة وتمكين تقنيات ناشئة داخل المملكة، أو تطوير تقنيات تخدم جهات أخرى.

تقنيات وابتكارات جديدة شهدها مؤتمر الابتكار في استدامة المياه (هيئة المياه)

تمكين المبتكرين

في هذا الإطار، قال الغفاري إن الهيئة لديها أكثر من 360 تحالفاً نوعياً مع شركات، وجزء كبير منها سيكون موجوداً في واحة ابتكار المياه في رابغ التي سُجلت في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بوصفها «أكبر واحة مخصصة للابتكار المائي في العالم».

وأوضح أن «الواحة» تُمكِّن المبتكرين والخبراء الدوليين من تحويل الأفكار إلى نماذج قابلة للتطبيق، سواء عبر تطوير التقنيات أو التواصل مع رواد الأعمال، بما يضمن نمو هذه الابتكارات وتعزيز المحتوى المحلي وتوسيع دائرة التوطين.

وعن الفاقد المائي، ذكر أن متوسط الفاقد عالمياً تقريباً من 30 إلى 35 في المائة، وهو يشكل هاجساً لدى المهتمين والمتخصصين في مجال الابتكار، خصوصاً أن أدوات الحد من هذه الإشكالية أصبحت اليوم أكثر تنوعاً وتقدماً، فهناك تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي، وأخرى تعتمد على برمجيات ومنصّات مخصصة لتقليص الفاقد، إضافةً إلى أنظمة نوعية جديدة تسهم في خفض الفاقد ورفع كفاءة إدارة المياه.

جانب من المعرض المصاحب لمؤتمر المياه في جدة (هيئة المياه)

الذكاء الاصطناعي

ولم يعد الفاقد مرتبطاً فقط بتسرّبات الشبكات، كما يقول الغفاري، بل بات مفهوماً أوسع يشمل كميات من المياه غير المحسوبة بدقة، أو تلك التي تسجَّل كتسربات مرصودة تحتاج إلى معالجة، ولهذا تعمل الهيئة على توظيف الأتمتة والذكاء الاصطناعي لحصر نقاط الضعف وحلها، كما أن الهيئة لديها أكثر من 46 مفهوماً ابتكارياً جديداً جميعها تصب في هدف واحد؛ وهو الحد من الفاقد.

وتحدث وكيل الرئيس، عن الأبحاث قائلاً: «هدفها إما خفض تكاليف التشغيل وإما تحسين الكفاءة وإما خفض التكاليف الرأسمالية مع ضمان الجودة في الأعمال، ومن مفهومها الوحدات المتنقلة التي تُستخدم في إنتاج المياه المحلّاة أو في إعادة الاستدامة لما تُعرف تقنياً بمعالجة الصرف الصحي، وقد انطلقت عمليات تطبيق بشكل واسع في كل من الساحل الشرقي والساحل الغربي من السعودية، وبدأت عملية رصد لنتائجها والتي سيكون لها أثر نوعي».

وتعد هذه التقنية، وفقاً للغفاري، من التقنيات الواعدة التي تراهن عليها الهيئة لإحداث فارق نوعي، إلى جانب مجموعة كبيرة من التقنيات الأخرى، مثل أنظمة التنبؤ بالأعطال والدراسات التحليلية للبيانات، التي تعد من المقومات التي يجري العمل عليها في العمليات التشغيلية اليومية بحيث تربط المؤشرات بالبيانات، مما يتيح رؤية أوضح واتخاذ قرارات آنيّة مبنية على معلومات دقيقة.

المؤشرات العالمية

وحول قيمة الاستثمار في الأبحاث، أفاد بأن المؤشرات العالمية تبيَن أن كل دولار يُستثمر في البحث والابتكار يوازيه دولاران كعائد مباشر، وهو ما يرفع سقف الطموح لدى الهيئة حول تعظيم الاستثمار في التقنيات الجديدة، ويعكس ذلك القيمة الاقتصادية المتنامية لقطاع الابتكار، إذ تجاوزت القيمة السوقية للشركات في رواد الأعمال والمستثمرين أكثر من 200 مليون دولار، وتعد هذه النتائج امتداداً لجهود متكاملة بين جهات محلية وعالمية، أسهمت في تمكين الابتكار والتقنية.

وفي جانب خفض استهلاك الطاقة في الإنتاج، أكد الغفاري أن الهيئة حريصة في هذا الجانب نظراً إلى كون التكاليف التشغيلية المرتبطة بالطاقة تساوي نحو 60 في المائة، ومن هذا المنطلق عملت الهيئة على خفضها، إذ يتراوح المتوسط العالمي لاستهلاك الطاقة بين 3 و3.5 كيلوواط، ونجحت الهيئة في الوصول إلى 2.34 كيلوواط/م³، وفي المحطات الصغيرة إلى 2.27 كيلوواط/م³.

وبخصوص الشركات من المنظمات الدولية، اختتم حديثه بأن «الشراكات القائمة تمثل الأساس، ونؤمن بثقافة المجتمع العلمي المفتوح، حيث تعد مشاركة المعلومات والمعرفة عنصراً جوهرياً، وذلك لضمان تعظيم الفائدة من الأعمال والبحوث، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، مع الالتزام بأن تكون النتائج ذات أثر مستدام، وما يجري اليوم من جهود وأبحاث سيكون له أثر مضاعف في المستقبل».


مقالات ذات صلة

السعودية تطلق أكبر واحة ابتكار مائي بالعالم

الاقتصاد جانب من افتتاح مؤتمر استدامة المياه في جدة الاثنين (واس)

السعودية تطلق أكبر واحة ابتكار مائي بالعالم

أطلقت السعودية «واحة المياه» في رابغ، التي تعد إحدى أبرز المنظومات البحثية والابتكارية المتكاملة في العالم والمخصصة لتطوير حلول وابتكارات نوعية بمجال المياه.

سعيد الأبيض (جدة)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة» متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «حقبة استعمارية».

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

كيف استعدت مصر للتعامل مع إدارة «غير منضبطة» لـ«سد النهضة» الإثيوبي؟

لجأت مصر إلى فتح «مفيض توشكى» لتصريف كميات المياه الزائدة خلف «السد العالي» بالجنوب، عقب شكواها من إدارة «غير منضبطة» لـ«سد النهضة» الإثيوبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك شرب الماء يمنح جسمك الترطيب وفوائد صحية أخرى (رويترز)

فوائد صحية كبيرة... 4 أنواع من الماء تفعل ما هو أكثر من الترطيب

يمنح شرب الماء جسمك الترطيب الذي يحتاجه للعديد من الوظائف الأساسية. وهناك أنواع من الماء توفر فوائد صحية إضافية لاحتوائها على عناصر غذائية إضافية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز يدشن المشروع في حفل أقيم بالمنطقة الشرقية (الشرق الأوسط)

السعودية تدشن أكبر مصنع لتقنيات أغشية تحلية المياه في الشرق الأوسط

دشَّن الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية، الأربعاء، مصنع شركة «توراي ميمبرين الشرق الأوسط المحدودة» في المدينة الصناعية الثالثة بالدمام.

«الشرق الأوسط» (الدمام)

وزير المالية: فرنسا قادرة على إقرار موازنة 2026 قبل نهاية العام

وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي رولان ليسكور يجيب عن الأسئلة خلال جلسة استجواب حكومية في «الجمعية الوطنية» (أ.ف.ب)
وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي رولان ليسكور يجيب عن الأسئلة خلال جلسة استجواب حكومية في «الجمعية الوطنية» (أ.ف.ب)
TT

وزير المالية: فرنسا قادرة على إقرار موازنة 2026 قبل نهاية العام

وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي رولان ليسكور يجيب عن الأسئلة خلال جلسة استجواب حكومية في «الجمعية الوطنية» (أ.ف.ب)
وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي رولان ليسكور يجيب عن الأسئلة خلال جلسة استجواب حكومية في «الجمعية الوطنية» (أ.ف.ب)

أعلن وزير المالية الفرنسي، رولان ليسكور، الخميس، أن فرنسا لا تزال تملك الوقت الكافي لإقرار موازنة 2026 قبل نهاية العام، مع إمكانية اللجوء إلى تشريع مؤقت لتفادي أي توقف في الإنفاق.

ويناقش مجلس الشيوخ حالياً «مشروع قانون الموازنة»، بعد رفض مجلس النواب بنوده الضريبية الشهر الماضي.

يأتي هذا في سياق برلمان فرنسي منقسم؛ فقد أدت صراعات الموازنة إلى إطاحة 3 حكومات منذ فقد الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته في الانتخابات المبكرة عام 2024، وفق «رويترز».

وقال ليسكور للصحافيين: «ما زلت مقتنعاً بإمكانية اعتماد الموازنة قبل نهاية العام». وأضاف أنه حال عدم إقرارها في الوقت المناسب، فإنه يمكن التصويت سريعاً على تشريع مؤقت خاص يتيح استمرار الإنفاق وجمع الضرائب وفق حدود موازنة 2025.

ومن المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ على نسخة من مشروع القانون تشمل زيادات ضريبية أقل، بينما ستظل هناك حاجة إلى مزيد من تخفيض الإنفاق لتعويض العجز الأكبر في موازنة الضمان الاجتماعي التي أقرها مجلس النواب هذا الأسبوع.

وأشار الوزير إلى أن العجز الإجمالي في موازنة القطاع العام للعام المقبل من المرجح أن يبلغ نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من الهدف الأصلي للحكومة البالغ 4.7 في المائة.


المعاهد الألمانية: الاقتصاد «عالِق في مرحلة نمو ضعيف»

حافلة مزدوجة الطوابق تمر أمام حي فرانكفورت المالي (رويترز)
حافلة مزدوجة الطوابق تمر أمام حي فرانكفورت المالي (رويترز)
TT

المعاهد الألمانية: الاقتصاد «عالِق في مرحلة نمو ضعيف»

حافلة مزدوجة الطوابق تمر أمام حي فرانكفورت المالي (رويترز)
حافلة مزدوجة الطوابق تمر أمام حي فرانكفورت المالي (رويترز)

استقرَّ الاقتصاد الألماني لكنه لا يزال عالقاً في مرحلة نمو ضعيف، مع توقُّع أن يوفر التوسُّع المالي المخطط له بدءاً من العام المقبل زخماً محدوداً، وفقاً لـ3 معاهد اقتصادية ألمانية قالت ذلك يوم الخميس.

وخفَّض معهد «إيفو» توقعاته للنمو بين 2025 و2027، متوقعاً نمواً بنسبة 0.1 في المائة لهذا العام، انخفاضاً من 0.2 في المائة سابقاً. ويتوقَّع نمواً بنسبة 0.8 في المائة في العام المقبل و1.1 في المائة في 2027، ما يقلل التوقعات لكلا العامين بمقدار 0.5 نقطة مئوية، وفق «رويترز».

وقال تيمو فولمرشويزر، رئيس قسم التوقعات في «إيفو»: «الاقتصاد الألماني يتكيف ببطء شديد وبتكلفة عالية مع التحول الهيكلي عبر الابتكار والنماذج التجارية الجديدة». وأضاف أن الشركات، خصوصاً الشركات الناشئة، تواجه عوائق؛ بسبب البيروقراطية والبنية التحتية القديمة.

ولا تزال التعريفات الأميركية تؤثر بشكل ملحوظ على قطاع التصدير الألماني. ووفقاً لتوقعات «إيفو»، ستُخفِّض التعريفات الأعلى النمو بنسبة 0.3 نقطة مئوية في 2025، وبنسبة 0.6 نقطة مئوية في 2026.

ويتوقَّع معهد «كيل» نمو الاقتصاد الأوروبي الأكبر بنسبة 1 في المائة العام المقبل، انخفاضاً من توقعاته في الخريف البالغة 1.3 في المائة، ويتوقَّع توسعاً بنسبة 1.3 في المائة في 2027، وهو أعلى قليلاً من توقعاته السابقة البالغة 1.2 في المائة. ويتوقع نمواً بنسبة 0.1 في المائة فقط لهذا العام بعد عامين من الانكماش الاقتصادي. وأوضح معهد «كيل» أن معدلات النمو القوية الظاهرية في 2026 و2027، المدفوعة جزئياً بالتحفيز الحكومي وزيادة أيام العمل، ستخفي استمرار ضعف الظروف الأساسية. وقال التقرير: «لا يوجد حتى الآن انتعاش ذاتي مستدام في الأفق».

على المنوال نفسه، خفَّض معهد «لايبنيز» لأبحاث الاقتصاد توقعاته للنمو في 2026، وحذَّر من أن برلين تنفذ الاستثمارات العامة في البنية التحتية ببطء شديد لتعويض ضعف الطلب وتراجع الاستثمارات الخاصة. ويتوقع المعهد أن ينمو الاقتصاد الألماني بنسبة 0.1 في المائة في 2025، يليه نمو بنسبة 1 في المائة في 2026، و1.4 في المائة في 2027 دون تغيير عن توقعاته السابقة. وكان المعهد قد توقع سابقاً نمواً بنسبة 0.2 في المائة لهذا العام و1.1 في المائة للعام المقبل.

وأشار المعهد إلى أن التحفيز المنتظر من صندوق خاص للبنية التحتية والحياد المناخي بقيمة 500 مليار يورو لم يبدأ بعد في إحداث أثر ملموس. وقال تورستن شميدت، كبير الاقتصاديين في معهد «لايبنيز»: «كلما تأخر وصول التحفيز وفشلت الإصلاحات الأساسية في التحقق، زاد الضرر على الاقتصاد الألماني».

وشهد الاقتصاد الألماني ركوداً في الرُّبع الثالث، وبحسب المعهد، لا توجد علامات على تحوّل واضح حتى نهاية العام.

ويتوقع معهد «كيل» أن يتسع العجز في موازنة الحكومة العامة من 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2025 إلى 4 في المائة في 2027 مع زيادة الإنفاق العام. ومن المتوقع أن تتعافى سوق العمل تدريجياً مع انتعاش النشاط، مع انخفاض معدل البطالة من 6.3 في المائة هذا العام إلى 5.9 في المائة في 2027، مع تحجيم المكاسب الأكبر في التوظيف تدريجياً؛ بسبب النقص الديمغرافي في العمالة.


توقعات متفائلة من البنك الدولي لنمو الصين

أحد المشاة  يعبر الطريق في وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
أحد المشاة يعبر الطريق في وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
TT

توقعات متفائلة من البنك الدولي لنمو الصين

أحد المشاة  يعبر الطريق في وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
أحد المشاة يعبر الطريق في وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

أظهر تقرير جديد للبنك الدولي أن الاقتصاد الصيني حافظ على صلابة واضحة في الربع الثالث من عام 2025، مما دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي منذ بداية العام إلى 5.2 في المائة على أساس سنوي، وهو أداء يتجاوز التوقعات السابقة، ويعكس قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على التكيّف مع التحديات المحلية والخارجية.

وفي التحديث الاقتصادي للصين الصادر الخميس، قدّر البنك الدولي أن يبلغ النمو السنوي لعام 2025 نحو 4.9 في المائة، مع توقعات بنمو أقل عند 4.4 في المائة عام 2026، مرجعاً ذلك إلى استمرار ما وصفه بـ«الرياح المعاكسة» التي تشمل تباطؤ الطلب العالمي، وضعف الاستثمار الخاص، وضغوط قطاع العقارات.

ويأتي تقييم البنك الدولي في وقت رفعت فيه المؤسسة الدولية توقعاتها لنمو الصين بمقدار 0.4 نقطة مئوية مقارنة بالتقديرات السابقة. وقالت مارا وارويك، مديرة قسم الصين ومنغوليا وكوريا لدى البنك الدولي، إن مزيجاً من السياسات النقدية والمالية التكيفية ساعد على تحفيز الاستهلاك المحلي ودعم الاستثمار، فيما أسهم الطلب القوي من الدول النامية في الحفاظ على متانة الصادرات الصينية.

وأكدت وارويك أن مستقبل النمو في الصين خلال السنوات المقبلة سيعتمد بدرجة أكبر على تنشيط الطلب المحلي، إلى جانب تعزيز الإصلاحات الهيكلية لنظام الحماية الاجتماعية وتهيئة بيئة أكثر استقراراً للشركات، بما يعزز الثقة ويمهّد لنمو مستدام وقوي.

• مرونة واضحة رغم الشكوك العالمية

وفي سياق متصل، أعلن بنك التنمية الآسيوي رفع توقعاته أيضاً لنمو الاقتصاد الصيني خلال العام الحالي، وإن كان بمقدار أكثر تواضعاً (0.1 نقطة مئوية). وأرجع البنك الزيادة إلى مرونة الصادرات الصينية، وبرامج التحفيز المالي المستمرة. وقال ألبرت بارك، كبير الاقتصاديين لدى البنك، إن الأسس الاقتصادية في آسيا والمحيط الهادئ تعزز أداء الصادرات، رغم حالة عدم اليقين التي فرضتها التحولات في السياسات التجارية العالمية، وخصوصاً الرسوم الجمركية الواسعة التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال العام الحالي.

• تعهدات محلية

وبالتوازي مع التقييمات الدولية، كشفت «وكالة شينخوا» الرسمية عن تفاصيل النقاشات التي شهدها مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين، الذي انعقد يومي 10 و11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، حيث وضع كبار قادة الصين الخطوط العريضة للسياسات الاقتصادية لعام 2026.

وأوضح التقرير أن السلطات الصينية ستعمل على الحفاظ على عجز مالي «ضروري» لدعم النمو، ومعالجة الضغوط المالية للحكومات المحلية، وتعزيز التعديلات الدورية وغير الدورية لمواجهة تقلبات الاقتصاد، واتباع سياسة نقدية مرنة ومناسبة التيسير. ووفقاً للتقرير، ستستخدم بكين أدوات متنوعة تشمل خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك، وكذلك خفض أسعار الفائدة إذا اقتضت الظروف، بهدف تعزيز السيولة وتحفيز النشاط الاقتصادي دون إثارة مخاطر مالية مفرطة.

• توقعات وتحديات

وتشير القراءة المجمعة لتقارير البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي والجهات الرسمية في الصين إلى أن بكين تستعد لعام اقتصادي يتطلب قدراً أكبر من التحفيز وتدخّلات دقيقة لدعم الاستقرار. فبينما تظهر البيانات أن الاقتصاد قادر على تحقيق نمو متماسك بالقرب من 5 في المائة، فإن التحديات لم تختفِ بعد، وأبرزها تباطؤ قطاع العقارات الذي لا يزال يشكل عبئاً على ثقة المستثمرين، وضعف الطلب الخارجي نتيجة التقلبات الجيوسياسية، والضغوط المالية على الحكومات المحلية، والحاجة إلى تسريع إصلاحات قطاع الخدمات والحماية الاجتماعية.

ويرى محللون أن قدرة الصين على الحفاظ على زخم النمو ستعتمد على مدى التوازن الذي تحققه بين التحفيز قصير المدى والإصلاحات الهيكلية طويلة الأجل، إلى جانب قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية وسط بيئة عالمية تتجه نحو الحمائية. ورغم التحديات، تبدو المؤشرات الأساسية للاقتصاد الصيني هذا العام أكثر مرونة مما كان متوقعاً. فاستقرار قطاعي الصناعة والصادرات، وتحسن إنفاق المستهلكين، ومنهج السياسات المالية والنقدية الأكثر دعماً، كلها عوامل تساعد في تثبيت النمو. ومع ذلك، يتفق الخبراء على أن عام 2026 سيظل عاماً حرجاً بالنسبة للصين، إذ سيتطلب إدارة ذكية للمخاطر، خصوصاً تلك المتعلقة بديون الحكومات المحلية وسوق العقارات، إلى جانب العمل على خلق بيئة أعمال جاذبة وشفافة تدعم الشركات الخاصة.