الرياض تستقبل ترمب... شراكة استراتيجية وصفقات استثمارية غير مسبوقة

وفد من كبار رجال الأعمال الأميركيين يرافق الرئيس خلال الرحلة

غداء عمل بين الرئيس ترمب وولي العهد السعودي في واشنطن عام 2018 (أ.ف.ب)
غداء عمل بين الرئيس ترمب وولي العهد السعودي في واشنطن عام 2018 (أ.ف.ب)
TT

الرياض تستقبل ترمب... شراكة استراتيجية وصفقات استثمارية غير مسبوقة

غداء عمل بين الرئيس ترمب وولي العهد السعودي في واشنطن عام 2018 (أ.ف.ب)
غداء عمل بين الرئيس ترمب وولي العهد السعودي في واشنطن عام 2018 (أ.ف.ب)

يحل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض يوم الثلاثاء المقبل، في زيارة خارجية رسمية هي الأولى له منذ توليه ولايته الثانية، وذلك عقب أخرى غير مجدولة إلى روما، كانت لحضور مراسم جنازة البابا فرنسيس.

واختار ترمب المملكة وجهة لأول رحلة خارجية كبرى له في ولايته الثانية، تماماً كما فعل في عام 2017 في زيارة وصفها حينها بأنها «ناجحة للغاية». مع العلم بأنه يبدأ من السعودية جولته الخليجية التي ستقوده أيضاً إلى كل من قطر، والإمارات بين 13 مايو (أيار) الحالي و16 منه.

بين عامي 2017 و2025، أي خلال فترة تقارب الثماني سنوات التي تلت زيارة ترمب الأولى، والتي جاءت بعد عام من إقرار «رؤية 2030»، خطت المملكة خطوات واسعة نحو تحقيق تحولها الاقتصادي. وستكشف زيارة ترمب المرتقبة حجم هذا التقدم، لتكون بمثابة شهادة واقعية على تحقق أهداف الرؤية. فبعد مرور هذه السنوات، سيشهد ترمب تحولاً جذرياً، وواقعاً ملموساً يجسد ثمار هذا المشروع الطموح.

ومن المرتقب «إعلانات ضخمة» في الأيام القليلة التي تسبق جولة ترمب الخليجية، وهو ما تحدث عنه ترمب يوم الأربعاء عقب لقائه مع رئيس وزراء كندا مارك كارني.

صفقات ضخمة

يتوقع أن تشهد زيارة ترمب إلى السعودية توقيع عدد مهم من الاتفاقات، والإعلان عن صفقات ضخمة، وهو ما يعكس حسابات واشنطن الاستثمارية، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية بالرياض. وقد يتم الإعلان عن اتفاق للتعاون النووي المدني بين البلدين، وهو ما كان كشفه وزير الطاقة الأميركي كريس رايت خلال زيارته المملكة في أبريل (نيسان) (الماضي)، قائلاً إن الولايات المتحدة والسعودية تقتربان من توقيع اتفاقية أولية للتعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا النووية المدنية.

توسيع التعاون

الزيارة إلى السعودية تحمل دلالات كثيرة، إذ تعكس مكانة المملكة في حسابات السياسة الخارجية الأميركية، خاصة في ظل سعي ترمب إلى تعزيز الاستثمارات الخارجية داخل الولايات المتحدة، وتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي بين الرياض وواشنطن.

وتجذب الزيارة الرئاسية العديد من كبار رجال الأعمال في «وول ستريت»، و«وادي السيليكون» إلى المملكة، حيث سيشاركون في المنتدى الاستثماري السعودي-الأميركي الذي أُعلن عنه هذا الأسبوع، والمقرر انعقاده في الرياض في اليوم نفسه لوصول ترمب. ومن بين هؤلاء، الرئيس التنفيذي لشركة «بلاك روك»، لاري فينك، والرئيس التنفيذي لشركة «بالانتير»، أليكس كارب، ورؤساء تنفيذيون لشركات كبرى مثل «سيتي غروب»، و«آي بي إم»، و«كوالكوم»، و«ألفابت»، و«فرنكلين تمبلتون»، وغيرهم. كما سيحضر ديفيد ساكس، قيصر الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة في البيت الأبيض.

يذكر هنا أن إدارة ترمب كانت كشفت يوم الأربعاء خطتها لإلغاء «قاعدة انتشار الذكاء الاصطناعي» التي وُضعت في عهد الرئيس السابق جو بايدن، والتي فرضت ضوابط تصدير صارمة على رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، حتى للدول الصديقة للولايات المتحدة.

علاقة اقتصادية متينة

تتمتع السعودية والولايات المتحدة بعلاقات اقتصادية قوية، ومتينة، وتتسم بالتنوع، والعمق، وتشهد نمواً مستمراً على مر السنوات. ففي عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري نحو 32.3 مليار دولار، مرتفعاً من 22.9 مليار دولار في عام 2020.

وتعتبر الولايات المتحدة من أهم الشركاء التجاريين للسعودية، حيث تحتل المرتبة الثانية باعتبارها أكبر مُورد للمملكة، والسادسة باعتبارها أكبر مستقبل لصادراتها، وفق بيانات اتحاد الغرف السعودية.

بينما تشير أرقام مكتب الإحصاء الأميركي إلى أن إجمالي تجارة السلع الأميركية مع المملكة قُدر في عام 2024 بنحو 25.9 مليار دولار. وبلغت صادرات السلع الأميركية 13.2 مليار دولار، ووارداتها 12.7 مليار دولار، مما أسفر عن فائض في تجارة السلع الأميركية قدره 443.3 مليون دولار.

وتتنوع صادرات المملكة إلى السوق الأميركية لتشمل قطاعات حيوية مثل النفط الخام ومشتقاته، والأسمدة، والمنتجات الكيميائية العضوية، والمصنوعات المعدنية، منها الحديد والصلب، إلى جانب المراجل، والآلات، والأدوات الآلية.

في المقابل، تستورد السعودية من الولايات المتحدة منتجات صيدلانية، ومواد كيميائية، وحبوباً، وبذوراً، ونباتات طبية، بالإضافة إلى اللدائن، والمعدات الكهربائية والميكانيكية، ووسائط النقل، والمعدات الجوية والفضائية، والأجهزة الطبية والبصرية، والأسلحة والذخائر.

وبحسب تقرير صادر عن شركة «ماكنزي» لنهاية عام 2023، تصدّرت معدات النقل قائمة واردات السعودية من الولايات المتحدة بقيمة 5.9 مليار دولار، تلتها الأدوات الطبية بـ1.4 مليار دولار، ثم المنتجات الصيدلانية بـ1.3 مليار دولار. في المقابل، كانت موارد الطاقة أبرز صادرات المملكة إلى أميركا بقيمة 14 مليار دولار، تلتها المواد الكيميائية بـ1.7 مليار دولار، والمنتجات المعدنية بـ259 مليون دولار.

العلاقات الاستثمارية

هناك استثمارات متبادلة كبيرة بين البلدين في قطاعات مثل الطاقة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، والعقارات. فاعتباراً من نهاية عام 2023، بلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر للولايات المتحدة في المملكة نحو 57.7 مليار دولار، متصدرةً بذلك قائمة الدول المستثمرة في المملكة بنسبة 23 في المائة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر، وفق بيانات وزارة الاستثمار السعودية. وتتوزع هذه الاستثمارات في قطاعات متنوعة، تشمل الطاقة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، والعقارات.

في المقابل، تمتلك المملكة استثمارات كبيرة في الولايات المتحدة، تشمل سندات الخزانة الأميركية التي بلغت نحو 127 مليار دولار في فبراير (شباط) 2025، وغيرها من الأصول المالية الأميركية.

كما يقوم «صندوق الاستثمارات العامة» باستثمارات ضخمة في قطاعات استراتيجية، مثل التكنولوجيا والابتكار. وبلغت استثماراته في الأسهم الأميركية في نهاية العام 2024 ما قيمته 26.8 مليار دولار وفقاً لتقرير مقدم إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. كما يستثمر الصندوق في شركات أميركية كبرى مثل «لوسيد»، و«أوبر»، و«آرم»، و«باي بال»، و«أمازون». واستثمر في صناعة الألعاب من خلال مجموعة (سافي جيمز)، واستحوذ على شركة «سكوبلي» الأميركية، وفي شركات مثل «ماجيك ليب».

وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قال في وقت سابق إن المملكة لديها «استثمارات تزيد عن 770 مليار دولار في الولايات المتحدة».

ختاماً، ومع استمرار الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الاقتصادية، تبدو الفرص واعدة لتوسيع حجم التبادل التجاري، وتنويع مجالاته، خصوصاً في ظل التقدم الكبير الذي أحرزته الحكومة السعودية في «رؤية 2030» من جهة، ومع توجه الولايات المتحدة إلى ترسيخ شراكات استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى.

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

المستثمرون يقيمون 3 سيناريوهات وسط تصاعد الصراع الإسرائيلي - الإيراني

الاقتصاد متداولون يتابعون حركة الأسهم في «وول ستريت» (رويترز)

المستثمرون يقيمون 3 سيناريوهات وسط تصاعد الصراع الإسرائيلي - الإيراني

يدرس المستثمرون مجموعة من السيناريوهات المختلفة للأسواق في حال دخلت أميركا في الصراع الإسرائيلي الإيراني، مع احتمال حدوث تداعيات مضاعفة إذا ارتفعت أسعار النفط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار صندوق النقد الدولي يظهر خارج مقرّه الرئيس في واشنطن (رويترز)

صندوق النقد الدولي: أوروبا متماسكة اقتصادياً... لكن التحديات تتفاقم

قال صندوق النقد الدولي إن اقتصادات أوروبا لا تزال تُبدي قدراً كبيراً من التماسك، في ظل تسجيل معدلات بطالة منخفضة بشكل غير مسبوق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (رويترز)

«وول ستريت» ترتفع مع استئناف التداول

ارتفعت الأسهم الأميركية بشكل ملحوظ مع عودة التداول بعد عطلة يوم «جونتينث». وفي نيويورك، صعد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.4 في المائة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مشهد جوي سابق لميناء حيفا شمال إسرائيل قبل بدء التوترات العسكرية مع إيران (رويترز)

«جيه بي مورغان»: الحرب تخصم ثلث توقعات النمو الإسرائيلي

خفض بنك «جيه بي مورغان» توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي خلال عام 2025، مستشهداً بتداعيات الحرب الأخيرة مع إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مشاركون في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي يمرون أمام شعاره في إحدى قاعات انعقاده بمدينة سان بطرسبرغ الروسية (إ.ب.أ)

روسيا تبحث خصخصة شركات الطاقة والنقل والتمويل

صرّح وزير المالية الروسي بأن شركات مملوكة للدولة من قطاعات الطاقة والنقل والتمويل ستكون من بين الشركات المرشحة للخصخصة.

«الشرق الأوسط» (سان بطرسبرغ)

ازدياد الخصم على النفط الإيراني للصين مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط

ناقلة النفط «آيس إنرجي» بالعلم الليبيري تحمل النفط الإيراني من ناقلة النفط لانا (بيغاس سابقاً) (أرشيفية - رويترز)
ناقلة النفط «آيس إنرجي» بالعلم الليبيري تحمل النفط الإيراني من ناقلة النفط لانا (بيغاس سابقاً) (أرشيفية - رويترز)
TT

ازدياد الخصم على النفط الإيراني للصين مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط

ناقلة النفط «آيس إنرجي» بالعلم الليبيري تحمل النفط الإيراني من ناقلة النفط لانا (بيغاس سابقاً) (أرشيفية - رويترز)
ناقلة النفط «آيس إنرجي» بالعلم الليبيري تحمل النفط الإيراني من ناقلة النفط لانا (بيغاس سابقاً) (أرشيفية - رويترز)

ذكر متعاملون ومحللون أن بائعي النفط الإيراني إلى الصين يُقدمون هذا الشهر خصماً أكبر، وسط مساعٍ لخفض المخزونات، وفي ظل تقليص شركات التكرير المستقلة الصغيرة عمليات الشراء بسبب قفزة أسعار الخام.

وقال 3 متعاملين، وفقاً لـ«رويترز»، إنه يجري تداول النفط الخام الإيراني الخفيف بخصم يتراوح بين 3.30 و3.50 دولار للبرميل عن سعر خام برنت في بورصة «إنتركونتيننتال» للشحن لشهر يوليو (تموز) المقبل، مقارنة بخصم نحو 2.50 دولار في يونيو (حزيران) الحالي.

والمصافي الصغيرة المستقلة المشتري الرئيسي للخام الإيراني في الصين. وتعاني هذه المصافي من ضغوط في الوقت الراهن بسبب ارتفاع أسعار الخام 10 دولارات للبرميل منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وإيران الأسبوع الماضي.

وأوضح المتعاملون أن مصافي التكرير الصغيرة بمركز التكرير في إقليم شاندونغ تتكبد أكبر خسائرها هذا العام.

وتقدر شركة الاستشارات «سابلايم تشاينا إنفورميشن» متوسط الخسائر، بما يصل إلى 353 يواناً (49.15 دولار) للطن هذا الأسبوع.

وتُشير البيانات إلى أن عمليات التكرير في شاندونغ ظلّت منخفضة عند 51 في المائة من القدرة الإنتاجية حتى 18 يونيو، انخفاضاً من 64 في المائة قبل عام.

وفي الوقت نفسه، تظهر تحليلات شركة «فورتيكسا» أن مخزونات النفط الإيراني، بما في ذلك في مواقع التخزين الصينية وفي الناقلات قرب المواني الصينية وقبالتها بانتظار التفريغ، وفي وحدات التخزين العائمة بالقرب من ماليزيا وسنغافورة، تبلغ 70 مليون برميل.

وتُعادل هذه الكميات شهرين من الطلب على النفط الإيراني من الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني.

وتُشير بيانات شركة «كبلر» لتتبع ناقلات النفط إلى وجود تغيُّر في الكميات يتجاوز 30 مليون برميل هذا العام في المخازن العائمة. وتُقدر كل من «كبلر» و«فورتيكسا» إجمالي النفط الإيراني في المياه، بما في ذلك في وحدات التخزين العائمة، بنحو 120 مليون برميل، وهو أكبر كمية منذ 2023 على أقل تقدير.

وأدَّت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة على 3 من المصافي الصينية المستقلة إلى تقليص عمليات شراء النفط الإيراني من جانب عدد من المصافي متوسطة الحجم، التي تخشى إدراجها على قائمة العقوبات، وفقاً لـ«رويترز».

وقدّر أحد المتعاملين الإمدادات الإيرانية إلى الصين التي جرى استبدال نفط غير خاضع للعقوبات بها، بـ100 ألف برميل يومياً في النصف الأول من عام 2025، وهو قدر بسيط بالنظر إلى أن الإمدادات الإيرانية للصين، التي تتراوح بين 1.4 و1.5 مليون برميل يومياً.

إلى ذلك، ذكرت وزارة الخزانة الأميركية في إشعار على موقعها الإلكتروني، الجمعة، أن إدارة دونالد ترمب أصدرت عقوبات جديدة متعلقة بإيران، شملت كيانين مقرهما في هونغ كونغ، وأخرى متعلقة بمكافحة الإرهاب.

وأفاد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة بأن العقوبات تستهدف ما لا يقل عن 20 كياناً و5 أفراد و3 سفن.

وقال جون إيفانز، المحلل في «بي في إم»: «هناك إمدادات أكثر من كافية على مستوى العالم لعام 2025، ولكن ليس في ظل سيناريو احتجاز 20 مليون (برميل يومياً) في بحار شبه الجزيرة العربية، مهما طال أمد ذلك».

وسبق أن هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة ردّاً على الضغوط الغربية، وأي إغلاق للمضيق قد يُقيد التجارة، ويؤثر على أسعار النفط العالمية.

وقالت شركتان لتتبع السفن لـ«رويترز» يوم الخميس، إن إيران تحافظ على إمدادات النفط الخام من خلال تحميل ناقلات النفط واحدة تلو الأخرى ونقل مخازن النفط العائمة إلى أماكن أقرب إلى الصين، وذلك في إطار سعيها للحفاظ على مصدر دخل رئيسي وسط الصراع الإسرائيلي الإيراني.