أزمات روسيا الاقتصادية ورقة رابحة في يد ترمب

مشاة يسيرون بشارع نيفسكي وسط مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا (رويترز)
مشاة يسيرون بشارع نيفسكي وسط مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا (رويترز)
TT

أزمات روسيا الاقتصادية ورقة رابحة في يد ترمب

مشاة يسيرون بشارع نيفسكي وسط مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا (رويترز)
مشاة يسيرون بشارع نيفسكي وسط مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا (رويترز)

يترقب المهتمون بالحرب الروسية الأوكرانية والعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لمعرفة كيفية تعامله مع الحرب التي قال إنه سينهيها في أقرب وقت، مع التحدي الروسي لمنظومة الأمن الأوروبية.

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني، قال المحلل الاقتصادي ديفيد لوبين، كبير الزملاء الباحثين في برنامج مايكل كلاين للاقتصاد العالمي والمالية في المعهد، إن الاقتصاد الروسي يواجه ضغوطاً قوية نتيجة تأثيرات الحرب، وهو ما يمنح ترمب أداة مهمة في المفاوضات لإنهاء الحرب، من خلال فرض مزيد من العقوبات على موسكو، وتغيير سياسة الطاقة الأميركية والأوروبية.

ورغم ذلك، يظل السؤال هو: هل سيكون لدى الإدارة الأميركية الجديدة الرغبة في تشديد الضغط على موسكو؟ أم سيصر ترمب على السعي نحو إقامة علاقة ودية مع روسيا، لعزل الصين التي يقول الرئيس الأميركي المنتخب إنها التهديد الاستراتيجي الأكبر للأمن القومي الأميركي؟

ويمكن اعتبار تبنِّي البنك المركزي الروسي لما يمكن وصفها بأنها أكثر سياسة نقدية تشدداً في العالم، أوضح إشارة إلى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها موسكو.

ورغم أن سعر الفائدة الرئيسية في تركيا يبلغ 47.5 في المائة، أي يزيد بشدة عنه في روسيا؛ حيث يبلغ 21 في المائة؛ فإنه عند حساب سعر الفائدة في ضوء معدل التضخم سنجد أن الفائدة الروسية هي الأعلى عالمياً.

ومنذ انخفاض معدل التضخم التركي إلى أقل من 45 في المائة، فإن سعر الفائدة الحقيقية في تركيا يبلغ نحو 2.5 في المائة، في حين أن الفائدة الحقيقية في روسيا تزيد على 10 في المائة في ضوء اقتراب معدل التضخم من 9 في المائة.

في الوقت نفسه، فإن الإنفاق المباشر على الجيش والأمن الداخلي سيصل إلى 43 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي الروسي خلال العام الحالي، حسب مشروع موازنة 2025. لكن أنواع الإنفاق الأخرى ارتفعت بشدة، ومنها مخصصات التقاعد والبنية التحتية. علاوة على ذلك، ساهم الإقراض المدعوم من الدولة في توفير كميات كبيرة من التمويل الرخيص للاقتصاد، مما أدى إلى تعزيز النشاط بشكل أكبر.

في الوقت نفسه، يعاني الاقتصاد الروسي من نقص القوة العاملة بسبب تجنيد نحو 500 ألف جندي إضافي في صفوف الجيش الروسي منذ بدء الحرب في فبراير (شباط) 2022، وهجرة رأس المال البشري، وأغلبهم من الشباب والعمالة الماهرة إلى خارج البلاد. كل هذا يحدث في الوقت الذي تشهد فيه روسيا تغييرات ديموغرافية تؤدي إلى انكماش في قوة العمل؛ وفق المحلل الاقتصادي ديفيد لوبين.

ونتيجة لكل هذا، زاد الطلب على العمالة، مما أدى إلى ارتفاع لا يمكن احتماله في معدل نمو الأجور. ففي أغلب شهور العام الماضي، كان نمو الأجور يقترب من 20 في المائة، وهو معدل لم تشهده روسيا منذ 15 عاماً، مما يشكل تحدياً كبيراً أمام جهود البنك المركزي الروسي لخفض التضخم إلى 4 في المائة سنوياً.

التضخم وتراجع الصادرات

ولما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى منذ وقت طويل أن التضخم في بلاده تهديد وجودي لشرعيته، فإنه منح إيلفيرا نابيولينا، محافظة البنك المركزي، حرية كبيرة لتشديد السياسة النقدية وكبح جماح التضخم.

في الوقت نفسه، فإن النمو الاقتصادي المفرط ليس مصدر التضخم الوحيد المثير لقلق نابيولينا؛ لأن ميزان المدفوعات الروسي أيضاً مصدر للقلق، بسبب تأثير الحرب على عائدات الصادرات الروسية من العملات الأجنبية.

وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، تراجعت صادرات روسيا إلى الدول المتقدمة التي تدفع قيمة وارداتها بالعملات الصعبة، إلى نحو 10 في المائة من إجمالي صادراتها في أواخر 2024، مقابل أكثر من 50 في المائة في أوائل 2022. كما تراجعت قيمة الصادرات بالدولار من نحو 300 مليار دولار سنوياً في أوائل 2022 إلى أقل من 60 مليار دولار حالياً.

في الوقت نفسه، زادت بشدة تجارة روسيا مع الدول التي لا تدفع قيمة وارداتها بالعملات الحرة القابلة للتداول. وحتى وقف نشر هذه البيانات في أوائل العام الماضي، أعلن البنك المركزي الروسي أن نحو ثلث تجارة روسيا أصبح باليوان الصيني، وهو ما يعني أن كل تجارة روسيا مع الصين لا تحقق عائدات دولارية. الأمر نفسه ينطبق على صادرات روسيا إلى الهند التي تتم تسوية أغلب قيمتها بالروبية الهندية.

وأحدث انهيار تدفقات العملات القابلة للتحويل، والتضخم الناجم عن النمو المفرط للاقتصاد، دماراً كبيراً في سوق الصرف الأجنبي في روسيا. وانخفضت قيمة الروبل مقابل الدولار بأكثر من 20 في المائة العام الماضي.

وهذا التراجع في قيمة الروبل هو المحرك الأكبر لقرار نابيولينا برفع أسعار الفائدة إلى هذا المستوى المرتفع؛ حيث يتتبع سعر الفائدة المعدل وفقاً للتضخم في روسيا سعر صرف الروبل مقابل الدولار من كثب.

ويرى المحلل الاقتصادي ديفيد لوبين، أن أسعار الفائدة المرتفعة ستؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد الروسي، ربما بشكل حاد للغاية. وبالتالي يواجه بوتين معضلة حادة: فهو إما يدعم جهود البنك المركزي للحفاظ على التضخم منخفضاً مع خطر الركود الاقتصادي؛ وإما يبقي الاقتصاد على نموه مع السماح للتضخم بالارتفاع. وهذه المعضلة هي التي تمنح إدارة ترمب القادمة نفوذاً لدى موسكو. فمن خلال العمل على تقييد وصول روسيا إلى النقد الأجنبي، يمكن للولايات المتحدة فرض مزيد من الضغوط على الروبل وتشديد الخناق على بوتين.

أسطول الظل الروسي

ويقول لوبين، المهتم بالسياسات الاقتصادية، إن أحد الخيارات الواضحة لتشديد الضغط الاقتصادي على روسيا، هو زيادة العقوبات على ما يعرف بأسطول «الظل» لناقلات النفط الروسي الذي يساعد موسكو في تجنب السقف الذي حددته مجموعة الدول الصناعية السبع لسعر تصدير النفط الروسي. وحسب أحدث البيانات، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 39 ناقلة مرتبطة بالنفط الروسي مقابل 73 ناقلة فرضت عليها بريطانيا عقوبات.

ومع ذلك، فإن تعهد ترمب بزيادة إنتاج النفط الخام الأميركي يمكن أن يكون له تأثير ضار ملموس على روسيا، إذا حدثت هذه الزيادة بسرعة.

في الوقت نفسه، فإن سوق النفط العالمية تستعد لتراجع الأسعار خلال العام الحالي. وسيكون على موسكو أن تقلق إذا ما عمل ترمب بسرعة على خفض هذه الأسعار. وسيكون أحد المؤشرات مدى السرعة التي سترفع بها الولايات المتحدة إنتاجها بمقدار 3 ملايين برميل يومياً، كما يروج سكوت بيسنت، المرشح لوزارة الخزانة في الإدارة الأميركية الجديدة.

ويرى لوبين أن المشكلة ليست في قدرة ترمب على الضغط على بوتين، وإنما في مدى رغبته في القيام بذلك. فنظراً إلى أن الهدف الاستراتيجي الأكبر للرئيس الأميركي المنتخب هو فك الارتباط بين روسيا والصين لإضعاف الأخيرة -على غرار ما فعله الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون لفك الارتباط بين الصين والاتحاد السوفياتي في سنوات الحرب الباردة لإضعاف الأخيرة- فلن يكون من السهل على ترمب تشديد الضغط على موسكو، وبالتالي لن يستخدم هذه الورقة الرابحة في التعامل مع بوتين.


مقالات ذات صلة

422 مليار دولار فائض الحساب الجاري للصين خلال 2024

الاقتصاد حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

422 مليار دولار فائض الحساب الجاري للصين خلال 2024

سجَّل الحساب الجاري للصين فائضاً وصل إلى 422 مليار دولار خلال عام 2024. حسبما أظهرت بيانات الهيئة الوطنية الصينية للنقد الأجنبي السبت.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض مساء الخميس (د.ب.أ)

أميركا والهند تتوافقان على إجراء محادثات تجارية

قال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، عرض بحث تخفيف الرسوم الجمركية، وشراء مزيد من النفط والغاز والطائرات المقاتلة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض (أ.ب)

ترمب يحدد الخطوط العريضة لخطة «التعريفات الجمركية المضادة»

كلف الرئيس الأميركي دونالد ترمب فريقه الاقتصادي بوضع خطط لفرض تعريفات جمركية مضادة على كل دولة تفرض رسوما على الواردات الأميركية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
عالم الاعمال مجموعة «أباريل» تؤكد أن مستقبل التجزئة سيكون عبر الابتكار والاستدامة

مجموعة «أباريل» تؤكد أن مستقبل التجزئة سيكون عبر الابتكار والاستدامة

أكدت مجموعة «أباريل» التزامها بتعزيز الابتكار والاستدامة بوصفهما عوامل رئيسية لإعادة تشكيل مستقبل قطاع التجزئة.

الاقتصاد لافتة على مدخل مصنع «نيبون ستيل» شمال العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

اليابان تطلب من أميركا إعفاءها من رسوم الصلب والألمنيوم الجديدة

طلبت اليابان من الولايات المتحدة، الأربعاء، إعفاءها من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على صادرات الصلب والألمنيوم.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

«معادن» السعودية تستكمل إجراءات الاستحواذ على 20.62 % من «ألبا» البحرينية

مقر شركة «معادن» الرئيسي في السعودية (الشرق الأوسط)
مقر شركة «معادن» الرئيسي في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

«معادن» السعودية تستكمل إجراءات الاستحواذ على 20.62 % من «ألبا» البحرينية

مقر شركة «معادن» الرئيسي في السعودية (الشرق الأوسط)
مقر شركة «معادن» الرئيسي في السعودية (الشرق الأوسط)

أعلنت شركة التعدين العربية السعودية (معادن)، عن استكمال الإجراءات النظامية فيما يتعلق بصفقة استحواذ «معادن» على حصة شركة «سابك» للاستثمار الصناعية المملوكة لـ«سابك»، في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، وإتمام بيع وشراء الأسهم.

وقالت الشركة في إفصاح لها إلى السوق المالية السعودية (تداول) يوم الأربعاء، إن نتيجة للصفقة، بلغت ملكية شركة «معادن» في رأسمال «ألبا» ما نسبته 20.62 في المائة، وتم استكمال إجراءات الاستحواذ بتاريخ 17 فبراير (شباط) 2025.

وأشارت إلى أن قيمة صفقة البيع بلغت 363.08 مليون دينار بحريني، ما يعادل 3.611 مليار ريال (962.8 مليون دولار).

وكانت «معادن» أعلنت في يناير (كانون الثاني) الماضي عن اتفاقها مع «ألبا» على إنهاء المناقشات فيما يخص الصفقة المقترحة، واكتتاب شركة «معادن» في أسهم جديدة في شركة «ألبا»، مقابل مساهمة عينية من شركة «معادن» لشركة «ألبا» تتمثل في كامل رأسمال شركة معادن للألمنيوم (شركة معادن للألمنيوم)، وكامل رأسمال شركة معادن للبوكسايت والألومينا، بالإضافة إلى الحقوق التعاقدية فيما يتعلق بتسويق وبيع المنتجات التي تنتجها شركة معادن للألمنيوم.

وعلى أساس هذا الاتفاق، أبرمت الشركتان اتفاقية لإنهاء جدول الشروط الرئيسية بتاريخ 13 يناير 2025 لتكون نافذة بأثر فوري.