بنوك أميركا الكبرى تحقق أرباحاً قياسية في الربع الثالث

بدعم من الصفقات والاستثمارات الاستراتيجية

علم الولايات المتحدة خارج بورصة نيويورك (رويترز)
علم الولايات المتحدة خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

بنوك أميركا الكبرى تحقق أرباحاً قياسية في الربع الثالث

علم الولايات المتحدة خارج بورصة نيويورك (رويترز)
علم الولايات المتحدة خارج بورصة نيويورك (رويترز)

سجلت أرباح «جي بي مورغان تشيس» ارتفاعاً في الربع الثالث، مدفوعةً بصفقات بمليارات الدولارات، وعمليات الطرح العام الأولي التي عززت أداء بنكها الاستثماري، إلى جانب تحسن كبير في نتائج التداول.

وأعلن أكبر بنك أميركي، يوم الثلاثاء، أن أرباحه ارتفعت إلى 14.39 مليار دولار، أي ما يعادل 5.07 دولار للسهم، للأشهر الثلاثة المنتهية في 30 سبتمبر (أيلول)، مقارنةً بـ12.9 مليار دولار أو 4.37 دولار للسهم في الفترة نفسها من العام الماضي، وفق «رويترز».

وقال الرئيس التنفيذي جيمي ديمون في بيان: «على الرغم من ظهور بعض مؤشرات التباطؤ، لا سيما في نمو الوظائف، فإن الاقتصاد الأميركي حافظ عموماً على مرونته». وأضاف أن حالة عدم اليقين تزداد بسبب الظروف الجيوسياسية المعقدة، والتعريفات الجمركية، وعدم اليقين التجاري، وارتفاع أسعار الأصول، وخطر التضخم المستمر.

وشهد نشاط إبرام الصفقات التجارية انتعاشاً حاداً هذا العام بعد تباطؤ قصير في أبريل (نيسان)، مدعوماً باقتصاد مرن وآمال بخفض أسعار الفائدة، مما دفع الأسهم إلى مستويات قياسية. كما ارتفعت رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية بنسبة 16 في المائة بالربع الثالث، فيما سجلت إيرادات التداول أيضاً ارتفاعاً كبيراً رغم استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي.

وأدى تجدد الثقة إلى رفع مستوى الخدمات المصرفية الاستثمارية في «وول ستريت»، حيث يتوقع صانعو الصفقات بيئة أقوى في 2026 مع استمرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة. وحقق «جي بي مورغان» أعلى رسوم للخدمات المصرفية الاستثمارية بين منافسيه حتى الآن هذا العام، وفقاً لشركة التحليلات «ديلوجيك».

في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن البنك عن خطط لتوظيف مصرفيين واستثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار في شركات أميركية بالغة الأهمية للأمن القومي والمرونة الاقتصادية، ضمن التزام أوسع بقيمة 1.5 تريليون دولار.

وأكد المسؤولون التنفيذيون أن المستهلكين لا يزالون في وضع مالي جيد، مدعومين بقوة سوق العمل وارتفاع الأجور، مما أسهم في سداد الديون بانتظام، واستمرار الطلب على القروض الجديدة. وارتفع صافي دخل الفائدة في «جي بي مورغان» بنسبة 2 في المائة ليصل إلى 24.1 مليار دولار بالربع الثالث.

تُعد البنوك الكبرى، مثل «جي بي مورغان تشيس» و«بنك أوف أميركا»، نافذة مهمة على الاقتصاد الأميركي، إذ توفر مؤشرات على إنفاق المستهلكين واقتراضهم، إلى جانب نشاط الشركات. ومع تأخر إصدار المؤشرات الاقتصادية الرئيسية بسبب الإغلاق الحكومي، سيركز المستثمرون على تصريحات ديمون للحصول على رؤية أوضح حول الاقتصاد.

واستقرت أسهم البنك في تداولات ما قبل السوق بعد الإعلان عن النتائج.

ويلز فارغو يرفع أهدافه للربحية

تجاوزت أرباح «ويلز فارغو»، يوم الثلاثاء، تقديرات «وول ستريت» للربع الثالث، ورفعت البنك هدف الربحية الذي يحظى بمتابعة دقيقة بعد أن أزالت الجهات التنظيمية سقف الأصول المفروض عليه، مما مهد الطريق أمامه لمواصلة النمو.

ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سقف أصول البنك لمدة سبع سنوات، والبالغ 1.95 تريليون دولار، في يونيو (حزيران)، في خطوة بارزة في مسيرة تعافيه بعد الفضيحة، مما أتاح له فرصة تسريع جهود الرئيس التنفيذي تشارلي شارف لتعزيز النمو.

وارتفعت أسهم البنك، الذي يتخذ من سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا مقراً له، بنسبة 3 في المائة بتداولات ما قبل السوق. ويستهدف البنك الآن عائداً على الأسهم العادية الملموسة يتراوح بين 17 و18 في المائة، مقارنةً بهدفه السابق البالغ 15 في المائة.

وكانت «وول ستريت» تتوقع أن يرفع «ويلز فارغو» هدفه بعد رفع السقف الذي كان يحد من نمو أصوله. وارتفع صافي دخل الفوائد، وهو الفرق بين ما يكسبه البنك من القروض وما يدفعه من الودائع، بنسبة 2 في المائة ليصل إلى 11.95 مليار دولار في الربع الثالث، مقارنة بالعام السابق.

وصرّح شارف في بيان: «في حين لا يزال هناك بعض الغموض الاقتصادي، فقد اتسم الاقتصاد الأميركي بالصمود، ولا تزال الصحة المالية لعملائنا قوية».

ومن المتوقع أن يعزز خفض أسعار الفائدة الذي أجراه الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر دخل البنوك من الفوائد بدءاً من الربع الرابع. واستفادت البنوك الأميركية من هذه التخفيضات، التي خفّضت تكاليف الودائع، أي الفوائد المدفوعة للعملاء مقابل الاحتفاظ بمدخراتهم.

وبلغ صافي دخل رابع أكبر مُقرض أميركي 5.59 مليار دولار، أو 1.66 دولار للسهم، في الأشهر الثلاثة المنتهية في 30 سبتمبر، مقارنةً بـ5.11 مليار دولار، أو 1.42 دولار للسهم، في الفترة نفسها من العام السابق.

وكان المحللون قد توقعوا أن يحقق «ويلز فارغو» ربحاً قدره 1.55 دولار للسهم، وفقاً لتقديرات جمعتها مجموعة بورصة لندن.

أرباح «غولدمان ساكس» تقفز 37 %

ارتفعت أرباح «غولدمان ساكس» الفصلية بأكثر من 37 في المائة، يوم الثلاثاء، مدفوعة بارتفاع رسوم الخدمات الاستشارية للمصرفيين الاستثماريين، واستفادة المتداولين من الأسواق النشطة.

وتحققت توقعات الشركة بعام مميز لعقد الصفقات، حيث استأنفت الشركات خططها للاندماج والإدراج.

وارتفعت رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى 2.66 مليار دولار للربع المنتهي في 30 سبتمبر، مقارنة بـ1.87 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.

وجاء هذا النمو مدفوعاً بزيادة بنسبة 60 في المائة برسوم الاستشارات، إلى جانب ارتفاع رسوم الاكتتاب في الديون والأسهم. كما أعلن منافسها، «جي بي مورغان تشيس»، عن نتائج قوية للخدمات المصرفية الاستثمارية في وقت سابق من اليوم.

وشهدت الأسهم ارتفاعاً طفيفاً في تداولات ما قبل السوق بعد إعلان النتائج. وتجاوزت أحجام عمليات الدمج والاستحواذ العالمية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 3.43 تريليون دولار، منها ما يقرب من 48 في المائة بالولايات المتحدة، وفقاً لبيانات شركة «ديلوجيك».

كما سجلت الفترة أعلى متوسط لحجم عمليات الدمج والاستحواذ عالمياً وفي الولايات المتحدة منذ عام 2015، بما يتماشى مع توقعات الرئيس التنفيذي ديفيد سولومون التي أشار إليها في مؤتمر «رويترز نيكست» العام الماضي.

وكانت «غولدمان» من بين المديرين المشتركين للاكتتابات العامة الأولية الكبرى خلال الربع، بما في ذلك شركة برمجيات التصميم «فيجما»، وشركة التكنولوجيا المالية السويدية «كلارنا»، وشركة تكنولوجيا الفضاء «فايرفلاي إيروسبيس».

وارتفع إجمالي الربح الفصلي إلى 4.1 مليار دولار، أو 12.25 دولار للسهم، مقارنة بـ2.99 مليار دولار، أو 8.40 دولار للسهم، قبل عام.

وازداد تفاؤل المسؤولين التنفيذيين في «غولدمان» بشأن الصفقات في الأشهر الأخيرة، حيث صرّح سولومون في سبتمبر بأن الشركة شهدت أحد أكثر أسابيعها ازدحاماً بالطروحات العامة الأولية منذ أكثر من أربع سنوات.

مرونة تداول مستدامة

حصدت منصات التداول في «وول ستريت» ثمار التقلبات القياسية، حيث أعاد العملاء ترتيب محافظهم الاستثمارية لمواكبة التغيرات في السياسات التجارية والخارجية والمالية للرئيس دونالد ترمب.

ومع ذلك، كان الربع الثالث أحد أهدأ أرباع «وول ستريت» منذ نحو ست سنوات، في ظل خفض أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي والاستثمار القوي في الذكاء الاصطناعي الذي دفع مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية إلى مستويات قياسية.

وارتفعت إيرادات «غولدمان ساكس» من تداول الأسهم بنسبة 7 في المائة لتصل إلى 3.74 مليار دولار، مع إقبال المستثمرين على زيادة المخاطرة، فيما حققت أدوات الدخل الثابت والعملات والسلع 3.47 مليار دولار، بزيادة قدرها 17 في المائة عن العام الماضي.


مقالات ذات صلة

كيف تواجه أسواق الخليج الديون المتعثرة دون صدمات؟

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

كيف تواجه أسواق الخليج الديون المتعثرة دون صدمات؟

في وقتٍ تحافظ فيه اقتصادات الخليج على مستويات مرتفعة من السيولة يبرز ملف الديون المتعثرة وإعادة الهيكلة بوصفه أحد المؤشرات الدقيقة على متانة النظام المالي.

زينب علي (الرياض)
عالم الاعمال بنك الجزيرة يطلق هويته الجديدة تحت شعار «هنا تنمو الثروات»

بنك الجزيرة يطلق هويته الجديدة تحت شعار «هنا تنمو الثروات»

أعلن بنك الجزيرة عن إطلاق هويته الجديدة تحت شعار «هنا تنمو الثروات».

العاصمة السعودية الرياض (واس)

البنوك السعودية تحافظ على زخم النمو في الربع الثالث

سجل القطاع المصرفي السعودي نمواً مستقراً في الإقراض خلال الربع الثالث من عام 2025؛ إذ ارتفع إجمالي القروض والسلف بنسبة 2.5 في المائة على أساس فصلي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد لافتة شارع «وول ستريت» أمام «بورصة نيويورك» (رويترز)

بنوك «وول ستريت» تحافظ على هيمنتها في السوق الأوروبية رغم «الرسوم»

عززت بنوك «وول ستريت» ريادتها في سوق الخدمات المصرفية الاستثمارية الأوروبية خلال عام 2025، حيث حافظ العملاء على ولائهم رغم اضطرابات السوق العالمية والرسوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رسم بياني لمؤشر الأسهم الألماني «داكس» يظهر في بورصة فرانكفورت (رويترز)

الأسهم الأوروبية تتجه لختام أسبوعي قوي رغم تباين الأداء

اتسم أداء الأسهم الأوروبية بالهدوء يوم الجمعة، حيث حدّت مكاسب البنوك الكبرى من خسائر أسهم التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تقدم قوي في أداء التجارة الخارجية بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية

ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

تقدم قوي في أداء التجارة الخارجية بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية

ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)

أظهرت بيانات حديثة تقدماً قوياً في أداء التجارة الخارجية للسعودية، بما يعكس نجاح سياسات تنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات غير النفطية التي شهدت ارتفاعاً (شاملة إعادة التصدير) خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 32.3 في المائة، على أساس سنوي.

وتكشف البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، الخميس، عن زيادة الصادرات الوطنية غير النفطية بنسبة 2.4 في المائة، والصادرات السلعية الإجمالية بنسبة 11.8 في المائة، ما أسهم في زيادة الفائض في الميزان التجاري 47.4 في المائة على أساس سنوي.

وارتفعت قيمة السلع المعاد تصديرها إلى ما نسبته 130.7 في المائة في أكتوبر، وذلك نتيجة لزيادة «معدات النقل وأجزائها» 387.5 في المائة (تُمثل 37.4 في المائة من إجمالي إعادة التصدير).

الميزان التجاري

البيانات أفصحت عن زيادة الصادرات السلعية في أكتوبر بنسبة 11.8 في المائة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. كما ارتفعت الصادرات النفطية 4 في المائة التي انخفضت من مجموع الصادرات الكلي 72.5 في المائة خلال هذا الشهر من 2024، إلى 67.4 في المائة في أكتوبر الماضي.

وعلى صعيد الواردات، فقد ارتفعت في أكتوبر 2025 بنسبة 4.3 في المائة، وعند النظر للميزان التجاري السلعي، فقد زاد الفائض 47.4 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

ويرى مختصون لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الأداء المتسارع في حجم الصادرات والواردات، يعكس نجاح تنويع القاعدة التصديرية للمملكة، وتعزيز متانة الاقتصاد الوطني، وترسيخ موقع السعودية لاعباً مؤثراً في التجارة العالمية.

تنويع الاقتصاد

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، الدكتور سالم باعجاجة إنه يلاحظ في بيانات الهيئة العامة للإحصاء قفزة كبيرة في الصادرات غير النفطية بنحو 32.3 في المائة خلال أكتوبر، بدعم قوي من إعادة التصدير التي تقود هذا النمو.

وتابع أن ارتفاع الصادرات غير النفطية في أكتوبر يعكس قوة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، وخطوات المملكة الثابتة نحو مستقبل مزدهر يقوده العمل والتخطيط المحكم.

ووفق الدكتور سالم باعجاجة، فهذه القفزة في الصادرات غير النفطية يُعد تحولاً هيكلياً في الاقتصاد، ويؤكد نجاح سياسة المملكة في تنويع الاقتصاد، وعدم الاعتماد على الأنشطة النفطية.

الخدمات اللوجيستية

بدوره، أكّد المختص في الشأن الاقتصادي، أحمد الجبير، لـ«الشرق الأوسط»، أهمية التسهيلات المقدمة إلى القطاع الخاص المحلي لزيادة انتشار المنتجات الوطنية في الأسواق الخارجية، بما يُحقق المصالح المشتركة في ارتفاع نمو أرباح الشركات والمؤسسات، بما يتوافق أيضاً مع سياسة المملكة في تنويع مصادر الدخل ونمو إسهام القطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني.

وتطرّق الجبير إلى التحول الشامل في الخدمات اللوجيستية بالسعودية وتطورات مناطق الشحن، سواءً الجوية، والبحرية، وكذلك البرية؛ حيث استطاعت هذه الممكنات ضخ مزيد من المنتجات المصدرة إلى الأسواق العالمية.

المعدات الكهربائية

وفي تفاصيل بيانات الهيئة العامة للإحصاء، فقد تصدّرت الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها قائمة الصادرات غير النفطية، مستحوذة على 23.6 في المائة من إجمالي الصادرات غير النفطية، تلتها منتجات الصناعات الكيميائية بنسبة 19.4 في المائة.

وعلى صعيد الواردات، جاءت الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها في المرتبة الأولى بنسبة 30.2 في المائة من إجمالي الواردات، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 26.3 في المائة مقارنةً بأكتوبر 2024، تلتها معدات النقل وأجزاؤها التي شكّلت 12.1 في المائة من إجمالي الواردات، مع انخفاضها بنسبة 22.9 في المائة على أساس سنوي.

وحافظت الصين على موقعها بصفتها الشريك التجاري الأول للمملكة في الصادرات والواردات، إذ شكّلت 14.1 في المائة من إجمالي الصادرات، و24.8 في المائة من إجمالي الواردات، فيما استحوذ أهم 10 شركاء تجاريين للمملكة على 70.4 في المائة من إجمالي الصادرات، و67.7 في المائة من إجمالي الواردات.

وعلى مستوى المنافذ الجمركية، جاء ميناء الملك عبد العزيز بالدمام في الصدارة، مستحوذاً على 25.7 في المائة من إجمالي الواردات.


مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
TT

مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)

حدد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، الأول من يناير (كانون الثاني) 2026 موعداً لإطلاق العملة السورية الجديدة وبدء عملية استبدال العملة القديمة، مؤكداً أن العملية ستكون «سلسة ومنظمة»، وأن آليتها ستُشرح «بكل وضوح وشفافية».

وقال الحصرية، في بيان صدر اليوم، إن صدور المرسوم رقم 293 لعام 2025 الخاص بـ«ولادة العملة السورية الجديدة»، يمثل «محطة وطنية مفصلية» تعكس بداية مرحلة اقتصادية ونقدية جديدة.

وأضاف أن المرسوم منح المصرف الصلاحيات اللازمة لتحديد مهل التبديل ومراكزه «بما يضمن حسن التنفيذ وسلاسة الإجراءات»، مشيراً إلى أن التعليمات التنفيذية الناظمة ستصدر بقرار من حاكم المصرف، مع التركيز على خدمة المواطنين وتسهيل الإجراءات عليهم في مختلف المناطق.

وأكد الحصرية، حسب ما نقلته وكالة أنباء سوريا (سانا)، أن تفاصيل عملية التبديل ستُعلن بشكل واضح وشفاف خلال مؤتمر صحافي مخصص، بما يعزز الثقة ويكرّس الشراكة مع المواطنين، لافتاً إلى استمرار مصرف سوريا المركزي في العمل خلال أيام 25 و26 و27 ديسمبر (كانون الأول) لمتابعة التحضيرات اللازمة لإطلاق العملية.

عبد القادر الحصرية حاكم مصرف سوريا المركزي (سانا)

ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي العملة السورية الجديدة بأنها «رمز للسيادة المالية بعد التحرير»، وعنوان لمرحلة جديدة تُبنى بتعاون الجميع وبإدارة المصرف المركزي، لتكون إنجازاً وطنياً يضاف إلى ما تحقق بعد التحرير، وخطوة «راسخة» نحو الاستقرار والنهوض الاقتصادي.

وأضاف أن الخطوة تمثل «لحظة مفصلية» في التاريخ المالي والاقتصادي للبلاد، للتعبير عن الوحدة والحضارة والتمسك بالسيادة المالية التي تجسدها العملة الجديدة.

وكان مصرف سوريا المركزي قد أوضح في 18 من شهر ديسمبر الحالي أنه سيعلن تفاصيل العملة الجديدة «في الوقت المناسب»، وحال اكتمال التجهيزات والترتيبات المطلوبة، مؤكداً أن جميع التعاملات المصرفية تسير مثل المعتاد دون أي تأثير على الخدمات المقدمة للمواطنين والمستثمرين.

وفي وقت سابق ذكر حاكم المصرف المركزي أن قرار تغير العملة درس بعناية ويجري العمل على توفير المتطلبات الفنية واللوجيستية، وضبط القاعدة النقدية لتجنب الآثار التضخمية.

وأوضح أن «لتبديل العملة رسائل مهمة، فعلى المستوى السياسي يعد تعبيراً عن استعادة السيادة، وعلى المستوى النقدي يسهم في تنظيم أفضل للوحدة النقدية، أما اقتصادياً فيشكل إشارة استقرار وجذب للاستثمار، فيما تنعكس آثاره اجتماعياً من خلال تخفيف عبء الأصفار عن الأسعار وتسهيل التعاملات».


السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
TT

السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)

تشير بوصلة الاستثمار العالمي نحو المملكة المتحدة في عام 2026، حيث يُجمع كبار محللي بنوك الاستثمار على أن السندات البريطانية (Gilts) ستكون «الحصان الأسود» في الأسواق المالية. فبعد سنوات من التشدد النقدي، يترقب المستثمرون تراجعاً تدريجياً في تكاليف الاقتراض، مدفوعاً بآمال خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا.

المسار المتوقع لعوائد السندات السيادية

شهدت السندات البريطانية لأجل عشر سنوات تحولات حادة، حيث قفزت عوائدها مطلع عام 2025 إلى ذروة ستة عشر عاماً، ملامسةً مستوى 4.9 في المائة. جاء هذا الارتفاع مدفوعاً بتضافر عاملين: أولهما تنامي الهواجس بشأن وصول إصدارات الدين العام إلى مستويات قياسية، وثانيهما موجة التصحيح العنيفة (Sell-off) التي اجتاحت أسواق السندات العالمية آنذاك.

ومع ذلك، تشير التوقعات الاستشرافية إلى انعطافة في هذا المسار، حيث يُنتظر أن تتراجع العوائد لتستقر عند 4.32 في المائة بحلول نهاية عام 2026. ورغم أن وتيرة هذا التراجع تبدو «متحفظة» بالنظر إلى المستوى الحالي البالغ 4.49 في المائة، فإنها تحمل في طياتها دلالة استثمارية مهمة؛ فهي تضع السندات البريطانية في موقع الأفضلية من حيث الأداء النسبي مقابل سندات الخزانة الأميركية.

ففي الوقت الذي يتوقع فيه خبراء «وول ستريت» أن تراوح تكاليف الاقتراض الأميركية مكانها عند حدود 4.18 في المائة لأجل عشر سنوات، فإن الانخفاض المرتقب في العوائد البريطانية يمنحها هامشاً أوسع لتحقيق مكاسب رأسمالية، مما يعزز جاذبيتها في محافظ الاستثمار الدولية خلال المرحلة المقبلة.

وقال لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة «بيكتيه» لإدارة الأصول: «نتوقع أن تحقق السندات البريطانية أفضل عائد بين أسواق السندات الكبرى العام المقبل»، مشيراً إلى مزيج من خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا، وتباطؤ النمو الاقتصادي، و«أوضاع مالية عامة أفضل مقارنة بغيرها».

ويأتي ذلك في وقت يتوقع فيه المحللون على نطاق واسع أن يبدأ بنك إنجلترا بخفض الفائدة تدريجياً طوال عام 2026، مع استمرار تراجع التضخم باتجاه الهدف البالغ 2 في المائة.

وإذا تحققت هذه التخفيضات، فقد تميل عوائد السندات البريطانية إلى الانخفاض، ما يوفر مكاسب رأسمالية محدودة إلى جانب تحسن العوائد الداخلية، مقارنة بفترة العوائد المتدنية للغاية التي سبقت جائحة «كوفيد - 19».

لكنّ صانعي السياسات حذروا من أن ضغوط التضخم، ولا سيما في قطاع الخدمات والأجور، لا تزال تشكل خطراً، وأن أي عودة لهذه الضغوط قد تحدّ من هامش خفض الفائدة وتُبقي العوائد مرتفعة لفترة أطول.

يمر المشاة أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

بين جاذبية العوائد وتفوق الأسهم

على الرغم من الأداء الإيجابي المتين الذي سجلته سوق السندات إجمالاً خلال عام 2025، حيث حقق مؤشر بلومبرغ الأميركي المجمع للسندات عائداً قارب 7 في المائة حتى أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن هذه النتائج ظلت توصف بالمتواضعة عند وضعها في كفة المقارنة مع المكاسب المزدوجة التي حصدتها مؤشرات الأسهم الرئيسية، والتي تفوقت بوضوح في جذب شهية المخاطرة.

وفي سياق تحليل هذه الديناميكيات، أشار جيمس أذي، مدير الصناديق في شركة «مارلبورو» لإدارة الاستثمارات، إلى أن السندات البريطانية استعادت أخيراً قدرتها على توليد دخل مجدٍ للمستثمرين، مستدركاً أن فرضية العودة إلى مستويات العوائد المتدنية التي سادت حقبة ما قبل الجائحة تظل احتمالية مستبعدة إلى حد كبير.

واستطرد موضحاً أن مسار خفض أسعار الفائدة لن يؤدي بالضرورة إلى هبوط حاد في العوائد، وذلك نظراً لتقاطع ضغوط التضخم مع مخاطر ازدياد معروض الدين العام، الأمر الذي يعني استقرار العوائد عند مستويات قاعدية تفوق بكثير تلك التي اعتاد عليها المستثمرون إبان العقد الثاني من القرن الحالي.

من جهتها، قالت روث غريغوري، نائبة كبير الاقتصاديين البريطانيين في «كابيتال إيكونوميكس»: «بنك إنجلترا سيخفض الفائدة، لكنه سيفعل ذلك بحذر. وهذا يعني وجود بعض الضغوط النزولية على عوائد السندات البريطانية، ولكن من دون إعادة تسعير حادة».

وتتوقع «غولدمان ساكس» للأبحاث أن يقوم بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال النصف الأول من العام المقبل، ليصل سعر الفائدة الأساسي إلى 3 في المائة بحلول صيف 2026.

وفي محاولة لاستعادة ثقة الأسواق وتقليص علاوة المخاطر السياسية على تكاليف الاقتراض البريطانية، رفعت وزيرة المالية رايتشل ريفز، في موازنة نوفمبر، هامش الأمان الحكومي ضمن قواعد الاقتراض من 9.9 مليار جنيه إسترليني إلى 21.7 مليار جنيه.

وقد شهدت السندات البريطانية ارتفاعاً قبل الموازنة، على خلفية توقعات بهذا التحول الإيجابي للمستثمرين، وارتفعت أسعارها يوم إعلان الموازنة، مدعومة أيضاً بإعلان الحكومة نيتها تقليص مبيعات الديون طويلة الأجل على وجه الخصوص.

وتُعد مورغان ستانلي من أكثر المؤسسات تفاؤلاً بشأن السندات البريطانية في العام المقبل، مستندة إلى خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا وتحسن ديناميكيات العرض والطلب - مع توقع بلوغ إصدارات السندات ذروتها في السنة المالية الحالية - حيث تستهدف عائداً عند 3.9 في المائة على السندات لأجل عشر سنوات بنهاية 2026.

في المقابل، يبدو «جيه بي مورغان» أكثر تشاؤماً، إذ يرى أن مخاطر حدوث تحدٍّ لقيادة حزب «العمال» بعد الانتخابات الإقليمية في مايو (أيار) المقبل قد تدفع تكاليف الاقتراض طويلة الأجل إلى الارتفاع، مع مطالبة المستثمرين بعلاوة مقابل حالة عدم اليقين. ويتوقع «جيه بي مورغان» أن يبلغ عائد السندات لأجل عشر سنوات نحو 4.75 في المائة بنهاية 2026.

آفاق الولايات المتحدة

تتسم التوقعات المستقبلية لسندات الخزانة الأميركية بقدر أكبر من التوازن والتعقيد خلال العام المقبل. فعلى الرغم من السياسة التيسيرية التي انتهجها الاحتياطي الفيدرالي، التي أفضت إلى تقليص سعر الفائدة الأساسي بنحو مائتي نقطة أساس على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، فإن عوائد الأوراق المالية ذات الآجال المتوسطة والطويلة أبدت مقاومة واضحة، وظلت مستقرة عند مستويات مرتفعة نسبياً.

وبناءً عليه، يتوقع المحللون أن تكون العوائد الأميركية أكثر صموداً مقارنة بنظيرتها البريطانية، مع احتمال استمرار التباعد بين السوقين. وستظل بيانات التضخم والسياسة المالية من العوامل الحاسمة في تحديد أداء سندات الخزانة.

وقالت بريا ميسرا، مديرة المحافظ في «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول: «تواجه الولايات المتحدة مزيجاً فريداً من النمو القوي والإصدارات الضخمة جداً من الديون». وأضافت: «هذا يجعل من غير المرجح حدوث تراجع حاد في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل، حتى لو خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة».

أوراق نقدية للجنيه الإسترليني والدولار الأميركي في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

سندات الشركات

شهد هذا العام عدداً من صفقات السندات الضخمة بشكل استثنائي من قبل شركات عالمية كبرى، ما يعكس توجه شركات التكنولوجيا والاتصالات على وجه الخصوص إلى أسواق الدين لتمويل استراتيجيات كثيفة رأس المال.

وكانت أبرز صفقة في العام من نصيب شركة «ميتا»، التي جمعت نحو 30 مليار دولار من خلال إصدار سندات متعددة الشرائح، في واحدة من أكبر صفقات السندات الفردية التي تنفذها شركة تكنولوجية على الإطلاق، وقد قوبلت بطلب قوي من المستثمرين.

وقد عكس ذلك ثقة السوق في قوة الميزانية العمومية لـ«ميتا»، وقدرتها على دعم الإنفاق الواسع على الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات والبنية التحتية المرتبطة بها.

وتبعتها شركة «أوراكل» بإصدار سندات بنحو 18 مليار دولار، وُصف على نطاق واسع بأنه ثاني أكبر إصدار لسندات الشركات الأميركية في عام 2025، ما أتاح لها دعم توسعها في الحوسبة السحابية والخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

وفي الوقت نفسه، أنهت شركة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل»، إصدار سندات متعددة الشرائح مقومة باليورو بقيمة تقارب 6 إلى 7 مليارات يورو، ما عزز دور السوق الأوروبية بصفتها مصدر تمويل لشركات التكنولوجيا الأميركية.

وعكس إصدار «ألفابت» كلاً من شهية المستثمرين القوية للديون عالية الجودة، ورغبة الشركات المُصدِرة في تنويع مصادر التمويل بعيداً عن أسواق الدولار الأميركي.

كما برز قطاع الاتصالات بقوة، إذ نفذت شركة «فيرايزون» عدة صفقات سندات كبيرة خلال عام 2025، من بينها إصدارات هجينة في أسواق اليورو والجنيه الإسترليني.

وبالنظر إلى عام 2026، من المرجح أن تستمر سوق سندات الشركات في التأثر بالقوة نفسها التي دفعت الإصدارات الضخمة هذا العام.

ومن المتوقع أن تظل شركات التكنولوجيا والاتصالات من أبرز المقترضين، مع استمرار الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، والطاقة الاستيعابية السحابية، ومراكز البيانات، والبنية التحتية للشبكات.

المخاطر

تمثل عودة التذبذبات في أسعار الفائدة التحدي الأكثر جوهرية الذي يواجه أسواق السندات خلال عام 2026؛ فبالرغم من المسار النزولي المفترض للفائدة الرسمية، فإن أي تحول مباغت في التوقعات التضخمية أو تبدل في النبرة التوجيهية للبنوك المركزية كفيل بإرباك جداول الإصدارات الزمنية.

وفي العرف الاستثماري، يبدي حائزو السندات مرونة أكبر تجاه العوائد المرتفعة مقارنة بحالة الضبابية وعدم اليقين؛ إذ إن أي عملية إعادة تسعير حادة وشيكة قد تفضي سريعاً إلى اتساع هوامش العوائد وانكماش ملحوظ في نشاط السوق الأولية. وعلاوة على ذلك، يبرز الاقتراض السيادي المكثف على أنه عامل ضغط إضافي، حيث إن وتيرة الإصدارات الحكومية المتصاعدة، لا سيما في الاقتصادين الأميركي والأوروبي، قد تسهم في رفع تكلفة التمويل الإجمالية على المصدرين كافة. ولا تزال الصدمات الجيوسياسية قائمة بوصفها متغيراً حرجاً قادراً على تقويض مستويات الثقة، وإضعاف شهية المخاطرة لدى المؤسسات الاستثمارية الكبرى.