تحديات قديمة لحاكم مصرف لبنان الجديد

كركلا لـ«الشرق الأوسط»: استعادة الثقة عنوان أساسي للمرحلة

مصرف لبنان المركزي في منطقة الحمرا (الشرق الأوسط)
مصرف لبنان المركزي في منطقة الحمرا (الشرق الأوسط)
TT
20

تحديات قديمة لحاكم مصرف لبنان الجديد

مصرف لبنان المركزي في منطقة الحمرا (الشرق الأوسط)
مصرف لبنان المركزي في منطقة الحمرا (الشرق الأوسط)

... أما وقد أُقفل استحقاق رئاسة حاكمية مصرف لبنان بتعيين كريم سعيد حاكماً للمصرف المركزي بعد نحو سنتين من الشغور في يوليو (تموز) 2023، يُفتح باب الاستحقاقات التي تنتظر القادم إلى مؤسسة كانت في السنوات الأخيرة عنواناً بارزاً في وسائل الإعلام الأجنبية بفعل دعاوى فُتحت ضد حاكمها السابق رياض سلامة.

منذ عام 2019، ولبنان يعاني أزمة مالية نقدية مركَّبة تسببت في تدهور عملته، ودفعت قطاعه المصرفي إلى وضع ضوابط رأسمالية للحد من عمليات السحب من الحسابات المصرفية من دون وجود قانون ما يعرف بـ«الكابيتال كونترول» وهو ما تسبّب في أزمة ودائع لم يُعرف لها حل إلى اليوم.وقد أدى تفاقم الأزمة الاقتصادية إلى إعلان لبنان في عام 2020، تخلفه عن سداد ديونه المقوّمة بالدولار والتي بلغت نحو 31 مليار دولار، وهو أول تخلف من نوعه في تاريخ لبنان.

اليوم، بعد هذه الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد، فإن إمام حاكم مصرف لبنان الجديد مسؤوليات كبرى وتحديات متعددة لإعادة أمل اللبنانيين في هذه المؤسسة، يستوجب العمل على معالجتها بشكل متوازٍ.

فيما يرى المجتمع الدولي أن إطلاق قطار الإصلاحات في لبنان والذي كان يعوقه الشلل السياسي، أساس لأي دعم مستقبلي.

فبعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، يشترط المجتمع الدولي الإصلاح قبل أي خطوات أخرى.

وقد عبّر رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي يتوجه إلى فرنسا، الجمعة، للقاء نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن هذا الأمر بوضوح، إذ قال في مقابلة مع «فرنس 24» إن «الرسالة التي حملها إليه الموفد الفرنسي، جان إيف لودريان، هي ضرورة أن تقوم الحكومة اللبنانية بإجراء الإصلاحات المطلوبة منها، وهذا هو شرط أساسي، لا، بل المفتاح لعقد أي مؤتمر لدعم لبنان قبل أن تحدد باريس موعداً له».

الحاكم الجديد لمصرف لبنان (لينكد إن)
الحاكم الجديد لمصرف لبنان (لينكد إن)

أما أبرز التحديات التي يواجهها الحاكم الجديد لمصرف لبنان، فيمكن تلخيصها بالاتي:

  • استعادة صدقية مصرف لبنان وسلطته من خلال حوكمة فعالة والعمل على تعزيز استقلاليته وفق ما ينص عليه قانون النقد والتسليف.
  • السعي لإعادة بناء الثقة: فاستعادة ثقة الجمهور والمستثمرين في النظام المالي اللبناني، التي تضررت بشدة خلال الأزمة، جوهرية لعمل مصرف لبنان، وهو ما يتطلب تطبيق سياسات نقدية ومالية شفافة ومسؤولة.
  • إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع الخسائر بما يراعي مبادئ التسلسل الهرمي للمطالبات، وحماية الأصول العامة.
  • معالجة أزمة الودائع: في ظل الأزمة المالية التي عصفت بلبنان، برزت قضية استعادة المودعين لودائعهم كأحد التحديات الرئيسية، ويلعب مصرف لبنان دوراً محورياً في هذا السياق من خلال التعاون مع الحكومة لوضع خطة عادلة هادفة إلى إعادة أموال المودعين بعدالة وشفافية.
  • التعاون مع صندوق النقد الدولي: يجب على المصرف المركزي التعاون بشكل فعال مع صندوق النقد الدولي، لتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل. ومن المعلوم هنا أن مصرف لبنان يلعب دوراً محورياً إلى جانب وزارة المال في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حيث يعد جزءاً أساسياً من الفريق التفاوضي اللبناني. كما يشارك في وضع السياسات النقدية والمالية التي يتم التفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي. كما يلعب دوراً رئيسياً في تنفيذ الإصلاحات التي يتفق عليها مع الصندوق.
  • رفع اسم لبنان من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، ومكافحة الاقتصاد غير المشروع، وهو جهد مشترك بين المصرف المركزي والحكومة، والمؤسسات المالية، والقطاع الخاص.
  • وضع حد للاقتصاد النقدي أو ما يُعرف بـ«اقتصاد الكاش» الذي يفتح الباب واسعاً أمام عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي.

الثقة ثم الثقة

من جهتها، تؤكد هزار كركلا المستشارة في الاقتصاد والسياسات العامة في مركز «SRMG-Think» للأبحاث والاستشارات، أن «استعادة الثقة هو العنوان الأساسي للمرحلة اليوم في لبنان. وهذا يبدأ باستعادة ثقة اللبنانيين والشركاء الدوليين في القطاع المصرفي والنظام المالي ككل».

وتشير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «حاكم المصرف المركزي يواجه تحديات كبيرة؛ التحدي الأساسي الأول هو وضع وتنفيذ حل عادل لأزمة الودائع، والتحدي الثاني هو إعادة هيكلة المصارف». ورأت أن «استمرار تأجيل معالجة موضوع الودائع سينعكس سلباً على لبنان في هذه المرحلة المحورية، وبالتالي لا بد اليوم من وضع حل عادل، واضح وقابل للتنفيذ».

وأضافت كركلا: «لقد أثبتت النقاشات على مدى السنوات الماضية أن المقاربة لأزمة الودائع لكي تكون قابلة للتنفيذ يجب أن تكون تشاركية، وبالتالي على جميع الأطراف المعنية أن تتعاون وأن تتحمل جزءاً من المسؤولية وتساهم في تنفيذ الحل».

ورأت كركلا أن «رسم وتنفيذ السياسات للتعافي الاقتصادي واستعادة الثقة يتطلب تعاوناً وثيقاً بين مصرف لبنان وكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما يتطلب تنسيقاً متيناً وبنّاءً بين السلطتين النقدية والمالية، وهذا الأمر لم يكن قائماً سابقاً، وكانت له انعكاسات سلبية على وضعية المالية العامة والمصرف المركزي على حد سواء».

في الختام، هي لحظة شديدة الأهمية لاستعادة لبنان تعافيه الاقتصادي... واختبار مهم للعهد الجديد.


مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء اللبناني: الحكومة بدأت العمل على خطة لإعادة الإعمار

المشرق العربي جانب من استقبال رئيس الحكومة اللبنانية وفد نقابة الصحافة (رئاسة الحكومة)

رئيس الوزراء اللبناني: الحكومة بدأت العمل على خطة لإعادة الإعمار

أكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام أن «الاعتداء على الضاحية الجنوبية، والاعتداءات الإسرائيلية الأخرى، تشكّل خرقاً لترتيبات وقف الأعمال العدائية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي آلية لـ«اليونيفيل» تسير بمحاذاة الخط الأزرق الحدودي بين لبنان وإسرائيل خلال دورية (اليونيفيل)

إصرار لبناني - دولي على مواصلة دوريات «اليونيفيل» رغم اعتراض إحداها بالجنوب

حسمت الحكومة اللبنانية وبعثة «اليونيفيل» القرار بأن الدوريات مستمرة، وستكمل البعثة الدولية مهامها، وذلك بعد اعتراض إحدى دورياتها في بلدة طيردبا.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي ناخبات أمام قلم اقتراع للتصويت في الانتخابات البلدية عام 2016 (أرشيفية - أ.ف.ب)

لبنان يستعد لدخول مرحلة الانتخابات المحلية

يستعد لبنان للدخول في مرحلة الانتخابات البلدية والاختيارية التي تنطلق الأحد 4 مايو (أيار) 2025 وتمتد على أربع مراحل بدءاً من محافظة جبل لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أسلاك شائكة أمام مبنى «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (أرشيفية - أ.ف.ب)

لبنان: عقبات سياسية وقانونية وشعبية تواجه مهمة الحكومة لاستعادة الانتظام المالي

ألزمت الحكومة اللبنانية نفسها بالانكباب راهناً على إعداد مشروع قانون معالجة الخسائر المالية الذي يسمح بإعادة التوازن للانتظام المالي.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي لقطة عامة لمرفأ بيروت ويظهر في وسطها مبنى الأهراءات المعرّض لتدمير جزئي نتيجة الانفجار عام 2020 (رويترز)

القضاء الفرنسي يسلّم لبنان الاثنين تقريراً فنياً نهائياً لملف انفجار المرفأ

يصل إلى بيروت، الاثنين المقبل، وفدٌ قضائي فرنسي للقاء المحقق العدلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار لتسليم الملف التقني الكامل

يوسف دياب (بيروت)

الحقيل بعد تعديل «نظام الأراضي البيضاء»: سيسهم في تحقيق التوازن العقاري

الوزير الحقيل في مؤتمره يوم الاثنين (الشرق الأوسط)
الوزير الحقيل في مؤتمره يوم الاثنين (الشرق الأوسط)
TT
20

الحقيل بعد تعديل «نظام الأراضي البيضاء»: سيسهم في تحقيق التوازن العقاري

الوزير الحقيل في مؤتمره يوم الاثنين (الشرق الأوسط)
الوزير الحقيل في مؤتمره يوم الاثنين (الشرق الأوسط)

وافق مجلس الوزراء السعودي، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء.

وكان ولي العهد وجّه باتخاذ إجراءات عاجلة في مارس (آذار) الماضي خلال 60 يوماً لمعالجة أزمة الأراضي البيضاء، وذلك بهدف زيادة المعروض من الأراضي وكبح جماح الأسعار، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتوفير أراض سكنية بأسعار مناسبة.

وللمناسبة، وجه وزير الإسكان ماجد الحقيل الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، على هذه الموافقة، وقال إن «هذه التعديلات ستُسهم في تحفيز تطوير الأراضي البيضاء، وزيادة المعروض العقاري، وتحفيز التنمية العمرانية المستدامة».

ويتضمّن تعديل لائحة رسوم الأراضي البيضاء تحديد 3 مراحل تنفيذية، تشمل الأولى الأراضي غير المطورة بمساحة 10 آلاف متر مربع فأكثر، والواقعة ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة، والمرحلة الثانية الأراضي المطورة التي تبلغ مساحتها 10 آلاف متر مربع فأكثر، والأراضي المطورة لمالك واحد التي تبلغ مساحاتها 10 آلاف متر مربع فأكثر في مخطط واحد ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة، والمرحلة الثالثة الأرض المطورة التي تبلغ مساحتها 5 آلاف متر مربع فأكثر، ومجموع الأراضي المطورة لمالك واحد التي تبلغ مساحاتها 10 آلاف متر مربع فأكثر في مدينة واحدة ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة.

وتضمّنت التعديلات إمكانية تطبيق أكثر من مرحلة في مدينة واحدة، بالإضافة إلى قيام الوزارة بإجراء ومراجعة دورية للوضع في أي مدينة لتقرير تطبيق الرسوم على الأراضي فيها، أو تعليق التطبيق أو تطبيق مرحلة أو أكثر لتجاوز مرحلة معينة والانتقال للمرحلة التالية في المدينة ذاتها.

يُذكر أن برنامج «الأراضي البيضاء» يُطبّق في مرحلته الأولى في كل من الرياض وجدة وحاضرة الدمام ومكة المكرمة، ويبلغ إجمالي أوامر السداد في المدن الأربعة نحو 5500 أمر سداد لمساحة إجمالية تتجاوز 411 مليون متر مربع، كما أعلن البرنامج مؤخراً توسّعه في عدد من المدن، منها المدينة المنورة وحاضرة عسير وجازان والطائف وتبوك وغيرها.