رسوم ترمب الجمركية تهدد بتسليم صناعة السيارات الكهربائية للصين

كما خسرت خلال «العصر الذهبي» المنافسة في صناعة محركات الاحتراق الداخلي

سيارات كهربائية قيد الإنتاج بمصنع لشركة «نيو» الصينية في هيفاي بمقاطعة آنهوي الصينية (رويترز)
سيارات كهربائية قيد الإنتاج بمصنع لشركة «نيو» الصينية في هيفاي بمقاطعة آنهوي الصينية (رويترز)
TT
20

رسوم ترمب الجمركية تهدد بتسليم صناعة السيارات الكهربائية للصين

سيارات كهربائية قيد الإنتاج بمصنع لشركة «نيو» الصينية في هيفاي بمقاطعة آنهوي الصينية (رويترز)
سيارات كهربائية قيد الإنتاج بمصنع لشركة «نيو» الصينية في هيفاي بمقاطعة آنهوي الصينية (رويترز)

مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، اليوم عن نهاية «عصر المستعمرات» والاحتفال بـ«يوم تحرير الاقتصاد» الأميركي، تتجه الأنظار لمتابعة التداعيات المتوقعة على واحدة من أبرز الصناعات الأميركية؛ ألا وهي صناعة السيارات. بيد أن تلك التداعيات لا تتعلق فقط بقطاع السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري؛ بل تطول أيضاً وخصوصاً مستقبل صناعة السيارات الكهربائية، التي يتعزز الطلب العالمي عليها نتيجة تغير المناخ، مع تصدر الصين هذا القطاع.

إنهاء «عصر الاستعمار»

المستشار التجاري لترمب، بيتر نافارو، يؤكد على أن «الغش» من جانب كبار مصنعي السيارات في العالم؛ اليابان وألمانيا، ودول أخرى، نجح في «تحويلنا إلى مستعمرات» لصناعتهم. وفيما يقتنع الرئيس الأميركي بأن «العصر الذهبي» يمكن استرجاعه عبر العودة إلى سياسة فرض الرسوم الجمركية لحماية الصناعة المحلية، والحصول على أجور أعلى، وتأمين ملايين الوظائف، واستعادة قاعدة تصنيع قوية لمواجهة المنافسين، فإن أبحاثاً عدة تشير إلى أن العودة إلى هذا العصر ليست فقط غير ممكنة؛ بل وتاريخياً لعبت دوراً ضئيلاً في نهوض الاقتصاد الأميركي.

فسياسة الحمائية، عبر فرض الرسوم الجمركية، أظهرت في السابق أنها لم تساهم في تحويل الولايات المتحدة إلى مُصنّع قادر على المنافسة عالمياً. وتشير الدراسات على وجه الخصوص إلى أن الرسوم الجمركية لم تُقدّم أي فائدة لصناعة السيارات الأميركية الناشئة في منتصف القرن الماضي، بل كان لها تأثير سلبي على إنتاجية العمل، ومتوسط ​​حجم المنشآت، والناتج الإجمالي، والقيمة المضافة، وعدد المنشآت، والتوظيف. كما أنها ساهمت أيضاً في تأخير تطوير المحركات الأميركية التي تعمل على الاحتراق الداخلي. وبدلاً من أن تساهم الحمائية في تطوير صناعة السيارات الأميركية، فقد أدت إلى تشويهها، فالسيارات الأميركية تجد نفسها في وضع أقل تنافسية مع السيارات الأجنبية، وتتكبد خسائر فادحة، ليس فقط خارج أميركا، بل وداخلها، بعدما لجأ المصنعون الأجانب إلى فتح مصانعهم في الولايات المتحدة لتفادي الرسوم الجمركية.

خسارة المعركة أمام اليابان وألمانيا

وتشير تلك الدراسات إلى أن ما سُميت «ضريبة الدجاج» بنسبة 25 في المائة؛ التي فُرضت في ستينات القرن الماضي على الشاحنات الخفيفة وشاحنات «البيك أب»، رداً على تعريفة أوروبية على الدجاج الأميركي، أدت إلى تركيز شركات صناعة السيارات الأميركية على تصنيع شاحنات «البيك أب»، وسيارات الدفع الرباعي المصنفة «شاحناتٍ خفيفة»، التي تُمثل اليوم نحو 4 أخماس مبيعات سيارات الركاب الجديدة. أما السيارات، التي تخضع لتعريفة جمركية ضئيلة بنسبة 2.5 في المائة، فقد أصبحت ثانوية. وكان من نتائجها أن العلامات التجارية الأميركية تُنتج بعضاً من أقل سيارات الركاب كفاءة في استهلاك الوقود، فضلاً عن فقدها كثيراً من جاذبيتها في الأسواق الأجنبية المهمة، حيث إن اهتمام الناس لا يقتصر على تغير المناخ، بل ويفضلون كذلك قيادة السيارات الصغيرة الموفرة؛ بسبب ارتفاع أسعار البنزين، أو ضيق الطرق، أو حسابات أخرى.

ويجادل مؤيدو قيود التصدير بأنها شجعت شركات السيارات اليابانية على إنشاء مرافق إنتاج في الولايات المتحدة، لتصبح جزءاً من النظام البيئي المحلي، وتوظف عمالاً أميركيين. لكن في الواقع، بحلول عام 1991، شكلت الشركات اليابانية 15في المائة من الإنتاج المحلي للسيارات والشاحنات الخفيفة، وسرعان ما تكيفت مع ما يرغبه الأميركيون.

أشخاص يمرون أمام سيارات «نيو» المعروضة داخل «نيو هاوس» بمركز تصنيع السيارات الكهربائية الصيني في هيفاي (رويترز)
أشخاص يمرون أمام سيارات «نيو» المعروضة داخل «نيو هاوس» بمركز تصنيع السيارات الكهربائية الصيني في هيفاي (رويترز)

صناعة السيارات الأميركية مهددة

ورغم أن «اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)» ربطت صناعة السيارات، عبر ضم المكسيك، لمساعدة شركات السيارات الأميركية على منافسة منافسيها في أسواق العمالة الرخيصة بآسيا، فإن تقويض هذه الاتفاقية من قبل ترمب في ولايته الأولى كان له أثر سلبي، ليس فقط على الشاحنات الخفيفة التي أُبقيت صناعتها داخل أميركا وكندا، بل وعلى السيارات الخفيفة؛ جراء حرمان المكسيك من تصنيعها من دون فرض رسوم جمركية عليها، وهو ما يتوقع أن تتضاعف تأثيراته اليوم مع فرض ترمب رسومه الجمركية على هذين البلدين، حيث ستكون النتيجة المباشرة صدمة كبيرة على مستوى صناعة السيارات الأميركية رغم أن نقابات العمال تدعم هذه الرسوم. بيد أن أعضاءها قلقون بالفعل بشأن تسريح العمال، فارتفاع الأسعار وسلاسل التوريد المتعثرة (نتيجة الرسوم الجمركية الجديدة على قطع غيار السيارات التي تعبر حدود أميركا الشمالية مرات عدة) يؤثران سلباً على الطلب ويعيقان الإنتاج.

الصين تهيمن على السيارات الكهربائية

لكن من بين أخطر النتائج المتوقعة أيضاً، ما يتعلق بمستقبل صناعة السيارات برمتها، في ظل تصاعد الطلب على السيارات الكهربائية حول العالم. فالصين ليست فقط رائدة في هذه الصناعة، بل هي تمتلك خط إنتاج كاملاً؛ يبدأ من تعدين ومعالجة المعادن التي تدخل في صناعة البطاريات، إلى إنتاج البطاريات، وصولاً إلى التصنيع النهائي للسيارات الكهربائية الرخيصة. ومع إعلان إحدى شركاتها الرائدة نجاحها في تطوير نظام شحن فائق السرعة، فقد يزيل ذلك أحد أهم العوائق من أمام جاذبية امتلاك سيارة كهربائية. وإذا ألغى ترمب الحوافز الضريبية لشراء السيارات الكهربائية المحلية، فقد يكون من غير المستبعد أن تتخلى الشركات الأميركية عنها تماماً ليس فقط لمصلحة العودة إلى محركات الاحتراق الداخلي؛ بل ولمصلحة الشركات الصينية الرخيصة، في ظل عدم قدرتها على منافستها محلياً وفي الأسواق الخارجية أيضاً.


مقالات ذات صلة

ماسك يأمل في «رسوم جمركية صفرية» بين أميركا وأوروبا في المستقبل

العالم الملياردير الأميركي إيلون ماسك (أ.ب) play-circle

ماسك يأمل في «رسوم جمركية صفرية» بين أميركا وأوروبا في المستقبل

قال إيلون ماسك، السبت، إنه يأمل في رؤية تجارة حرة كاملة بين أميركا وأوروبا في المستقبل، وذلك بعد أيام من إعلان الرئيس ترمب فرض رسوم جمركية على شركاء تجاريين.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد مشاة في شارع تجاري مزدحم بوسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)

رسوم ترمب الجمركية تمنح الصين فرصاً اقتصادية

بفرضه رسوما جمركية عالمية، تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعادة تشكيل أسس العالم بما يخدم مصالح العمال الأميركيين، وقد تكون الصين، أحد المستفيدين من ذلك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أعلام تركيا تزين شارع البازار الكبير في إسطنبول المزدحم بالمتسوقين (رويترز)

تركيا: رسوم ترمب الجمركية قد تصب في مصلحة بلادنا

قال نائب الرئيس التركي، إن الرسوم الجمركية الأساسية المنخفضة نسبياً، البالغة 10 في المائة، التي أعلنت أميركا فرضها على تركيا، قد تكون في صالح المصدرين الأتراك.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد مشاة في ساحة دومو في ميلانو (رويترز)

إيطاليا تستبعد الرد على رسوم ترمب الجمركية

حذر وزير الاقتصاد الإيطالي من فرض رسوم جمركية مضادة على الولايات المتحدة رداً على فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية شاملة على شركاء بلاده التجاريين.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد منظر أفقي بوسط مدينة فيينا النمساوية يظهر فيه مساكن ومبانٍ تجارية (رويترز)

رسوم ترمب الجمركية تدفع النمسا إلى دعم اتفاق «ميركوسور»

دفعت الرسوم الجمركية العالمية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، النمسا إلى التخلُّص من معارضتها الطويلة لاتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي وتجمع «ميركوسور»

«الشرق الأوسط» (فيينا)

الكويت: مرسوم بتمديد السحب من الاحتياطي العام لعامين إضافيين

يقتصر التمديد على منح مزيد من الوقت لإنجاز المشاريع الدفاعية القائمة (كونا)
يقتصر التمديد على منح مزيد من الوقت لإنجاز المشاريع الدفاعية القائمة (كونا)
TT
20

الكويت: مرسوم بتمديد السحب من الاحتياطي العام لعامين إضافيين

يقتصر التمديد على منح مزيد من الوقت لإنجاز المشاريع الدفاعية القائمة (كونا)
يقتصر التمديد على منح مزيد من الوقت لإنجاز المشاريع الدفاعية القائمة (كونا)

صدر في الكويت مرسوم بتمديد فترة الإذن الحكومي في سحب مبالغ مالية من الاحتياطي العام لمدة سنتين ماليتين إضافيتين «بهدف تعزيز القدرات الدفاعية للدولة».

ويهدف التمديد، الذي نشرته وسائل الإعلام الكويتية، مساء السبت، «إلى استكمال مشاريع التسليح والتجهيز العسكري وفق الخطط المعتمدة مسبقاً، دون تعديل على المبلغ المحدد في الإذن الحكومي بأخذ من الاحتياطي العام»، على أن يستمر مجلس الدفاع الأعلى في الإشراف على تخصيص وصرف المبالغ المأخوذة من الاحتياطي العام، وضمان الاستخدام الأمثل لها لتحقيق الأهداف الدفاعية المقررة.

وجاء في المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 61 لسنة 2025: «تُمد الفترة المنصوص عليها في المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 3 لسنة 2016 المشار إليه لمدة سنتين ماليتين إضافيتين».

وذكرت المذكرة الإيضاحية أنه صدر القانون رقم 3 لسنة 2016 بالإذن للحكومة في أخذ مبلغ مالي محدد من الاحتياطي العام لتعزيز القدرات الدفاعية للدولة خلال فترة 10 سنوات مالية تبدأ من السنة المالية 2015/ 2016، وذلك لمواكبة المستجدات الإقليمية، وضمان الجاهزية للقوات المسلحة.

وبالنظر إلى قرب انتهاء الفترة الزمنية التي حددها القانون المشار إليه، واستمرار الحاجة إلى استكمال المشاريع الدفاعية المعتمدة، فقد اقتضت الضرورة مد هذه الفترة لمدة سنتين ماليتين إضافيتين.

ويهدف هذا التمديد إلى تمكين الجهات المختصة من استكمال برامج التسليح والتجهيز العسكري وفق الخطط المقررة مسبقاً، وذلك دون تجاوز المبلغ المحدد في القانون رقم 3 لسنة 2016 المشار إليه، حيث لم يطرأ أي تعديل على حجم الإنفاق المخصص، وإنما يقتصر التمديد على منح مزيد من الوقت لإنجاز المشاريع الدفاعية القائمة.

ويستمر مجلس الدفاع الأعلى في ممارسة صلاحياته المحددة بموجب القانون رقم 3 لسنة 2016 المشار إليه، بما في ذلك الإشراف على تخصيص المبالغ المعتمدة، وصرفها، والإشراف على تنفيذ العقود لضمان الاستخدام الأمثل للموارد المالية وتحقيق الأهداف الدفاعية المقررة.