ترمب و«بريكس»... هل تفتح الرسوم الجمركية الباب أمام «حرب العملات»؟

يمر المندوبون بجوار شعارات قمة «بريكس 2023» بمركز «ساندتون» للمؤتمرات في جوهانسبرغ (رويترز)
يمر المندوبون بجوار شعارات قمة «بريكس 2023» بمركز «ساندتون» للمؤتمرات في جوهانسبرغ (رويترز)
TT

ترمب و«بريكس»... هل تفتح الرسوم الجمركية الباب أمام «حرب العملات»؟

يمر المندوبون بجوار شعارات قمة «بريكس 2023» بمركز «ساندتون» للمؤتمرات في جوهانسبرغ (رويترز)
يمر المندوبون بجوار شعارات قمة «بريكس 2023» بمركز «ساندتون» للمؤتمرات في جوهانسبرغ (رويترز)

في تصعيد جديد يثير الجدل على الساحة الاقتصادية الدولية، شن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب هجوماً حاداً على مجموعة «بريكس»، مهدداً بفرض رسوم جمركية ضخمة على دولها إذا حاولت تقويض هيمنة الدولار الأميركي.

يأتي هذا في وقت تتسارع فيه تحركات المجموعة، التي تضم 9 دول بينها الصين وروسيا، للحد من الاعتماد على العملة الأميركية، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل الدولار وسط التوترات الجيوسياسية والاقتصادية المتزايدة.

ففي منشور له يوم السبت بعد الظهر على منصة «تروث سوشيال»، شنّ ترمب هجوماً حاداً ضد ما يسمى «تحالف (بريكس)»، الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا وإيران والإمارات. وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المائة على واردات هذه الدول، بالإضافة إلى منع دخول سلعها إلى الاقتصاد الأميركي.

وقال ترمب في منشوره: «فكرة أن دول (بريكس) تحاول الابتعاد عن الدولار، فيما نحن نراقب ذلك، قد انتهت تماماً». وأضاف: «نحن نطلب التزاماً رسمياً من هذه الدول بأنها لن تخلق عملة جديدة لـ(بريكس)، ولا تدعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي القوي. وإذا رفضوا فسيواجهون رسوماً جمركية بنسبة 100 في المائة، وعليهم أن يتوقعوا وداعاً لفرص بيع سلعهم في الاقتصاد الأميركي العظيم».

الدولار الأميركي يهيمن بعد الحرب العالمية الثانية

لا يزال الدولار الأميركي هو العملة الأكثر استخداماً في التجارة الدولية بعد أن تجاوز الجنيه البريطاني في نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1944، اجتمع القادة الدوليون في مؤتمر «بريتون وودز» لتحديد نظام تجاري ومالي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك الوقت، كانت بريطانيا قد تضررت بشكل كبير من الحرب، وكان الاقتصاد الأميركي هو الأكثر قوة.

منذ ذلك الحين، أصبح الدولار الأميركي هو العملة السائدة عالمياً. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، يشكل الدولار نحو 58 في المائة من احتياطيات العملات الأجنبية في العالم، ولا يزال يعد العملة الرئيسية في المعاملات التجارية حتى بين الدول الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك، تظل السلع الأساسية مثل النفط والذهب تُشترى وتُباع غالباً باستخدام الدولار.

هيمنة الدولار العالمية تواجه تحديات متزايدة

رغم هيمنة الدولار، يصر قادة «بريكس» على أنهم ودول العالم النامية سئموا من الهيمنة الأميركية. وفي عام 2023، بدأ بعض أعضاء التحالف في استخدام اليوان الصيني والروبل الروسي في تجارتهم، وهو ما يعد خطوة نحو تقليص الاعتماد على الدولار.

ودعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إلى إنشاء عملة مشتركة في أميركا الجنوبية مشابهة لليورو في الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الدولار. كما استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة مع 20 من القادة العالميين في وقت سابق من هذا العام، حثهم فيها على التخلص من هيمنة الدولار وعلى إنشاء نظام مدفوعات دولي جديد، قائلاً: «إن الدولار يُستخدم سلاحاً»، وفقاً لما أفادت به وكالة «أسوشييتد برس».

وقد يسمح استخدام عملات مجموعة «بريكس» وشبكاتها المصرفية خارج النظام القائم على الدولار الأميركي للدول الأعضاء مثل روسيا والصين وإيران بتجاوز العقوبات الغربية.

ولم يكن ارتفاع حصة «بريكس» من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونياتها المعلنة للتجارة باستخدام عملات أخرى –وهو ما يطلق عليه الخبراء «خفض الاعتماد على الدولار»– موضوعاً بارزاً في حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ولكنه أثار غضب ترمب منذ فوزه.

وتعد تهديدات ترمب الأخيرة بفرض رسوم جمركية، قبل أسابيع من عودته إلى السلطة، جزءاً من استراتيجيته الخارجية الأوسع التي تستهدف دولاً معارضة لأميركا وحلفائها.

كما اقترح ترمب فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على كل السلع المستوردة من المكسيك وكندا، بالإضافة إلى ضريبة إضافية بنسبة 10 في المائة على السلع القادمة من الصين، وذلك كوسيلة لإجبار هذه الدول على تكثيف جهودها لوقف تدفق الهجرة غير الشرعية والمخدرات إلى الولايات المتحدة.

ويوم الاثنين، قال الكرملين إن أي محاولة من الولايات المتحدة لإجبار الدول على استخدام الدولار ستنعكس عكسياً. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، رداً على سؤال بشأن تعليقات ترمب، إن الدولار يفقد جاذبيته بوصفه عملة احتياطية لكثير من البلدان، وهي الظاهرة التي وصفها بأنها متسارعة.

وأضاف للصحفيين: «المزيد والمزيد من الدول تتحول إلى استخدام العملات الوطنية في تجارتها وأنشطتها الاقتصادية الخارجية»، وفق «رويترز».

وقال: «إذا استخدمت الولايات المتحدة ما تسمى القوة الاقتصادية لإجبار الدول على استخدام الدولار، فإن ذلك سيعزز الاتجاه نحو التحول إلى العملات الوطنية في التجارة الدولية».

ولكن في واقع الأمر، تعززت هيمنة الدولار -الدور البارز الذي تلعبه العملة الأميركية في الاقتصاد العالمي- مؤخراً بفضل قوة الاقتصاد الأميركي، والسياسة النقدية المتشددة، والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة. لكنَّ التفتت الاقتصادي دفع دول «بريكس» إلى الابتعاد عن الدولار والتوجه نحو عملات أخرى.

وأظهرت دراسة لمركز الجيو-اقتصاد التابع لمجلس الأطلسي هذا العام أن الدولار لا يزال العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، وأن اليورو أو دول «بريكس» لم تتمكن من تقليل الاعتماد العالمي على الدولار.

بعض الدول تتراجع

وقد بدأ بعض الدول الأعضاء في مجموعة «بريكس» بالفعل في التراجع عن الضغط من أجل إصدار عملة جديدة. وبعد تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية نهاية الأسبوع الماضي، أصدرت الحكومة الجنوب أفريقية بياناً على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الاثنين، أكدت فيه عدم وجود خطط لإنشاء عملة جديدة لمجموعة «بريكس».

وقالت وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا: «لقد أدت التقارير الأخيرة إلى انتشار رواية غير صحيحة مفادها أن مجموعة «بريكس» تخطط لإنشاء عملة جديدة. هذا غير صحيح. تركز المناقشات داخل مجموعة «بريكس» على تعزيز التجارة بين الدول الأعضاء باستخدام عملاتها الوطنية»، وفق «سي بي إس نيوز».


مقالات ذات صلة

الدولار يرتفع مدعوماً بالرسوم الجديدة... والأنظار تتجه نحو باول والتضخم الأميركي

الاقتصاد أوراق الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يرتفع مدعوماً بالرسوم الجديدة... والأنظار تتجه نحو باول والتضخم الأميركي

ارتفع الدولار يوم الثلاثاء بعد أن اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطوة لزيادة الرسوم الجمركية بشكل كبير على واردات الصلب والألمنيوم.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد مشترون في سوق للمواد الغذائية في القاهرة (رويترز)

تراجع التضخم المصري بأقل من التوقعات خلال يناير

تراجع معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 24 في المائة في يناير على أساس سنوي من 24.1 في ديسمبر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد صورة لعملة الدولار الكندي تم التقاطها في تورونتو (رويترز)

تهديدات ترمب الجمركية تضغط على العملات العالمية

سببت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة ضغوطاً على اليورو والدولارين الأسترالي والكندي في التعاملات المبكرة يوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة، لندن )
الاقتصاد جانب من اجتماع المجلس القومي للأجور برئاسة وزيرة التخطيط المصرية رانيا المشاط (الشرق الأوسط)

مصر: رفع الحد الأدنى للأجور 17 % بدايةً من أول مارس

رفع المجلس القومي للأجور في مصر، الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 7 آلاف جنيه (139.3 دولار) شهرياً، أي بنسبة زيادة تقارب 17 في المائة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد عرض لافتة توظيف في نورثبروك بإلينوي (أ.ب)

وظائف أميركية أقل من المتوقع في يناير مع انخفاض معدل البطالة

سجّل أرباب العمل في الولايات المتحدة إضافة 143 ألف وظيفة فقط في يناير، في حين انخفض معدل البطالة إلى 4 في المائة في بداية عام 2025.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الغيص: «أوبك» تقيّم السوق بعيداً عن الاعتبارات السياسية

هيثم الغيص أمين عام «أوبك» (رويترز)
هيثم الغيص أمين عام «أوبك» (رويترز)
TT

الغيص: «أوبك» تقيّم السوق بعيداً عن الاعتبارات السياسية

هيثم الغيص أمين عام «أوبك» (رويترز)
هيثم الغيص أمين عام «أوبك» (رويترز)

قال الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) هيثم الغيص، إن القرارات التي تتخذها المنظمة تأخذ في الاعتبار رؤية الأسواق العالمية على الأمد البعيد، وتهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار.

وأوضح الغيص في مؤتمر أسبوع الطاقة الهندي المنعقد في نيودلهي، يوم الثلاثاء: «نحن نقيمّ السوق ونحلل العرض والطلب بعيداً عن الاعتبارات السياسية ونعتمد على الاعتبارات الفنية السليمة ونتخذ القرارات التي تحقق الاستقرار للسوق».

تأتي هذه التصريحات بعدما دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب مراراً المنظمة إلى زيادة إنتاج النفط للمساعدة في خفض الأسعار.

وقالت «أوبك» وحلفاؤها، فيما يعرف باسم مجموعة «أوبك بلس»، في وقت سابق من الشهر الحالي إنها ستلتزم بسياستها المتمثلة في زيادة إنتاج النفط تدريجيا ابتداء من أبريل (نيسان).

وتخفيضات «أوبك بلس» للإنتاج سارية حتى نهاية مارس (آذار) المقبل، بسبب مخاوف بشأن الطلب العالمي وزيادة الإنتاج من دول خارج المجموعة.

وأوضح الغيص: «إذا نظرت إلى النفط، فربما تجده السلعة الأقل تقلباً في العام الماضي، وأعتقد أن هذا يرجع إلى حد كبير إلى القرارات والوضوح في أوبك بلس. لذا فهذا هو هدفنا. وهذا ما سنواصل فعله».

ومنذ عودته إلى منصبه في يناير (كانون الثاني)، يقول ترمب إن أسعار النفط المرتفعة تساعد روسيا على مواصلة الحرب في أوكرانيا.

الاستثمار في قطاع الطاقة

يرى الغيص أن احتياجات الاستثمار في قطاع النفط ستظل كبيرة لتلبية النمو المتوقع في الطلب على النفط بشكل موثوق حيث تقدر متطلبات الاستثمار التراكمية الإجمالية بين عامي 2024 و2050 بنحو 17.4 تريليون دولار بمعدل 640 مليار دولار سنوياً.

وأضاف الغيص في حوار مع «وكالة أنباء الإمارات»، بالتزامن مع انطلاق فعاليات القمة العالمية للحكومات 2025، أن قطاعي الاستكشاف والإنتاج سيستهلكان الجزء الأكبر من الاستثمار في قطاع النفط حيث تقدر احتياجات الاستثمار الإجمالية في هذا القطاع بنحو 14.2 تريليون دولار، ونحو 525 مليار دولار سنوياً، كما أنه من المتوقع أن تبلغ احتياجات الاستثمار في الصناعة التحويلية والتكرير وقطاع النقل والتخزين نحو 1.9 تريليون دولار و1.3 تريليون دولار على التوالي خلال الفترة نفسها.

وأوضح أن أولويات «أوبك» دعم وضمان استقرار سوق النفط العالمية من أجل تأمين إمدادات فعالة واقتصادية ومنتظمة من البترول للمستهلكين ودخل ثابت للمنتجين وعائد عادل على رأس المال للمستثمرين في صناعة البترول.

وقال إنه بناءً على توقعات «أوبك» في تقريرها السنوي «آفاق النفط العالمية 2024»، سيصل الطلب العالمي على النفط لمستوى يتخطى 120 مليون برميل يومياً خلال عام 2050 بزيادة مقدارها 18 مليون برميل يومياً مقارنة بعام 2023.

ونظراً للتوسع السكاني والتمدن والنمو الاقتصادي من المتوقع أن تشهد البلدان النامية نمواً في الطلب على النفط بحدود 28 مليون برميل يومياً على العكس من الدول المتقدمة التي ستشهد تراجعاً في الطلب بنحو 10 ملايين برميل يومياً.

وحول الدور الذي تضطلع به «أوبك» للحفاظ على استقرار سوق النفط العالمية، قال الغيص، إن «منظمة أوبك أدركت منذ فترة طويلة الحاجة الماسة إلى الحوار بين المنتجين والمستهلكين في شتى مجالات الطاقة، وإن القضايا الدولية المهمة والمتعلقة بالطاقة كاستقرار السوق وأمن العرض والطلب والآفاق الاقتصادية فضلاً عن القضايا البيئية، تؤثر بشكل مباشر على توازن أسواق الطاقة العالمية، وعلى وجه التحديد صناعة النفط والغاز، لذا فإن الحوار الاستباقي أمر أساسي لتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف المعنية».

إلى ذلك، واصلت أسعار النفط تحقيق مكاسبها خلال جلسة الثلاثاء، وسط مخاوف إزاء إمدادات النفط الروسية والإيرانية وتهديدات بفرض عقوبات على الرغم من مخاوف أن تؤدي الرسوم الجمركية الأميركية لإضعاف النمو الاقتصادي العالمي.

وبحلول الساعة 10.11 بتوقيت غرينتش، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 98 سنتاً، أو 1.3 في المائة، إلى 76.85 دولار للبرميل، في حين زاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 92 سنتاً، أو 1.3 في المائة، إلى 73.24 دولار.

وسجلت العقود الآجلة للخامين مكاسب بنحو 2 في المائة في الجلسة السابقة بعد خسائر لثلاثة أسابيع متتالية.