تُشير مؤشرات أداء الشركات والمستهلكين والمالية العامة في بريطانيا إلى علامات تدهور قبل إعلان موازنة الأسبوع المقبل؛ حيث يُتوقع أن تقوم وزيرة المالية، راشيل ريفز، برفع الضرائب مجدداً.
وأظهرت البيانات الصادرة، الجمعة، أن المخاوف بشأن الموازنة تُثقل كاهل سادس أكبر اقتصاد في العالم، مؤكدّة حجم التحدي الذي تواجهه ريفز في محاولتها خفض الاقتراض دون إبطاء النمو الضعيف أصلاً.
وأظهر المسح الأولي لمؤشر «ستاندرد آند بورز غلوبال» لمديري المشتريات لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) أن الشركات أوقفت خططها مؤقتاً ريثما تتضح تفاصيل الضرائب، والتي يُتوقع أن تُرفع للعام الثاني على التوالي.
فرصة حقيقية لتباطؤ اقتصادي
ومن المتوقع أن تُعلن ريفز موازنتها يوم الأربعاء المقبل، التي قد تجمع عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية من الضرائب لتجنّب موجة بيع في سوق السندات، وهو ما قد يُثير استياء الناخبين الذين يشعرون أصلاً بعدم الرضا عن رئيس الوزراء كير ستارمر وحكومته.
وأظهر مسح مؤشر «مديري المشتريات» أن قطاعي الخدمات والتصنيع لم يشهدا نمواً يُذكر في نوفمبر، وكان أداؤهما أسوأ من توقعات الاقتصاديين في استطلاع «رويترز»، بما يُشير إلى نمو اقتصادي ضعيف يبلغ نحو 0.1 في المائة في الربع الأخير من عام 2025.
وعدّ كريس ويليامسون، كبير اقتصاديي الأعمال في «ستاندرد آند بورز»، أن هناك «فرصة حقيقية لتحول هذا التوقف إلى تباطؤ اقتصادي»، مرتبطاً جزئياً بالتكهنات حول فرض إجراءات إضافية مثبطة للطلب في الموازنة.
وأظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني تراجع التسوق في أكتوبر (تشرين الأول)، وهو أول انخفاض شهري لمبيعات التجزئة منذ مايو (أيار)، فيما أظهرت بيانات الاقتراض الحكومي أن الفترة من أبريل (نيسان) إلى أكتوبر سجّلت أعلى مستوى للديون منذ أكثر من 30 عاماً، باستثناء ذروة جائحة «كورونا».
حاجة الموازنة لجمع مبالغ إضافية
ورفعت ريفز الضرائب في موازنتها الأولى العام الماضي بأكبر قدر منذ 1993؛ وتحمّلت الشركات العبء الأكبر عبر زيادة ضرائب الرواتب. ومن المتوقع أن تحتاج الموازنة هذا العام إلى جمع 20-30 مليار جنيه إسترليني إضافية (26-39 مليار دولار) نتيجة خفض متوقع للنمو من قبل هيئة مراقبة الموازنة الحكومية، وارتفاع تكاليف الاقتراض، وصعوبة تمرير تخفيضات الرعاية الاجتماعية المخطط لها في البرلمان.
وخلال فترة المسح، أشارت ريفز إلى احتمال خرق وعود حزب «العمال» الانتخابية، ورفع المعدل الرئيسي لضريبة الدخل لأول مرة منذ سبعينات القرن الماضي، في حين يبدو الآن أنها تميل إلى تبني سلسلة إجراءات أقل صرامة.
تراجع التوظيف وثقة المستهلك
وأظهر المسح انخفاض التوظيف في القطاع الخاص بأسرع وتيرة خلال 4 أشهر، وهبوط أسعار الشركات إلى أدنى مستوى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020، ما يُعزز احتمالات قيام بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة الشهر المقبل.
كما سجّلت ثقة المستهلكين انخفاضاً في نوفمبر؛ حيث تراجع مؤشر «جي إف كيه»، أطول مسح لثقة الأسر البريطانية، إلى -19 من -17. ووصف نيل بيلامي، مدير رؤى المستهلكين في «جي إف كيه»، هذه الأرقام بأنها «مجموعة من النتائج القاتمة مع اقترابنا من موازنة الأسبوع المقبل»، رغم أن المؤشر ظل ضمن نطاقه خلال الأشهر الستة الماضية.
اقتراض بريطانيا يتجاوز التوقعات
على صعيد آخر، أظهرت بيانات رسمية أن اقتراض الحكومة البريطانية في الأشهر السبعة الأولى من السنة المالية الحالية بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق، باستثناء فترة جائحة «كوفيد-19»، مسلطة الضوء على حجم التحدي الذي تواجهه وزيرة المالية، راشيل ريفز، في موازنتها المقررة الأسبوع المقبل.
وأعلن مكتب الإحصاء الوطني أن الحكومة اقترضت بين أبريل (نيسان) وأكتوبر نحو 116.8 مليار جنيه إسترليني (152.9 مليار دولار)، أي بما يزيد بنحو 10 مليارات جنيه على توقعات مراقب الموازنة البريطاني الصادرة سابقاً. ويعد هذا أعلى مستوى للديون منذ الفترة نفسها في عام 2020 خلال ذروة الجائحة، استناداً إلى سجلات تعود إلى عام 1993.
اقتراض أكتوبر يفوق التوقعات
وأفاد المكتب بأن الاقتراض في أكتوبر وحده بلغ 7.4 مليار جنيه إسترليني، متجاوزاً التوقعات. فقد توقع خبراء مكتب مسؤولية الموازنة أن يبلغ العجز 14.4 مليار جنيه، في حين أظهر استطلاع أجرته «رويترز» أن متوسط توقعات الاقتصاديين كان عند 15 مليار جنيه إسترليني.
ومن المتوقع أن ترفع ريفز الضرائب في موازنتها يوم الأربعاء، في محاولة لطمأنة المستثمرين بأن الحكومة على المسار الصحيح لتحقيق أهدافها المالية، وسعيها لإنهاء الاقتراض لتغطية الإنفاق اليومي بحلول نهاية العقد. ومع ذلك، أظهرت بيانات الفترة من أبريل إلى أكتوبر أن ما يُعرف بـ«الموازنة الحالية» سجّلت عجزاً يقارب 84 مليار جنيه إسترليني، بزيادة نحو 10 في المائة مقارنة بالعام السابق.
ضغوط مرتفعة لخدمة الدين
وصرح نيك ريدباث، الخبير الاقتصادي في معهد الدراسات المالية، بأن الأرقام قد تخضع للمراجعة، لكنها تذكر بشكل واضح السياق الصعب الذي تواجهه موازنة الأسبوع المقبل: عدم اليقين بشأن عائدات الضرائب، والضغوط على الإنفاق العام، وارتفاع تكاليف خدمة الدين المستمرة. ورغم زيادة الإيرادات الحكومية بفضل ارتفاع إسهامات الضمان الاجتماعي في أول موازنة لريفز العام الماضي، فقد كانت الزيادة أقل من نمو النفقات.
وأشار أحد نواب وزراء ريفز إلى أن بريطانيا تسعى لتحقيق أكبر خفض في عجز موازنتها الأولية -الذي يستثني مدفوعات الديون- بين دول مجموعة العشرين خلال السنوات الخمس المقبلة، بهدف تقليل تكاليف الاقتراض.
وقال كبير أمناء الخزانة، جيمس موراي: «في الموازنة الأسبوع المقبل، سيُحدد وزير المالية الخيارات العادلة لتحقيق أولويات المواطنين، بما في ذلك تقليص قوائم انتظار الخدمة الصحية الوطنية، وخفض الدين العام، وتخفيف تكلفة المعيشة».
