صعود العملات الآسيوية يُغري بالتحوّط وإدارة الثروات

وسط مخاوف من الدولار

لافتة «يونايتد أوفرسيز بنك» في سنغافورة (رويترز)
لافتة «يونايتد أوفرسيز بنك» في سنغافورة (رويترز)
TT

صعود العملات الآسيوية يُغري بالتحوّط وإدارة الثروات

لافتة «يونايتد أوفرسيز بنك» في سنغافورة (رويترز)
لافتة «يونايتد أوفرسيز بنك» في سنغافورة (رويترز)

من المتوقع أن يعزز الارتفاع الكبير في أسعار العملات الآسيوية الطلب على منتجات إدارة الثروات والعملات الأجنبية، حيث يبحث العملاء عن بدائل للأصول المقومة بالدولار الأميركي، بينما يتزايد الطلب على التحوط في ظل حالة عدم اليقين المرتبطة بالرسوم الجمركية، وفقاً لمصرفيين ومحللين.

ويعدّ ارتفاع أسعار العملات منذ الأسبوع الماضي، بدءاً من الدولار التايواني وانتشاره إلى عملات الصين وهونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، بمثابة تحذير من تراجع الدولار الأميركي، ويُنظر إليه على أنه «أزمة آسيوية معاكسة»، وفق «رويترز».

وقال تان سو تشان، الرئيس التنفيذي لمجموعة «دي بي إس»، أكبر بنك في سنغافورة، اليوم الخميس: «معظم عملائنا آسيويون، وبالتالي فإن ارتفاع قيمة عملاتهم المحلية يمنحهم قوة شرائية أكبر لمنتجات إدارة الثروات».

وأضاف ليونغ يونغ تشي، الرئيس المالي لمجموعة «يونايتد أوفرسيز بنك»: «قوة الدولار السنغافوري سوف تساعد في جذب (مجموعة من الثروات) إلى مركز إدارة الثروات العالمي الرائد».

وارتفعت قيمة العملة السنغافورية بأكثر من 4 في المائة منذ أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرسوم الجمركية في 2 أبريل (نيسان). وقال ليونغ خلال إحاطة البنك بشأن الأرباح يوم الأربعاء: «نأمل أن نستفيد من ذلك في إدارة ثروات بعض الشركات التي نقدمها لعملائنا من الأفراد».

وتؤكد هذه التوقعات كيف أن السياسات التجارية للرئيس دونالد ترمب تدفع المستثمرين إلى التخلي عن الأصول الأميركية ونقل أموالهم إلى آسيا، وسط تساؤلات متزايدة حول قدرة الدولار الأميركي على الحفاظ على مكانته ملاذاً آمناً.

ومن المتوقع أن يؤدي ضعف الدولار إلى تقليص الطلب على أصول الدخل الثابت الأميركية التي تحظى بشعبية بين عملاء إدارة الثروات في آسيا، الذين قد يصبحون الآن أكثر انفتاحاً على الاستثمار في الأصول المقومة بالعملات المحلية، وفقاً للمحللين.

ومن المتوقع أن يعزز عودة الأصول إلى آسيا جاذبية المنطقة مركزاً عالمياً رائداً للثروة. وبين عامي 2025 و2028، من المتوقع أن تستحوذ آسيا على ما يقرب من نصف إجمالي الأفراد الجدد ذوي الثروات الكبيرة، أي أولئك الذين تزيد أصولهم على 10 ملايين دولار، وفقاً لتقرير الثروة لعام 2025 الصادر عن «نايت فرانك» في مارس (آذار).

وقال مايكل ماكداد، كبير المحللين في «مورنينغستار»، إن تقلبات العملة الآسيوية لم تؤثر بشكل كبير على معنويات المستثمرين حتى الآن. ومع ذلك، على المدى الطويل، قد تؤثر هذه الاتجاهات في العملات على التدفقات المالية، حيث يبتعد المستثمرون عن الأصول الأميركية.

وفي تايوان، كانت الشركات قد خصصت جزءاً كبيراً من الأصول المالية للأسر لمنتجات التأمين على الحياة التي تستثمر بكثافة في الأصول المقومة بالدولار الأميركي. وقد أدى ارتفاع قيمة العملة التايوانية بنسبة 8 في المائة خلال يومين إلى إحداث هزة في هذا القطاع.

وقال ماكداد: «إذا واجهت شركات التأمين على الحياة التايوانية صعوبة في تحقيق عوائد مجزية من استثمارات الدخل الثابت الأميركية، فقد يفتح ذلك الباب أمام البنوك لتقديم حلول بديلة لإدارة الثروات».

وأضاف كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في شركة «جافيكال دراغونوميكس»، أن المصدرين الصينيين جمعوا مبالغ ضخمة في أصول مقومة بالدولار الأميركي، بناءً على توقعات سابقة بتراجع قيمة اليوان. وأضاف: «إذا تغيرت توقعات العملة وتقلصت فجوة أسعار الفائدة، فقد تتدفق أموال ضخمة فجأة إلى الحسابات المصرفية الصينية المقومة باليوان».

وأشار مصرفيون إلى أن التقلب المتزايد في أسواق العملات سيؤدي أيضاً إلى زيادة الطلب على خدمات تداول العملات الأجنبية التي تقدمها البنوك الإقليمية. رغم أن صادرات العملاء المحليين قد تصبح أقل تنافسية بسبب ارتفاع قيمة العملات، فإن ذلك يشكل مصدر قلق.

وقال تشان: «هذه العملات ستشكل رياحاً مواتية ومعاكسة في آن واحد. فالارتفاع في قيمة العملة يؤثر على قدرة الشركات على التصدير، كما سيؤثر على منحنيات تكاليفهم، وبالتالي سيعتمد التأثير على ما إذا كانوا مُصدرين صافين أم مستوردين صافين».

وفي اليابان، قد تستفيد البنوك من توجه عملاء الشركات نحو أدوات تحوّط تتجاوز الأدوات المعتادة للحد من مخاطر تقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية.

وقال نورياكي ماسودا، نائب مدير قسم المعاملات المصرفية في بنك «ميتسوبيشي يو إف جيه»، إن الشركات اليابانية عادةً ما تلجأ إلى استراتيجيات التحوط البسيطة مثل بيع الدولار وشراء الين، إلا أن الوضع الحالي يضغطها للنظر في مشتقات مالية أخرى بسبب تداعيات الرسوم الجمركية. وأضاف ماسودا أن ربحية الشركات ستتأثر بشكل كبير جراء تقلبات أسعار الصرف، وقد تضطر بعض الشركات إلى إعادة هيكلة توزيع أعمالها أو رفع الأسعار.


مقالات ذات صلة

إجراءات تركية لمنع غسل الأموال في العملات المشفرة

الاقتصاد مواطن يغيِّر عملات من مكتب صرافة في أنقرة (د.ب.أ)

إجراءات تركية لمنع غسل الأموال في العملات المشفرة

صرّح وزير المالية التركي محمد شيمشك، بأن تركيا تتخذ خطوات لمنع غسل الأموال من عائدات جرائم المراهنات غير القانونية والاحتيال، في معاملات العملات المشفرة.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
الاقتصاد أوراق نقدية من اليورو والدولار في صورة توضيحية (رويترز)

تحوّل استراتيجي في احتياطيات البنوك المركزية العالمية بعيداً عن الدولار

يترقب القائمون على احتياطيات البنوك المركزية العالمية، التي تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات، تحولاً من الدولار نحو الذهب واليورو واليوان الصيني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداول أمام شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بنك هانا في سيول (إ.ب.أ)

الأسواق الآسيوية ترتفع بعد إعلان ترمب وقف إطلاق النار

ارتفعت الأسواق الآسيوية يوم الثلاثاء عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن اتفاق لوقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وإيران، رغم أن الوضع لا يزال غامضاً.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
الاقتصاد رجل يمرّ أمام لوحة تعرض بيانات السوق في بورصة تل أبيب (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع أسهم تل أبيب والشيقل بعد وقف إطلاق النار مع إيران

استهلّت بورصة تل أبيب تعاملات الثلاثاء على ارتفاع ملحوظ، في حين سجّل الشيقل الإسرائيلي أعلى مستوياته في أكثر من عامَيْن أمام الدولار الأميركي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (د.ب.أ)

الدولار يتراجع بعد إعلان ترمب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران

تراجع الدولار الأميركي يوم الثلاثاء بينما ارتفع الدولاران الأسترالي والنيوزيلندي بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

تراجع الدولار والذهب... هل تتجاوز مصر تداعيات الضربات الإسرائيلية - الإيرانية؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمود عصمت الثلاثاء بمدينة العلمين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمود عصمت الثلاثاء بمدينة العلمين (الرئاسة المصرية)
TT

تراجع الدولار والذهب... هل تتجاوز مصر تداعيات الضربات الإسرائيلية - الإيرانية؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمود عصمت الثلاثاء بمدينة العلمين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمود عصمت الثلاثاء بمدينة العلمين (الرئاسة المصرية)

مع دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ، شهدت الأسواق المصرية تحسناً ملموساً عَكَسه تراجع في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وانخفاض في أسعار الذهب، ما أثار تساؤلات بشأن إمكانية تجاوز القاهرة تداعيات حرب الـ12 يوماً، وتعزيز الآمال بقرب عودة الملاحة بقناة السويس لطبيعتها، وانتظام واردات البلاد من الغاز.

وتراجع سعر الدولار أمام الجنيه في البنوك، الثلاثاء، بنحو 60 قرشاً، ليصل سعر صرف الدولار إلى 50.1 جنيه في البنك المركزي. كما شهد سعر الذهب استقراراً نسبياً، الثلاثاء، بعد تراجعات سجلها، مساء الاثنين، بلغت نحو 25 جنيهاً في سعر الغرام، حسب ما نقلته وسائل إعلام محلية.

كانت الضربات الإسرائيلية - الإيرانية قد أحدثت ارتباكاً في الأسواق المصرية، عَكَسه تراجع في مؤشرات البورصة، وعدم انتظام واردات الغاز، ما كان يثير مخاوف بأزمة كهرباء.

وكثفت الحكومة المصرية خلال الأيام الأخيرة جهودها لتلافي تداعيات نقص واردات الغاز على الكهرباء.

وعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعاً، الثلاثاء، مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمود عصمت، تناول جهود «رفع جودة وكفاءة الطاقة وترشيدها والتشغيل الاقتصادي لمحطات الكهرباء بما يحقق وفراً في الوقود، وكذا جهود تحسين الشبكة القومية للكهرباء عن طريق مشروعات الربط الكهربائي، ومحاولات تلبية الاحتياجات من الغاز والوقود لتشغيل محطات الكهرباء»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الرئاسة.

وأكد السيسي «ضرورة تكثيف الجهود الحكومية لجذب الاستثمارات لقطاع الطاقة المتجددة، والعمل على استدامة الإمدادات لشبكة الكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية»، وفق الإفادة.

وكانت وزارة البترول المصرية قد فعَّلت في بداية التصعيد خطة طوارئ، «نظراً للأعمال العسكرية التي نشبت بالمنطقة، وتوقف إمدادات الغاز من الشرق (الغاز الإسرائيلي)»، وشملت الخطة «إيقاف إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية»، بحسب إفادة رسمية وقتها.

«رسالة طمأنينة»

أبدى الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة، تفاؤلاً بانعكاسات اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران على الأسواق. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اتفاق وقف إطلاق النار بعث رسالة طمأنينة إلى الأسواق انعكست على حركة التداولات وأسعار النفط والذهب وسعر الصرف».

وأضاف: «الأسواق استجابت سريعاً واستقرت»، مشيراً إلى أن هذا الاستقرار، حال استمرّ وقف إطلاق النار، سيساعد مصر على تجاوز تداعيات التصعيد الأخير. وأعرب عن أمله أن «يسهم الاستقرار في تشجيع الاستثمار وعودة حركة الملاحة في قناة السويس إلى طبيعتها والتي تأثرت سلباً بحرب غزة».

سفينة حاويات في أثناء عبورها بقناة السويس (هيئة قناة السويس)

وبلغت خسائر قناة السويس بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر وهجمات «الحوثيين» على السفن المارة بمضيق باب المندب، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، نحو 7 مليارات دولار، العام الماضي.

وفي الآونة الأخيرة، تحدثت هيئة قناة السويس عن عودة تدريجية للملاحة بالقناة، تزامناً مع تقديم «حوافز» لتشجيع سفن الحاويات العملاقة على المرور بالقناة.

وقال الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، في إفادة رسمية، مساء الجمعة الماضي، إن «عودة سفن الحاويات العملاقة للعبور من قناة السويس يعد أمراً حتمياً نظراً لما تتمتع به القناة من مزايا تنافسية عديدة تجعلها الممر الملاحي الأقصر والأسرع والأكثر أماناً واستدامة».

وأكدت خبيرة الاقتصاد، شيماء سراج عمارة، أن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني كانت له تأثيرات آنية على الاقتصاد العالمي، ما انعكس على مصر في ارتفاع أسعار الدولار وتزايد المخاوف من تأثر الملاحة في قناة السويس.

وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عن وقف إطلاق النار بدأت المؤشرات التصاعدية لأسعار الوقود والذهب تتراجع، «ما غيَّر دفة الاقتصاد العالمي الذي كان يتجه وبقوة نحو المزيد من الموجات التضخمية».

وأضافت: «الاقتصاد المصري جزء من المنظومة العالمية، وحتماً سينعكس تحسن المؤشرات العالمية على قدراته، لترتفع معدلات التنمية الاقتصادية، ويتم السيطرة بصورة أفضل على أسعار النقد الأجنبي»، مشيرة إلى أن «استقرار المنطقة يدفع نحو عودة الملاحة في قناة السويس لطبيعتها، ويزيد من تدفقات النقد الأجنبي».

وكان رئيس الوزراء المصري قد حذر في أبريل (نيسان) الماضي من «احتمالية حدوث موجة تضخم وركود اقتصادي عالمي خلال الفترة المقبلة في ظل المشهد الإقليمي المضطرب».