وزيرة الخزانة البريطانية في زيارة تاريخية للصين سعياً لإعادة إحياء العلاقات

دافعت عن موازنتها «غير القابلة للتفاوض» رغم موجة البيع في أسواق السندات

نائب رئيس الوزراء الصيني يصافح ريفز قبل قمة الخدمات المالية في دار ضيافة الدولة في بكين (رويترز)
نائب رئيس الوزراء الصيني يصافح ريفز قبل قمة الخدمات المالية في دار ضيافة الدولة في بكين (رويترز)
TT

وزيرة الخزانة البريطانية في زيارة تاريخية للصين سعياً لإعادة إحياء العلاقات

نائب رئيس الوزراء الصيني يصافح ريفز قبل قمة الخدمات المالية في دار ضيافة الدولة في بكين (رويترز)
نائب رئيس الوزراء الصيني يصافح ريفز قبل قمة الخدمات المالية في دار ضيافة الدولة في بكين (رويترز)

أعلنت وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز، يوم السبت، أن العلاقات «البراغماتية والقابلة للتنبؤ» مع بكين ستساعد في تعزيز النمو الاقتصادي والتجارة، وذلك خلال بدئها زيارة تاريخية لبكين تسلط الضوء على جهود حكومة حزب العمال لمواصلة التركيز على الخطط طويلة الأجل لجعل الاقتصاد البريطاني ينمو مرة أخرى حتى مع تصاعد المخاوف المالية في البلاد.

ريفز، التي واجهت دعوات من أحزاب المعارضة الرئيسية في بريطانيا لإلغاء الرحلة بسبب اضطرابات السوق هذا الأسبوع، التي وضعت الحكومة البريطانية في موضع شك، تزور بكين لحضور الحوار الاقتصادي والمالي الحادي عشر بين الصين والمملكة المتحدة. وهي تسعى إلى إقامة علاقات مستقرة مع الصين وإحياء المحادثات الاقتصادية والمالية رفيعة المستوى التي كانت مجمدة منذ ما يقرب من ست سنوات.

وبالنسبة للصين، يأتي اللقاء مع ريفز في الوقت الذي تعمل فيه على تحسين العلاقات مع شركاء الولايات المتحدة قبل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

ويُعد توقيت الرحلة إلى الصين محرجاً بالنسبة لريفز بعد أن أثارت عمليات البيع في الأصول البريطانية بما في ذلك سندات الخزانة الحكومية والجنيه الإسترليني في الأيام الأخيرة احتمال اضطرارها للإعلان عن تخفيضات جديدة في الإنفاق أو زيادات ضريبية لتحقيق الاستقرار في الوضع المالي لبريطانيا.

وقالت ريفز إنها تريد علاقة طويلة الأمد مع الصين «تصب في مصلحتنا الوطنية»، مشيرة إلى أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها في بكين ستبلغ قيمتها 600 مليون جنيه إسترليني للمملكة المتحدة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ريفز ونائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفينغ يلتقطان صورة جماعية قبل بدء أعمال منتدى التعاون الصيني - البريطاني (أ.ف.ب)

وأضافت أن المملكة المتحدة تريد إيجاد «أرضية مشتركة بشأن التجارة والاستثمار مع التحلي بالصراحة بشأن خلافاتنا والحفاظ على الأمن القومي باعتباره الواجب الأول لهذه الحكومة».

وتحت ضغط الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة البريطانية، دافعت ريفز عن موازنتها في بداية زيارتها التي تستغرق يومين إلى الصين، حيث تسعى إلى إحياء المحادثات الاقتصادية والمالية رفيعة المستوى التي كانت مجمدة منذ ما يقرب من ست سنوات.

وقالت ريفز للصحافيين في متجر برومبتون للدراجات الهوائية في بكين: «القواعد المالية التي حددتها في موازنتي في أكتوبر (تشرين الأول) غير قابلة للتفاوض، والنمو هو المهمة الأولى لهذه الحكومة لجعل بلدنا أفضل حالاً. لهذا السبب أنا في الصين لفتح فوائد ملموسة للشركات البريطانية المصدرة والمتاجرة في جميع أنحاء العالم لضمان وصولنا إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم».

أثار ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي البريطاني، الذي يرجع جزئياً إلى عمليات بيع السندات العالمية، مقارنات مع أزمة «الموازنة المصغرة» لعام 2022 التي أجبرت رئيسة الوزراء آنذاك ليز تروس على الخروج من «داونينغ ستريت».

ومع ذلك، كانت تحركات السوق هذا الأسبوع أقل حدة ولم يكن هناك حتى الآن أي دليل على الضغط على المستثمرين المؤسسيين الذي أجبر بنك إنجلترا على شراء السندات الطارئة في عام 2022.

بعد زيارتها لمتجر الدراجات، التقت ريفز بنائب الرئيس هان تشنغ، وقالت له إنه «من المهم أن يكون لدينا حوار مفتوح وصريح في المجالات التي نتفق فيها، ولكن أيضاً في المجالات التي لدينا فيها وجهات نظر مختلفة».

المصلحة الوطنية

ثم التقى وفدها الذي يضم محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس مجلس إدارة بنك «ستاندرد تشارترد» خوسيه فينالس ورئيس مجلس إدارة بنك «إتش إس بي سي» مارك تاكر، بنظرائهم الصينيين بقيادة نائب رئيس الوزراء هي ليفنغ.

ريفز تتحدث خلال الحوار الاقتصادي والمالي بين الصين والمملكة المتحدة في بكين (إ.ب.أ)

وفي كلمته الافتتاحية، دعا هي ليفنغ الشركات المالية البريطانية إلى توسيع نطاق خدمات اليوان وتعزيز تدويله بشكل أعمق، كما دعاهم إلى المشاركة في التمويل الأخضر وصناعة المعاشات التقاعدية في الصين.

وقال هي إن الصين والمملكة المتحدة اقتصادان رئيسيان وقويان مالياً في العالم، مشيراً إلى أن تعزيز التعاون الاقتصادي والمالي بروح الشراكة الاستراتيجية له أهمية كبيرة في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين حياة الناس وتشجيع التنمية الخضراء في هذين البلدين.

وأضاف هي أن الصين مستعدة لمواصلة توسيع الانفتاح والتبادلات مع المملكة المتحدة وتعزيز التفاهم والثقة المتبادلة وتعميق التعاون متبادل المنفعة لتحقيق المزيد من الفوائد للبلدين والعالم.

وقالت ريفز من جهتها إنها تتطلع إلى إصدار الصين لأول سندات خضراء سيادية خارجية في لندن هذا العام.

وتأتي زيارتها في أعقاب الحوار الذي بدأ العام الماضي بين رئيس الوزراء كير ستارمر والرئيس الصيني شي جينبينغ، وهو الأول بين زعيمي البلدين منذ عام 2018.

يتناقض النهج الذي اتبعته حكومة حزب العمال بزعامة ستارمر، التي انتخبت في يوليو (تموز) الماضي، مع نهج حكومة المحافظين السابقة، التي اتبعت نهجاً قوياً في التعامل مع الخلافات مع الصين - خاصةً بشأن حقوق الإنسان وهونغ كونغ ومزاعم التجسس الصيني.

ورداً على سؤال يوم الخميس حول ما إذا كانت ريفز ستثير قضايا حقوق الإنسان، قال المتحدث باسم ستارمر إن زيارتها تتناسب مع موقف لندن الذي يتمثل في اتباع نهج استراتيجي تجاه الصين وتحديها «بقوة» عند الضرورة.

لطالما وصف ستارمر رغبته في بناء علاقة مع الصين «متجذرة في المصالح الوطنية للمملكة المتحدة» من خلال تعزيز التجارة، وهي مهمة قد تصبح أكثر صعوبة إذا نفذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تهديده بفرض رسوم جمركية على جميع الواردات.

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت بريطانيا ستتبع واشنطن وبروكسل في فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، قالت ريفز، التي ستكون في شنغهاي يوم الأحد: «نحن نبقي القضايا قيد المراجعة ولكننا نتخذ القرارات التي تصب في مصلحتنا الوطنية».

وأضافت أن مصنّعي السيارات البريطانيين، «مثل (جاغوار لاند روفر)، يصدّرون بشكل كبير إلى الأسواق الصينية، ونريد مساعدتهم على النمو».

تعتبر الصين رابع أكبر شريك تجاري لبريطانيا، حيث تبلغ قيمة تجارة السلع والخدمات ما يقرب من 113 مليار جنيه إسترليني (138 مليار دولار).


مقالات ذات صلة

ألمانيا تطالب أوروبا بزيادة الضرائب على شركات التكنولوجيا الأميركية

الاقتصاد شعارات شركات تكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي تظهر من خلال عدسة مكبرة (رويترز)

ألمانيا تطالب أوروبا بزيادة الضرائب على شركات التكنولوجيا الأميركية

قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إنه حال نشوب نزاع بشأن الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة تحت حكم الرئيس دونالد ترمب، سيتعين على أوروبا الرد «بقوة».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد مشاة يسيرون بشارع نيفسكي وسط مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا (رويترز)

أزمات روسيا الاقتصادية ورقة رابحة في يد ترمب

تعطي أزمات روسيا الاقتصادية، الناتجة من تداعيات الحرب مع أوكرانيا، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب زخماً لتنفيذ وعوده بإنهاء الحرب في أقرب وقت.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية احتجاج أمام بلدية أكدنيز في مرسين على اعتقال رئيسيها المشاركين (إعلام تركي)

تركيا: اعتقالات جديدة لرؤساء بلديات كردية... وتفاؤل بحقبة ترمب

عبّرت تركيا عن تفاؤلها بالعلاقات مع أميركا في عهد الإدارة الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترمب ووجهت انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي واتهمته بـ«العمى الاستراتيجي».

سعيد عبد الرازق
الاقتصاد جانب من إطلاق استراتيجية قطر للصناعة والتجارة (الشرق الأوسط)

قطر تطلق استراتيجيتها للصناعة والتجارة 2024 - 2030 لتحقيق نمو مستدام

أطلقت وزارة التجارة والصناعة القطرية، الخميس، استراتيجيتها للفترة 2024 - 2030، التي تتضمن 188 مشروعاً، منها 104 مشروعات مخصصة للصناعات التحويلية.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

قالت الصين الخميس إن تحقيقاتها وجدت أن الاتحاد الأوروبي فرض «حواجز تجارية واستثمارية» غير عادلة عليها مما أضاف إلى التوترات التجارية طويلة الأمد

«الشرق الأوسط» (بكين)

ما مصير أسعار الفائدة بعد تقرير الوظائف الساخن في أميركا؟

عرض علامة توظيف في مركز للياقة البدنية في ريفر وودز بإلينوي (أ.ب)
عرض علامة توظيف في مركز للياقة البدنية في ريفر وودز بإلينوي (أ.ب)
TT

ما مصير أسعار الفائدة بعد تقرير الوظائف الساخن في أميركا؟

عرض علامة توظيف في مركز للياقة البدنية في ريفر وودز بإلينوي (أ.ب)
عرض علامة توظيف في مركز للياقة البدنية في ريفر وودز بإلينوي (أ.ب)

جعل تقرير الوظائف الساخن في الولايات المتحدة لشهر ديسمبر (كانون الأول)، العديد من الخبراء الاستراتيجيين واثقين من أن «الاحتياطي الفيدرالي» سيؤجل المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة في الوقت الحالي.

ويعتقد البعض في «وول ستريت» أن هذا التقرير قد يكون قد فتح الباب أمام «الاحتياطي الفيدرالي» لإعادة البحث في رفع أسعار الفائدة في عام 2025.

وكتب الخبير الاقتصادي الأميركي في «بنك أوف أميركا» للأوراق المالية، أديتيا بهافي، في مذكرة للعملاء يوم الجمعة: «حالتنا الأساسية تشير إلى أن (الاحتياطي الفيدرالي) سيبقى على حالة الانتظار الممتدة. لكننا نعتقد أن مخاطر الخطوة التالية تميل نحو رفع الفائدة».

وحذّر بهافي من أن سقف رفع أسعار الفائدة مرتفع؛ إذ لا يزال مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي» يصفون المستوى الحالي لأسعار الفائدة بأنه مقيّد، وفق ما نقل عنه موقع «ياهو فاينانس». ولكن إذا تسارع مقياس التضخم المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي» - مقياس نفقات الاستهلاك الشخصي، باستثناء الفئات المتقلبة مثل الغذاء والطاقة - أو إذا ارتفعت توقعات التضخم إلى أعلى؛ فقد يكون رفع الفائدة مطروحاً على الطاولة.

متداولون في بورصة نيويورك حيث انخفض مؤشر «داو جونز» بأكثر من 700 نقطة بعد تقرير الوظائف (رويترز)

وقد أظهرت القراءة الأخيرة لنفقات الاستهلاك الشخصي (الأساسية) ارتفاع الأسعار بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهي أعلى من القراءة التي بلغت 2.7 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول).

هناك أيضاً قلق بين الاقتصاديين من أن سياسات الرئيس القادم دونالد ترمب قد تدفع التضخم إلى الأعلى أو، على الأقل، قد تعوق تقدم التضخم للتباطؤ نحو هدف «الاحتياطي الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.

وتترقب الأسواق بيانات التضخم الأميركي وسط توقعات بارتفاعه.

وأظهرت قراءة جديدة من جامعة ميشيغان أن توقعات المستهلكين للتضخم على أساس سنوي قفزت إلى 3.3 في المائة في يناير (كانون الثاني) من 2.8 في المائة في الشهر السابق. وفي الوقت نفسه، بلغت توقعات التضخم على المدى الطويل أيضاً 3.3 في المائة في يناير، وهو أعلى مستوى لهذا المقياس منذ عام 2008.

وكتب بهافي قائلاً: «بعد تقرير الوظائف القوي للغاية لشهر ديسمبر، نعتقد أن دورة خفض الوظائف قد انتهت. التضخم عالق فوق المستوى المستهدف، مع وجود مخاطر صعودية».

وأظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل الصادرة يوم الجمعة أنه تم توفير 256 ألف وظيفة جديدة في ديسمبر، وهو ما يزيد بكثير عن 165 ألف وظيفة توقعها الاقتصاديون، وأعلى من 212 ألفاً في نوفمبر. وفي الوقت نفسه، انخفض معدل البطالة من 4.2 في المائة في الشهر السابق إلى 4.1 في المائة.

وكان أعلى معدل للبطالة قد بلغ في البداية 4.3 في المائة في يوليو (تموز) الماضي، وهو الرقم الذي أثار مخاوف المستثمرين، وساهم في عمليات بيع في سوق الأسهم في أغسطس (آب). لكن تم تعديل هذا الرقم إلى 4.2 في المائة في بيان يوم الجمعة؛ مما يدل على أنه على الرغم من تراجع سوق العمل خلال عام 2024، فإنه لا يتدهور بوتيرة مقلقة.

وكتبت كبيرة الاقتصاديين في «ويلز فارغو»، سارة هاوس، في مذكرة للعملاء يوم الجمعة: «من وجهة نظر (الاحتياطي الفيدرالي)، بدأ معدل البطالة العام في منطقة ساخنة للغاية عند 3.7 في المائة، لكنه هدأ إلى المستوى الصحيح عند 4.1 في المائة في ديسمبر».

مع وجود سوق العمل في حالة قوية، تعتقد هاوس أن عدم خفض «الاحتياطي الفيدرالي» لأسعار الفائدة عندما يعلن عن قراره التالي في 30 يناير «أمر مؤكد». كما أن خفض الفائدة في مارس (آذار) يبدو مستبعداً بشكل متزايد أيضاً.

وكتبت هاوس: «سيتطلب الأمر مزيداً من التباطؤ في التضخم أو بيانات سوق العمل التي هي أضعف بكثير، حتى تستأنف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعاتها القليلة المقبلة».

بايدن يشيد بـ«التقدم التحويلي»

لقد كان لدى الرئيس جو بايدن أخبار جيدة ليقدمها في تقرير الوظائف النهائي لإدارته. فخلال حديثه من غرفة روزفلت في البيت الأبيض مساء الجمعة، أشاد بـ«التقدم التحويلي» الذي أحرزه الاقتصاد تحت إشرافه.

الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث من غرفة روزفلت حول تقرير الوظائف (رويترز)

وقال بايدن إن 16.6 مليون وظيفة جديدة تم خلقها، مضيفاً أن هذا «أكبر عدد من الوظائف في أي فترة رئاسية واحدة في التاريخ».

وأضاف بايدن: «أعتقد أن الاقتصاد الذي أتركه هو الأفضل في العالم، وأقوى من أي وقت مضى لجميع الأميركيين. لذلك أعتقد أن هذا ما لدينا. سنرى ما سيفعله الرئيس المقبل».