اقتصاديون يحذرون... بريطانيا قد تضطر لرفع ضريبة الدخل لتغطية الصدمات المستقبلية

بعد القضاء على هامش الاقتراض وضياع الاحتياطي المالي

راشيل ريفز تتحدث مع الموظفين خلال زيارتها لمنشآت «بريميير مودولار» في دريفيلد يناير 2025 (رويترز)
راشيل ريفز تتحدث مع الموظفين خلال زيارتها لمنشآت «بريميير مودولار» في دريفيلد يناير 2025 (رويترز)
TT
20

اقتصاديون يحذرون... بريطانيا قد تضطر لرفع ضريبة الدخل لتغطية الصدمات المستقبلية

راشيل ريفز تتحدث مع الموظفين خلال زيارتها لمنشآت «بريميير مودولار» في دريفيلد يناير 2025 (رويترز)
راشيل ريفز تتحدث مع الموظفين خلال زيارتها لمنشآت «بريميير مودولار» في دريفيلد يناير 2025 (رويترز)

حذّر الاقتصاديون من أن راشيل ريفز، وزيرة الخزانة البريطانية، قد تضطر إلى رفع ضريبة الدخل لتغطية تكلفة أي صدمات مستقبلية بعد أن قضت على هامش الاقتراض البالغ 9.9 مليار جنيه إسترليني (12.33 مليار دولار) الذي تركته لنفسها.

وقال المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية البريطاني إن ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق المالية قد قضيا على الاحتياطي الذي كان لدى وزير المالية، حتى قبل أن تتضح التكلفة الكاملة لحرب التجارة التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وقال المحللون: «توقعاتنا تشير إلى أنه لا يوجد أي هامش مالي متاح، حيث إن الموازنة الحالية متوازنة تماماً في نهاية فترة التوقعات»، وفق صحيفة «تلغراف».

وأضاف: «دون تعديل خطط الضرائب والإنفاق، فهذا يعني أنه لا يوجد أي احتياطي لامتصاص الصدمات الاقتصادية الدورية إذا حدثت خلال ما تبقى من فترة البرلمان».

وقد تعهدت ريفز بالاقتراض فقط للاستثمار، وبتقليص الدين كـنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. كما وعدت بعدم زيادة ضريبة الدخل أو ضريبة القيمة المضافة أو مساهمات التأمين الوطني التي يدفعها العمال مباشرة. ولا تشمل هذه الزيادة التي يدفعها أصحاب العمل على رواتب الموظفين، والتي زادتها بمقدار 25 مليار جنيه إسترليني (31.13 مليار دولار) في موازنتها الأولى.

ومع ذلك، فهي تواجه احتمال اضطرارها إلى خفض الإنفاق أو رفع الضرائب بعد أن خفضت الهيئة المشرفة على الضرائب والإنفاق في بريطانيا توقعاتها للنمو، وحذَّرت من أن الهامش المالي لريفز قد تم القضاء عليه. وقدم مكتب مسؤولية الموازنة توقعات قاتمة الأسبوع الماضي جزءاً من تقييمه الأولي للاقتصاد قبل بيان الربيع، حسبما ذكرت «بلومبرغ».

ومن المتوقع أن يزيد التوقع الأخير الضغط على ريفز، التي قالت إن حزب العمال سيخسر الانتخابات المقبلة ما لم ينجح في تحسين الاقتصاد.

وقالت في بودكاست «الحزب السياسي» مع مات فورد: «هناك الكثير من الاستراتيجيات لهزيمة الإصلاح أو هزيمة حزب المحافظين، لكن في النهاية يجب علينا أن نحقق نتائج».

وأضافت: «في الانتخابات القادمة، إذا كان الناس لا يزالون يجدون صعوبة في الحصول على موعد مع الطبيب وإذا لم يتحسن وضعهم المالي، فسيقومون بطردنا كما طردوا الحزب السابق».

وأشار ستيفن ميلارد، المدير المؤقت لمعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، إلى حجم التحدي الذي يواجه ريفز اقتصادياً وسياسياً، وقال: «يجب على وزيرة المالية أن تدرك أنه في بعض الظروف قد تضطر إلى زيادة الضرائب».

وتابع: «إذا كنت ملتزماً بتلك القواعد المالية وتم التأثير عليك بسبب صدمة ما – وتريد زيادة الإنفاق للتعامل مع الصدمة – فإنه من أجل تحقيق الهدف المالي، سيكون عليك زيادة الضرائب في تلك اللحظة».

وأضاف: «بقولها لن أزيد الضرائب، فهذا يعني أنك لا تملك درجة إضافية من المرونة للتعامل مع الصدمة».

وستؤثر الرسوم الجمركية الأميركية على الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة، وقد تأتي هذه الصدمة في شكل حرب ترمب التجارية.

ويقدّر المعهد أن التعريفات الجمركية الأميركية – والردود من دول حول العالم – تهدد بتقليص نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 0.25 نقطة مئوية هذا العام والعام المقبل. وبالنسبة لعام 2025، فإن ذلك يعني أن النمو سيكون 1.25 في المائة بدلاً من 1.5 في المائة.

وفي الوقت نفسه، يقدّر خبراء الاقتصاد أن التضخم بلغ 3.2 في المائة في يناير (كانون الثاني)، ومن المتوقع أن ينخفض ​​خلال معظم العام.

لكن التعريفات الجمركية قد تضيف 0.4 نقطة مئوية إلى المعدل العام للتضخم؛ ما يجعل الأسعار تبعد أكثر عن هدف «بنك إنجلترا» البالغ 2 في المائة.

وحثَّ ميلارد الحكومة على عدم الرد على التعريفات الجمركية الأميركية على الصلب، قائلاً إن الحمائية الإضافية من بريطانيا ستجعل الوضع أسوأ.

وقال: «الصلب هو مدخل مهم في الإنتاج. أنت تقريباً تضرب نفسك بزيادة تكلفة الصلب المستورد. لا أعتقد أنه سيكون هناك الكثير من الفائدة، ومن المحتمل أن ترفع تكاليفك».

كما حذَّر ميلارد من أن الأساس الكامل للقواعد المالية الحالية مشكوك فيه. وقال: «هذه قاعدة تعسفية وضعتها وزارة المالية لنفسها. هل لها علاقة حقاً بالاستدامة المالية على المدى الطويل؟».

وأضاف: «لقد تم تكليف مكتب مسؤولية الموازنة تقييم الاستدامة المالية، وهذا هو عملهم. لكن يبدو أن الجميع منشغلون بمساواة هذه القواعد التعسفية التي تضعها الحكومة مع الاستدامة المالية».

ويتوقع المعهد أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5 في المائة هذا العام، جزئياً بسبب الاقتراض والإنفاق الحكومي الكبير. ومع ذلك، فهذا أقل بكثير من توقع مكتب مسؤولية الموازنة في أكتوبر (تشرين الأول) الذي كان 2 في المائة. ويقول محللون آخرون إن هذا التفاؤل أيضاً مبالَغ فيه، حيث خفضت شركة «كابيتال إيكونوميكس» توقعاتها للنمو، متوقعة أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5 في المائة فقط هذا العام، أي أقل من نصف توقعاتها السابقة البالغة 1.3 في المائة. وألقى بول دايلز، كبير الاقتصاديين في الشركة، اللوم على «الضرائب المرتفعة على الشركات، والعبء المستمر من زيادات أسعار الفائدة السابقة، والطلب الخارجي الأضعف».

من جهته، قال دارين جونز، السكرتير الرئيسي لوزارة المالية، إن الحكومة «تعمل على تحفيز النمو الاقتصادي» لضمان «أن يكون لدى العاملين المزيد من المال في جيوبهم». وقال: «لفترة طويلة، كان السياسيون غير مستعدين لاتخاذ القرارات الصحيحة لاقتصادنا، في حين كان المعرقلون يقفون في طريق الازدهار الاقتصادي، سواء في التخطيط أو البنية التحتية أو الطاقة النووية».

وأضاف: «لهذا السبب نحن نواجه المعرقلين لنعود لبناء بريطانيا من جديد، بما في ذلك 1.5 مليون منزل جديد، ومدرج ثالث في هيثرو، وممر نمو جديد بين أكسفورد وكمبردج الذي يمكن أن يضيف حتى 78 مليار جنيه إسترليني (97.13 مليار دولار) للاقتصاد البريطاني».


مقالات ذات صلة

إندونيسيا تعلن عن تنازلات تجارية مع واشنطن قبل مفاوضات الرسوم

الاقتصاد شخص يعمل على رافعة لتحميل حاوية على شاحنة بميناء تانجونغ بيريبوك في جاكرتا (رويترز)

إندونيسيا تعلن عن تنازلات تجارية مع واشنطن قبل مفاوضات الرسوم

أعلنت إندونيسيا يوم الثلاثاء، مجموعة من التنازلات التجارية الخاصة بالواردات من الولايات المتحدة، بما في ذلك تخفيض الضرائب على المنتجات الإلكترونية والصلب.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
الاقتصاد شعار «سامسونغ» في جناحها بمعرض أشباه الموصلات 2024 في سيول بكوريا الجنوبية (رويترز)

الهند تطالب «سامسونغ» بـ601 مليون دولار لتهربها من الرسوم الجمركية

أظهرت وثيقة حكومية أن الهند أصدرت أمراً يقضي بأن تدفع شركة «سامسونغ» ومديروها التنفيذيون في البلاد مبلغ 601 مليون دولار باعتبارها ضرائب متأخرة وغرامات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي )
الاقتصاد راشيل ريفز خلال اجتماع في «داونينغ ستريت» في لندن مع الجهات التنظيمية... مارس 2025 (د.ب.أ)

ريفز تحت الضغط بعد قفزة جديدة في الاقتراض الحكومي البريطاني

بلغ صافي الاقتراض في القطاع العام ببريطانيا خلال فبراير (شباط) 10.7 مليار جنيه إسترليني (13.84 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد بائعون يطوون القمصان داخل متجر للملابس في سوق بمومباي بالهند (رويترز)

وزيرة المالية الهندية: نقترب من خفض ضريبة السلع والخدمات

قالت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيترامان، إن الهند تقترب من خفض ضريبة السلع والخدمات، مضيفة أن العمل على ترشيد المعدلات هو في مراحله الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد مجموعة من المنازل المطلية في مدينة بريستول ببريطانيا (رويترز)

انخفاض غير متوقع في أسعار المساكن البريطانية خلال فبراير

أعلنت شركة «هاليفاكس» للتمويل العقاري يوم الجمعة أن أسعار المساكن في بريطانيا شهدت انخفاضاً غير متوقع في فبراير (شباط)، نتيجة تراجع الطلب من المشترين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف أخفقت «وول ستريت» في فهم ترمب؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
TT
20

كيف أخفقت «وول ستريت» في فهم ترمب؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

في منتصف فبراير (شباط)، اصطف بعض من أقوى المستثمرين ورجال الأعمال في «وول ستريت» - الذين يسيطرون على مئات المليارات من الثروة الشخصية والتريليونات من الأصول - وكانوا أشبه بمراهقين في حفل موسيقي، بحسب تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز».

وكان دونالد ترمب هو العنوان الرئيسي. في قاعة ميامي بيتش الضيقة، انتظر الأثرياء والرؤساء التنفيذيون ما يصل إلى ثلاث ساعات لأول خطاب شخصي للرئيس عن عالم الأعمال.

هتف الحشد، الذي ضم روبرت سميث من «فيستا إكويتي»، والرئيس التنفيذي لشركة «بريدج ووتر» نير بار ديا، والمؤسس المشارك لشركة «أبولو» جوش هاريس، عندما صعد الرئيس الأميركي أخيراً على المسرح، متأخراً ساعة.

قال ترمب: «إذا كنت تريد بناء مستقبل أفضل، فادفع الحدود، وأطلق العنان للاختراقات، وحول الصناعات، واجمع ثروة. لا يوجد مكان على وجه الأرض أفضل من الولايات المتحدة الأميركية الحالية والمستقبلية في عهد رئيس معين يُدعى دونالد ترمب».

ووفق التقرير، يبدو أن الأسواق المالية المرتفعة تؤكد ذلك. كان من المقرر أن تنطلق «الغرائز الحيوانية» للنخبة المالية الأميركية بعد أربع سنوات من الفحص والتوبيخ من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

لم يشعر الكثيرون بالقلق من العناصر الأكثر جرأة في خطاب ترمب، مثل تهديده بفرض رسوم جمركية متبادلة على أي دولة شعر أنها تعامل الولايات المتحدة بشكل غير عادل.

قال أحد الحاضرين المرتبطين بترمب في ذلك الوقت: «لم يذكر أي شخص كلمة ركود أو كساد. أعتقد أن هذا يرسل لك إشارة قوية جداً إلى تفاؤل وواقعية قادة الأعمال والمستثمرين».

بعد أقل من ثمانية أسابيع، انقلبت الأمور. أولئك الذين شهدوا خطاب ترمب هم الآن في وضع محاولة السيطرة على الأضرار، حيث أدت الحرب التجارية التي أطلقها في 2 أبريل (نيسان) إلى زعزعة استقرار الأسواق المالية وتسببت في مخاوف من التضخم والركود الوشيك.

ولكن حتى قبل ذلك، كان القطاع المالي يترنح. انخفضت عمليات الاستحواذ على الشركات إلى أدنى مستوى لها منذ حوالي عقد من الزمان، وفقدت شركات الاستشارات العملاقة عقودها الحكومية، وألغت شركات، من «دلتا» إلى «وول مارت»، توقعات أرباحها.

ويخشى الكثيرون أن تُبطئ الرسوم الجمركية المحرك الاقتصادي الأميركي بشكل كبير.

وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في «وول ستريت» لـ«فايننشال تايمز»: «لم نصدقه. افترضنا أن شخصاً في الإدارة لديه خلفية اقتصادية سيخبره أن الرسوم الجمركية العالمية فكرة سيئة». وأضاف: «نحن على وشك أن نواجه تقلبات حادة».

ورأت الصحيفة أن تصريح المسؤول هو بمثابة اعتراف بأن حتى العديد من أشد مؤيدي ترمب في عالم الأعمال قد أخطأوا في فهم مدى تصميم الرئيس البالغ من العمر 78 عاماً على إجراء إصلاح جذري للسياسة الاقتصادية الأميركية وعكس عقود من العولمة.

في مناسبات لا تُحصى خلال حملته الانتخابية، صرّح ترمب وأقرب مستشاريه بأنهم لن يصمموا سياسات تُرضي أغنى سكان البلاد.

وقد أوضح جيه دي فانس، مرشحه لمنصب نائب الرئيس آنذاك، خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في يوليو (تموز) أن «رؤية الرئيس ترمب بسيطة للغاية، لكنها قوية للغاية. لقد انتهينا، سيداتي وسادتي، من تلبية احتياجات (وول ستريت). سنلتزم بدعم العمال».

أثبت إعلان التعريفات الجمركية أنه منعطف حاسم بالنسبة لـ«وول ستريت»، بحسب التقرير.

وعلى مدار يومين فقط، فقد مؤشر S&P 500 أكثر من 5 تريليونات دولار من قيمته. وفي تناقض صارخ مع هوس ترمب بسوق الأسهم خلال فترة ولايته الأولى، تجاهل الرئيس في بعض الأحيان أسئلة الصحافيين، قائلاً إنه لم يتحقق من الأسواق في الوقت الذي كان بحر من اللون الأحمر يجتاح «وول ستريت».

وعندما بدأت أسهم المؤسسات المالية القوية مثل «بلاك روك» و«أبولو» و«جيه بي مورغان» في الانخفاض، تغير السرد القادم من البيت الأبيض، فقالت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض: «لأي شخص في (وول ستريت) هذا الصباح أود أن أؤكد على ثقتي بالرئيس ترمب».

بدأ يدرك المصرفيون والمحامون والمديرون التنفيذيون الأعلى أجراً في البلاد أن الإدارة الجديدة لا تكترث إذا ما عانى قصر التمويل العالي من تصدعات في أساسه نتيجة السياسة التجارية الجديدة للبلاد.

التزم معظمهم الصمت، متذمرين سراً ليس فقط من ارتفاع المعدلات، بل أيضاً من الطريقة الغامضة وغير المنتظمة لحسابها، وفق التقرير. لكن مديري صناديق التحوط المليارديرات مثل بيل أكمان ودان لوب وكليف أسنس أعربوا عن إحباطهم على منصة «إكس»، بينما صرّح وزير التجارة السابق في عهد ترمب، ويلبر روس، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» بالقول: «إنها طريقة غير تقليدية إلى حد ما لقياس التعريفات الجمركية».

وتحدث البعض بصراحة أكبر، وقال أنتوني سكاراموتشي، مؤسس شركة الاستثمار «سكاي بريدج كابيتال»، والذي شغل لفترة وجيزة منصب مدير الاتصالات في البيت الأبيض في عهد ترمب خلال ولايته الأولى: «إنه (ترمب) يريد إنهاء نظام التجارة العالمي وإضعاف الولايات المتحدة. يريد عزل الولايات المتحدة عن بقية العالم». وأضاف: «هذه أغبى سياسة اقتصادية انتهجتها الولايات المتحدة على الإطلاق».

في البداية، اعتبرت نخبة رجال الأعمال الرسوم الجمركية ثمناً لا بد من دفعه للحصول على مزايا أخرى من البيت الأبيض في عهد ترمب، بما في ذلك التراخي في تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار وتخفيضات ضريبية كبيرة.

ومع ذلك، فإنّ استعداد ترمب لزعزعة «وول ستريت» من خلال تصعيد حرب تجارية قد زرع الثقة وأثار مخاوف من أن النماذج المالية التي توجه الأعمال لم تعد قادرة على التنبؤ بما سيأتي بعد ذلك، حسبما قال أكثر من اثني عشر مستثمراً ومديراً تنفيذياً لصحيفة «فايننشال تايمز».

وأشار هوارد ماركس، المؤسس المشارك لشركة «أوكتري كابيتال»، إلى أنه «بالنظر إلى حالة الجهل لدينا وكل ما لا نعرفه، فإن (الاستثمار الآن) يشبه الرهان على نتيجة السوبر بول عندما لا تعرف الفرق التي تلعب أو أيا من لاعبيها».

وقال: «يعتمد الاستثمار إلى حد كبير على افتراض أن المستقبل سيبدو مثل الماضي، ويبدو أن هذا الافتراض أضعف من المعتاد».

وبصفته ابن مطور عقاري في نيويورك وخريج كلية وارتون للأعمال المرموقة، فقد طور ترمب منذ فترة طويلة علاقة شخصية مع «وول ستريت». لكنها غالباً ما كانت محفوفة بالمخاطر.

وبحسب أولئك الذين يعرفونه، فإن ترمب شعر بانتظام بالتهميش من قبل أعلى مستويات «وول ستريت». «تجنبته النخبة المالية في الثمانينيات عندما احتاج إلى مساعدتهم لتمويل مشاريع عقارية، أو سخروا منه لكونه بين المشاهير لا وزن له»، وفقا لما قال شخص مقرب من ترمب غير مسموح له بالتحدث رسمياً للصحيفة.

وأضاف: «لم يكن ترمب ليصبح رئيساً لـ(وول ستريت) أبداً».

ومع ذلك، في ولايته الأولى، أدخل ترمب القطاع المالي في قلب إدارته. فقد عيّن ستيفن منوشين وجاري كوهن، المخضرمين في «غولدمان ساكس»، وزيراً للخزانة وكبيراً للمستشارين الاقتصاديين على التوالي.

كما دعا إلى عقد مجموعة تسمى المنتدى الاستراتيجي والسياسي، والتي ضمت عمالقة «وول ستريت» مثل جيمي ديمون من «جي بي مورغان»، ولاري فينك من «بلاك روك»، وستيفن شوارزمان من «بلاكستون».

وكان ترمب يعقد معهم جلسات استماع بانتظام، غالباً تحت أضواء كاميرات التلفزيون. لكن تلك العلاقة توترت خلال رئاسته، وأدت أعمال الشغب في الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021 إلى قطيعة تامة.

ووصف شوارزمان، الذي ترأس منتدى ترمب للأعمال، التمرد بأنه «مروع». وفي عام 2022، قال شوارزمان إن الوقت قد حان «للتحول إلى جيل جديد من القادة» للحزب الجمهوري، مشيراً إلى أنه لن يدعم ترمب في عام 2024.

لاحظ حلفاء ترمب هذا الازدراء. وقال أحد الممولين المخضرمين المقربين من ترمب: «لم يأخذه هؤلاء الرجال على محمل الجد أبداً. أين كانت معظم (وول ستريت) عندما تعرض ترمب لهجوم من القضاة على مدى السنوات الأربع الماضية؟ من اختارته (وول ستريت) خلال الحملة؟ كامالا هاريس، وليس ترمب. لماذا يجب أن يهتم بـ(وول ستريت) الآن؟».

لم تختفِ تلك المعارضة لترمب إلا عندما بدا أنه قادر على الفوز في عام 2024. عاد شوارزمان إلى المجلس في مايو (أيار) من ذلك العام، واصفاً التصويت لترمب بأنه «تصويت من أجل التغيير». وتبعه آخرون.

بعد فوزه في عام 2024، قال الرئيس التنفيذي لشركة غولدمان ساكس، ديفيد سولومون، إنه «متفائل للغاية» بشأن أجندة ترمب المؤيدة للنمو. دافع ديمون عن الرسوم الجمركية الجديدة باعتبارها إجراءً للأمن القومي، قائلاً لشبكة «سي إن بي سي» إن على الناس «تجاوز الأمر».

تبرعت شركات الاستثمار الخاصة التي دعمت منافسي ترمب بملايين الدولارات لصندوق تنصيبه على أمل استعادة نفوذها. لكن قلّة منها اليوم تحظى باهتمام الرئيس.

وقال رئيس شركة استثمار خاصة: «لقد أحاط ترمب نفسه بغرفة صدى. باستثناء بيسنت، لا يوجد أشخاص حقيقيون، ولا آراء معارضة. الأمر مختلف تماماً عما كان عليه الحال عندما حقق غاري كوهن التوازن».

أظهر ترمب نفسه استعداده لاستهداف من يُعتقد أنهم أظهروا ولاءً غير كافٍ. غريزته الانتقامية تتجلى بوضوح في معركته مع كبرى شركات المحاماة.

وقدرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن بول وايس وسكادن أربس وآخرين تعرضوا لضغوط لتقديم ما يقرب من مليار دولار من العمل التطوعي لقضايا تدعمها الإدارة، خوفاً من أن يؤدي تجاوز البيت الأبيض إلى شلل أعمالهم.

كبار المديرين التنفيذيين الآن حذرون للغاية في كلماتهم، نظراً لأن تعليقاً مرتجلاً قد يثير توبيخاً من البيت الأبيض. إنهم يخشونه... لا يريدون أن ينتهي بهم الأمر إلى أي إجراء قانوني ضد بنكهم أو عائلاتهم. وقد نصحتهم مجالس إداراتهم: «ابقوا صامتين»، وفق سكاراموتشي.

وألمح مايكل سيمباليست، رئيس قسم استراتيجية السوق والاستثمار في «جي بي مورغان»: «بالمناسبة، ليس لدينا حتى مكاتب محاماة قادرة على الدفاع عنكم، لأن جميع مكاتب المحاماة الكبرى قد غرقت في قبضة الرئيس».

عندما قرر ترمب التراجع عن الرسوم الجمركية، لم يكن ذلك لأن كبار رجال «وول ستريت» قد حرّكوا خيوطه. فبحلول فجر التاسع من أبريل (نيسان)، كانت الأسواق المالية العالمية في حالة هبوط حاد، وقد لاحظ الرئيس ذلك.

وقال ترمب لاحقاً: «كانت أسواق السندات تُصبح مُتوترة بعض الشيء، ومُضطربة بعض الشيء»، مُعترفاً بأنه كان يُراقب الاضطرابات المُتزايدة من كثب. استمع إيلون ماسك والرئيس السابق لشركة «غوغل» إريك شميدت وآخرون إلى خطاب دونالد ترمب في ميامي في فبراير (شباط).

في ذلك الصباح، قدم ديمون، رئيس «جي بي مورغان»، حجة لطيفة ولكنها مقنعة في النهاية حول سبب وجوب توقف الرئيس عن حربه التجارية.

لكن ديمون تواصل مع ترمب ليس في محادثة خاصة في «مار إيه لاغو» أو البيت الأبيض. لقد ظهر على قناة «فوكس بيزنس نيوز». تجاوزت ظروف السوق السلبية إلى العدائية.

وقال لورانس سامرز، وزير الخزانة السابق والرئيس السابق لجامعة هارفارد: «كانت حقيقة أن سوق السندات كانت تتحرك في اتجاه الإنذار بدلاً من اتجاه التأمين هي العامل الحاسم الذي جعل الجميع في (وول ستريت) على مستوى مختلف تماماً من التوتر».

وأضاف أن سندات الحكومة الأميركية كانت تتداول فجأة في نمط يشبه ديون الأسواق الناشئة. كان الدولار يضعف في الوقت نفسه.

نتج انهيار سوق السندات جزئياً عن قيام صناديق التحوط في اليابان والولايات المتحدة بتصفية «الصفقات الأساسية» المحفوفة بالمخاطر على سندات الخزانة - وهي استراتيجية غامضة وعالية الاستدانة لطالما تم الإشارة إليها كمحفز محتمل في أوقات الذعر.

في هذه الأثناء، بدأ المستثمرون الأجانب، خوفاً من موقف ترمب العدائي، في سحب أموالهم من الولايات المتحدة. ظهرت الشقوق في أماكن أخرى. تجمدت أسواق الإقراض التي تستخدمها عادةً الشركات منخفضة التصنيف وشركات الأسهم الخاصة، وحتى التكتلات الكبرى تم استبعادها من سوق السندات - وهو أمر نادر.

بعد أسبوع من الاضطرابات، أوقف الرئيس جزئياً تعريفاته الجمركية المتبادلة. وصرح شخص مقرب من ترمب لصحيفة «فايننشال تايمز»: «ترمب لا يمانع في تعرض (وول ستريت) لضربة، لكنه لا يريد انهيار المنزل بأكمله».

حقيقة أن سوق السندات كانت تتحرك في اتجاه الإنذار بدلاً من اتجاه التأمين كانت هي العامل الحاسم في كسر النمط. حقيقة أن الأسواق هي التي أجبرت ترمب على التصرف تؤكد أن مصيره لا يزال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بثروات النخبة المالية، حتى لو استمر تهميشهم في إدارته.

وحتى مع تحرك ترمب لإعادة تشكيل التجارة العالمية، فإنه يواجه ألغاماً أرضية أخرى في النظام المالي. إن صناعة رأس المال الخاص التي تبلغ قيمتها 13 تريليون دولار، والتي تسيطر على حصة متزايدة من الاقتصاد الأميركي وتوظف أكثر من 10 ملايين أميركي، مبنية على الديون.

لقد تركت سنوات من الاستدانة قطاعات واسعة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم هشة ومعرضة بشدة للصدمات. مع تباطؤ النمو وارتفاع التضخم، من المرجح أن تستجيب شركات الأسهم الخاصة بخفض التكاليف والوظائف، مما يزيد من الألم الاقتصادي.

ترتفع معدلات التخلف عن السداد وقد تقفز قريباً، مما يؤدي إلى موجة من حالات الإفلاس. قد تتعرض صناديق التقاعد الكبيرة، التي تستثمر بكثافة في الأسواق الخاصة، أيضاً لضغوط.

ويقول ترمب إنه على استعداد لتحمل الألم الاقتصادي لرؤية خططه تتحقق، «هذه ثورة اقتصادية وسننتصر»، نشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

يبدو المستقبل، في الوقت الحالي، متقلباً. وقال جوزيف فودي، أستاذ الاقتصاد في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك إن الرسوم الجمركية كانت «بمثابة ضربة أساسية لثقة (وول ستريت) في قدرتهم على التنبؤ بما ستفعله الإدارة على الإطلاق. لقد أدركوا الآن أن كل هذا غير مؤكد وغير قابل للتنبؤ».