روما تقر موازنة 2025 مع تدابير لخفض الضرائب واحتواء العجز

يجلس الناس على طاولات خارجية في ساحة سان ماركو في البندقية بإيطاليا (رويترز)
يجلس الناس على طاولات خارجية في ساحة سان ماركو في البندقية بإيطاليا (رويترز)
TT

روما تقر موازنة 2025 مع تدابير لخفض الضرائب واحتواء العجز

يجلس الناس على طاولات خارجية في ساحة سان ماركو في البندقية بإيطاليا (رويترز)
يجلس الناس على طاولات خارجية في ساحة سان ماركو في البندقية بإيطاليا (رويترز)

وافق البرلمان الإيطالي، السبت، على موازنة عام 2025، وفق خطة هدفها تلبية مطالب المفوضية الأوروبية باحتواء العجز من جهة، والإيفاء بتعهّد رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني خفض الضرائب من جهة أخرى.

وخصّص أكثر من نصف الموازنة المقدرة بنحو 30 مليار يورو (31 مليار دولار) للتخفيضات الضريبية واشتراكات الضمان الاجتماعي لذوي الدخل المتدني أو المتوسط.

وخضعت روما لضغوط كبيرة من بروكسل في فترة سابقة من العام لخفض مديونيتها المقدّرة بنحو 3 تريليونات يورو، وهي ثاني أعلى مديونية نسبة إلى إجمالي الناتج المحلي في دول الاتحاد الأوروبي.

وقد تعهّد الائتلاف اليميني المتطرّف الحاكم، بزعامة ميلوني، خفض العجز العام إلى 3.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2025، علماً بأن نسبته تقدّر هذه السنة بـ3.8 في المائة.

غير أن هذه التدابير تأتي في خضم نمو متباطئ، مع ارتفاع متوقع في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 0.5 في المائة فقط هذه السنة، وفق المكتب الوطني للإحصاء (إيستات).

وتتضمّن الموازنة خفض نسبة الضرائب المفروضة على الأسر التي تجني 28 ألف يورو في السنة من 25 إلى 23 في المائة، فضلاً عن توسيع نطاق الأشخاص المؤهّلين لتخفيض في الرسوم الاجتماعية أو الضريبية.

ويسعى حزب ميلوني اليميني المتطرّف «فراتيلي ديتاليا» إلى رفع معدّل الولادات الراكد في البلد. وتخصّص الموازنة الجديدة علاوة بقيمة ألف يورو لكل مولود جديد في الأسر التي يصل دخلها السنوي إلى 40 ألف يورو.

وبضغط من بروكسل وجمعيات حماية البيئة، تُقدم الحكومة الإيطالية في ميزانيتها الجديدة علاوةً قد تصل إلى مائة يورو أو مائتين للأسر التي تجني أقل من 25 ألف يورو، في مقابل اقتناء أجهزة منزلية فعّالة من حيث الطاقة.

وسيتسنّى للشركات التي تعزّز التوظيف، وتعيد استثمار جزء من أرباحها الاستفادة من تخفيض ضريبي من 24 إلى 20 في المائة، في تدبير جديد مموّل جزئياً من القطاع المصرفي الإيطالي الذي طُلب منه المساهمة في ميزانيتي عامي 2025 و2026، بقيمة إجمالية قدرها 3.4 مليار يورو. واتُّفق معه على تعليق الحسوم الضريبية لهاتين السنتين بغية توفير سيولة للدولة يعاد تسديدها في وقت لاحق.


مقالات ذات صلة

كيف تخطط سلطنة عُمان لتغطية عجز موازنة 2025؟

الاقتصاد العاصمة العمانية مسقط (وكالة الأنباء العمانية)

كيف تخطط سلطنة عُمان لتغطية عجز موازنة 2025؟

تخطط الحكومة العمانية لإصدار سندات تنمية حكومية وصكوك محلية سيادية بقيمة 750 مليون ريال عماني عام 2025؛ لتغطية العجز المتوقع في الموازنة وخدمة الدين.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
الاقتصاد يسير الناس عبر منطقة سيتي أوف لندن المالية (رويترز)

تكاليف الاقتراض الحكومي في بريطانيا تسجل أعلى مستوى منذ 1998

سجلت تكاليف الاقتراض الحكومي طويل الأجل في بريطانيا أعلى مستوياتها منذ عام 1998 يوم الثلاثاء، مما يزيد من التحديات التي تواجه وزيرة المالية راشيل ريفز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد منظر جوي يُظهر برج إيفل ونهر السين وأفق باريس (رويترز)

فرنسا تستهدف توفير 52 مليار دولار وخفض العجز إلى 5- 5.5 % بموازنة 2025

قال وزير المالية الفرنسي، إريك لومبارد، يوم الاثنين، إن الحكومة الجديدة في فرنسا تهدف إلى جمع نحو 50 مليار يورو (ما يعادل 52 مليار دولار) من المدَّخرات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد يمشي الركاب أثناء مرور الحافلات خلال ساعة الذروة الصباحية بالقرب من بنك إنجلترا بالحي المالي في مدينة لندن (رويترز)

تباطؤ نمو نشاط الأعمال في بريطانيا مع تسريح الموظفين بأسرع وتيرة منذ 4 سنوات

شهد نمو نشاط الأعمال بالمملكة المتحدة تباطؤاً ملحوظاً في ديسمبر 2024 حيث خفض أصحاب العمل أعداد الموظفين بأسرع وتيرة منذ ما يقارب أربع سنوات

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مصنع للأقمشة في هدرسفيلد (رويترز)

انكماش قطاع التصنيع البريطاني بأسرع وتيرة في 11 شهراً

انكمش نشاط المصانع البريطانية بأسرع وتيرة خلال 11 شهراً في ديسمبر، حيث خفض المصنعون مستويات التوظيف بسبب ارتفاع الضرائب وضعف الطلب الأجنبي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.