يشهد قطاع عقارات التجزئة في السعودية مؤشرات نمو قوية للسنوات القادمة، مدفوعاً بـ«رؤية 2030» التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد، والتحول إلى مركز سياحي وترفيهي عالمي. حيث توقّعت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» أن يحقق القطاع ازدهاراً خلال الفترة ما بين 2025 و2026، بفضل التوسع في المشاريع الضخمة، وزيادة تدفقات السياح، وتنامي حضور العلامات التجارية العالمية في السوق المحلية.
وأفادت وكالة التصنيف الائتماني في تقرير حديث اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، بأن كبرى المدن السعودية، مثل الرياض وجدة، تتجه نحو طفرة في تطوير المشاريع متعددة الاستخدامات، والتي تدمج بين أنشطة البيع بالتجزئة والترفيه والضيافة والسكن.
وتأتي هذه المشاريع في وقت تشهد فيه السوق المحلية تحولات ديموغرافية واجتماعية، حيث يشكل الشباب النسبة الكبرى من السكان، وتزداد معدلات الإنفاق على أنماط الحياة العصرية، مما يخلق طلباً متزايداً على تجارب تسوق حديثة ومتكاملة.
وفي ظل تجاوز عدد السياح في عام 2023 حاجز 100 مليون زائر، ورفع المملكة هدفها إلى 150 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030، يُنتظر أن يشهد قطاع التجزئة دفعة إضافية من حيث المبيعات والفرص الاستثمارية.
وتؤدي فعاليات موسمية كبرى، مثل «موسم الرياض» و«موسم جدة»، إضافةً إلى التوسع في السياحة الدينية، إلى تعزيز الطلب على المساحات التجارية في مختلف أنحاء السعودية.
ومع ذلك، لا تخلو التوقعات من التحديات، حيث تواجه السوق ضغوطاً متزايدة ناتجة عن تغيّر سلوك المستهلك، وازدياد الاعتماد على التجارة الإلكترونية، ومخاطر فائض المعروض.
فقد أفاد تقرير صادر عن «نايت فرانك» بأن حجم المشاريع التجارية قيد التطوير يصل إلى 7.4 مليون متر مربع حتى عام 2030، مما يثير مخاوف من احتمالية تراجع أسعار الإيجارات، خصوصاً في المناطق الثانوية.
ومن المتوقع أن يلجأ المالكون إلى تقديم حوافز مرنة، مثل خصومات الإيجار أو نماذج تقاسم الإيرادات، للحفاظ على معدلات الإشغال، بينما تواصل المواقع المركزية في الرياض وجدة جذب المستأجرين بسبب ارتفاع الطلب، حسب التقرير.
في المقابل، تسعى شركات رائدة مثل «سينومي سنترز» إلى التوسع بشكل كبير، حيث تعمل على ستة مشاريع جديدة من بينها «جوهرة الرياض» و«جوهرة جدة»، مع خطط لزيادة المساحات القابلة للتأجير بنسبة 44 في المائة بحلول عام 2027. ورغم التحديات، تُبدي الشركة مؤشرات تحسّن في الأرباح بدءاً من عام 2025، بدعم من استراتيجيات ضبط النفقات والتحسينات التشغيلية.
يأتي هذا في وقت تستمر فيه أسعار النفط في التقلب، وهو ما قد يؤثر بشكل غير مباشر على أداء القطاع نتيجة لتراجع الإنفاق الحكومي، وضعف معنويات المستهلكين، في حال انخفاض الإيرادات النفطية. كذلك، تُعد التوترات الجيوسياسية والبيئة الاقتصادية العالمية المضطربة من العوامل المؤثرة التي قد تحدّ من وتيرة النمو، وفق الوكالة.
ورغم هذه التحديات، بيّن التقرير أن السوق السعودية تتمتع بإمكانات كبيرة للنمو في قطاع التجزئة، شرط أن يجري التخطيط بشكل استراتيجي يتماشى مع التطورات الرقمية وسلوك المستهلك الجديد. وتُعدّ نماذج البيع بالتجزئة التجريبية، وتبني استراتيجيات متعددة القنوات، والتوجه نحو المساحات متعددة الاستخدامات، من أبرز عوامل النجاح في المرحلة القادمة.