سيناريوهات متباينة بين الكساد واستمرار التقلب وسط تفاؤل بالتوصل إلى صفقات

في ظل فوضى أسواق المال بسبب حرب الرسوم بين أميركا والصين

متداول في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداول في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
TT
20

سيناريوهات متباينة بين الكساد واستمرار التقلب وسط تفاؤل بالتوصل إلى صفقات

متداول في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداول في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

في ظل التقلبات الحادة التي تشهدها أسواق الأسهم، وموجة البيع الحادة في سوق سندات الخزانة الأميركية، بات سيناريو الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة هو الأعلى احتمالاً، وفقاً للرئيس التنفيذي لبنك «جي بي مورغان تشيس»، جيمي ديمون، الذي أشار في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز بزنس»، صباح الأربعاء، إلى أن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة يبدو مرجَّحاً نتيجة للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب والحرب التجارية الناجمة عنها.

وقد شهدت الأسواق الأميركية والعالمية حالة من الفوضى يوم الأربعاء، عقب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترمب على الصين بنسبة 104 في المائة والتي دخلت حيّز التنفيذ منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء، ورد الصين الانتقامي بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من الولايات المتحدة بنسبة 84 في المائة بدلاً من 34 في المائة، مما أدى إلى تقلبات كبيرة في الأسواق، ومخاوف اقتصادية من الدخول في حرب تجارية تزداد اشتعالاً بين أكبر اقتصادين في العالم وتُلقي بآثارها السلبية على الاقتصاديات في جميع أنحاء العالم.

وشهدت أسواق سندات الخزانة الأميركية عمليات بيع واسعة أضافت إلى المخاوف من أن تفقد مكانتها ملاذاً آمناً تقليدياً حينما تكون الأسواق غير مستقرة، كما انخفض الدولار الأميركي الذي يعد ملاذاً آمناً تقليدياً، مقابل سلة من العملات الرئيسية بما في ذلك الين الياباني.

وشهدت شركات الأدوية العملاقة موجات تراجع كبيرة بعد تلميحات ترمب إلى إمكانية فرض رسوم جمركية على الأدوية المستوردة.

يعمل متداول عند جرس افتتاح بورصة نيويورك للأوراق المالية في نيويورك (إ.ب.أ)
يعمل متداول عند جرس افتتاح بورصة نيويورك للأوراق المالية في نيويورك (إ.ب.أ)

هل نقترب من أزمة مالية؟

قال المحللون إن عمليات البيع المكثفة في الأسواق تعيد إلى الذاكرة الأزمات المالية السابقة مثل الانهيار المالي في عام 2008، وجائحة «كوفيد - 19» في عام 2020، نظراً إلى الهشاشة الحالية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي والقطاع الخاص الأميركي. وقال بعض المحللين إن استمرار عمليات البيع غير المنظمة يزيد من احتمالات التدخل الطارئ من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي.

ونشر جورج سارافيلوس، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي العالمية في «دويتشه بنك» مذكرةً قال فيها: «إذا استمر الاضطراب الأخير في سوق سندات الخزانة الأميركية، فإننا لا نرى خياراً آخر أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي سوى التدخل بعمليات شراء طارئة لسندات الخزانة الأميركية لتحقيق الاستقرار في سوق السندات».

وأضاف المحللون أن حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تؤدي إلى رفع كبير للأسعار عبر سلاسل التوريد المرتبطة بالصين في كثير من الصناعات، وإلى حالة من الشلل للشركات الأميركية التي تفتخر بمنتجات «صُنع في أميركا» مع ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد الأميركية.

وأدى قلق المستثمرين بشأن الرسوم الجمركية إلى ارتفاع مؤشر الخوف في «وول ستريت» إلى مستويات عالية، ومخاوف من الدخول إلى ركود اقتصادي، وتساؤلات حول وضع الدولار في ظل نظام الرسوم الجمركي الجديدة الذي فرضته الولايات المتحدة.

سيناريوهات متوقعة

سيناريو الركود الاقتصادي هو الأعلى احتمالاً، وفق الرئيس التنفيذي لبنك «جي بي مورغان تشيس»، جيمي ديمون، الذي أشار في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز بزنس» صباح الأربعاء، إلى أن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة يبدو مرجحاً نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب والحرب التجارية الناجمة عنها. وقال: «أعتقد على الأرجح أن هذه نتيجة محتملة، لأن الأسواق عندما ترى انخفاضاً بمقدار 2000 نقطة (في مؤشر داو جونز الصناعي)، فإنها تتغذى على نفسها».

وقال ديمون إن عمليات البيع في السوق ستؤدي إلى مزيد من الأضرار بثقة المستهلكين، مما يؤدي إلى انخفاض الإنفاق والاستثمار. وأشار إلى حالة عدم الاستقرار مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مما يثير حالة الذعر على نطاق واسع في الأسواق.

النظرة المتشائمة نفسها عبَّر عنها وزير الخزانة الأميركي السابق لورانس سامرز، في منشور على موقع «إكس» صباح الأربعاء، إذ قال فيه إن الجمع بين هبوط الأسهم وبيع السندات الحكومية يثير احتمال حدوث أزمة مالية كاملة. وكتب أن «أسعار الفائدة طويلة الأجل تزداد بشكل كبير، حتى مع تحرك سوق الأسهم بشكل حاد نحو الانخفاض». يشير هذا النمط غير المعتاد إلى نفور عام من الأصول الأمريكية في الأسواق المالية العالمية. وأضاف أن «تُعاملنا مع الأسواق المالية العالمية على أنها سوق ناشئة مُشكلة».

متداول يعمل عند جرس افتتاح بورصة نيويورك للأوراق المالية في نيويورك (إ.ب.أ)
متداول يعمل عند جرس افتتاح بورصة نيويورك للأوراق المالية في نيويورك (إ.ب.أ)

سيناريو متفائل

ومع هذه المخاوف المتزايدة، يتمسك بعض الخبراء والمستثمرين بالأمل أن تُجري إدارة ترمب محادثات تجارية يمكن أن تؤدي إلى خفض الرسوم الجمركية.

ويواصل البيت الأبيض التمسك بموقفه والإصرار على أن الباب مفتوح على مصراعيه لإجراء مفاوضات تجارية جديدة. وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، للصحافيين، يوم الثلاثاء، إن هناك أكثر من 70 دولة تريد التفاوض مع إدارة الرئيس ترمب لخفض هذه الرسوم الجمركية.

وأشارت إلى وفود يابانية وكورية جنوبية في طريقها إلى البيت الأبيض، إضافةً إلى زيارة لرئيسة الوزراء الإيطالية لواشنطن الأسبوع المقبل. وأوضحت مصادر في البيت الأبيض أن هناك اتصالات متواصلة مع الدبلوماسيين الأميركيين في الخارج لمناقشة أفكار منها إجراءات لتامين إطلاق سراح أميركيين محتجزين ظلماً في دول أجنبية، وأفكار تتعلق بضخ استثمارات في شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية أو شراء مزيد من الطاقة الأميركية.

وقال ترمب لمجموعة من الجمهوريين، مساء الثلاثاء قبل ساعات من سريان الرسوم الجمركية ضد الصين: «الدول تتصل بي أنهم يتوقون للتوصل إلى اتفاق، ويزحفون إلى هنا هرباً من الرسوم الجمركية الجديدة ويقولون: أرجوكم سيدي الرئيس اعقدوا صفقة معنا، سنفعل أي شيء تريده». وأضاف بثقة كبيرة: «أنا أعلم تماماً ما أفعله».

وفي منشور على موقع «تروث سوشيال»، صباح الأربعاء، حثَّ ترمب الشركات على نقل عملياتها إلى الولايات المتحدة، وقال: «هذا هو الوقت الأمثل لنقل شركتك إلى الولايات المتحدة، كما تفعل شركة (أبل)، وغيرها الكثير، بأعداد قياسية. من دون رسوم جمركية، وتوصيلات كهربائية/طاقية فورية تقريباً، والحصول على الموافقات اللازمة. لا تأخير. لا تنتظر، افعلها الآن!».

من جانبه، قدم وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، يوم الأربعاء، تقييماً وردياً لصحة الاقتصاد الأميركي، في حين أقر بوجود «قليل من عدم اليقين». وقال في كلمة ألقاها أمام جمعية المصرفيين الأميركيين في واشنطن: «بشكل عام، الشركات التي تحدثتُ معها... أخبرتني أن الاقتصاد قوي للغاية». ووصف بيسنت الصين بأنها «أكبر مجرم» في النظام التجاري العالمي، وقال إن الإدارة الأميركية ربما تتمكن من التوصل إلى اتفاقيات بشأن الرسوم الجمركية مع حلفاء الولايات المتحدة ثم «التعامل مع الصين على أنها مجموعة».

وفي رسالة إلكترونية إلى «الشرق الأوسط»، قالت كارول سليف، المحللة الاستراتيجية في شركة «بي إم أو» للثروات الخاصة: «الأسواق تشير إلى أن هناك مشترين ينتظرون على أهبة الاستعداد للحصول على أي إشارة بسيطة بناءة أن إدارة ترمب ستتحرك لخفض هذه الرسوم الجمركية والتفاوض مع الدول».

سيناريو التقلبات

وتوقعت شبكة «سي إن بي سي نيوز» تأثيرات سلبية تستمر من سيئ إلى أسوأ. وقال جون فورت مقدم برنامج «جرس الإغلاق»: «الكثيرون يأملون في القضاء على حالة عدم اليقين لكن ما يحدث يؤدي إلى مزيد من عدم اليقين في الأسواق».

وقالت أولو سونولا، رئيسة قسم الأبحاث الاقتصادية في وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني: «وضع الحرب التجارية الحالي بين الولايات المتحدة والصين يشير إلى أن الركود الاقتصادي هو السيناريو المحتمل، لكن انتعاش الأسواق يوم الثلاثاء بعد تصريحات المسؤولين في الإدارة الأميركية برغبة ترمب في عقد صفقات تجارية مع الدول أدت إلى هذا الانتعاش ثم تراجعت الأسهم مرة أخرى، لذا يبدو من الحماقة أن نحاول التنبؤ بما يحدث في السوق ساعةً بساعة، وما يمكنني قوله هو سيناريو التقلبات، لأن كل دقيقة الآن تحمل أخباراً عاجلة تتفاعل معها الأسواق، إنها مسألة وقت، فالنتيجة النهائية ستكون خفض التعريفات الجمركية، لكن السؤال هو: متى سيحدث ذلك؟ وهل نتحدث عن أيام أم أسابيع؟».

وأشارت سونولا إلى أن كثيراً من المدخلات في الصناعات الأميركية تأتي من الصين، وهذا يمكن أن يؤدي إلى إبطاء التصنيع في الولايات المتحدة، وهناك شكوك في أن يؤدي ذلك إلى فقدان الوظائف على المدى الطويل، ولذا ا تظل حالة عدم اليقين موجودة، لأن الرهان هو على حسابات الأمد القريب في مقابل الأمد البعيد. وقالت: «لنفترض أن شركاءنا التجاريين الرئيسيين الآخرين عقدوا صفقات أكثر ملاءمة، أو أن الولايات المتحدة خفضت معدلات الرسوم الجمركية عليهم، ولكننا لا نزال في حرب تجارية خطيرة مع الصين، وهذا يثير تساؤلات أخرى، فإلى أي مدى يمكن أن يؤثر ذلك وحده على التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة في الأمد المتوسط؟ إنه سلبي بلا شك. ولكي نستطيع تحديد ذلك، يتعين علينا أن نرى كيف يسير بعض الأمور».


مقالات ذات صلة

ارتفاع طفيف في تكاليف العمالة الأميركية

الاقتصاد عامل بناء يثبت لوح تغليف على سقف منزل سكني في إيرفاين بكاليفورنيا (رويترز)

ارتفاع طفيف في تكاليف العمالة الأميركية

ارتفعت تكاليف العمالة في الولايات المتحدة بشكل طفيف خلال الربع الأول من العام الحالي، في ظل حالة من عدم اليقين الاقتصادي الناتجة عن الرسوم الجمركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث في غرفة روزفلت بالبيت الأبيض (أ.ف.ب)

ترمب: انكماش الاقتصاد الأميركي لا علاقة له بالرسوم الجمركية

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الأربعاء إن انكماش الاقتصاد الأميركي لا علاقة له بحروب الرسوم الجمركية، وتوقع ازدهار الاقتصاد مع بدء تطبيق الرسوم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أشخاص يقفون في طابور خارج مركز توظيف بلويفيل في كنتاكي (رويترز)

تباطؤ حاد في نمو وظائف القطاع الخاص الأميركي خلال أبريل

تباطأ نمو الوظائف في القطاع الخاص الأميركي بأكثر من المتوقع خلال أبريل، حسب تقرير التوظيف الوطني الصادر عن مؤسسة «إيه دي بي» يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أفق مدينة مانهاتن (رويترز)

انكماش الاقتصاد الأميركي بسبب سياسات ترمب

انكمش الاقتصاد الأميركي في الربع الأول، متأثراً بتدفق هائل من السلع المستوردة من قبل الشركات التي كانت حريصة على تجنب التكاليف المرتفعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة إعلانية للتوظيف في واجهة متجر في أرلينغتون بولاية فيرجينيا (رويترز)

تراجع حاد في فرص العمل الأميركية خلال مارس

تراجعت فرص العمل في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال مارس، إلا أن انخفاض معدلات التسريح يُشير إلى استمرار متانة سوق العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السعودية تدفع ملّاك الأراضي البيضاء إلى إحياء العقارات وزيادة المعروض

أحد مشاريع الإسكان في السعودية (الشرق الأوسط)
أحد مشاريع الإسكان في السعودية (الشرق الأوسط)
TT
20

السعودية تدفع ملّاك الأراضي البيضاء إلى إحياء العقارات وزيادة المعروض

أحد مشاريع الإسكان في السعودية (الشرق الأوسط)
أحد مشاريع الإسكان في السعودية (الشرق الأوسط)

وصف مختصون عقاريون قرار مجلس الوزراء السعودي، تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء، بالنقلة النوعية في موازنة العرض والطلب العقاري، ومن شأنه الإسهام في تغيير سلوك المستثمرين والملّاك في السوق ودفعهم لتطوير عقاراتهم وخلق معروض كبير من الوحدات السكنية وانتعاش مشاريع التطوير العقاري، ودعم الجهود الحكومية في تسريع التنمية الحضرية وتوفير حلول سكنية متنوعة. وتوقعوا أن تبدأ تأثيرات التعديل في الظهور بالسوق العقارية مع بداية الربع الثالث من 2025، وأن يصل تأثيرها الأكبر مع دخول عدد أعلى من العقارات في دائرة الرسوم خلال النصف الأول من 2026.

وكان مجلس الوزراء السعودي، وافق يوم الثلاثاء، على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء، وسبقه توجيه ولي العهد باتخاذ إجراءات عاجلة في مارس (آذار) الماضي خلال 60 يوماً لمعالجة أزمة الأراضي البيضاء، بهدف زيادة المعروض من الأراضي وكبح جماح الأسعار، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتوفير أراض سكنية بأسعار مناسبة.

ويتضمّن تعديل لائحة رسوم الأراضي البيضاء تحديد 3 مراحل تنفيذية، تشمل الأولى الأراضي غير المطورة بمساحة 10 آلاف متر مربع فأكثر، والواقعة ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة، والمرحلة الثانية الأراضي المطورة التي تبلغ مساحتها 10 آلاف متر مربع فأكثر، والأراضي المطورة لمالك واحد التي تبلغ مساحاتها 10 آلاف متر مربع فأكثر في مخطط واحد ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة، والمرحلة الثالثة الأرض المطورة التي تبلغ مساحتها 5 آلاف متر مربع فأكثر، ومجموع الأراضي المطورة لمالك واحد التي تبلغ مساحاتها 10 آلاف متر مربع فأكثر في مدينة واحدة ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة.

وتضمّنت التعديلات إمكانية تطبيق أكثر من مرحلة في مدينة واحدة، بالإضافة إلى قيام الوزارة بإجراء ومراجعة دورية للوضع في أي مدينة لتقرير تطبيق الرسوم على الأراضي فيها، أو تعليق التطبيق أو تطبيق مرحلة أو أكثر لتجاوز مرحلة معينة والانتقال للمرحلة التالية في المدينة ذاتها.

يُذكر أن برنامج «الأراضي البيضاء» يُطبّق في مرحلته الأولى في كل من الرياض وجدة وحاضرة الدمام ومكة المكرمة، ويبلغ إجمالي أوامر السداد في المدن الأربع نحو 5500 أمر سداد لمساحة إجمالية تتجاوز 411 مليون متر مربع، كما أعلن البرنامج مؤخراً توسّعه في عدد من المدن، منها المدينة المنورة وحاضرة عسير وجازان والطائف وتبوك وغيرها.

تطوير الأراضي

وفي تعليق على القرار، قال المستشار والخبير العقاري العبودي بن عبد الله خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن القرار نقلة في موازنة العرض للطلب العقاري، مشيراً إلى أن أبرز ما يميزه هو انتقال النظام من كونه رسوماً ثابتة ومحدودة التأثير وبنسبة 2.5 في المائة إلى أداة تحفيزية وضاغطة أكثر فاعلية مع إمكانية رفع النسبة حتى 10 في المائة، وفقاً لحالة التطوير والاستغلال، وكذلك انضمام العقارات الشاغرة لاستحقاق الرسوم، وتوحيد مراحل الرسوم بما يمنح النظام بعداً أوسع وأشمل في معالجة احتجاز الأصول داخل المدن، بالإضافة إلى ذلك توسيع نطاق الاستخدامات لتشمل جميع الأراضي القابلة للتطوير داخل النطاق العمراني.

ويرى الخبير العقاري أن هذه التعديلات ستسهم في معالجة عدة تحديات، من أبرزها: الاحتكار وتعطيل التنمية الحضرية من خلال احتفاظ البعض بالأراضي والعقارات الشاغرة لعدة سنوات دون تطوير، والارتفاع غير المبرر في أسعار الأراضي نتيجة قلة المعروض المطور، والحد من التشوهات العمرانية الناجمة عن وجود أراضٍ فضاء وسط أحياء مكتملة داخل المدن، وتباطؤ المشاريع السكنية والتجارية بسبب ضعف تحفيز التفعيل العمراني للأراضي.

وأضاف أن التعديلات ستدفع السوق العقارية نحو الزيادة الملحوظة في معروض الأراضي والمشاريع المطورة خلال الفترات المقبلة، وتسهم في الانخفاض التدريجي في أسعار بعض الأراضي البيضاء خاصة داخل المدن الكبرى، وتحفيز المطورين على البناء الفعلي بدلاً من الاحتفاظ السلبي، وكذلك دعم جهود الدولة في تسريع التنمية الحضرية وتوفير حلول سكنية متنوعة، وتعزيز العدالة في استخدام الموارد العقارية بما يخدم الاقتصاد والمجتمع.

ويتوقع الخبير العقاري أن تبدأ الآثار الأولية لتعديلات القرار بالظهور خلال الربع الثالث من عام 2025 خاصة مع انتهاء مهلة التسجيل البالغة 90 يوماً للأراضي البيضاء ومرور عام على العقارات الشاغرة، إلا أن الأثر الأكبر للقرار على الأسعار والمعروض العقاري قد يظهر بشكل أوضح خلال النصف الأول من 2026 تزامناً مع دخول عدد أكبر من العقارات في دائرة التطبيق الفعلي للرسوم.

تغيير سلوك المستثمرين

من جهته، أوضح الرئيس التنفيذي لشركة «منصات» العقارية خالد المبيض، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الارتفاع الحالي في أسعار العقارات لا يصب في مصلحة أحد سواء للمطورين العقاريين أو المستفيدين النهائيين أو الاقتصاد، بالإضافة إلى ضرره على المستوى الطويل على الاقتصاد والسوق العقارية، لافتاً إلى أن تعديلات نظام رسوم الأراضي البيضاء تعد إيجابية للسوق العقارية، وتأتي في توقيت ممتاز جداً ومناسب لمعالجة التحديات التي تشهدها السوق.

ويرى المبيض أن الهدف الرئيس من تعديلات رسوم الأراضي البيضاء، هو تغيير سلوك المستثمرين في السوق العقارية عبر تحويل أموالهم من تملك أراضي بيضاء لحفظ ثرواتهم إلى دفعهم من خلال تعديلات القرار إلى تطوير هذه الممتلكات وخلق معروض كبير من الوحدات السكنية في السوق العقارية.

وواصل أن القرار سوف ينعش مشاريع التطوير، والتي سوف تشغل معها نحو 150 قطاعاً اقتصادياً، تتحرك بالتوازي مع القطاع العقاري، وهو أمر إيجابي للمنظومة الاقتصادية في المدن المشمولة بنظام رسوم الأراضي البيضاء.

وأكمل المبيض أن التعديلات تضمنت إضافة العقارات الشاغرة، وفرض رسوم جديدة عليها لم تكن موجودة سابقاً في النظام، ويعد ذلك أمراً مهماً جداً، ويخلق حافزاً لملاك الوحدات السكنية التجارية والمطورين العقاريين، بالمحافظة على مستأجر الوحدة السكنية، والحرص على بقائه لعدم شغور العقار، ودخوله ضمن فرض الرسوم، وبالتالي الحد من الممارسات السابقة في ارتفاع أسعار الإيجارات وعدم الاكتراث بالقدرة المادية للمستأجر، كما كان يحدث في السابق.