حذّر بنك التسويات الدولية، الهيئة الاستشارية العليا للبنوك المركزية على مستوى العالم، الثلاثاء، من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق المالية، داعياً صانعي السياسات إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع الأضرار الاقتصادية المحتملة.
وفي هذا السياق، أشار كلاوديو بورو، رئيس قسم السياسة النقدية والاقتصادية في بنك التسويات الدولية، إلى أنه في حالة تأهب لمواجهة الفائض في الديون الحكومية الذي قد يتسبب في تقلبات حادة بأسواق السندات، ويؤثر على الأصول الأخرى. ورغم أن الأسواق لم تشهد بعد ما يُعرف بهجمات «حراس السندات»، حيث يقوم مستثمرو الديون بزيادة تكاليف الاقتراض الحكومية بشكل مفاجئ للضغط على الدول لتقليص نفقاتها، فإن بورو حذّر من أن صانعي السياسات لا يجب أن ينتظروا حتى حدوث ذلك، وفق «رويترز».
وأوضح بورو قائلاً: «الأسواق المالية بدأت تدرك أنه سيكون عليها امتصاص هذه الكميات الزائدة من الديون الحكومية»، مؤكداً أن الأمر يتطلب وقتاً لتعديل السياسات، وفي حال تأخر التفاعل مع هذه التحديات حتى «تستفيق الأسواق»، فسيكون الوقت قد فات.
وتشير تقديرات «معهد التمويل الدولي» إلى أن الديون السيادية قد ترتفع بنحو الثلث بحلول عام 2028 لتصل إلى نحو 130 تريليون دولار، كما يُتوقع أن تؤدي التخفيضات الضريبية التي اقترحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى زيادة عبء الدين الأميركي، الذي بلغ 36 تريليون دولار، بنحو 8 تريليونات دولار. في حين رفعت الحكومة الجديدة لحزب «العمال» في المملكة المتحدة تقديراتها للاقتراض خلال الخمس سنوات المقبلة بمقدار 142 مليار جنيه إسترليني (نحو 181.55 مليار دولار).
من جانبها، أعلنت شركة «بيمكو» لصناديق السندات أنها تخطط لتنويع استثماراتها في السندات الحكومية من خلال شراء سندات من دول أخرى، نظراً لتوقعاتها السلبية بشأن السندات الحكومية طويلة الأجل في ظل تدهور الوضع المالي في الولايات المتحدة.
وفي تقريره، أشار بنك التسويات الدولية أيضاً إلى الاضطرابات السياسية المرتبطة بعجز الموازنة في فرنسا والسياسات التوسعية في اليابان، بوصفها أسباباً رئيسة «لعودة المخاوف المالية» في الأسواق العالمية.
وفي هذا السياق، ارتفع عائد السندات الأميركية لمدة 10 سنوات، الذي له تأثير كبير على تحركات الأسعار في الديون السيادية والشركات والأسر على مستوى العالم، بنحو 56 نقطة أساس (0.56 في المائة) منذ سبتمبر (أيلول) ليصل إلى 4.22 في المائة. وعلى الرغم من التوقعات السائدة بتخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في وقت لاحق من هذا الشهر، أشار تقرير البنك إلى وجود اختلال في العرض والطلب في سوق السندات الأميركية، حيث تحمل المتداولون كميات قياسية من الديون الأميركية غير المبيعة.
وأشار بورو إلى أن مستثمري الخزانة الأميركية يواجهون خطرين مزدوجين من زيادة المعروض من الديون وإنفاق التحفيز الذي يعزز التضخم، مؤكداً أن «القلق أصبح أكبر الآن» مقارنة بالتحذيرات السابقة لبنك التسويات الدولية بشأن الديون السيادية هذا العام.
ورغم أن كلاً من عمق وسيولة سوق السندات الأميركية، التي تبلغ قيمتها 28 تريليون دولار، قد يوفر بعض العزل أمام زيادة حادة في العوائد لفترة من الوقت، أضاف بورو: «لكن هذا يعني أنه بمجرد ظهور علامات التحذير، سيكون التأثير على الاقتصاد العالمي أكبر».
وفي سياق آخر من التقرير، أشار البنك إلى زيادة الغموض حول المستوى الذي ستستقر عليه أسعار الفائدة العالمية، في ظل بدء البنوك المركزية الكبرى في خفض أسعار الفائدة، بينما يظل الاقتصاد العالمي مرناً بفضل النمو القوي في الولايات المتحدة.
كما أشار التقرير إلى أن الظروف الائتمانية العالمية تظل «مريحة بشكل غير عادي»، حيث تم تخفيف معايير الإقراض في الولايات المتحدة بعد انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما شهدت أسواق الأسهم في «وول ستريت» انتعاشاً ملحوظاً.
وأضاف بنك التسويات الدولية أن التقلبات الزائدة في أسواق العملات قد أدت إلى تقليص الحوافز لدى المتداولين لإعادة بناء مراكزهم بعد الانسحاب الحاد الذي شهدته أسواق الفوركس في أغسطس (آب)، مما أسفر عن اضطرابات واسعة في الأسواق العالمية.