4 تحديات تواجه صناعة البتروكيميائيات الخليجية

مختصون لـ«الشرق الأوسط»: الأحداث الوبائية والجيوسياسية والتباطؤ العالمي سبب تراجع نموها

موقع تابع لشركة «سابك» السعودية في جيلين (الشركة)
موقع تابع لشركة «سابك» السعودية في جيلين (الشركة)
TT

4 تحديات تواجه صناعة البتروكيميائيات الخليجية

موقع تابع لشركة «سابك» السعودية في جيلين (الشركة)
موقع تابع لشركة «سابك» السعودية في جيلين (الشركة)

في السنوات الخمس الأخيرة، تواجه شركات البتروكيميائيات الخليجية تحديات كبيرة نتيجة تسارع الأحداث الوبائية والجيوسياسية، وتباطؤ النمو في أغلب الاقتصادات العالمية التي كانت تمثل الوجهة الأولى لشركات البتروكيميائيات الخليجية، بالإضافة إلى تحديات أخرى تؤثر على ربحيتها وقدرتها التنافسية.

وأشار مختصون ومحللون خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، إلى 4 تحديات رئيسية تواجهها شركات القطاع، وتتمثل في ضعف النهج الابتكاري في استراتيجياتها وانخفاض إنفاقها على الأبحاث والتطوير، ومحدودية القدرات الإنتاجية للصناعات التحويلية في الأسواق المحلية، وكذلك الظروف الجيوسياسية والتحالفات التجارية التي أثرت على سلاسل الإمداد، والقيود البيئية العالمية على المنتجات الهيدروكربونية، وما تواجهه صناعة البتروكيميائيات العالمية من تحديات بسبب السياسات البيئية التي يتبناها كثير من الدول.

أحد المواقع التابعة لشركة الخليج لصناعة البتروكيميائيات «جيبك» (الشركة)

التحول الاستراتيجي والابتكار

ويرى خبير الشراكات الاستراتيجية الدولية، عضو «جمعية الاقتصاد» السعودية، المهندس فارس القضيبي، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن مستقبل شركات البتروكيميائيات الخليجية يعتمد على قدرتها على تجاوز مرحلة التحول التي تمر بها الأسواق منذ جائحة كورونا. ولفت إلى أن تسارع الأحداث الوبائية والجيوسياسية خلال السنوات الخمس الماضية، أثّر بشكل واضح على أداء العديد من شركات القطاع، ودفعها لإعادة بناء استراتيجياتها لمواكبة التغير الملحوظ في الأسواق، خصوصاً في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين ودول آسيوية أخرى، والتي تعد الوجهة المفضلة للمنتجات البتروكيميائية الخليجية.

وأشار القضيبي إلى أن «نجاحات شركات البتروكيميائيات في المنطقة اعتمدت لعقود من الزمن على الميزة التنافسية لأسعار اللقيم المدعومة من الحكومات، ولم تكن هناك استراتيجيات نمو واضحة لمرحلة ما بعد الدعم، وأصبح من الواضح أن مستقبل هذه الشركات سيكون مرهوناً بقدرتها على التحول الاستراتيجي من التركيز على المنتجات الأساسية الموجهة للأسواق الاستهلاكية إلى الدخول في منتجات ذات قيمة مضافة موجهة لصناعات واعدة واستراتيجية لمواكبة التغير المستمر والسريع في العديد من الأسواق».

وحدّد القضيبي 4 تحديات رئيسية تواجه شركات البتروكيميائيات الخليجية:

- ضعف النهج الابتكاري في الاستراتيجيات: أشار إلى أن التقارير المالية لبعض الشركات تظهر ضعفاً في الإنفاق على البحث والتطوير.

- محدودية القدرات الإنتاجية للصناعات التحويلية المحلية: على الرغم من الاستراتيجيات الداعمة للتوطين، لا يزال القطاع الصناعي الخاص في دول الخليج دون المأمول من حيث القدرات الإنتاجية. هذا الاعتماد على الأسواق الخارجية، خصوصاً الصين والهند، يجعل من الصعب إعادة توجيه المنتجات للأسواق المحلية، ما أدى إلى إغلاق العديد من وحدات الإنتاج. وتبقى آفاق النمو متاحة في حال كانت الطلب المحلي مدفوعاً باستراتيجية مبتكرة لتصدير منتجات تحويلية نوعية.

- الظروف الجيوسياسية والتحالفات التجارية: أثرت الظروف الجيوسياسية خلال السنوات الأربع الماضية، على سلاسل الإمداد للعديد من الشركات في المنطقة، كما أثرت على التزامات الشركات تجاه زبائنها في مختلف أنحاء العالم نظراً للتهديدات اللوجيستية المتكررة تجاه شركات الشحن، الأمر الذي جعل أسعار التوريد غير مستقرة، ما يتيح خيارات أخرى للمشترين في البحث عن منتجين آخرين بعيداً عن مناطق التوترات الجيوسياسية، وما قد يؤثر تماماً على مستقبل علاقات الشركات تجاه عملائها. كما أن التحالفات التجارية والرسوم الحمائية الأميركية تدفع الشركات الخليجية لإعادة تقييم استراتيجياتها تجاه الأسواق الأميركية، والنظر في إمكانية بناء تحالفات لنقل جزء من عمليات التصنيع إلى الولايات المتحدة.

- القيود البيئية العالمية على المنتجات الهيدروكربونية والتي تفرض على القطاع زيادة الإنفاق لتطوير منتجات تقنية وتجارية منخفضة الكربون لتكون أكثر توافقاً مع البصمة الحالية والإسهام في التوازن البيئي، الأمر الذي يزيد من تكلفة التطوير والإنتاج ويزيد من تعقيدات الوصول للأسواق المستهدفة.

وحول إمكانية تغلب شركات القطاع على هذه التحديات، يرى خبير الشراكات الاستراتيجية الدولية أنها «تحتاج إلى حل هجيني يضع صنّاع السياسات الخليجية والشركات الكبرى في القطاع في قالب واحد من أجل وضع خريطة طريق لمواجهة التحديات التي تواجهها شركات البتروكيميائيات الخليجية في الأسواق العالمية، ومنها وفرة الإنتاج في الصين والولايات المتحدة والمشاكل البيئية في أوروبا وقضايا الإغراق في أسواق الهند».

عضو «جمعية الاقتصاد» السعودية المهندس فارس القضيبي

واقترح أن «تتحد الشركات الخليجية، على غرار (أوبك بلس)، لتوجيه منتجاتها نحو الأسواق المحتملة والتوافق على التوسعات المستقبلية لقدراتها الإنتاجية، سواء لأعمالها في دول الخليج أو عالمياً، وأن يصل هذا التوافق إلى مستوى التخصص في المنتجات لتشكيل تكتل أمام القدرات الأميركية والصينية وكذلك الأوروبية، بالإضافة إلى ربط أسعار اللقيم وأي مزايا نسبية أخرى للشركات الخليجية في كفاءة استراتيجيات الأبحاث والتطوير للشركات، وكذلك وضع معايير واضحة لمتابعة أعمال البحث والتطوير وتقييمها بشكل مستمر».

بناء التحالفات

من جهته، قال المحلل المالي طارق العتيق خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن قطاع البتروكيميائيات الخليجي لا يزال يمر بتحديات كبيرة في السنوات الأخيرة، وسجل معظم شركاته مستويات منخفضة في هوامش ربحيتها، في ظل تراجع بوادر للانتعاش، سواء في الاقتصاد العالمي أو في الاقتصاد الصيني بشكل خاص.

وأشار إلى أن أي انتعاش مقبل قد يستغرق وقتاً أطول لعودة شركات القطاع إلى المسار الصحيح، كما يتطلب خطوات كبيرة وحاسمة من هذه الشركات في إعادة هيكلة نفسها واستراتيجياتها والتركيز على الاستثمار في التقنيات الجديدة بالتقاط الكربون، وكذلك الدخول في تحالفات استراتيجية واندماج بين شركات القطاع لخفض التكاليف التشغيلية، بالإضافة إلى التوجه نحو الأسواق الناشئة، ذات النمو المتوقع على الطلب على منتجات البلاستيك والأسمدة والمبيدات، للخروج من حالة التباطؤ والانكماش، والنهوض من جديد.

وأشار العتيق إلى أن نحو 85 في المائة من إنتاج شركات البتروكيميائيات الخليجية يُصدر إلى أسواق عالمية تتجاوز أكثر من 100 دولة على مستوى قارات العالم، كما يبلغ حجم القيمة الإجمالية لصادراتها أكثر من 85 مليار دولار سنوياً، إلا أنها تواجه في الفترة الحالية تحديات وصعوبات كبيرة ستؤثر على مستقبل شركات القطاع، من أبرزها الحرب التجارية والرسوم الحمائية، والتي يتوقع أن تأخذ زخماً كبيراً بين الصين والولايات المتحدة، وبقية الدول المستهلكة لسوق البتروكيميائيات والمتأثرة بهذه الحرب الحمائية التجارية، والتي ستشكل عبئاً إضافياً على القطاع، بالإضافة إلى الفائض في المعروض من المنتجات البتروكيميائية.


مقالات ذات صلة

قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

الاقتصاد جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

أعربت دول الخليج عن بالغ قلقها تجاه التشريعين الأوروبيين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد قادة دول الخليج وممثلوهم المشاركون في «القمة الخليجية 46» التي انعقدت في العاصمة البحرينية الأربعاء (بنا)

البنك الدولي يرفع توقعاته لاقتصادات الخليج ويؤكد صمودها في مواجهة التحديات

رفع البنك الدولي توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2026 إلى 4.5 في المائة، من توقعاته السابقة في أكتوبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (واشنطن - الرياض)
الاقتصاد البديوي يتحدث في «قمة معهد ميلكن للشرق الأوسط وشمال أفريقيا» في أبوظبي (إكس)

البديوي: الموقع الجغرافي والاستقرار السياسي يجعلان الخليج وجهة عالمية للاستثمار

أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج أن موقعها الجغرافي، واستقرارها السياسي، وقوة أسسها الاقتصادية، تجعلها وجهةً عالميةً جاذبةً للاستثمار.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج قادة دول الخليج وممثلوهم المشاركون في «القمة الخليجية 46» بالعاصمة البحرينية الأربعاء (بنا) play-circle

«بيان قمة المنامة»: 162 بنداً ترسم ملامح المستقبل الخليجي

جاء البيان الختامي للقمة الخليجية في المنامة محمّلاً برسائل عديدة تعكس توجهاً خليجياً أكثر صراحة نحو تعزيز الأمن المشترك، والدفع باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية

«الشرق الأوسط» (المنامة)
الخليج جانب من الاجتماع الرابع لمجلس التنسيق السعودي - البحريني في المنامة الأربعاء (واس) play-circle 00:42

وليا العهد السعودي والبحريني يرأسان الاجتماع الرابع لمجلس التنسيق المشترك

أشاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في برقيتي شكر للعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى، وولي عهده الأمير سلمان بن حمد، بنتائج القمة الخليجية 46 في المنامة

«الشرق الأوسط» (المنامة)

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
TT

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد أن أعلنت شركة «نتفليكس» يوم الجمعة عن إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على استوديوهات الأفلام، والتلفزيون، ووحدة البث التدفقي التابعة لـ«وارنر براذرز ديسكفري» (WBD) بقيمة بلغت 72 مليار دولار.

هذه الصفقة، التي بدأت بمجرد «مهمة استطلاعية»، لم تكن متوقعة علناً من عملاق البث التدفقي الذي كان يقلل من شائعات شراء استوديو كبير في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتنتهي بـ«نتفليكس» وهي تفوز بأثمن جائزة في هوليوود، متفوقة على منافسين عمالقة، مثل «باراماونت» و«كومكاست».

صورة جوية لشعار «وارنر براذرز» معروض على برج المياه في استوديو «وارنر براذرز» في باربنك كاليفورنيا (أ.ف.ب)

من الفضول إلى الاستحواذ

بدأت مساعي «نتفليكس» نحو «وارنر براذرز» بدافع الفضول لمعرفة المزيد عن أعمالها، لكن التنفيذيين سرعان ما أدركوا الفرصة الاستراتيجية الهائلة التي يوفرها الاستوديو.

تتجاوز الصفقة مجرد إضافة مكتبة محتوى عمرها قرن من الزمان إلى منصة «نتفليكس» (وهي مكتبة تشكل 80 في المائة من مشاهدات البث التدفقي)، حيث أدركت «نتفليكس» أن وحدات أعمال «وارنر براذرز»، خاصة التوزيع المسرحي، والوحدة الإنتاجية، تُعد مكمّلة بشكل مثالي لنماذج أعمالها.

وقد تصاعد الاهتمام بالاستحواذ بعد أن أعلنت «وارنر براذرز ديسكفري» في يونيو (حزيران) عن خططها للانقسام إلى شركتين عامتين، فصلت بموجبها الشبكات التلفزيونية التقليدية عن الأصول الرئيسة، مثل استوديوهات «وارنر براذرز» و«HBO» وخدمة «HBO Max».

سباق المزايدة يشتد

دخلت «نتفليكس» منافسة شرسة للاستحواذ على الأصول، واضعة نفسها في مواجهة مباشرة مع «باراماونت» وشركة «إن بي سي يونيفرسال» الأم «كومكاست». وقد بدأ المزاد علنياً في أكتوبر بعدما قدمت «باراماونت» أول عرض غير مرغوب فيه في سبتمبر (أيلول)، بهدف استباق الانقسام المخطط له.

تواصل العمل بوتيرة محمومة، حيث عقد فريق «نتفليكس» الاستشاري، الذي ضم بنوكاً استثمارية، مثل «مويلس آند كومباني»، و«ويلز فارغو»، مكالمات يومية صباحية على مدى الشهرين الماضيين، بل وعقدوا مكالمات متعددة في يوم عيد الشكر ذاته للتحضير للعرض النهائي في الأول من ديسمبر (كانون الأول).

على الجانب الآخر، اجتمع مجلس إدارة «وارنر براذرز» يومياً خلال الأيام الثمانية الأخيرة التي سبقت اتخاذ القرار. وفضّل المجلس عرض «نتفليكس»، لأنه كان الوحيد الذي وُصف بأنه «ملزم وكامل»، كما أنه سيحقق فوائد فورية للشركة.

وعلى النقيض، تم رفض عرض «كومكاست» لدمج قسم الترفيه الخاص بها مع «وارنر براذرز»، لكونه سيستغرق سنوات عديدة للتنفيذ. ورغم أن «باراماونت» رفعت عرضها لتبلغ القيمة الإجمالية للشركة 78 مليار دولار، فقد أعرب مجلس إدارة «وارنر براذرز» عن قلقه بشأن تمويل هذا العرض.

صورة جوية لشعار «نتفليكس» معروض في استوديوهات «نتفليكس» مع لافتة هوليوود في الأفق (أ.ف.ب)

ثقة «نتفليكس» في اجتياز العقبات التنظيمية

لتأكيد إيمانها بنجاح الصفقة، خاصة في ظل توقعات مراجعة تنظيمية كبيرة، أرفقت «نتفليكس» عرضها بواحد من أكبر رسوم الإنهاء في تاريخ صفقات الاندماج والاستحواذ، بلغ 5.8 مليار دولار.

وقد وصف أحد المستشارين هذا الضمان بأنه دليل على قناعة «نتفليكس» المطلقة بقدرتها على الحصول على الموافقات اللازمة، قائلاً: «لا أحد يحرق 6 مليارات دولار دون اقتناع».

لم تكن «نتفليكس» متأكدة من الفوز حتى اللحظات الأخيرة، حيث اعترف أحد التنفيذيين بأنهم كانوا يعتقدون أن فرصتهم لا تتجاوز 50/50. لكن مع إعلان قبول العرض في وقت متأخر من ليلة الخميس، ساد التصفيق والتهليل على مكالمة جماعية بين فريق «نتفليكس»، إيذاناً ببدء عصر جديد سيعيد تشكيل المشهد الترفيهي العالمي بالكامل.


العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

مشاريع عقارية في الرياض (واس)
مشاريع عقارية في الرياض (واس)
TT

العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

مشاريع عقارية في الرياض (واس)
مشاريع عقارية في الرياض (واس)

شهد القطاع العقاري المُدرج في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً استثنائياً وغير مسبوق في الربع الثالث من عام 2025. فقد تضاعفت أرباح الشركات العقارية بأكثر من ستة أضعاف، مسجلة نمواً تجاوزت نسبته 633.6 في المائة لتبلغ 496 مليون دولار (1.86 مليار ريال).

هذا الارتفاع الصارخ، مقارنة بأرباح بلغت 67.5 مليون دولار في الربع المماثل من العام السابق، يؤكد أن القطاع العقاري السعودي قد دخل مرحلة نضج تشغيلي مستدام، متجاوزاً مرحلة الانتعاش «الظرفي» المؤقت.

كما تعكس هذه القفزة الكبيرة نجاح الشركات في إعادة هيكلة منتجاتها، وتعزيز تدفقاتها النقدية، والانتقال من مجرد النمو «الورقي» إلى نمو حقيقي مدعوم بالإيرادات التشغيلية، والتسليم الفعلي

للمشاريع.

المحركات التشغيلية

وأرجع خبراء ومختصون عقاريون تسجيل الشركات العقارية المُدرجة في السوق هذه القفزة الكبيرة إلى بداية جني الأرباح من إيرادات المشاريع العقارية المحورية في المدن الكبرى، وارتفاع جودة المشاريع العقارية، وتحسن البيئة التمويلية، ومستويات السيولة في القطاع العقاري.

وأشاروا إلى أن هذه القفزة تتواكب مع نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومساهمته بنحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما ساهم بشكل كبير في دعم الطلب على العقار بأنواعه: السكني، والتجاري، والصناعي، والمكتبي، وفي نمو أرباح شركات القطاع العقاري، بالإضافة إلى الإصلاحات الرئيسة التي شهدها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة.

العاصمة السعودية الرياض (واس)

تفاصيل أداء الشركات

وكانت أرباح الشركات العقارية المُدرجة في السوق المالية السعودية «تداول» قد تضاعفت لأكثر من 6 أضعاف، خلال الربع الثالث من 2025، لتسجل 496 مليون دولار (1.86 مليار ريال)، بنسبة نمو وصلت إلى 633.67 في المائة، مقارنةً بأرباح بلغت 67.5 مليون دولار (253.32 مليون ريال) في الربع المماثل من العام السابق.

كما بلغت أرباح شركات القطاع خلال الأرباع الثلاثة من 2025 نحو 1.44 مليار دولار (5.4 مليار ريال)، بصدارة من «سينومي سنترز» و«جبل عمر» و«مسار»، وبنسبة نمو 244.2 في المائة عن الفترة ذاتها من العام، والتي حققت خلالها أرباحاً صافية وصلت إلى 419 مليون دولار (1.57 مليار ريال)، وبزيادة قدرها 1.02 مليار دولار (3.83 مليار ريال).

ووفق إعلانات نتائجها المالية في السوق المالية السعودية، حققت 9 شركات ارتفاعاً في أرباحها، من بين 16 شركة تعمل بالقطاع، في حين تحولت 4 شركات للربحية. وتصدرت شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (مسار) أعلى شركات القطاع ربحيةً، خلال الربع الثالث، بعد تحقيقها أرباحاً بلغت 516.57 مليون ريال، بنسبة نمو وصلت إلى 341.9 في المائة عن الربع المماثل من العام السابق. وحلّت شركة المراكز العربية «سينومي سنترز» ثانيةً في أعلى شركات القطاع ربحيةً بعد تحقيقها أرباحاً بنحو 499.8 مليون ريال خلال الربع الثالث من 2025، لتسجل نمواً عن الربع المماثل من العام السابق بنسبة 52.2 في المائة، في حين حلت شركة «دار الأركان» ثالثاً، بنسبة نمو تجاوزت 89 في المائة، بعد أن بلغت أرباحها نحو 255.6 مليون ريال في الربع الثالث من 2025.

صورة محاكية لمشروع «مسار» الذي تقوم بتطويره شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (الشركة)

القطاع أكثر كفاءة

وفي تعليق على نتائج شركات القطاع، قال الخبير والمهتم بالشأن العقاري، عبد الله الموسى لـ«الشرق الأوسط» إن القفزة التاريخية في أرباح شركات العقار المدرجة تؤكد أن السوق دخلت مرحلة نضج تشغيلي، وليس مجرد انتعاش ظرفي، وإن هذه الأرقام تعكس قدرة الشركات على إعادة هيكلة منتجاتها، وتحسين تدفقاتها النقدية، والتحول من النمو الورقي إلى النمو الحقيقي المدعوم بالتسليم، والتشغيل، والإيرادات المتكررة.

وزاد أن القطاع أصبح أكثر كفاءة وربحية من أي وقت مضى، ما ينسجم مع اتجاهات الاقتصاد السعودي، وتطور أدوات التنظيم، والتمويل.

وحدد الموسى ثلاثة محركات رئيسة للقفزة الكبيرة في أرباح شركات القطاع، وهي:

- ارتفاع جودة المشاريع، والتحول للنماذج التشغيلية، كما حدث مع شركات «سينومي سنترز» و«مسار» و«جبل عمر»، والتي بدأت تجني ثمار الاستثمار طويل الأجل في تشغيل الأصول، وزيادة الإشغال، ونمو العوائد الإيجارية، ما انعكس مباشرة على الربحية.

- تحسن البيئة التمويلية، وتقليل الأعباء عبر استقرار أسعار الفائدة، وبداية انخفاضها، وتحسن مستويات السيولة، وهو ما ساعد الشركات على إدارة مديونياتها بكفاءة أكبر، خصوصاً تلك التي كانت تعاني سابقاً من أعباء مالية مرتفعة.

- اكتمال مشاريع محورية، ودخولها مرحلة تحقيق الإيرادات، حيث شهدت شركات عدة تحوّلاً للربحية نتيجة تحسن ملحوظ في عمليات البيع والتطوير في المدن الكبرى، وخاصة في الرياض، ومكة.

ويتوقع الموسى أن تستمر شركات القطاع في أدائها الإيجابي خلال الأرباع القادمة، واستمرار المسار الصاعد، لكن بوتيرة أكثر توازناً، وذلك لوجود عوامل داعمة، أبرزها دخول مشاريع استراتيجية جديدة مرحلة التشغيل، واستمرار الطلب القوي على الإسكان، والمشاريع التجارية في ظل توسع الرياض، وتحولها لوجهة استثمارية عالمية، وتحسن الأداء المالي لشركات كانت تواجه خسائر لسنوات، وهو ما يرفع مستوى المنافسة داخل القطاع، وكذلك استمرار مبادرات التنظيم العقاري التي تقلّل المخاطر، وتزيد من جاذبية الاستثمار المؤسسي، مضيفاً أنه في حال حافظت الشركات على هذا النهج، فمن المتوقع أن تتحول أرباح 2025 إلى نقطة مرجعية جديدة لمستوى ربحية أعلى، وأكثر استدامة خلال السنوات المقبلة.

أحد المراكز التجارية التابعة لشركة «سينومي سنترز» في الرياض (الشركة)

دور الاقتصاد غير النفطي

من جهته، قال المهتم بالشأن العقاري سلمان السعيد، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومساهمته بنحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ساهما بشكل كبير في دعم الطلب على العقار بأنواعه: السكني، والتجاري، والصناعي، والمكتبي، مما ساهم في نمو أرباح شركات القطاع العقاري، بالإضافة إلى الإصلاحات الرئيسة التي شهدها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في جذب الاستثمارات، مثل توسيع ضريبة الأراضي البيضاء، وخطوات ضبط الإيجارات، مما عزز من المشاريع التنموية، ومن جدوى المشاريع العقارية، وكذلك الدعم الحكومي الكبير لتملك المواطنين للإسكان، والسياسات الداعمة لذلك، ما ساهم في ارتفاع نسبة المواطنين المتملكين للإسكان.

وأضاف أن ارتفاع الطلب على العقار التجاري والمكتبي ساهم في زيادة أرباح الشركات العقارية، خصوصاً في مدينة الرياض، وتحديداً مع تدفق الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات إلى السعودية، وارتفاع الطلب على المكاتب، وزيادة إشغالها بنسب مرتفعة. كما ساعد ذلك شركات التطوير العقاري التي تعمل في العقارات متعددة الاستخدامات على الاستفادة من تنويع مصادر الدخل، وليس الاعتماد فقط على العقارات السكنية في تحقيق الأرباح، وأشار إلى أن بعض الشركات حققت نمواً في أرباحها من المعاملات الاستثمارية في بيع الأراضي، والأصول غير الاستراتيجية، مما أدى إلى تحسين النتائج، والكفاءة التشغيلية.


تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
TT

تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)

أظهرت البيانات الأولية الصادرة يوم الجمعة ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان إلى 53.3 نقطة في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مقارنةً بقراءة نهائية بلغت 51 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزاً توقعات الاقتصاديين عند 52 نقطة، لكنه لا يزال منخفضاً بشكل كبير مقارنة بمستوى 71.7 نقطة في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وشهد تقييم المستهلكين للظروف الاقتصادية الحالية انخفاضاً طفيفاً، بينما تحسّنت توقعاتهم المستقبلية إلى حد ما. كما تراجعت توقعات التضخم للعام المقبل إلى 4.1 في المائة مقابل 4.5 في المائة في الشهر السابق، مسجلة أدنى مستوى منذ يناير، مع استمرار الضغوط على الأسعار بسبب الرسوم الجمركية على الواردات، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقالت جوان هسو، مديرة المسوحات الاقتصادية في ميشيغان: «الاتجاه العام للآراء يبقى قاتماً، حيث يواصل المستهلكون الإشارة إلى عبء ارتفاع الأسعار». على الرغم من تراجع التضخم عن أعلى مستوياته منتصف 2022، إلا أنه يظل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة بثبات.