السعودية تعزّز دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محرّكاً رئيسياً لنموها الاقتصادي

48 % زيادة سنوية في السجلات الجديدة... و1.68 مليون سجل نشط بنهاية مارس

مبنى تابع لـ«الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» (موقع منشآت الإلكتروني)
مبنى تابع لـ«الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» (موقع منشآت الإلكتروني)
TT

السعودية تعزّز دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محرّكاً رئيسياً لنموها الاقتصادي

مبنى تابع لـ«الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» (موقع منشآت الإلكتروني)
مبنى تابع لـ«الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة» (موقع منشآت الإلكتروني)

شهدت المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية طفرة لافتة، لتصبح من الركائز المحورية في تنويع الاقتصاد وتعزيز مساهمة القطاع الخاص ضمن مستهدفات «رؤية 2030».

وأظهر تقرير الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) للربع الأول من عام 2025 مؤشرات قوية على تصاعد هذا الدور، حيث سُجلت زيادة بنسبة 48 في المائة على أساس سنوي في عدد التسجيلات التجارية الجديدة، ليصل إجماليها إلى 154.64 ألف تسجيل في الربع الأول وحده، فيما بلغ عدد التسجيلات التجارية النشطة بنهاية الفترة نفسها 1.68 مليون تسجيل، بزيادة قدرها 6 في المائة مقارنة بالعام الماضي.

وفيما تتسارع وتيرة التحول الرقمي، سجلت المملكة 41.32 ألف منشأة نشطة في قطاع التجارة الإلكترونية، كما أظهرت البيانات ارتفاع نسبة ملكية النساء للمنشآت لتبلغ 45 في المائة من إجمالي التسجيلات التجارية النشطة، ما يعكس تزايد مشاركة المرأة في الاقتصاد الوطني.

وشكلت خدمات «منشآت» حجر الزاوية في دعم هذا النمو، إذ استفادت 9849 شركة من مركز دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فيما تلقى 1434 مستفيداً دعماً من مراكز الابتكار. ويبرز في هذا السياق برنامج «طموح»، الذي أطلق عام 2017، بصفته أداة تمويلية رئيسية، حيث أسهم في إدراج 34 شركة سريعة النمو في سوق الأسهم الموازية (نمو)، وبلغت القيمة السوقية لهذه الشركات 450 مليون دولار خلال عام 2025 فقط، من أصل 6.6 مليار دولار تمثل القيمة السوقية الإجمالية للأعمال المدعومة من البرنامج.

كما استثمر «طموح» منذ انطلاقه أكثر من 15.7 مليار دولار في الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، مساهماً بذلك في ترسيخ بيئة جاذبة لريادة الأعمال.

دعم حكومي وتمويلات مرنة

وتكثفت الجهود الحكومية لدعم هذا القطاع في الربع الأول من العام، حيث توسع بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة في التمويل الجماعي القائم على الدين، وأطلق بالتعاون مع منصات متخصصة نموذج «الوكالة»، لتوفير تمويلات مرنة للشركات الصغيرة والمتوسطة تراوحت بين 13.3 و266 ألف دولار، تم صرف 23.4 مليون دولار منها في المرحلة الأولى، على أن تصل القيمة الإجمالية إلى 64 مليون دولار.

في السياق ذاته، وفر برنامج «كفالة» ضمانات قروض بقيمة 3.7 مليار دولار في عام 2024، استفادت منها 5346 شركة صغيرة ومتوسطة، بإجمالي 7000 ضمانة صادرة، ما أسهم في تأمين تمويل بقيمة 4.8 مليار دولار بزيادة قدرها 17 في المائة مقارنة بعام 2023.

وساهم قطاع الحرف اليدوية في تعزيز النمو في هذا القطاع خلال 2025، مدفوعاً بزيادة الطلب العالمي على المنتجات الثقافية وتوسّع التجارة الإلكترونية، إلى جانب مبادرات حكومية مثل «صنع في السعودية» و«عام الحرف اليدوية»، ما أتاح للحرفيين فرصاً أكبر للتمويل والتدريب والتحول الرقمي، ومكّنهم من الوصول إلى الأسواق الدولية والمساهمة في سوق عالمي بلغت قيمته 1.22 تريليون دولار في عام 2025.

أبرز القطاعات

وقال المتحدث الرسمي لـ«منشآت»، بدر القاضي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن المملكة شهدت نمواً ملحوظاً في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع عدد السجلات التجارية إلى 1.68 مليون سجل بنهاية الربع الأول من العام الجاري، بزيادة سنوية بلغت 48 في المائة. وتركزت معظم هذه السجلات في الرياض بنسبة 39 في المائة، تلتها منطقة مكة المكرمة بـ17 في المائة، والمنطقة الشرقية بـ16 في المائة، ثم القصيم بـ5.5 في المائة، وعسير بـ5 في المائة، فيما توزعت النسبة المتبقية البالغة 17.5 في المائة على بقية المناطق.

وأشار القاضي إلى بروز مساهمات واضحة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في عدد من القطاعات، من بينها الصناعة، والتقنية المالية، والسياحة، والترفيه، والرياضة، والصحة، والتجارة الإلكترونية.

ولفت إلى أن «منشآت» أطلقت عدداً من المبادرات لدعم هذا القطاع، من أبرزها برنامج «طموح» الذي يهدف إلى تمكين رواد الأعمال من النمو والتوسع عبر خدمات استشارية وتدريبية متخصصة، وتطبيق «نوافذ» الذي يتيح الوصول إلى خدمات الدعم بسهولة، وخدمة «جدير» التي تسهل الحصول على الفرص الشرائية في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى «أكاديمية منشآت» التي تقدم برامج تدريبية لتنمية القدرات في مختلف التخصصات.

إجمالي التمويلات

وتزامن هذا الزخم مع ارتفاع كبير في حجم التسهيلات المالية المقدمة من القطاع المصرفي وشركات التمويل، حيث بلغت التمويلات بنهاية العام الماضي نحو 351.7 مليار ريال (93.7 مليار دولار)، بزيادة 28 في المائة على أساس سنوي، استحوذت المنشآت المتوسطة على 54 في المائة منها.

ووفقاً للبيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي (ساما)، تصدّرت المنشآت المتوسطة إجمالي حجم التسهيلات بنحو 187.3 مليار ريال (49.9 مليار دولا ر)، تلتها المنشآت الصغيرة بنحو 122.2 مليار ريال (32.5 مليار دولار)، ثم المنشآت متناهية الصغر بقيمة 42.3 مليار ريال (11.2 مليار دولار).

وبلغت التمويلات المقدمة من القطاع المصرفي 333.5 مليار ريال (88.9 مليار دولار)، ما يمثل نحو 95 في المائة من إجمالي التسهيلات، فيما بلغت التسهيلات المقدمة من شركات التمويل 18.2 مليار ريال (4.8 مليار دولار)، ما يعادل 5 في المائة.

وتُصنف المنشآت المتوسطة في المملكة على أنها التي يبلغ حجم إيراداتها من 40 إلى 200 مليون ريال (10.6 إلى 53 مليون دولار) أو عدد موظفيها بين 50 و249 موظفاً، أما المنشآت الصغيرة، فهي التي تحقق إيرادات سنوية بين 3 و40 مليون ريال (800 ألف إلى 10.6 مليون دولار) أو يتراوح عدد موظفيها بين 6 و49 موظفاً، بينما المنشآت متناهية الصغر فهي التي تحقق إيرادات سنوية تقل عن 3 ملايين ريال (800 ألف دولار)، والتي تضم أقل من 5 موظفين.

تجاوز المستهدف

كما ارتفعت نسبة قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة من إجمالي قروض البنوك إلى 9.4 في المائة في 2024، مقتربة من المستهدف المرحلي البالغ 10 في المائة، بينما بلغ مستهدف 2030 نسبة 20 في المائة، بحسب التقرير السنوي لـ«رؤية 2030».

وسجل عدد العاملين في المنشآت الصغيرة والمتوسطة في 2024 نحو 7.86 مليون موظف، متجاوزاً المستهدف للعام نفسه، ما يعكس نجاح السياسات التنظيمية في خلق فرص عمل وزيادة مشاركة القطاع الخاص.

وبلغت مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 نحو 21.9 في المائة، متخطية المستهدف البالغ 20.2 في المائة، رغم تداعيات خفض إنتاج النفط الطوعي، فيما شهد القطاع استثمارات أجنبية شكلت نحو 30 في المائة من إجمالي الاستثمار الجريء في المنطقة؛ في إشارة واضحة إلى تنامي ثقة المستثمرين الدوليين في بيئة الأعمال السعودية.

وبين توسع الفرص التمويلية، ونمو المنصات الداعمة، وارتفاع معدلات التسجيل والتوظيف، تمضي المملكة بخطى متسارعة نحو ترسيخ مكانة المنشآت الصغيرة والمتوسطة بوصفها رافعة رئيسية للاقتصاد الوطني، ومحوراً فاعلاً في تحقيق مستهدفات «رؤية 2030».


مقالات ذات صلة

الصراع الإسرائيلي - الإيراني يربك حركة الطيران في المنطقة وخطط بديلة للشركات الخليجية

الاقتصاد إحدى الطائرات التابعة لطيران العراق في مدرج مطار أربيل تستعد للإقلاع (رويترز)

الصراع الإسرائيلي - الإيراني يربك حركة الطيران في المنطقة وخطط بديلة للشركات الخليجية

تواجه شركات الطيران في الشرق الأوسط تحديات مزدادة نتيجة التصعيد بين إسرائيل وإيران، أبرزها إغلاق الأجواء وتحويل مسارات الطيران، ما يزيد التكاليف التشغيلية.

سعيد الأبيض (جدة)
الاقتصاد جانب من مدينة نيوم (موقع الشركة الإلكتروني)

السعودية: توقيع اتفاقية لتسليم نحو 30 مليون طن من أرصدة الكربون

وقَّعت شركة «سوق الكربون الطوعي» السعودية اتفاقية طويلة الأجل مع «إينووا» التابعة لـ«نيوم» لتسليم نحو 30 مليون طن من أرصدة الكربون خلال العقد الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مبنى «كيان السعودية» (موقع الشركة)

الخسائر المتراكمة لـ«كيان السعودية للبتروكيماويات» تتخطى 35 % من رأس المال

تخطت الخسائر المتراكمة لشركة «كيان السعودية للبتروكيماويات» نسبة 35.59 في المائة من رأسمالها البالغ 15 مليار ريال (4 مليارات دولار)، لتسجل نحو 5.34 مليار ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد داخل مصنع شركة «إسمنت السعودية» (موقع الشركة الإلكتروني)

مبيعات شركات الإسمنت السعودية تتجاوز 800 مليون دولار في الربع الأول

سجلت شركات الإسمنت السعودية أداءً مالياً قوياً خلال الربع الأول من العام الحالي 2025؛ حيث تجاوزت مبيعاتها 800 مليون دولار (3 مليارات ريال).

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد مبنى «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» في المركز المالي بالعاصمة الرياض (واس)

سهم «السعودية للأبحاث والإعلام» يقفز 9.9 % بعد فوز «ثمانية» بحقوق بث الدوري

قفز سهم «السعودية للأبحاث والإعلام» 9.9 % بعد حصول شركة «ثمانية للنشر والتوزيع» التابعة لها على حقوق النقل الحصري لمباريات كرة القدم المحلية حتى عام 2030.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

أسعار المنتجين في أميركا ترتفع 2.6 % في مايو

عامل في مصنع «كالدر براذرز» بساوث كارولاينا (رويترز)
عامل في مصنع «كالدر براذرز» بساوث كارولاينا (رويترز)
TT

أسعار المنتجين في أميركا ترتفع 2.6 % في مايو

عامل في مصنع «كالدر براذرز» بساوث كارولاينا (رويترز)
عامل في مصنع «كالدر براذرز» بساوث كارولاينا (رويترز)

ارتفعت أسعار المنتجين في الولايات المتحدة بنسبة متواضعة بلغت 2.6 في المائة في مايو (أيار)، ما يشير إلى استمرار ضغوط التضخم بوتيرة معتدلة.

وذكرت وزارة العمل الأميركية، يوم الخميس، أن مؤشر أسعار المنتجين - الذي يُعد مقياساً رئيسياً للتضخم في مرحلة ما قبل البيع للمستهلك - ارتفع بنسبة 2.6 في المائة على أساس سنوي في مايو 2024، في حين سجّل ارتفاعاً شهرياً طفيفاً بنسبة 0.1 في المائة مقارنة بشهر أبريل (نيسان)، بعد تراجع نسبته 0.2 في المائة في الشهر السابق، وفق «وكالة أسوشييتد برس».

وباستثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، ارتفعت أسعار الجملة بنسبة 0.1 في المائة مقارنة بأبريل، وبنسبة 3 في المائة على أساس سنوي.

وجاءت هذه البيانات دون توقعات الاقتصاديين، ما يعزز مؤشرات على اعتدال الضغوط التضخمية في الاقتصاد الأميركي.

ورغم ثبات أسعار الطاقة على مستوى الجملة، ارتفعت أسعار البنزين بنسبة 1.6 في المائة بعد انخفاضها في أبريل، في حين زادت أسعار المواد الغذائية بنسبة 0.1 في المائة بعد تراجع بنسبة 0.9 في المائة في الشهر السابق. وارتفعت أسعار البيض، التي تتسم بتقلبها بفعل تفشي إنفلونزا الطيور، بنسبة 1.4 في المائة بعد انخفاض حاد بنسبة 39.3 في المائة في أبريل.

وكانت وزارة العمل قد أعلنت في تقرير منفصل أن أسعار المستهلك ارتفعت بنسبة 0.1 في المائة في مايو مقارنة بشهر أبريل، وبنسبة 2.4 في المائة على أساس سنوي.

وتأتي هذه الأرقام في وقت يترقب فيه الاقتصاديون تأثير السياسات التجارية التي ينتهجها الرئيس دونالد ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض، والتي تضمنت فرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة على معظم دول العالم، بالإضافة إلى تعريفات محددة على الصلب والألمنيوم والسيارات. ورغم أن هذه الرسوم يتحملها المستوردون داخل الولايات المتحدة، الذين ينقلون تكلفتها إلى المستهلكين، فإنها لم تُحدث حتى الآن تأثيراً كبيراً على أسعار السلع بشكل عام.

وتُعتبر بيانات أسعار المنتجين مؤشراً استباقياً للتضخم الاستهلاكي، لا سيما أن بعض مكوناتها، مثل خدمات الرعاية الصحية والخدمات المالية، تدخل مباشرة في حساب مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يُعد المؤشر المفضل لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في تقييم التضخم.

ومنذ بداية الطفرة التضخمية في عام 2021 بعد تعافي الاقتصاد بقوة من تداعيات جائحة كوفيد-19، رفع «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة 11 مرة خلال عامي 2022 و2023، ما ساعد في كبح جماح التضخم. وفي العام الماضي، أبدى البنك المركزي ارتياحه للتقدم المحرز، وخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات.

غير أن «الفيدرالي» تبنّى هذا العام نهجاً أكثر حذراً، في انتظار اتضاح تأثير السياسات التجارية الجديدة على الأسعار. وتشير التوقعات إلى أن البنك سيُبقي أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه المقرر يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.

وكتب كارل واينبرغ، كبير الاقتصاديين في «هاي فريكونسي إيكونوميكس»: «لا توجد مؤشرات حالية تدفع (الاحتياطي الفيدرالي) نحو رفع أسعار الفائدة استناداً إلى بيانات اليوم. بل إن لم تكن هناك زيادات جمركية متوقعة، لربما فكّر حتى في خفض الفائدة».