باريس تنتظر مشروعات بقيمة 20 مليار يورو خلال منتدى «اختر فرنسا»

تراهن على «أوراقها الرابحة» للبقاء وجهة أولى في أوروبا للاستثمارات المباشرة

ماكرون مفتتحاً النسخة السابقة من منتدى «اختر فرنسا» في 2024 (إكس)
ماكرون مفتتحاً النسخة السابقة من منتدى «اختر فرنسا» في 2024 (إكس)
TT

باريس تنتظر مشروعات بقيمة 20 مليار يورو خلال منتدى «اختر فرنسا»

ماكرون مفتتحاً النسخة السابقة من منتدى «اختر فرنسا» في 2024 (إكس)
ماكرون مفتتحاً النسخة السابقة من منتدى «اختر فرنسا» في 2024 (إكس)

عاماً بعد عام، تثبت فرنسا أنها قطب رئيسي جاذب للاستثمارات في أوروبا. وكبار المستثمرين الدوليين على موعد هذا العام، ويوم الاثنين تحديداً، كما هي الحال منذ 8 سنوات، للالتقاء مجدداً في «قصر فرساي» التاريخي، في إطار منتدى «اختر فرنسا»، الذي أطلقه الرئيس إيمانويل ماكرون في عام 2018، وهو مواظب على رعايته وعلى المشاركة الفاعلة فيه.

ويستغل ماكرون كل مناسبة اقتصادية تتاح له للتأكيد على مكانة فرنسا الاستثمارية على الصعيد العالمي، وعلى أنها أول وجهة استثمارية في القارة الأوروبية. ويعزو تفوق بلاده على منافساتها من الدول الأوربية إلى الإصلاحات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي أُقرت في ولايته الأولى (2017 - 2022) وفي السنوات الثلاث المنقضية من ولايته الثانية التي لم يتبق منها سوى عامين.

مشروعات جديدة بـ20 مليار يورو

حقيقةً، لا يمكن مقارنة ما يصب في فرنسا من استثمارات بما يعلنه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، دورياً، كما فعل بعد جولته الخليجية؛ فقد أشار إلى ما يزيد على 3 تريليونات دولار من الاستثمارات المباشرة في الاقتصاد الأميركي، مصدرها الدول الخليجية الثلاث التي زارها الأسبوع الماضي (المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات).

وقد استبق ماكرون حدث الاثنين بتصريحات أدلى بها، الجمعة، لمجموعة من الصحف الفرنسية الإقليمية، أكد فيها أن ما لا يقل عن 20 مليار يورو من الاستثمارات سيعلَن عنها بمناسبة «المنتدى»، وهي تشمل 50 مشروعاً استثمارياً جديداً، بما يعني أن العام الحالي سيتجاوز، بما لا يقل عن 5 مليارات، حصاد عام 2024. ويعدّ هذا الرقم قياسياً مقارنة بما أعلن عنه في النسخ السابقة.

ماكرون متحدثاً خلال قمة «مبادرة مستقبل الاستثمار - أولوية أوروبا» في ألبانيا يوم السبت (أ.ف.ب)

ليس سراً أن الرئيس الفرنسي يعشق هذا النوع من المنتديات المالية والاقتصادية، فخلفيته الأكاديمية ومهنته المصرفية التي مارسها في إطار بنك «روتشيلد» التاريخي قبل أن يلتحق بالرئيس السابق، فرنسوا هولاند، أميناً عاماً مساعداً للرئاسة ثم وزيراً للاقتصاد، تؤهله لهذا الدور. وبعد منتدى «اختر فرنسا»، أطلق ماكرون أيضاً منتدى آخر تحت عنوان: «اختر أوروبا».

ومع عودة الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض وإطلاقه «حرب التعريفات الجمركية»، برز ماكرون، على الصعيد الأوروبي، بوصفه الرئيس الدافع باتجاه تعزيز مكانة أوروبا الاقتصادية والمالية، وأكد على أن «الاتحاد الأوروبي» بما يمثله من سوق كبرى تضم أكثر من 450 مليون مواطن، قادر على مقارعة الولايات المتحدة واتخاذ إجراءات مضادة انطلاقاً من مبدأ «المعاملة بالمثل». بيد أن المفارقة تكمن في أن الولايات المتحدة تعدّ المستثمر الفردي الأول في الاقتصاد الفرنسي بحصة تصل إلى 15 في المائة (وفق أرقام 2024)، تليها ألمانيا (14 في المائة) ثم بريطانيا (9 في المائة).

وتتفوق فرنسا على الدول الأوروبية كافة لجهة الاستثمارات الأجنبية، فقد استضافت بين عامي 2014 و2024 ما يزيد على 18 ألف شركة أجنبية مستثمرة.

أما على المستوي الكلي، فإن أوروبا تحتل الموقع الأول بحصة تصل إلى 64 في المائة. ورغم أهمية الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية...، فإن حصة آسيا لا تتعدى نسبة 8 في المائة.

أوراق فرنسا الرابحة

ليس اختيار «قصر فرساي» مجرد صدفة أو هدفه فقط الترويج لهذا المعلم التاريخي بصفته وجهة سياحية في بلد يستقطب سنوياً أكبر عدد من السائحين في العالم (100 مليون سائح)، وحيث يُدرّ القطاع ما يتجاوز 71 مليار يورو في العام (بغض النظر عن سنوات جائحة «كوفيد19»)؛ ذلك أن مبدأ «اختر فرنسا» ينهض على مجموعة من المقومات التي يعدّها المسؤولون «قوة جذب»، مثل توافر العناصر الإنسانية، وجودة البنية التحتية، واليد العاملة المؤهلة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي داخل «الاتحاد الأوروبي»، ومستويات التعليم، وسهولة التوطين، والتسهيلات الكثيرة التي توفرها الدولة، والمناطق، فضلاً عن التراث الثقافي والمعماري، وتنوع الطقس.

ماكرون خلال مقابلة مع «القناة الأولى» للتلفزيون الفرنسي (رويترز)

ثم لا ينسى المسؤولون تنوع وجودة «المطبخ الفرنسي» الذي يعدّ من بين الأرقى في العالم. بيد أن ما يشدد عليه ماكرون والمسؤولون الآخرون هو بالدرجة الأولى مجموعة القوانين التي استُصدرت في السنوات الـ8 الماضية لجهة تسهيل انغراس الشركات الأجنبية، وخفض الضرائب على الإنتاج. وبفضل هذه المزايا، فإن فرنسا صُنفت أفضل دولة جاذبة للاستثمارات الأجنبية في 2024 من حيث العدد، بـ1025 مشروعاً.

ورغم ذلك كله، فإنه تُسمع، دورياً، أصوات تندد بالأعباء الإدارية والبيروقراطية التي تلقي بثقلها على الشركات؛ بما في ذلك إجراءات صرف الموظفين والرعاية الاجتماعية.

ويريد الرئيس الفرنسي، كما جاء في تصريحاته الأخيرة، فعل المزيد، مشدداً على ضرورة «تسريع وتيرة التسهيلات والتبسيطات على المستويين الوطني والأوروبي، وتعزيز السوق (الأوروبية) الموحدة، ووضع سياسة طاقة أكبر هجومية». كذلك، فإنه يدعو إلى تبني «سياسة لحماية السوق الداخلية تكون أشد صرامة»، عادّاً أن «هذا بالضبط هو ما يُشكل لنا اليوم تحدياً حقيقياً مقارنة بالمنافسين الآسيويين».

أهمية التواصل المباشر

ضمن هذا المنظور، فإن منتدى «اختر فرنسا» يشكل واجهة بالغة الأهمية للتركيز على ما توفره البلاد، ولكن أيضاً لإقامة تواصل مباشر مع كبار قادة الشركات العالمية.

وفي هذا السياق، فإن ما يزيد على 200 رئيس تنفيذي لكبريات الشركات في العالم سيحضرون المنتدى الذي تَحضّر له الرئيس ماكرون شخصياً وعبأ له الوزراء كافة المعنيين بالاقتصاد والمال والدبلوماسية.

وما تسعى إليه باريس أساساً هو استقطاب الاستثمارات في القطاعات الاستراتيجية، والتكنولوجيات المتقدة، والصحة. وخلال نسخة عام 2024 من المنتدى، كان التركيز على اجتذاب الشركات الفاعلة في قطاعَي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الخضراء، وقد شهدت حضوراً لافتاً لمستثمرين من الولايات المتحدة وكندا ودول آسيوية.

أما النسخة الراهنة، فإن باريس تريد فيها البروز بوصفها قوة ناعمة، مبتكرة، ومنفتحة على الاستثمار بشكل تام، وخصوصاً متمتعة بالاستقرار الاقتصادي والسياسي، رغم التطورات السياسية التي تشهدها منذ انتخابات العام الماضي النيابية التي فقدت الحكومة فيها الأكثرية المطلقة بالبرلمان.

صورة مركبة لماكرون والأمينة العامة لـ«الاتحاد العام للعمال» صوفي بينت خلال مقابلة تلفزيونية دافع خلالها عن سياساته الاقتصادية (أ.ف.ب)

تراهن باريس، إضافة إلى ما سبق من عناصر موضوعية، على التواصل المباشر مع كبار رجال الأعمال. ووفق مصادر «الإليزيه»، فإن «العلاقة الشخصية تلعب دوراً مهماً في قرارات الاستثمار التي يتخذها قادة الشركات» الذين يتأثرون بالمناسبات التي تتاح لهم خلالها الفرصة للتواصل مع المسؤولين أو مع أقرانهم من الفرنسيين وغير الفرنسيين.

مع مرور الأعوام، تحول منتدى «اختر فرنسا» أداة دبلوماسية واقتصادية محورية في استراتيجية باريس لتعزيز حضورها على الساحة الدولية، في عالم يتسم بتنافس شديد على الاستثمارات في المجالات التكنولوجية والمستدامة. وبالنظر إلى النتائج التي تحققت حتى اليوم، فليس من المبالغة عَدّه مساهماً في ترسيخ مكانة فرنسا لاعباً أساسياً عالمياً يريد أيضاً أن يلعب دوراً رائداً في القطاعات الاقتصادية المستجدة.


مقالات ذات صلة

أزمة طيران عالمية بسبب التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران

الاقتصاد صالة المغادرة خاوية بمطار بن غوريون في تل أبيب عقب الضربة الإسرائيلية لإيران (أ.ف.ب)

أزمة طيران عالمية بسبب التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران

اضطربت حركة الملاحة الجوية بشكل واسع صباح الجمعة عقب شن إسرائيل هجمات عسكرية على أهداف في إيران.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد شوارع خالية في مدينة تل أبيب عقب الضربة الإسرائيلية على إيران (أ.ب)

إسرائيل تعلن الطوارئ في قطاع الغاز مع إغلاق حقل «ليفياثان»

أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي أن الحكومة قد تتجه إلى إعلان حالة الطوارئ في قطاع الغاز الطبيعي، مع احتمال إغلاق بعض الخزانات بصورة مؤقتة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد صورة لمحطة أصفهان النووية جنوب طهران (أ.ف.ب)

صراع إسرائيل-إيران يهدد نمو الاقتصاد الألماني بفعل مخاطر ارتفاع النفط

أكد المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، يوم الجمعة، أن أي صراع بين إسرائيل وإيران قد يضعف آفاق الاقتصاد الألماني إذا أسفر عن ارتفاع في أسعار النفط.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد متداولون يتابعون حركة الأسهم في جلسة سابقة ببورصة وول ستريت في نيويورك (رويترز)

«مؤشر الخوف» في وول ستريت يقفز 22%

شهدت أسواق المال الأميركية اضطرابات ملحوظة خلال ساعات ما قبل التداول يوم الجمعة بعد التصعيد العسكري الخطير بين إسرائيل وإيران

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مشاة في أحد الشوارع التجارية وسط العاصمة البولندية وارسو (رويترز)

انخفاضات حادة في الأسواق الناشئة مع الهجوم الإسرائيلي على إيران

انضمت أسهم الأسواق الناشئة إلى موجة البيع العالمية يوم الجمعة، حيث أثار الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران حالة من العزوف عن المخاطرة

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصر تعلن توقف إمدادات الغاز من الشرق بعد الأعمال العسكرية في المنطقة

بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)
بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تعلن توقف إمدادات الغاز من الشرق بعد الأعمال العسكرية في المنطقة

بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)
بنايات على نيل القاهرة (الشرق الأوسط)

أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية توقف إمدادات الغاز من الشرق بعد الأعمال العسكرية التي نشبت في المنطقة.

وقالت في بيان: «استجابة للأعمال العسكرية التي نشبت بالمنطقة وتوقف إمدادات الغاز من الشرق، قامت وزارة البترول والثروة المعدنية بتفعيل خطة الطوارئ المعدة مسبقاً الخاصة بأولويات الإمداد بالغاز الطبيعي، وذلك بإيقاف إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية مع رفع استهلاك محطات الكهرباء للمازوت إلى أقصى كمية متاحة والتنسيق لتشغيل بعض المحطات بالسولار، وذلك في إجراء احترازي حفاظاً على استقرار شبكة الغاز الطبيعي وعدم اللجوء لتخفيف أحمال شبكة الكهرباء، ترقباً لإعادة ضخ الغاز الطبيعي من الشرق مرة أخرى».

وأضاف البيان أن «سفن إعادة التغويز الثلاث قد وصلت إلى مصر، وتقوم إحدى السفن حالياً بإعادة التغويز وضخ الغاز إلى الشبكة القومية للغاز الطبيعي، بينما تجرى أعمال تجهيز السفينتين الأخريين وربطهما بالمواني استعداداً لبدء ضخ الغاز الطبيعي منهما، وتواصل غرفة العمليات الخاصة بشبكة الغاز الطبيعي متابعة الموقف على مدار 24 ساعة، وأن وضع شبكة الغاز آمن، وكذلك احتياطي المازوت».