بين العقوبات والتضخم... هل تنقذ واشنطن اقتصاد موسكو؟

أشخاص يسيرون في الساحة الحمراء بالقرب من كاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين وسط موسكو (رويترز)
أشخاص يسيرون في الساحة الحمراء بالقرب من كاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين وسط موسكو (رويترز)
TT
20

بين العقوبات والتضخم... هل تنقذ واشنطن اقتصاد موسكو؟

أشخاص يسيرون في الساحة الحمراء بالقرب من كاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين وسط موسكو (رويترز)
أشخاص يسيرون في الساحة الحمراء بالقرب من كاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين وسط موسكو (رويترز)

يواجه الاقتصاد الروسي المتسارع خطر التباطؤ الحاد، في ظل التحفيز المالي الهائل، وارتفاع أسعار الفائدة، والتضخم العنيد، والعقوبات الغربية التي تفرض ضغوطاً كبيرة على النمو. ومع ذلك، بعد 3 سنوات من الحرب، قد تكون واشنطن قد مدت لموسكو طوق نجاة.

ويسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى التوصل إلى اتفاق سريع لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ما يثير قلق الحلفاء الأوروبيين بإقصائهم وأوكرانيا عن المحادثات الأولية مع روسيا، بالإضافة إلى تحميل كييف مسؤولية الغزو الروسي عام 2022. وتعد هذه التنازلات السياسية هدايا لموسكو، قد تجلب لها أيضاً فوائد اقتصادية ملموسة، وفق «رويترز».

مفترق طرق اقتصادي

وتواجه موسكو خيارين صعبين، وفقاً لأوليغ فيوغين، النائب السابق لرئيس البنك المركزي الروسي: إما تقليص الإنفاق العسكري أثناء السعي لتحقيق مكاسب إضافية في أوكرانيا، وإما مواصلة الإنفاق العسكري الضخم، مما يؤدي إلى سنوات من النمو البطيء، والتضخم المرتفع، وتدهور مستويات المعيشة، وهو ما يحمل مخاطر سياسية كبرى.

ورغم أن الإنفاق الحكومي غالباً ما يحفز النمو، فإن توجيه الموارد إلى القطاع العسكري على حساب القطاعات المدنية أدى إلى فرط النشاط الاقتصادي، إلى حد جعل أسعار الفائدة المرتفعة عند 21 في المائة تعرقل الاستثمارات، بينما يظل التضخم خارج السيطرة.

ويقول فيوغين: «لأسباب اقتصادية، لدى روسيا مصلحة في إنهاء الصراع دبلوماسياً. فمن شأن ذلك تجنيبها مزيداً من إعادة توزيع الموارد المحدودة على أنشطة غير منتجة، وهو السبيل الوحيد لتفادي الركود التضخمي».

آفاق التغيير

ورغم أن روسيا لن تتمكن من خفض إنفاقها الدفاعي بسرعة -حيث يشكل نحو ثلث الموازنة – فإن احتمال التوصل إلى اتفاق قد يخفف من الضغوط الاقتصادية الأخرى، ويمهد الطريق نحو تخفيف العقوبات، وفي نهاية المطاف، عودة الشركات الغربية.

يقول ألكسندر كولياندر، الباحث في مركز تحليل السياسات الأوروبية: «سيتردد الروس في وقف الإنفاق على إنتاج الأسلحة فجأة خوفاً من ركود اقتصادي؛ لكن عبر تسريح بعض الجنود، يمكن تخفيف الضغط على سوق العمل».

وأدت عمليات التجنيد المرتبطة بالحرب والهجرة إلى نقص حاد في العمالة، مما دفع معدل البطالة في روسيا إلى مستوى قياسي منخفض عند 2.3 في المائة.

ثم إن احتمالات السلام قد تقلل من الضغوط التضخمية؛ إذ يمكن أن تجعل واشنطن أقل ميلاً لفرض عقوبات ثانوية على الشركات الأجنبية، مما يسهل عمليات الاستيراد ويخفض الأسعار.

تباطؤ اقتصادي طبيعي

شهدت الأسواق الروسية انتعاشاً ملحوظاً؛ حيث ارتفع الروبل إلى أعلى مستوى له في نحو 6 أشهر مقابل الدولار، مدعوماً بآفاق تخفيف العقوبات.

ورغم النمو القوي منذ الانكماش الطفيف في 2022، تتوقع السلطات تباطؤ الاقتصاد من 4.1 في المائة في 2024 إلى نحو 1- 2 في المائة هذا العام. كما لا يرى البنك المركزي الروسي بعد أي مبررات مستدامة لخفض أسعار الفائدة.

وعند تثبيت أسعار الفائدة عند 21 في المائة في 14 فبراير (شباط)، أوضحت رئيسة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا، أن الطلب كان ينمو بوتيرة أسرع من القدرة الإنتاجية منذ فترة طويلة، لذا فإن التباطؤ الاقتصادي يُعَد أمراً طبيعياً.

ويعقِّد التحفيز المالي الضخم جهود البنك المركزي لتحقيق التوازن بين دعم الاقتصاد وكبح التضخم. فقد ارتفع العجز المالي الروسي إلى 1.7 تريليون روبل (19.21 مليار دولار) في يناير (كانون الثاني) وحده، بزيادة قدرها 14 ضعفاً على أساس سنوي، نتيجة تقديم موسكو إنفاق عام 2025 مقدماً.

وقالت نابيولينا: «من الضروري أن يظل العجز المالي ضمن المستويات التي تخطط لها الحكومة حالياً».

وتتوقع وزارة المالية أن يبلغ العجز 1.2 تريليون روبل لعام 2025 كُلِّه، بعد أن عدلت خطط الموازنة 3 مرات العام الماضي.

بين الربح والخسارة

جلبت الحرب فوائد اقتصادية للبعض، بينما ألحقت الضرر بالآخرين. فقد ارتفعت الأجور بشكل ملحوظ في القطاعات المرتبطة بالصناعات العسكرية، بفضل الحوافز المالية، في حين يواجه العاملون في القطاعات المدنية ضغوطاً متزايدة بسبب ارتفاع الأسعار الأساسية.

كما استغلت بعض الشركات الفرص التي أتاحتها التحولات الكبرى في تدفقات التجارة وانخفاض المنافسة. فعلى سبيل المثال، شهدت مجموعة «ميلون فاشون» نمواً مستمراً في إيراداتها، مستفيدة من انتعاش الطلب الاستهلاكي.

وقالت الشركة لـ«رويترز»، إن علامات «ميلون» التجارية شهدت توسعاً كبيراً خلال العامين الماضيين، ومنذ عام 2023، تضاعف متوسط حجم المتاجر التي تفتتحها.

لكن بالنسبة لكثير من الشركات الأخرى، تمثل أسعار الفائدة المرتفعة تحدياً كبيراً.

تقول إيلينا بوندارشوك، مؤسسة شركة «أوريينتير» لتطوير المستودعات: «بأسعار الإقراض الحالية، من الصعب إطلاق مشاريع جديدة. تقلصت دائرة المستثمرين التي كانت واسعة في السابق، ومن تبقى يعتمد على شروط البنوك».

وتشمل المخاطر الاقتصادية الأخرى التي تواجه روسيا انخفاض أسعار النفط، والتقييدات المالية المتزايدة، وارتفاع معدلات القروض المتعثرة، وفقاً لوثائق داخلية اطلعت عليها «رويترز».

سياسة العصا والجزرة

بينما يلوِّح ترمب بجزرة التنازلات بشأن أوكرانيا، فإنه يهدد في الوقت ذاته بفرض عقوبات إضافية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.

يقول كريس ويفر، الرئيس التنفيذي لشركة «ماكرو أدفايزري»: «تمتلك الولايات المتحدة نفوذاً اقتصادياً هائلاً، ولهذا السبب يسعد الروس بالمشاركة في المحادثات».

وأضاف: «الرسالة واضحة: يمكننا تخفيف العقوبات إذا تعاونتم، ولكن إذا لم تفعلوا فيمكننا جعل الأمور أكثر سوءاً بكثير».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد وسط العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس (رويترز)

صندوق النقد الدولي: الأرجنتين تطلب قرضاً جديداً بقيمة 20 مليار دولار

أكد صندوق النقد الدولي، أنه يجري محادثات مع الأرجنتين بشأن قرض جديد بقيمة 20 مليار دولار؛ بهدف دعم برنامجها للإصلاح الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حديثه في فعالية بالبيت الأبيض (رويترز)

ترمب يضغط لتصعيد الرسوم الجمركية

حث الرئيس الأميركي دونالد ترمب كبار مستشاريه على اتخاذ موقف أكثر حزماً بشأن الرسوم الجمركية واستعداد الإدارة الأميركية لتصعيد كبير في حربها التجارية العالمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار منصة التواصل الاجتماعي «إكس» يظهر إلى جانب الملياردير إيلون ماسك (أ.ف.ب)

«إكس إيه آي» تستحوذ على منصة «إكس»

استحوذت شركة «إكس إيه آي» التي يمتلكها إيلون ماسك، على منصة «إكس»، في صفقة تقدر قيمة موقع التواصل الاجتماعي عند 33 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الشمس تغرب خلف مصفاة نفطية في إلدورادو بولاية كانساس الأميركية (أ.ب)

مخاوف الرسوم الجمركية تربك أسواق النفط

تراجعت أسعار النفط اليوم الجمعة في ظل مخاوف من تأثر الطلب نتيجة للرسوم الجمركية، لكنها تتجه لتحقيق مكاسب للأسبوع الثالث وسط توقعات بنقص المعروض العالمي

«الشرق الأوسط» (لندن)

ترمب «لا يكترث» إلى ارتفاع أسعار السيارات في أميركا بسبب رسومه الجمركية

سيارات متوقفة في موقف سيارات بميناء نيوارك بنيوجيرسي (رويترز)
سيارات متوقفة في موقف سيارات بميناء نيوارك بنيوجيرسي (رويترز)
TT
20

ترمب «لا يكترث» إلى ارتفاع أسعار السيارات في أميركا بسبب رسومه الجمركية

سيارات متوقفة في موقف سيارات بميناء نيوارك بنيوجيرسي (رويترز)
سيارات متوقفة في موقف سيارات بميناء نيوارك بنيوجيرسي (رويترز)

أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «عدم اكتراثه» في حال دفعت الرسوم الجمركية التي فرضها على السيارات المستوردة، بشركات صناعة السيارات الأجنبية إلى رفع أسعارها داخل الولايات المتحدة.

كانت تقارير إعلامية قد ذكرت أن ترمب حذَّر الرؤساء التنفيذيين لشركات صناعة السيارات خارج الولايات المتحدة من إجراءات انتقامية إذا رفعوا أسعارهم، لكنه صرّح لشبكة «إن بي سي نيوز» أن أي زيادة على أسعار السيارات ستكون ببساطة عاملاً مساعداً للشركات المصنِّعة الأميركية.

وقال لقناة «إن بي سي»: «لا أكترث. آمل أن يرفعوا أسعارهم، لأنهم إذا فعلوا، سيشتري الناس السيارات الأميركية الصنع. لدينا الكثير منها».

والخميس فرض ترمب رسوماً جمركية شاملة بنسبة 25 في المائة على السيارات والشاحنات الخفيفة المصنّعة خارج الولايات المتحدة، ومن المقرر أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ في 3 أبريل (نيسان).

وسيتم إرجاء فرض الرسوم على قطع غيار السيارات من الدول المشمولة باتفاقية التجارة الأميركية مع المكسيك وكندا.

ويعتزم ترمب أن يثبت الرسوم على السيارات المستوردة بهدف تعزيز الإنتاج الأميركي، لأن هذا من وجهة نظره يسهم في إنقاذ صناعة السيارات الأميركية.

وعلى الرغم من تفاؤله، تراجعت أسهم كبريات شركات صناعة السيارات الأميركية، وحذر خبراء من أن ارتفاع الأسعار سيؤثر سلباً على المستهلك الأميركي.

وعندما سُئل ترمب عن رسالته الأخيرة إلى الرؤساء التنفيذيين لشركات صناعة السيارات العالمية، وما إذا كان قد حذّرهم من رفع الأسعار، أجاب: «الرسالة هي: تهانينا، إذا صنعتم سياراتكم في الولايات المتحدة فستربحون الكثير من المال»، وأضاف: «وإن لم تفعلوا، فربما ستضطرون للقدوم إلى الولايات المتحدة، لأنه إذا صنعتم سياراتكم في الولايات المتحدة، فلن تُفرض عليكم رسوم جمركية».