الخريّف لـ«الشرق الأوسط»: الإنفاق على عمليات الاستكشاف التعديني بالسعودية تجاوز الضعف

«جيومين 2025 جدة» يجمع 550 خبيراً و170 شركة من 38 دولة

وزير الصناعة والثروة المعدنية بدر الخريّف في كلمته الافتتاحية لـ«جيومين 2025» (هيئة المساحة الجيولوجية)
وزير الصناعة والثروة المعدنية بدر الخريّف في كلمته الافتتاحية لـ«جيومين 2025» (هيئة المساحة الجيولوجية)
TT

الخريّف لـ«الشرق الأوسط»: الإنفاق على عمليات الاستكشاف التعديني بالسعودية تجاوز الضعف

وزير الصناعة والثروة المعدنية بدر الخريّف في كلمته الافتتاحية لـ«جيومين 2025» (هيئة المساحة الجيولوجية)
وزير الصناعة والثروة المعدنية بدر الخريّف في كلمته الافتتاحية لـ«جيومين 2025» (هيئة المساحة الجيولوجية)

أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي المهندس بندر الخريّف، لـ«الشرق الأوسط»، أن حجم الإنفاق على أعمال الاستكشاف التعديني في المملكة شهد نمواً لافتاً خلال الفترة الماضية، متجاوزاً التوقعات الأولية بأكثر من الضعف، ليصل إلى نحو 500 ريال (133.3 دولار) لكل كيلومتر مربع، مقارنة بالتقديرات السابقة التي كانت تدور حول 120 إلى 130 ريالاً.

جاء ذلك خلال افتتاح الخريّف منتدى «جيومين 2025» في جدة، الأحد، الذي تنظمه هيئة المساحة الجيولوجية السعودية بالتعاون مع جمعية المستكشفين الجيوفيزيائيين (إس إيه جي) بمشاركة أكثر من 550 خبيراً و170 شركة من 38 دولة. وأوضح الخريف أن هذا الارتفاع يعكس جاذبية المملكة في قطاع التعدين وقدرتها على استقطاب المزيد من الاستثمارات في مجالات الاستكشاف والتنقيب، مؤكداً أن المؤشر الأهم لدى الوزارة يتمثل في مستوى الصرف الفعلي على أعمال الاستكشاف، والذي يشهد نمواً مطرداً بحسب ما تم رصده خلال المؤتمر الأخير. وأشار الوزير إلى أن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات يمثلان فرصة واعدة لخفض تكاليف الاستكشاف بشكل كبير، قائلاً: «نراهن على التقنيات الحديثة في مختلف المجالات، لا سيما في تحليل البيانات الجيولوجية التي تُعد جزءاً من منظومة البيانات الضخمة (Big Data)؛ ما يسهم في تسهيل فهم المستثمرين لطبيعة المعادن وتركيزها، واختيار أنسب المواقع لهم».

استدامة الموارد الوطنية

وبيّن أن الاعتماد على التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي يتيح رفع كفاءة عمليات الاستكشاف وتقليص حجم المساحات الجغرافية المستهدفة؛ ما يقلل حجم الاستثمارات المبدئية ويزيد من دقة النتائج لكل من المستثمر والحكومة. وأبان الخريّف أن المملكة أصبحت منفتحة تماماً على الاستثمارات التعليمية والتقنية في قطاع التعدين، مشيراً إلى أن الوزارة تتابع هذا النشاط من ثلاث زوايا رئيسية، وهي: عدد الرخص الصادرة الذي يشهد ارتفاعاً متواصلاً، ومستوى الإنفاق الفعلي من قبل الشركات المرخصة على أعمال الاستكشاف، إضافة إلى الإقبال الكبير على المزادات التعدينية التي يتم طرحها، خصوصاً في المناطق ذات الموثوقية الجيولوجية العالية ونسبة المعلومات الدقيقة المرتفعة.

الاستثمارات الواعدة

وأكد أن الاهتمام العالمي المتزايد بالمزادات التعدينية في المملكة يعكس الثقة في البيئة الاستثمارية السعودية، والدور المتنامي للقطاع في تحقيق مستهدفات «رؤية 2030» نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز استدامة الموارد الوطنية. وفي كلمته الافتتاحية للمنتدى، ذكر الخريّف أن قطاع التعدين يمثل الركيزة الثالثة للاقتصاد الوطني بعد النفط والبتروكيماويات، لافتاً إلى أن قيمة الموارد المعدنية في المملكة تتجاوز 2.5 تريليون دولار، وأن الطموح السعودي يتمثل في استثمارها وفق أعلى معايير المسؤولية والاستدامة. وبحسب الوزير، فإن المملكة تقع في قلب «المنطقة الفائقة» التي تضم أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتمتلك ثلث مساحة اليابسة في العالم وأكثر من نصف موارده المعدنية، لكنها لا تحظى إلا بـ12 في المائة من أنشطة الاستكشاف العالمية؛ ما يفتح الباب أمام فرص استثمارية واعدة وإعادة تشكيل التعاون الدولي في مجال المعادن. ويرى الخريّف أن المملكة تعمل من خلال «رؤية 2030» على بناء نظام بيئي متكامل للتعدين يربط بين العلم، والتقنية، والاستثمار، موضحاً أن منتدى «جيومين» في جدة يمثل «القلب التقني» لهذا القطاع، حيث تلتقي الخبرات والابتكارات التي تشكل مستقبل الجيولوجيا في المنطقة.

المسح الجيولوجي الرقمي

من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، الدكتور عبد الله الشمراني، أن الإنفاق على أعمال الاستكشاف ارتفع بأكثر من 600 في المائة منذ عام 2018، ليصل إلى 487 ريالاً للكيلومتر المربع في عام 2024، متجاوزاً المستهدف في «رؤية 2030». وأكمل أن هذا النمو تحقق بفضل تسريع أعمال المسح الجيولوجي الرقمي وإطلاق منصة البيانات الوطنية المفتوحة (NGD) التي تتيح للمستثمرين الاطلاع على خرائط جيولوجية دقيقة ومحدثة، مما خفض من حجم المخاطر وزاد من مستوى الشفافية في القطاع التعديني. وبيّن الشمراني أن منتدى «جيومين» يشكّل منصة عالمية لتبادل المعرفة وبناء الشراكات في مجال الاستكشاف، عبر 26 جلسة فنية و9 حلقات نقاش و104 عروض علمية يشارك فيها مختصون، بما يعكس ثقة المجتمع الدولي في مكانة المملكة كمركز رائد للابتكار الجيولوجي في المنطقة.

توقيع الشراكات

ويعد المنتدى منصة لتوقيع الشراكات العلمية والتقنية بين المملكة وشركات عالمية في مجالات الاستكشاف الجيولوجي وتحليل البيانات المعدنية، في إطار مساعي وزارة الصناعة والثروة المعدنية وهيئة المساحة الجيولوجية لتعزيز موقع السعودية كمركز رئيسي لصناعة التعدين في المنطقة الفائقة للمعادن. ويعكس منتدى «جيومين 2025» مرحلة نضج وتحوّلاً نوعياً في صناعة التعدين السعودية؛ إذ تمكنت الرياض خلال سنوات قليلة من الانتقال من مرحلة التأسيس إلى موقع القيادة الإقليمية في الاستكشاف الجيولوجي. ويشير تضاعف الإنفاق على الاستكشاف إلى ثقة المستثمرين العالميين في البيئة التمكينية السعودية، في حين يبرز إدماج الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة كمحرك أساسي للتحول نحو التعدين الذكي منخفض التكلفة وعالي الكفاءة. ومع تزايد الطلب العالمي على المعادن الحرجة اللازمة للتحول في مجال الطاقة، تبدو المملكة اليوم في موقع استراتيجي يجعلها محوراً رئيسياً في سلاسل القيمة العالمية للمعادن، مدعومة ببنية تنظيمية حديثة وتوجّه علمي واستثماري يرسخ مفهوم التنمية المستدامة في قطاع التعدين.


مقالات ذات صلة

وزير الصناعة السعودي: ولي العهد سرّع إلغاء المقابل المالي لتعزيز تنافسية القطاع عالمياً

الاقتصاد وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

وزير الصناعة السعودي: ولي العهد سرّع إلغاء المقابل المالي لتعزيز تنافسية القطاع عالمياً

كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، عن كواليس ما قبل إصدار قرار مجلس الوزراء، الأخير، المتمثل في إلغاء المقابل المالي عن القطاع الصناعي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء الملك عبد العزيز بالدمام (واس)

ارتفاع الصادرات غير النفطية السعودية 32.3 % في أكتوبر

سجّلت الصادرات غير النفطية في السعودية (شاملة إعادة التصدير) ارتفاعاً بنسبة 32.3 في المائة خلال شهر أكتوبر 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مقر شركة «أكوا باور» السعودية في العاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

«أكوا باور» ترفع ملكيتها في «الشعيبة للمياه والكهرباء» إلى 62 %

وقّعت «أكوا باور» اتفاقية للاستحواذ على كامل حصة «بديل» في شركة الشعيبة للمياه والكهرباء.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحليل إخباري الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب) play-circle

تحليل إخباري من الطاقة إلى الرقاقة: تحالف سعودي - أميركي نحو عصر تقني جديد

تحالف سعودي - أميركي ينتقل من النفط إلى الرقائق والذكاء الاصطناعي، مستفيداً من الطاقة منخفضة التكلفة لنقل التقنية وتوطين الحوسبة وبناء اقتصاد المستقبل.

د. يوسف القوس
وزير السياحة خلال جولته بحصاة النصلة (صخرة عنترة) في عيون الجواء بالقصيم (الشرق الأوسط)

إنفاق السياح يلامس 10 مليارات دولار في وسط السعودية منذ بداية العام

انطلقت رحلة «حيّ الشتاء» برئاسة وزير السياحة أحمد الخطيب في تجربة شتوية ضمن «مسار الشمال» تبدأ من مدينة الرياض وتمر بمنطقة القصيم وصولاً إلى حائل بالشمال

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
TT

مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)

حدد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، الأول من يناير (كانون الثاني) 2026 موعداً لإطلاق العملة السورية الجديدة وبدء عملية استبدال العملة القديمة، مؤكداً أن العملية ستكون «سلسة ومنظمة»، وأن آليتها ستُشرح «بكل وضوح وشفافية».

وقال الحصرية، في بيان صدر اليوم، إن صدور المرسوم رقم 293 لعام 2025 الخاص بـ«ولادة العملة السورية الجديدة»، يمثل «محطة وطنية مفصلية» تعكس بداية مرحلة اقتصادية ونقدية جديدة.

وأضاف أن المرسوم منح المصرف الصلاحيات اللازمة لتحديد مهل التبديل ومراكزه «بما يضمن حسن التنفيذ وسلاسة الإجراءات»، مشيراً إلى أن التعليمات التنفيذية الناظمة ستصدر بقرار من حاكم المصرف، مع التركيز على خدمة المواطنين وتسهيل الإجراءات عليهم في مختلف المناطق.

وأكد الحصرية، حسب ما نقلته وكالة أنباء سوريا (سانا)، أن تفاصيل عملية التبديل ستُعلن بشكل واضح وشفاف خلال مؤتمر صحافي مخصص، بما يعزز الثقة ويكرّس الشراكة مع المواطنين، لافتاً إلى استمرار مصرف سوريا المركزي في العمل خلال أيام 25 و26 و27 ديسمبر (كانون الأول) لمتابعة التحضيرات اللازمة لإطلاق العملية.

عبد القادر الحصرية حاكم مصرف سوريا المركزي (سانا)

ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي العملة السورية الجديدة بأنها «رمز للسيادة المالية بعد التحرير»، وعنوان لمرحلة جديدة تُبنى بتعاون الجميع وبإدارة المصرف المركزي، لتكون إنجازاً وطنياً يضاف إلى ما تحقق بعد التحرير، وخطوة «راسخة» نحو الاستقرار والنهوض الاقتصادي.

وأضاف أن الخطوة تمثل «لحظة مفصلية» في التاريخ المالي والاقتصادي للبلاد، للتعبير عن الوحدة والحضارة والتمسك بالسيادة المالية التي تجسدها العملة الجديدة.

وكان مصرف سوريا المركزي قد أوضح في 18 من شهر ديسمبر الحالي أنه سيعلن تفاصيل العملة الجديدة «في الوقت المناسب»، وحال اكتمال التجهيزات والترتيبات المطلوبة، مؤكداً أن جميع التعاملات المصرفية تسير مثل المعتاد دون أي تأثير على الخدمات المقدمة للمواطنين والمستثمرين.

وفي وقت سابق ذكر حاكم المصرف المركزي أن قرار تغير العملة درس بعناية ويجري العمل على توفير المتطلبات الفنية واللوجيستية، وضبط القاعدة النقدية لتجنب الآثار التضخمية.

وأوضح أن «لتبديل العملة رسائل مهمة، فعلى المستوى السياسي يعد تعبيراً عن استعادة السيادة، وعلى المستوى النقدي يسهم في تنظيم أفضل للوحدة النقدية، أما اقتصادياً فيشكل إشارة استقرار وجذب للاستثمار، فيما تنعكس آثاره اجتماعياً من خلال تخفيف عبء الأصفار عن الأسعار وتسهيل التعاملات».


السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
TT

السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)

تشير بوصلة الاستثمار العالمي نحو المملكة المتحدة في عام 2026، حيث يُجمع كبار محللي بنوك الاستثمار على أن السندات البريطانية (Gilts) ستكون «الحصان الأسود» في الأسواق المالية. فبعد سنوات من التشدد النقدي، يترقب المستثمرون تراجعاً تدريجياً في تكاليف الاقتراض، مدفوعاً بآمال خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا.

المسار المتوقع لعوائد السندات السيادية

شهدت السندات البريطانية لأجل عشر سنوات تحولات حادة، حيث قفزت عوائدها مطلع عام 2025 إلى ذروة ستة عشر عاماً، ملامسةً مستوى 4.9 في المائة. جاء هذا الارتفاع مدفوعاً بتضافر عاملين: أولهما تنامي الهواجس بشأن وصول إصدارات الدين العام إلى مستويات قياسية، وثانيهما موجة التصحيح العنيفة (Sell-off) التي اجتاحت أسواق السندات العالمية آنذاك.

ومع ذلك، تشير التوقعات الاستشرافية إلى انعطافة في هذا المسار، حيث يُنتظر أن تتراجع العوائد لتستقر عند 4.32 في المائة بحلول نهاية عام 2026. ورغم أن وتيرة هذا التراجع تبدو «متحفظة» بالنظر إلى المستوى الحالي البالغ 4.49 في المائة، فإنها تحمل في طياتها دلالة استثمارية مهمة؛ فهي تضع السندات البريطانية في موقع الأفضلية من حيث الأداء النسبي مقابل سندات الخزانة الأميركية.

ففي الوقت الذي يتوقع فيه خبراء «وول ستريت» أن تراوح تكاليف الاقتراض الأميركية مكانها عند حدود 4.18 في المائة لأجل عشر سنوات، فإن الانخفاض المرتقب في العوائد البريطانية يمنحها هامشاً أوسع لتحقيق مكاسب رأسمالية، مما يعزز جاذبيتها في محافظ الاستثمار الدولية خلال المرحلة المقبلة.

وقال لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة «بيكتيه» لإدارة الأصول: «نتوقع أن تحقق السندات البريطانية أفضل عائد بين أسواق السندات الكبرى العام المقبل»، مشيراً إلى مزيج من خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا، وتباطؤ النمو الاقتصادي، و«أوضاع مالية عامة أفضل مقارنة بغيرها».

ويأتي ذلك في وقت يتوقع فيه المحللون على نطاق واسع أن يبدأ بنك إنجلترا بخفض الفائدة تدريجياً طوال عام 2026، مع استمرار تراجع التضخم باتجاه الهدف البالغ 2 في المائة.

وإذا تحققت هذه التخفيضات، فقد تميل عوائد السندات البريطانية إلى الانخفاض، ما يوفر مكاسب رأسمالية محدودة إلى جانب تحسن العوائد الداخلية، مقارنة بفترة العوائد المتدنية للغاية التي سبقت جائحة «كوفيد - 19».

لكنّ صانعي السياسات حذروا من أن ضغوط التضخم، ولا سيما في قطاع الخدمات والأجور، لا تزال تشكل خطراً، وأن أي عودة لهذه الضغوط قد تحدّ من هامش خفض الفائدة وتُبقي العوائد مرتفعة لفترة أطول.

يمر المشاة أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

بين جاذبية العوائد وتفوق الأسهم

على الرغم من الأداء الإيجابي المتين الذي سجلته سوق السندات إجمالاً خلال عام 2025، حيث حقق مؤشر بلومبرغ الأميركي المجمع للسندات عائداً قارب 7 في المائة حتى أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن هذه النتائج ظلت توصف بالمتواضعة عند وضعها في كفة المقارنة مع المكاسب المزدوجة التي حصدتها مؤشرات الأسهم الرئيسية، والتي تفوقت بوضوح في جذب شهية المخاطرة.

وفي سياق تحليل هذه الديناميكيات، أشار جيمس أذي، مدير الصناديق في شركة «مارلبورو» لإدارة الاستثمارات، إلى أن السندات البريطانية استعادت أخيراً قدرتها على توليد دخل مجدٍ للمستثمرين، مستدركاً أن فرضية العودة إلى مستويات العوائد المتدنية التي سادت حقبة ما قبل الجائحة تظل احتمالية مستبعدة إلى حد كبير.

واستطرد موضحاً أن مسار خفض أسعار الفائدة لن يؤدي بالضرورة إلى هبوط حاد في العوائد، وذلك نظراً لتقاطع ضغوط التضخم مع مخاطر ازدياد معروض الدين العام، الأمر الذي يعني استقرار العوائد عند مستويات قاعدية تفوق بكثير تلك التي اعتاد عليها المستثمرون إبان العقد الثاني من القرن الحالي.

من جهتها، قالت روث غريغوري، نائبة كبير الاقتصاديين البريطانيين في «كابيتال إيكونوميكس»: «بنك إنجلترا سيخفض الفائدة، لكنه سيفعل ذلك بحذر. وهذا يعني وجود بعض الضغوط النزولية على عوائد السندات البريطانية، ولكن من دون إعادة تسعير حادة».

وتتوقع «غولدمان ساكس» للأبحاث أن يقوم بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال النصف الأول من العام المقبل، ليصل سعر الفائدة الأساسي إلى 3 في المائة بحلول صيف 2026.

وفي محاولة لاستعادة ثقة الأسواق وتقليص علاوة المخاطر السياسية على تكاليف الاقتراض البريطانية، رفعت وزيرة المالية رايتشل ريفز، في موازنة نوفمبر، هامش الأمان الحكومي ضمن قواعد الاقتراض من 9.9 مليار جنيه إسترليني إلى 21.7 مليار جنيه.

وقد شهدت السندات البريطانية ارتفاعاً قبل الموازنة، على خلفية توقعات بهذا التحول الإيجابي للمستثمرين، وارتفعت أسعارها يوم إعلان الموازنة، مدعومة أيضاً بإعلان الحكومة نيتها تقليص مبيعات الديون طويلة الأجل على وجه الخصوص.

وتُعد مورغان ستانلي من أكثر المؤسسات تفاؤلاً بشأن السندات البريطانية في العام المقبل، مستندة إلى خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا وتحسن ديناميكيات العرض والطلب - مع توقع بلوغ إصدارات السندات ذروتها في السنة المالية الحالية - حيث تستهدف عائداً عند 3.9 في المائة على السندات لأجل عشر سنوات بنهاية 2026.

في المقابل، يبدو «جيه بي مورغان» أكثر تشاؤماً، إذ يرى أن مخاطر حدوث تحدٍّ لقيادة حزب «العمال» بعد الانتخابات الإقليمية في مايو (أيار) المقبل قد تدفع تكاليف الاقتراض طويلة الأجل إلى الارتفاع، مع مطالبة المستثمرين بعلاوة مقابل حالة عدم اليقين. ويتوقع «جيه بي مورغان» أن يبلغ عائد السندات لأجل عشر سنوات نحو 4.75 في المائة بنهاية 2026.

آفاق الولايات المتحدة

تتسم التوقعات المستقبلية لسندات الخزانة الأميركية بقدر أكبر من التوازن والتعقيد خلال العام المقبل. فعلى الرغم من السياسة التيسيرية التي انتهجها الاحتياطي الفيدرالي، التي أفضت إلى تقليص سعر الفائدة الأساسي بنحو مائتي نقطة أساس على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، فإن عوائد الأوراق المالية ذات الآجال المتوسطة والطويلة أبدت مقاومة واضحة، وظلت مستقرة عند مستويات مرتفعة نسبياً.

وبناءً عليه، يتوقع المحللون أن تكون العوائد الأميركية أكثر صموداً مقارنة بنظيرتها البريطانية، مع احتمال استمرار التباعد بين السوقين. وستظل بيانات التضخم والسياسة المالية من العوامل الحاسمة في تحديد أداء سندات الخزانة.

وقالت بريا ميسرا، مديرة المحافظ في «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول: «تواجه الولايات المتحدة مزيجاً فريداً من النمو القوي والإصدارات الضخمة جداً من الديون». وأضافت: «هذا يجعل من غير المرجح حدوث تراجع حاد في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل، حتى لو خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة».

أوراق نقدية للجنيه الإسترليني والدولار الأميركي في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

سندات الشركات

شهد هذا العام عدداً من صفقات السندات الضخمة بشكل استثنائي من قبل شركات عالمية كبرى، ما يعكس توجه شركات التكنولوجيا والاتصالات على وجه الخصوص إلى أسواق الدين لتمويل استراتيجيات كثيفة رأس المال.

وكانت أبرز صفقة في العام من نصيب شركة «ميتا»، التي جمعت نحو 30 مليار دولار من خلال إصدار سندات متعددة الشرائح، في واحدة من أكبر صفقات السندات الفردية التي تنفذها شركة تكنولوجية على الإطلاق، وقد قوبلت بطلب قوي من المستثمرين.

وقد عكس ذلك ثقة السوق في قوة الميزانية العمومية لـ«ميتا»، وقدرتها على دعم الإنفاق الواسع على الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات والبنية التحتية المرتبطة بها.

وتبعتها شركة «أوراكل» بإصدار سندات بنحو 18 مليار دولار، وُصف على نطاق واسع بأنه ثاني أكبر إصدار لسندات الشركات الأميركية في عام 2025، ما أتاح لها دعم توسعها في الحوسبة السحابية والخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

وفي الوقت نفسه، أنهت شركة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل»، إصدار سندات متعددة الشرائح مقومة باليورو بقيمة تقارب 6 إلى 7 مليارات يورو، ما عزز دور السوق الأوروبية بصفتها مصدر تمويل لشركات التكنولوجيا الأميركية.

وعكس إصدار «ألفابت» كلاً من شهية المستثمرين القوية للديون عالية الجودة، ورغبة الشركات المُصدِرة في تنويع مصادر التمويل بعيداً عن أسواق الدولار الأميركي.

كما برز قطاع الاتصالات بقوة، إذ نفذت شركة «فيرايزون» عدة صفقات سندات كبيرة خلال عام 2025، من بينها إصدارات هجينة في أسواق اليورو والجنيه الإسترليني.

وبالنظر إلى عام 2026، من المرجح أن تستمر سوق سندات الشركات في التأثر بالقوة نفسها التي دفعت الإصدارات الضخمة هذا العام.

ومن المتوقع أن تظل شركات التكنولوجيا والاتصالات من أبرز المقترضين، مع استمرار الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، والطاقة الاستيعابية السحابية، ومراكز البيانات، والبنية التحتية للشبكات.

المخاطر

تمثل عودة التذبذبات في أسعار الفائدة التحدي الأكثر جوهرية الذي يواجه أسواق السندات خلال عام 2026؛ فبالرغم من المسار النزولي المفترض للفائدة الرسمية، فإن أي تحول مباغت في التوقعات التضخمية أو تبدل في النبرة التوجيهية للبنوك المركزية كفيل بإرباك جداول الإصدارات الزمنية.

وفي العرف الاستثماري، يبدي حائزو السندات مرونة أكبر تجاه العوائد المرتفعة مقارنة بحالة الضبابية وعدم اليقين؛ إذ إن أي عملية إعادة تسعير حادة وشيكة قد تفضي سريعاً إلى اتساع هوامش العوائد وانكماش ملحوظ في نشاط السوق الأولية. وعلاوة على ذلك، يبرز الاقتراض السيادي المكثف على أنه عامل ضغط إضافي، حيث إن وتيرة الإصدارات الحكومية المتصاعدة، لا سيما في الاقتصادين الأميركي والأوروبي، قد تسهم في رفع تكلفة التمويل الإجمالية على المصدرين كافة. ولا تزال الصدمات الجيوسياسية قائمة بوصفها متغيراً حرجاً قادراً على تقويض مستويات الثقة، وإضعاف شهية المخاطرة لدى المؤسسات الاستثمارية الكبرى.


اليابان تسعى إلى المواءمة بين الانضباط المالي وتشديد السياسة النقدية

رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
TT

اليابان تسعى إلى المواءمة بين الانضباط المالي وتشديد السياسة النقدية

رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)

تسعى الحكومة اليابانية إلى طمأنة الأسواق بشأن قدرتها على ضبط أوضاع المالية العامة، بالتوازي مع تحول تدريجي في السياسة النقدية نحو مزيد من التشديد، في مرحلة دقيقة تشهد فيها البلاد ارتفاعاً في عوائد السندات، وضعفاً في الين، وضغوطاً تضخمية متراكمة.

وفي هذا السياق، أكدت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، الخميس، أن مشروع ميزانية العام المالي المقبل يحافظ على الانضباط المالي، رغم تسجيله حجماً قياسياً جديداً، مشددة على أن الحكومة لا تعتزم زيادة الاعتماد على الديون بشكل غير مسؤول.

وقالت تاكايتشي، في حديث أمام قيادات الائتلاف الحاكم، إن مشروع الميزانية للعام الذي يبدأ في أبريل (نيسان) المقبل سيبلغ نحو 122.3 تريليون ين (ما يعادل 785.4 مليار دولار)، وهو أكبر حجم في تاريخ اليابان، لكنه لا يعني تخلي الحكومة عن ضبط المالية العامة.

وأوضحت أن إصدار السندات الحكومية الجديدة سيبقى عند حدود 29.6 تريليون ين، أي أقل من 30 تريليون ين للعام الثاني على التوالي، في إشارة واضحة إلى حساسية الحكومة تجاه المخاوف الكبيرة من تفاقم الدين العام.

وأضافت أن نسبة الاعتماد على الدين في تمويل الميزانية ستتراجع إلى 24.2 في المائة، مقارنة بـ24.9 في المائة بالميزانية الأولية للعام المالي 2025، وهي نسبة انخفضت دون 30 في المائة للمرة الأولى منذ 27 عاماً.

وعدّت أن هذا التوجه يعكس توازناً مدروساً بين دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على الاستدامة المالية. وأكدت أن الحكومة ترى في مشروع الميزانية «صيغة متوازنة» تجمع بين الانضباط المالي، وتحقيق اقتصاد قوي قادر على النمو المستدام، في وقت تزداد فيه التحديات المرتبطة بتكاليف الرعاية الاجتماعية والدفاع وخدمة الدين.

• إشارات واضحة لمزيد من رفع الفائدة

في موازاة ذلك، بعث محافظ بنك اليابان المركزي كازو أويدا برسائل واضحة تؤكد أن البنك مستعد لمواصلة رفع أسعار الفائدة، إذا ما استمرت المؤشرات الاقتصادية والتضخمية في التحسن وفق السيناريو الأساسي للبنك. وقال أويدا، في خطاب ألقاه أمام اتحاد رجال الأعمال اليابانيين «كيدانرين»، إن التضخم الأساسي في اليابان «يتسارع بشكل تدريجي ومستقر»، ويقترب بثبات من هدف البنك البالغ 2 في المائة، مشيراً إلى أن الظروف الحالية تسمح بمواصلة تقليص الدعم النقدي شديد التيسير.

وأضاف أن أسعار الفائدة الحقيقية لا تزال منخفضة للغاية، ما يمنح البنك المركزي هامشاً لمواصلة الرفع التدريجي للفائدة، بما يتماشى مع تحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار، في حال تحقق السيناريو الأساسي. وجاءت تصريحات أويدا بعد قرار البنك المركزي الأسبوع الماضي رفع سعر الفائدة إلى 0.75 في المائة، وهو أعلى مستوى تشهده اليابان منذ 30 عاماً، في خطوة وُصفت بأنها محطة مفصلية في مسار إنهاء عقود من السياسات النقدية فائقة التيسير.

وأوضح محافظ البنك أن هذا القرار عكس قناعة كبيرة لدى صناع السياسة النقدية بأن المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالرسوم الجمركية الأميركية قد تراجعت، وأن الشركات باتت أكثر استعداداً لمواصلة رفع الأجور خلال العام المقبل.

• حلقة الأجور والتضخم

وأشار أويدا إلى أن سوق العمل في اليابان ستظل مشدودة في المدى المنظور، في ظل عوامل هيكلية يصعب عكسها، أبرزها تراجع عدد السكان في سن العمل. وأكد أن هذه العوامل ستبقي الضغوط التصاعدية على الأجور قائمة، ما يدعم مسار التضخم المستدام. وأضاف أن الشركات لم تعد تقتصر على تمرير ارتفاع تكاليف العمالة والمواد الخام في أسعار الغذاء فقط، بل باتت تمتد إلى سلع وخدمات أخرى، في مؤشر على تشكل آلية أكثر استقراراً ترتفع فيها الأجور والأسعار معاً. وقال: «التضخم الأساسي في اليابان يسير في اتجاه تصاعدي معتدل، ومع تشدد سوق العمل، تغيّر سلوك الشركات في تحديد الأجور والأسعار بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة»، مؤكداً أن تحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة، المصحوب بزيادات في الأجور «أصبح أقرب من أي وقت مضى».

• الين تحت الضغط

ورغم هذه الرسائل، لا يزال ضعف الين مصدر قلق لصناع القرار، إذ يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الواردات وزيادة الضغوط التضخمية، ما ينعكس سلباً على الاستهلاك المحلي. وكانت تصريحات أويدا عقب اجتماع السياسة النقدية الأخير قد فُسّرت في الأسواق على أنها حذرة، ما أدى إلى تراجع الين، وهو ما دفع المستثمرين إلى التدقيق في نبرة البنك المركزي بحثاً عن إشارات أوضح بشأن وتيرة التشديد المقبلة. ويتوقع محللون أن يُبقي بنك اليابان أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه المقبل المقرر يومي 22 و23 يناير (كانون الثاني)، إلا أن التحديث الفصلي لتوقعات النمو والتضخم قد يوفر مؤشرات مهمة حول تقييم البنك لتأثير ضعف الين على الضغوط السعرية. وبين ميزانية توسعية منضبطة وسياسة نقدية تميل إلى التشديد التدريجي، تحاول اليابان رسم مسار دقيق يوازن بين دعم النمو الاقتصادي، واحتواء المخاطر المالية، في مرحلة تشهد تحولات عميقة في الاقتصاد المحلي والبيئة العالمية.