باول في رد غير مباشر على ترمب: استقلال «الفيدرالي» عن السياسة حيوي لقراراته

قال إن «الاحتياطي» قادر على تحمل المزيد من الحذر

ترمب ينظر إلى باول مرشحه لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الثاني من نوفمبر 2017 (أرشيفية - رويترز)
ترمب ينظر إلى باول مرشحه لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الثاني من نوفمبر 2017 (أرشيفية - رويترز)
TT

باول في رد غير مباشر على ترمب: استقلال «الفيدرالي» عن السياسة حيوي لقراراته

ترمب ينظر إلى باول مرشحه لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الثاني من نوفمبر 2017 (أرشيفية - رويترز)
ترمب ينظر إلى باول مرشحه لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الثاني من نوفمبر 2017 (أرشيفية - رويترز)

قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول، يوم الأربعاء، إن قدرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي على تحديد أسعار الفائدة بعيداً عن التدخلات السياسية ضرورية لاتخاذ قرارات تخدم «جميع الأميركيين» وليس حزباً سياسياً أو نتيجة سياسية. وأوضح أن الاقتصاد أقوى الآن مما توقعه البنك المركزي في سبتمبر (أيلول) عندما بدأ في خفض أسعار الفائدة، وبدا أنه يشير إلى دعمه لتباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة في المستقبل.

وفي حديثه في مؤتمر «ديل بوك» الذي نظمته صحيفة «نيويورك تايمز»، تناول باول سؤالاً حول الانتقادات العامة العديدة التي وجهها الرئيس المنتخب دونالد ترمب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ولباول نفسه.

وكان ترمب قد أصر، خلال حملته الانتخابية، على أنه بصفته رئيساً، يجب أن يكون له «رأي» في سياسات أسعار الفائدة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وفي تصريحاته يوم الأربعاء، قال باول: «من المفترض أن نحقق أقصى قدر من التشغيل واستقرار الأسعار لصالح جميع الأميركيين والابتعاد عن السياسة تماماً».

على الرغم من تعليقات ترمب، أعرب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن ثقته من الدعم واسع النطاق في الكونغرس للحفاظ على استقلال البنك المركزي.

وقال: «لست قلقاً بشأن وجود بعض المخاطر التي قد تجعلنا نفقد استقلالنا القانوني. هناك دعم واسع النطاق للغاية في الكونغرس، في كلا الحزبين السياسيين».

أسعار الفائدة

وفيما يتعلق بأسعار الفائدة، قال باول إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يستطيع أن يتحمّل خفض سعر الفائدة القياسي بحذر، لأن الاقتصاد يعمل بشكل أفضل مما كان يعتقد بنك الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر، عندما توقع بشكل جماعي 4 تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2025 بعد 3 تخفيضات في عام 2024.

وقال باول: «نحن لسنا على الطريق الصحيح فيما يتعلق بالتضخم، لكننا نحرز تقدماً. يمكننا أن نتحمل أن نكون أكثر حذراً».

كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يهدف إلى تحقيق «هبوط ناعم» للاقتصاد؛ حيث تتمكن زيادات أسعار الفائدة التي يقوم بها البنك المركزي من المساعدة في خفض التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة دون التسبب في ركود. وقد أظهر التاريخ أن هذا إنجاز نادر وصعب.

باول يتحدث في مؤتمر «ديل بوك» الذي نظمته صحيفة «نيويورك تايمز» (أ.ب)

ومع ذلك، يبدو أن الاقتصاد يسير على المسار الصحيح إلى حد كبير لتحقيق مثل هذه النتيجة. فقد تباطأ سوق العمل، وانخفض التضخم بشكل حاد، رغم أنه ظل عالقاً في الأشهر الأخيرة فوق هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل متواضع، وهو ما قد يجعل صناع السياسات مترددين في خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر. وقال العديد من المسؤولين الآخرين في بنك الاحتياطي الفيدرالي، هذا الأسبوع، إنهم يتوقعون الاستمرار في خفض أسعار الفائدة، دون الالتزام بخفضها في اجتماعهم المقبل في وقت لاحق من هذا الشهر.

ففي يوم الاثنين، قال كريستوفر والر، وهو عضو مؤثر في مجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي، إنه «يميل» نحو خفض أسعار الفائدة عندما يجتمع البنك المركزي في غضون أسبوعين. وأضاف والر، مع ذلك، أنه إذا بدت البيانات المقبلة بشأن التضخم أو التوظيف أسوأ مما يتوقعه بنك الاحتياطي الفيدرالي، فقد يفضل إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير.

وفي يوم الثلاثاء، قالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ماري دالي، إنها تدعم المزيد من خفض أسعار الفائدة، دون التعليق بشكل خاص على جدول زمني. وقالت دالي، في مقابلة على قناة «فوكس بيزنس نيوز»: «سواء كان ذلك في ديسمبر (كانون الأول) أو بعد ذلك ببعض الوقت، فهذه مسألة سنحظى بفرصة لمناقشتها في اجتماعنا المقبل. لكن النقطة هي أننا يجب أن نستمر في خفض السياسة لاستيعاب الاقتصاد لأننا نريد توسعاً دائماً مع انخفاض التضخم».

وفي وقت سابق من يوم الأربعاء، أبدى مسؤولان آخران في بنك الاحتياطي الفيدرالي – رئيسا البنكين الإقليميين في ريتشموند وسانت لويس - استعدادهما للتحرك.

وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس ألبرتو موساليم في مؤتمر «بلومبرغ» للسياسة النقدية: «سأبقي جميع خياراتي مفتوحة»، مضيفاً أنه سينظر في البيانات الواردة قبل أن يقرر ما إذا كانت الأسعار بحاجة إلى الانخفاض مرة أخرى في غضون أسبوعين.

وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، توماس باركين، في مجلس المديرين الماليين لشبكة «سي إن بي سي»، إنه يعتقد أن التضخم والتوظيف يتجهان في الاتجاه الصحيح، ولكن مع المزيد من البيانات المقبلة قبل الاجتماع، فلن يحكم مسبقاً على النتيجة.

استطلاع

وبينما كان باول يتحدث، نشر بنك الاحتياطي الفيدرالي استطلاعاً أظهر أن الشركات في جميع أنحاء البلاد متفائلة بشأن ارتفاع الطلب في الأشهر المقبلة، على الرغم من أنها في الوقت نفسه قلقة بشأن العواقب التضخمية المحتملة للرسوم الجمركية التي وعد بها الرئيس المنتخب دونالد ترمب. وأظهر مسح تجاري بعض التباطؤ في قطاع الخدمات الأميركي واسع النطاق وقلق الشركات بشأن احتمالية فرض جولة جديدة من التعريفات الجمركية على الواردات من إدارة ترمب القادمة في أوائل العام المقبل، التي يخشون أن تعني ارتفاع الأسعار في المستقبل.

وفي الوقت نفسه، كانت مبيعات السيارات في نوفمبر (تشرين الثاني) الأعلى في أكثر من 3 سنوات، مما يدل على أن الاستهلاك لا يزال سليماً. من الواضح أن هذا المزيج المستمر من البيانات الساخنة والباردة هو الذي يجعل مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي في حالة تأهب ويحجمون عن تقديم الكثير في شكل إرشادات مستقبلية ملموسة، حتى مع ملاحظة البعض أن الأسعار لا تزال أعلى بكثير من المستوى الذي قد يتوقف عنده التضخم.


مقالات ذات صلة

الذهب يسجل مكاسب ملحوظة مع تزايد المخاوف حول سياسات ترمب

الاقتصاد سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» للذهب في ميونيخ (رويترز)

الذهب يسجل مكاسب ملحوظة مع تزايد المخاوف حول سياسات ترمب

ارتفعت أسعار الذهب يوم الجمعة مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما زاد من الطلب على السبائك.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ب)

محضر «الفيدرالي»: المسؤولون يرون مخاطر تضخمية جديدة من جراء سياسات ترمب

أعرب مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اجتماعهم في ديسمبر (كانون الأول) عن قلقهم بشأن التضخم والتأثير الذي قد تخلفه سياسات ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر (أ.ب)

كبير مسؤولي «الفيدرالي» يواصل دعم خفض الفائدة رغم التضخم والتعريفات الجمركية

قال أحد كبار صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي إنه لا يزال يدعم خفض أسعار الفائدة هذا العام على الرغم من ارتفاع التضخم واحتمال فرض تعريفات جمركية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يصطف الناس خارج مركز التوظيف في لويسفيل بكنتاكي (رويترز)

انخفاض غير متوقع في طلبات إعانة البطالة الأسبوعية الأميركية

انخفض عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع في الأسبوع الماضي مما يشير إلى استقرار سوق العمل بداية العام

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

هل يؤكد «الفيدرالي» توقف خفض الفائدة في محضر اجتماع ديسمبر؟

يتوقع بعض مراقبي «الفيدرالي» أن يوفر المحضر معلومات جديدة حول نهاية ما يُعرف بتشديد السياسة النقدية الكمي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)

ما إن انتخب مجلس النواب اللبناني العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد، بعد أكثر من عامين على الشغور الرئاسي، حتى عززت سندات لبنان الدولارية مكاسبها مسجلةً ارتفاعاً حاداً وسط تفاؤل بإجراء إصلاحات في بلد مزقته الحروب، وأنهكت اقتصاده الذي تناوله عون في خطابه بعد إدلائه بالقسم، حين شدّد على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر.

وقد شهدت سندات لبنان الدولية بآجالها كافة، الخميس، ارتفاعاً إلى أكثر من 16 سنتاً للدولار، من حوالي 13 سنتاً يوم الأربعاء، وذلك بعدما كانت وصلت إلى أدنى مستوياتها عند 6.25 سنت في عام 2022، رغم أنها لا تزال أدنى بكثير من أسعار سندات دول أخرى تخلفت عن سداد التزاماتها في العام نفسه.

جوزيف عون يسير بعد انتخابه رئيساً للبنان في مبنى البرلمان ببيروت (رويترز)

وكان لبنان أعلن التخلف عن سداد ديونه في ربيع عام 2020 بعد أن سقط النظام المالي في البلاد في أزمة اقتصادية عميقة في 2019.

وتأتي هذه الزيادة في قيمة السندات في وقت بالغ الحساسية، حيث لا يزال الاقتصاد اللبناني يترنح تحت وطأة تداعيات الانهيار المالي المدمر الذي بدأ في 2019، إذ يواجه أزمة مصرفية ونقدية وسياسية غير مسبوقة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، أثرت بشكل عميق على استقراره النقدي، مما جعله واحداً من أكثر البلدان عُرضة للأزمات المالية في المنطقة. ومنذ بداية هذه الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشاً حاداً ناهز 40 في المائة، مما أدى إلى تدهور ملحوظ في جميع القطاعات الاقتصادية. كما فقدت الليرة اللبنانية ما يقارب 98 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة معاناتهم. في الوقت نفسه، سجل التضخم معدلات غير مسبوقة، مما زاد من الأعباء المالية على الأسر. وفي الوقت ذاته، خسر المصرف المركزي اللبناني ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي، مما أضعف قدرته على دعم العملة المحلية وضمان استقرارها.

ويرى مراقبون أن الارتفاع القوي لسندات ما يعرف باليوروبوندز ينبع من التفاؤل بأن انتخاب عون رئيساً جديداً سيفتح الباب على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية مطلوبة بشدة. ويعدون أن هذا من شأنه أن يمهد الطريق لإعادة هيكلة السندات الدولية في نهاية المطاف.

لكن التحدي هو في اختيار رئيس للوزراء، والإسراع في تشكيل حكومة تعمل على تمرير الإصلاحات بالتعاون مع مجلس النواب.

وقال سورين ميرش، مدير المحافظ في «دانسكي بنك» في كوبنهاغن الذي بدأ بشراء السندات اللبنانية في سبتمبر (أيلول): «إذا تمكن لبنان من انتخاب رئيس جديد، فأتوقع أن ترتفع السندات. فانتخاب رئيس يعني على الأرجح تعيين رئيس وزراء، وتشكيل حكومة فعّالة بدلاً من تلك القائمة بالوكالة»، وفق «بلومبرغ».

وتوازياً، شهدت الأسواق اللبنانية حالة من التهافت على شراء الليرة اللبنانية، حيث عدّ كثير من اللبنانيين أن انتخاب عون قد يُشكّل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، ما قد ينعكس إيجاباً على العملة المحلية. ومع الآمال التي علّقها البعض على تحسن الوضع الاقتصادي، يتوقع كثيرون أن تشهد الليرة تحسناً مقابل الدولار في ظل التفاؤل الذي صاحب هذه الخطوة السياسية المهمة.

الاقتصاد في خطاب عون

في خطابه الأول بعد انتخابه رئيساً، شدّد عون على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر، مؤكداً على أهمية بناء قطاع مصرفي يتمتع بالاستقلالية التامة، بحيث لا يكون الحاكم فيه سوى القوانين. كما بعث برسالة واضحة ومباشرة إلى المواطنين والمودعين، مؤكداً أن حماية أموالهم ستظل على رأس أولوياته، معلناً أنه لن يتهاون في هذا الملف الذي يمثل تحدياً كبيراً.

أعضاء من الجيش اللبناني يقفون خارج فرع «بنك بلوم» في بيروت (رويترز)

وأكد عزمه على بناء علاقات قوية مع الدول العربية، التي تُعد شريكاً رئيساً في إعادة الإعمار، ودعم لبنان اقتصادياً، لا سيما وأن تعزيز هذه العلاقات سيسهم في الحصول على الدعم المالي العربي، وتحفيز النمو من خلال جذب الاستثمارات، وفتح قنوات التعاون مع دول دعمت لبنان في فترات سابقة.

تحديات

إلا أن تحديات كبيرة تواجه الرئيس. فهل سيتمكن عون من تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته الراهنة وتحقيق الاستقرار المالي؟

يتصدر ملف الإصلاحات الاقتصادية أولويات الاستحقاقات الوطنية في لبنان، ويُعد البوابة الأساسية لاستعادة الاستقرار المالي والانطلاق نحو تعافي الاقتصاد المترنح. وتتجاوز أهمية هذه الإصلاحات تحسين الوضع الداخلي، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة إعادة الإعمار والحصول على الدعم المالي. وفي هذا السياق، يُتوقع أن يُعاد إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق ينص على تأمين الدعم المالي مقابل التزام الحكومة بحزمة إصلاحات هيكلية ومالية تشمل تحسين إدارة القطاع العام، ومكافحة الفساد، وتحرير الاقتصاد من القيود التي تعرقل نموه. وتُعد هذه الإصلاحات حجر الزاوية في عملية إنقاذ لبنان، حيث تشكل الأساس للحصول على الدعم الدولي بشتى أنواعه.

وفي ظل استمرار لبنان في معركته ضد الدين العام الهائل الذي بلغ نحو 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، سيواجه الرئيس الجديد مهمة شاقة تتمثل في إرساء الاستقرار المالي الذي من شأنه أن يعزز الثقة المتجددة في النظام الاقتصادي اللبناني، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الديْن العام، وبدء مفاوضات جادة مع الدائنين.

كذلك ستتجه الأنظار إلى آفاق جديدة في إدارة الاقتصاد اللبناني، لا سيما فيما يتعلق بإعادة استقرار سعر صرف الليرة، التي سجلت اليوم 89 ألف ليرة مقابل دولار واحد، بعد أن كانت عند 1500 ليرة في عام 2019. وتبدي الأوساط الاقتصادية أملاً كبيراً في تحسن الوضع المالي بفضل السياسات النقدية الجديدة التي سيقودها حاكم أصيل لمصرف لبنان. ومن هذا المنطلق، يعد انتخاب عون خطوة محورية نحو تحقيق بيئة سياسية أكثر استقراراً، وهو ما يسهم في تعزيز الثقة في النظام النقدي اللبناني المتأزم.

علاوة على ذلك، تقع على الحكومة المقبلة سياسات مالية تهدف إلى تقليص العجز في الموازنة العامة من خلال تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات المحلية. ويُعد التركيز على مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من بين الأولويات الرئيسة التي يجب أن تسعى الحكومة إلى تحقيقها في الفترة المقبلة، في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية وتحقيق الشفافية المالية، خاصة وأن مسح البنك الدولي السنوي الأخير عن الحوكمة والإدارة الرشيدة لعام 2024 صنف لبنان في المرتبة 200 عالمياً من أصل 213 دولة، والمرتبة الـ16 بين 20 دولة عربية من حيث فاعلية الحكومة.

إضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية العميقة، يواجه عون أيضاً صعوبة في تعزيز البنية التحتية المتدهورة للبلاد، مثل قطاع الكهرباء الذي يُعد من العوامل الأساسية التي تثقل كاهل الدين العام (حوالي 45 مليار دولار من إجمالي قيمة الدين العام)، وتستهلك جزءاً كبيراً من الموارد العامة دون أن تقدم تحسينات ملموسة في الخدمات المقدمة للمواطنين.

احتفالات شعبية بعد انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيساً للبنان (رويترز)

إن لبنان اليوم يقف أمام اختبار اقتصادي بالغ الأهمية في تاريخه الحديث، حيث تأمل البلاد في التغلب على أزماتها الاقتصادية الحادة، مدعومةً بدعم عربي ودولي حيوي يسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة البناء.