السعودية تعزّز دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محرّكاً رئيسياً لنموها الاقتصادي

48 % زيادة سنوية في السجلات الجديدة... و1.68 مليون سجل نشط بنهاية مارس

مبنى تابع لـ«الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» (موقع منشآت الإلكتروني)
مبنى تابع لـ«الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» (موقع منشآت الإلكتروني)
TT

السعودية تعزّز دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محرّكاً رئيسياً لنموها الاقتصادي

مبنى تابع لـ«الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» (موقع منشآت الإلكتروني)
مبنى تابع لـ«الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» (موقع منشآت الإلكتروني)

شهدت المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية طفرة لافتة، لتصبح من الركائز المحورية في تنويع الاقتصاد وتعزيز مساهمة القطاع الخاص ضمن مستهدفات «رؤية 2030».

وأظهر تقرير الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) للربع الأول من عام 2025 مؤشرات قوية على تصاعد هذا الدور، حيث سُجلت زيادة بنسبة 48 في المائة على أساس سنوي في عدد التسجيلات التجارية الجديدة، ليصل إجماليها إلى 154.64 ألف تسجيل في الربع الأول وحده، فيما بلغ عدد التسجيلات التجارية النشطة بنهاية الفترة نفسها 1.68 مليون تسجيل، بزيادة قدرها 6 في المائة مقارنة بالعام الماضي.

وفيما تتسارع وتيرة التحول الرقمي، سجلت المملكة 41.32 ألف منشأة نشطة في قطاع التجارة الإلكترونية، كما أظهرت البيانات ارتفاع نسبة ملكية النساء للمنشآت لتبلغ 45 في المائة من إجمالي التسجيلات التجارية النشطة، ما يعكس تزايد مشاركة المرأة في الاقتصاد الوطني.

وشكلت خدمات «منشآت» حجر الزاوية في دعم هذا النمو، إذ استفادت 9849 شركة من مركز دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فيما تلقى 1434 مستفيداً دعماً من مراكز الابتكار. ويبرز في هذا السياق برنامج «طموح»، الذي أطلق عام 2017، بصفته أداة تمويلية رئيسية، حيث أسهم في إدراج 34 شركة سريعة النمو في سوق الأسهم الموازية (نمو)، وبلغت القيمة السوقية لهذه الشركات 450 مليون دولار خلال عام 2025 فقط، من أصل 6.6 مليار دولار تمثل القيمة السوقية الإجمالية للأعمال المدعومة من البرنامج.

كما استثمر «طموح» منذ انطلاقه أكثر من 15.7 مليار دولار في الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، مساهماً بذلك في ترسيخ بيئة جاذبة لريادة الأعمال.

دعم حكومي وتمويلات مرنة

وتكثفت الجهود الحكومية لدعم هذا القطاع في الربع الأول من العام، حيث توسع بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة في التمويل الجماعي القائم على الدين، وأطلق بالتعاون مع منصات متخصصة نموذج «الوكالة»، لتوفير تمويلات مرنة للشركات الصغيرة والمتوسطة تراوحت بين 13.3 و266 ألف دولار، تم صرف 23.4 مليون دولار منها في المرحلة الأولى، على أن تصل القيمة الإجمالية إلى 64 مليون دولار.

في السياق ذاته، وفر برنامج «كفالة» ضمانات قروض بقيمة 3.7 مليار دولار في عام 2024، استفادت منها 5346 شركة صغيرة ومتوسطة، بإجمالي 7000 ضمانة صادرة، ما أسهم في تأمين تمويل بقيمة 4.8 مليار دولار بزيادة قدرها 17 في المائة مقارنة بعام 2023.

وساهم قطاع الحرف اليدوية في تعزيز النمو في هذا القطاع خلال 2025، مدفوعاً بزيادة الطلب العالمي على المنتجات الثقافية وتوسّع التجارة الإلكترونية، إلى جانب مبادرات حكومية مثل «صنع في السعودية» و«عام الحرف اليدوية»، ما أتاح للحرفيين فرصاً أكبر للتمويل والتدريب والتحول الرقمي، ومكّنهم من الوصول إلى الأسواق الدولية والمساهمة في سوق عالمي بلغت قيمته 1.22 تريليون دولار في عام 2025.

أبرز القطاعات

وقال المتحدث الرسمي لـ«منشآت»، بدر القاضي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن المملكة شهدت نمواً ملحوظاً في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع عدد السجلات التجارية إلى 1.68 مليون سجل بنهاية الربع الأول من العام الجاري، بزيادة سنوية بلغت 48 في المائة. وتركزت معظم هذه السجلات في الرياض بنسبة 39 في المائة، تلتها منطقة مكة المكرمة بـ17 في المائة، والمنطقة الشرقية بـ16 في المائة، ثم القصيم بـ5.5 في المائة، وعسير بـ5 في المائة، فيما توزعت النسبة المتبقية البالغة 17.5 في المائة على بقية المناطق.

وأشار القاضي إلى بروز مساهمات واضحة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في عدد من القطاعات، من بينها الصناعة، والتقنية المالية، والسياحة، والترفيه، والرياضة، والصحة، والتجارة الإلكترونية.

ولفت إلى أن «منشآت» أطلقت عدداً من المبادرات لدعم هذا القطاع، من أبرزها برنامج «طموح» الذي يهدف إلى تمكين رواد الأعمال من النمو والتوسع عبر خدمات استشارية وتدريبية متخصصة، وتطبيق «نوافذ» الذي يتيح الوصول إلى خدمات الدعم بسهولة، وخدمة «جدير» التي تسهل الحصول على الفرص الشرائية في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى «أكاديمية منشآت» التي تقدم برامج تدريبية لتنمية القدرات في مختلف التخصصات.

إجمالي التمويلات

وتزامن هذا الزخم مع ارتفاع كبير في حجم التسهيلات المالية المقدمة من القطاع المصرفي وشركات التمويل، حيث بلغت التمويلات بنهاية العام الماضي نحو 351.7 مليار ريال (93.7 مليار دولار)، بزيادة 28 في المائة على أساس سنوي، استحوذت المنشآت المتوسطة على 54 في المائة منها.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي (ساما)، تصدّرت المنشآت المتوسطة إجمالي حجم التسهيلات بنحو 187.3 مليار ريال (49.9 مليار دولا ر)، تلتها المنشآت الصغيرة بنحو 122.2 مليار ريال (32.5 مليار دولار)، ثم المنشآت متناهية الصغر بقيمة 42.3 مليار ريال (11.2 مليار دولار).

وبلغت التمويلات المقدمة من القطاع المصرفي 333.5 مليار ريال (88.9 مليار دولار)، ما يمثل نحو 95 في المائة من إجمالي التسهيلات، فيما بلغت التسهيلات المقدمة من شركات التمويل 18.2 مليار ريال (4.8 مليار دولار)، ما يعادل 5 في المائة.

وتُصنف المنشآت المتوسطة في المملكة على أنها التي يبلغ حجم إيراداتها من 40 إلى 200 مليون ريال (10.6 إلى 53 مليون دولار) أو عدد موظفيها بين 50 و249 موظفاً، أما المنشآت الصغيرة، فهي التي تحقق إيرادات سنوية بين 3 و40 مليون ريال (800 ألف إلى 10.6 مليون دولار) أو يتراوح عدد موظفيها بين 6 و49 موظفاً، بينما المنشآت متناهية الصغر فهي التي تحقق إيرادات سنوية تقل عن 3 ملايين ريال (800 ألف دولار)، والتي تضم أقل من 5 موظفين.

تجاوز المستهدف

كما ارتفعت نسبة قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة من إجمالي قروض البنوك إلى 9.4 في المائة في 2024، مقتربة من المستهدف المرحلي البالغ 10 في المائة، بينما بلغ مستهدف 2030 نسبة 20 في المائة، بحسب التقرير السنوي لـ«رؤية 2030».

وسجل عدد العاملين في المنشآت الصغيرة والمتوسطة في 2024 نحو 7.86 مليون موظف، متجاوزاً المستهدف للعام نفسه، ما يعكس نجاح السياسات التنظيمية في خلق فرص عمل وزيادة مشاركة القطاع الخاص.

وبلغت مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 نحو 21.9 في المائة، متخطية المستهدف البالغ 20.2 في المائة، رغم تداعيات خفض إنتاج النفط الطوعي، فيما شهد القطاع استثمارات أجنبية شكلت نحو 30 في المائة من إجمالي الاستثمار الجريء في المنطقة؛ في إشارة واضحة إلى تنامي ثقة المستثمرين الدوليين في بيئة الأعمال السعودية.

وبين توسع الفرص التمويلية، ونمو المنصات الداعمة، وارتفاع معدلات التسجيل والتوظيف، تمضي المملكة بخطى متسارعة نحو ترسيخ مكانة المنشآت الصغيرة والمتوسطة بوصفها رافعة رئيسية للاقتصاد الوطني، ومحوراً فاعلاً في تحقيق مستهدفات «رؤية 2030».


مقالات ذات صلة

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

الاقتصاد علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس» أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (زيورخ)
الاقتصاد انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)

آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

من المتوقع أن تشهد صفقات الأسهم الآسيوية طفرة قوية خلال العام المقبل، مدفوعة بطروحات عامة أولية بارزة لشركات في الصين والهند.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ، مومباي )
الاقتصاد رسم بياني لمؤشر أسعار الأسهم الألماني داكس في بورصة فرانكفورت (رويترز)

استقرار الأسهم الأوروبية بعد 3 أيام من المكاسب

استقرت الأسهم الأوروبية يوم الجمعة بعد ثلاث جلسات متتالية من المكاسب، ما وضع المؤشرات على مسار تحقيق ارتفاع أسبوعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد مستثمر يراقب شركة التداول في السوق القطرية (أ.ف.ب)

أسواق الخليج ترتفع بدعم النفط وتوقعات «الفيدرالي الأميركي»

ارتفعت الأسواق الرئيسية في الخليج في ختام تعاملات، الخميس، مدفوعة بصعود أسعار النفط وتوقعات اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)

اقتربت الأسهم الأميركية، يوم الجمعة، من مستوياتها القياسية، مع توجه «وول ستريت» نحو نهاية أسبوع اتسم بالهدوء النسبي.

وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.3 في المائة، ليصبح على بُعد 0.2 في المائة فقط من أعلى مستوى له على الإطلاق، فيما صعد مؤشر «داو جونز» الصناعي بـ46 نقطة (0.1 في المائة). أما مؤشر «ناسداك» المركّب فزاد بنحو 0.4 في المائة، في حين تراجع مؤشر «راسل 2000» لأسهم الشركات الصغيرة بنسبة 0.2 في المائة بعدما لامس مستوى قياسياً في الجلسة السابقة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وفي قطاع الشركات، سجّل سهم «نتفليكس» انخفاضاً بنسبة 2.1 في المائة، بعد إعلانها خططاً لشراء «وارنر براذرز» إثر انفصالها عن «ديسكفري غلوبال»، في صفقة تبلغ 72 مليار دولار نقداً وأسهماً. وارتفع سهم «ديسكفري» التابعة للشركة بنسبة 2.6 في المائة.

وقفز سهم «ألتا بيوتي» بنسبة 11 في المائة بعد إعلان نتائج فصلية فاقت توقعات المحللين من حيث الأرباح والإيرادات، مع إشارتها إلى تحسّن ملحوظ في التجارة الإلكترونية، مما دفعها إلى رفع توقعاتها للإيرادات السنوية.

كما حققت «فيكتوريا سيكريت» أداءً قوياً، إذ سجّلت خسارة أقل من المتوقع ورفعت توقعاتها لمبيعات العام، ليرتفع سهمها بنسبة 14.4 في المائة.

أما سهم «هيوليت باكارد إنتربرايز» فانخفض 3.9 في المائة رغم تحقيق أرباح أعلى من التوقعات، نتيجة إعلان الشركة إيرادات دون المستوى المأمول.

وجاء هذا الأداء في أسبوع هادئ نسبياً بالنسبة إلى السوق الأميركية، بعد أسابيع شهدت تقلبات حادة بفعل مخاوف مرتبطة بتدفقات كبيرة على قطاع الذكاء الاصطناعي وتوقعات تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

بعد فترة من التردد، يتوقع المستثمرون الآن بالإجماع تقريباً أن يخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي الأسبوع المقبل لدعم سوق العمل البطيئة. وسيكون ذلك الخفض الثالث هذا العام إن حدث.

وتحظى أسعار الفائدة المنخفضة بدعم المستثمرين، لأنها تعزّز تقييمات الأصول وتحفّز النمو الاقتصادي، لكنها قد تزيد الضغوط التضخمية التي لا تزال أعلى من هدف «الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.

ويدعم توقع خفض الفائدة عودة مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى مشارف مستوياته القياسية المسجلة في أكتوبر (تشرين الأول)، في حين يترقب المستثمرون إشارات جديدة من اجتماع «الفيدرالي» حول مسار الفائدة العام المقبل.

وفي أسواق السندات، استقرت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عند 4.11 في المائة، في حين ارتفع العائد على السندات لأجل عامَين إلى 3.54 في المائة من 3.52 في المائة.

وعالمياً، ارتفعت المؤشرات في معظم أوروبا وآسيا؛ فقد صعد مؤشر «داكس» الألماني بنسبة 0.9 في المائة، وقفز مؤشر «كوسبي» الكوري الجنوبي بنسبة 1.8 في المائة.

في المقابل، تراجع مؤشر «نيكي 225» في طوكيو بنسبة 1.1 في المائة بعد بيانات أظهرت انخفاض إنفاق الأسر اليابانية بنسبة 3 في المائة في أكتوبر على أساس سنوي، وهو أكبر تراجع منذ يناير (كانون الثاني) 2024، وسط تقلبات أثارها احتمال رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة.


ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
TT

ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)

تفادى المستشار الألماني فريدريش ميرتس أزمة سياسية حادة بعد تمكنه بصعوبة من الحصول على الأغلبية المطلقة لتمرير مشروع قانون المعاشات التقاعدية في البرلمان يوم الجمعة، رغم التمرد الذي شهدته كتلته المحافظة، والذي ألقى الضوء على هشاشة سلطته داخل الائتلاف الحاكم.

وأُقر مشروع القانون بأغلبية 318 صوتاً في «البوندستاغ» المؤلف من 630 مقعداً، دون الحاجة إلى دعم طارئ من المعارضة اليسارية. إلا أن حالة الغموض التي رافقت التصويت حتى لحظاته الأخيرة عكست عمق الانقسامات داخل ائتلاف ميرتس المكوّن من المحافظين والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وذلك بعد 7 أشهر فقط من تسلّمه منصبه.

ويعد مشروع القانون، الذي يرفع الإنفاق على المعاشات التقاعدية بنحو 185 مليار يورو (216 مليار دولار) خلال السنوات الـ15 المقبلة، اختباراً مهماً لقدرة الحكومة على تمرير إصلاحات ضرورية لإنعاش أكبر اقتصاد في أوروبا وتعزيز قدرات القوات المسلحة الألمانية التي تعاني منذ سنوات، وفق «رويترز».

كما أسهمت هذه الخلافات في تعزيز صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، الذي يتصدر الآن استطلاعات الرأي على مستوى البلاد، ويتجه لتحقيق مكاسب واسعة في انتخابات 5 ولايات العام المقبل.

وقال الخبير السياسي يوهانس هيلغي: «المستشار خرج منتصراً، لكنه منتصر ضعيف. النقاش كشف حدود سلطته، وجعل الحكم المستقر والمتوقع أمراً صعباً في هذه الظروف». وأضاف أن 7 من نواب المعسكر المحافظ صوّتوا ضد مشروع القانون، فيما امتنع اثنان، وهو رقم مرتفع يعكس حدة الانقسامات.

المعاشات التقاعدية... محور اشتعال سياسي في أوروبا

يثبّت مشروع القانون نسبة المعاشات التقاعدية عند 48 في المائة من متوسط الأجور حتى عام 2031، بدلاً من السماح بانخفاضها، وهو بند أساسي في اتفاق الائتلاف ويحظى بأهمية خاصة للحزب الاشتراكي الديمقراطي.

لكن الجناح الشبابي في حزب المحافظين، الذي يملك 18 صوتاً، عارض المشروع مؤكّداً أنه يرسخ نظاماً مالياً غير مستدام ويحمّل الأجيال الشابة عبئاً كبيراً. ومع أغلبية برلمانية ضئيلة لا تتجاوز 12 صوتاً، لم يكن واضحاً حتى اللحظة الأخيرة إن كان الائتلاف سيتمكن من تمرير المشروع.

وتدخل حزب اليسار في اللحظة الأخيرة عارضاً الامتناع عن التصويت لخفض عدد الأصوات المطلوبة، باعتبار أن حماية المتقاعدين أولوية.

ويحذر اقتصاديون من أن قانون المعاشات الجديد يتجاهل التحديات الديموغرافية وتصاعد الدين العام. وقال كارستن برزيسكي، كبير خبراء الاقتصاد الكلي في بنك «آي إن جي»: «الحكومة تتصرف وكأن الحاضر أبدي، متجاهلة التغيرات الديموغرافية وارتفاع الدين وقضايا الاستدامة المالية».

أخطاء سياسية تكشف هشاشة القيادة

خلال حملته الانتخابية، انتقد ميرتس الصراعات الداخلية في حكومة سلفه أولاف شولتز، ودخل المنصب بتوقعات عالية بعد إبرام صفقة تاريخية لتمويل قياسي في البنية التحتية والدفاع.

لكن ائتلافه أثبت هشاشته منذ اليوم الأول، إذ احتاج إلى جولة تصويت ثانية غير مسبوقة لضمان تنصيبه رسمياً. وفي الصيف، فشل في توحيد صفوف المحافظين خلف مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمحكمة الدستورية، ما أدى إلى سقوط التصويت.

وقال يان تيشو من «أوراسيا غروب»: «الصورة العامة للحكومة باعتبارها منقسمة وغير فعّالة وسوء إدارتها تتكرّس بشكل متزايد».

ورغم إشادة الخارج بموقف ميرتس القوي تجاه أوكرانيا، فإن شعبيته المحلية تراجعت إلى نحو 25 في المائة، ليصبح من أقل المستشارين شعبية في التاريخ الحديث.

وبحسب أحدث استطلاع لمؤسسة «فورسا»، تراجع الدعم المشترك للمحافظين والحزب الاشتراكي إلى 39 في المائة مقابل 44.9 في المائة في انتخابات فبراير (شباط)، بينما يواصل حزب «البديل من أجل ألمانيا» صدارته بنسبة 26 في المائة.


قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)
جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)
TT

قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)
جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

أعربت دول مجلس التعاون الخليجي، الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية.

وأكّدت دول المجلس في بيان، أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

وأوضح البيان أنه وعلى الرغم من أن التعديلات المقدمة للإسهام في تخفيف وطأة وتأثير بعض مواد التشريع، وإلغاء البعض الآخر، فإن دول الخليج ما زالت ترى أن هذه التعديلات لا تلبي ما تتطلع إليه، ولا تزال تمثل مصدراً للضرر ومصدراً محتملاً لمخاطر واسعة على مصالح شركاتها العاملة في السوق الأوروبية، خاصةً في ظل البيئة التنظيمية الجديدة التي يفرضها التشريع والتي قد تنعكس سلباً على تنافسية تلك الشركات واستمرارية أعمالها.

وأكّدت دول الخليج أنها لا تزال تواصل جهودها بصفتهم أعضاء فاعلين في جميع المنظمات الأممية المتعلقة بحقوق الإنسان والبيئة والتغير المناخي، وواءمت جميع تشريعاتها مع مبادئ هذه المنظمات، واضعة في الحسبان حقوقها الوطنية السيادية، مبيِّنة أنها تقدم تقاريرها بكل شفافية، وبشكل دوري ومنتظم، في مختلف المنتديات والمؤتمرات الدولية، تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد تجسّد ذلك بانضمام دول المجلس إلى اتفاقيتي «باريس» و«الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ»، واعتمادها تشريعات وطنية لحماية البيئة وتنظيم الانبعاثات، فضلاً عن مشاركتها في آليات المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان.

ونوَّه البيان بأنه على الرغم من الجهود التي تقوم بها للوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي بشكل عام، والاتحاد الأوروبي بشكل خاص؛ لضمان وصول إمدادات الطاقة لأوروبا بشكل يوثق به ويُعتمد عليه، إلا أن دول الخليج تتوقع أن يؤدي استمرار البحث والتفاوض، بين المؤسسات الأوروبية، حول هذا التشريع، إلى آثار سلبية على استمرار تلك الإمدادات.

وخلُصت دول المجلس إلى أن شركاتها، التي قد ينطبق عليها التشريع، وهي تعمل وفق أفضل الممارسات العالمية، ستقوم بدراسة المخاطر والآثار التي قد تتعرض لها جراء اعتماده، وهو إجراء لا يستبعد أن يؤدي إلى التخارج من السوق الأوروبية والبحث عن بديل.

وعبّر البيان عن أمل دول الخليج في أن تنظر الدول الأوروبية الصديقة في إلغاء التوجيه، أو تعديل نطاق تطبيقه ضمن نطاق الاتحاد، بحيث لا يكون تأثيره عابراً للحدود، في حال رأى الأخير ضرورة الاستمرار فيه.