أثار ما أعلنه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن زيادة بأسعار الوقود خلال الأسابيع المقبلة حالة من القلق من موجة غلاء جديدة تضرب السلع والخدمات، وذلك رغم تأكيده أن تلك الزيادة ربما تكون الأخيرة ضمن سلسلة زيادات مستمرة منذ سنوات.
وتعد الزيادة المرتقبة جزءاً من «برنامج إصلاح اقتصادي» تتّبعه مصر ضمن خطة «صندوق النقد الدولي»، بينما تترقب صرف حزمة جديدة من قرض الصندوق قيمتها 1.2 مليار دولار، عقب مراجعة خامسة وسادسة يفترض أن تعقدها الحكومة مع الصندوق في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وستكون تلك هي الزيادة الثانية خلال العام الحالي، عقب تحريك أسعار الوقود في أبريل (نيسان) الماضي بنسبة وصلت إلى 14.5 في المائة.

وخلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف، مساء الثلاثاء، سعى مدبولي إلى طمأنة المصريين وتهدئة مخاوفهم المتوقعة، قائلاً إن «الزيادة المقررة - التي تعهدنا أنها لن تتم قبل 6 أشهر والمتوقعة في أكتوبر المقبل - إذا استمرت المعدلات فيما يتعلق بالأسعار، فمن الوارد أن تكون الأخيرة فيما يخص الزيادات الحقيقية»، مؤكداً أنه «بعد هذه الزيادة سيظل هناك دعم لسعر السولار فقط».
انعكاس على السلع والخدمات
وبعد هذه التصريحات تملَّك القلق قطاعاً عريضاً من المصريين، من بينهم نهلة عبد المنعم (35 عاماً)، وهي باحثة تقيم بمحافظة القاهرة، ولديها ابن واحد.
فالأمر لا يقتصر، كما تقول لـ«الشرق الأوسط»، على زيادة بند ما تخصصه للانتقالات في ميزانيتها الشهرية، وإنما ستتبعها زيادات أخرى في أسعار السلع والخدمات.
اشتكت أيضاً الصيدلانية منة مجدي (30 عاماً)، المقيمة بمحافظة الجيزة. من زيادات مستمرة في الأسعار تفوق قدرتها المالية، مشيرة إلى أن الأسرة قلصت التنقلات بسيارتها الخاصة بسبب الزيادات المستمرة في أسعار البنزين، وبات اعتمادها الأكبر على وسائل المواصلات العامة، رغم أن أسعارها تزيد أيضاً، «لكن تظل أقل من تكلفة المشوار بالسيارة».
وأضافت: «كل شيء يزيد سعره بعد رفع أسعار المحروقات، خصوصاً اللحوم والخضراوات والفاكهة، بحجة زيادة تكلفة نقلها».

ويؤكد الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني أن أي زيادات في أسعار المنتجات البترولية «يؤثر على أسعار كل المجموعات السلعية في السوق، ما يؤدي إلى هبوط المستوى المعيشي للمواطنين، في ظل معدلات فقر تزيد على 35 في المائة».
وأضاف قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن محدودي الدخل هم من يتحملون العبء الأكبر في الزيادات «لأن أي زيادة ستؤدي إلى إطلاق موجة جديدة من الغلاء».
شروط صندوق النقد
في المقابل، يرى الباحث المتخصص في أسواق المال، محمود جمال سعيد، أن تصريحات مدبولي تعكس «حرص الحكومة على تحقيق توازن دقيق بين تلبية شروط صندوق النقد الدولي، وتخفيف الأعباء عن المواطنين»، وذلك عبر تبنيها «نهجاً تدريجياً لرفع الدعم منذ عام 2016، حيث شهدت أسعار الوقود ثلاث زيادات في 2024 مارس (آذار)، ويوليو (تموز)، وأكتوبر، وهو ما يتماشى مع هدف الصندوق للوصول إلى أسعار تعكس التكلفة الحقيقية بحلول نهاية 2025».
وأشار سعيد لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذا النهج يهدف إلى تقليص العجز في الموازنة العامة، الذي كان يتفاقم بسبب دعم الوقود، والذي قدره الصندوق بنحو 6.8 مليار دولار في العام المالي 2023 - 2024، مع توقعات بتخفيضه إلى 5.1 مليار دولار في العام المالي الحالي».
ولفت إلى أن رفع الدعم الكامل عن البنزين لا يعني بالضرورة إلغاء الدعم عن جميع المشتقات البترولية، مشيراً إلى تأكيد رئيس الوزراء استمرار دعم السولار وأسطوانات الغاز؛ نظراً لتأثيرهما المباشر على أسعار السلع والخدمات، خصوصاً لمحدودي الدخل. وعدَّ ذلك «استثناء يعكس حساسية الحكومة للتداعيات الاجتماعية لرفع الدعم».
وتوقّع أن تتراوح الزيادات الجديدة في أسعار المحروقات بين 10 و15 في المائة.
وأضاف أن الحكومة تسعى إلى تعويض هذا الدعم الجزئي من خلال تعزيز برامج الحماية الاجتماعية، مثل «تكافل وكرامة»، وزيادة الرواتب والمعاشات.

تطبيق تجريبي للدعم «النقدي»
يأتي حديث رئيس الحكومة عن زيادة أسعار الوقود ضمن خطة أوسع لإعادة هيكلة الدعم المقدم للمواطنين. وأشار في تصريحاته إلى اعتزام الحكومة التحول من تقديم الدعم «العيني» إلى الدعم «النقدي» الذي تعول عليه لوصول الدعم إلى مستحقيه.
والدعم العيني هو نظام لتوزيع سلع ضرورية، بينها الخبز والزيت والسكر والبنزين، بأسعار منخفضة، يستفيد منها نحو 63 مليون مواطن؛ وفق بيانات رسمية. وتشكو الحكومات المتعاقبة من الأعباء الاقتصادية لتلك المنظومة على الموازنة العامة.
وقال مدبولي إن التحول يتطلب إعداد قاعدة بيانات متكاملة، وإن هذا يجري العمل عليه من خلال وزارة التموين؛ مضيفاً: «يتم الآن وضع الخطط اللازمة لبدء التطبيق التجريبي في أول مرحلة، حيث تم التوافق على اختيار محافظة سيتم التطبيق التجريبي بها».
ويرى الباحث سعيد أن التحول إلى الدعم النقدي «فكرة جيدة نظراً لأن الدعم العيني يذهبُ جزء كبير منه إلى غير مستحقيه»، مستدلاً على ما أشار إليه تقرير سابق للبنك الدولي من أن 60 في المائة من دعم الوقود يستفيد منه الأغنياء. لكنه شدّد في الوقت نفسه على ضرورة ضمان أن يصل الدعم النقدي لمستحقيه، والتحوط من التضخم المستمر، بزيادة قيمة هذا الدعم.
وعلى النقيض، يرى الميرغني أن الدعم النقدي «كارثة، لأن قيمته تتآكل بفعل التضخم»، عادّاً أن «الدعم العيني آخر حصون الحماية الاجتماعية للفقراء».
