هاريس أم ترمب... أيهما يهدّد الاقتصاد الأوروبي؟

نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في ولاية ويسكونسن والرئيس السابق دونالد ترمب في نيوجيرسي (رويترز)
نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في ولاية ويسكونسن والرئيس السابق دونالد ترمب في نيوجيرسي (رويترز)
TT

هاريس أم ترمب... أيهما يهدّد الاقتصاد الأوروبي؟

نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في ولاية ويسكونسن والرئيس السابق دونالد ترمب في نيوجيرسي (رويترز)
نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في ولاية ويسكونسن والرئيس السابق دونالد ترمب في نيوجيرسي (رويترز)

تُقدّم انتخابات الولايات المتحدة في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) فرصة تُعدّ «الأقل سوءاً» للاقتصاد الأوروبي، حيث تطرح أمامه احتمال رئاسة كامالا هاريس، التي ستكون تحدياً كبيراً، أو مواجهة ثانية مع دونالد ترمب، التي قد تكون أكثر قسوة من الأولى.

التحديات المتوقَّعة من رئاسة هاريس

في مجالين رئيسيين، وهما السياسة التجارية وتقاسم تكاليف الأمن المتزايدة بين حلفاء «الناتو»، يتوقع الأوروبيون أن يحصلوا على القليل من الفوائد من رئاسة هاريس، التي يرون أنها تمثل «استمرارية بايدن». ومن جهة أخرى، يمثل «ترمب 2.0» مجموعة من المخاطر المتعددة: إذا قرر سحب الدعم الأميركي لأوكرانيا، سيتعين على الحكومات الأوروبية زيادة الإنفاق الدفاعي بسرعة لمواجهة التهديدات المتزايدة. وإذا تسبب في اندلاع حرب تجارية عالمية، فإن أوروبا تخشى أن تكون الخاسر الأكبر في هذه المواجهة، وفق «رويترز».

الإجراءات المناهضة للصين

تعدّ الإجراءات المناهضة للصين أحد المجالات النادرة التي تجمع بين الحزبين في الحملة الانتخابية الأميركية. بالنسبة إلى الاقتصاد الأوروبي المعتمد على الصادرات، يثير ذلك تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على توازن العلاقات التجارية مع كلٍ من الولايات المتحدة والصين. يقول زاك مايرز، من مركز الإصلاح الأوروبي: «مهما كان الفائز في الانتخابات الأميركية، من غير الواضح ما إذا كانت أوروبا ستتمكن من الاستمرار في الاستفادة من النمو الأميركي دون تقليل تجارتها مع الصين».

ويبدو أن كلا المرشحين يسير في الاتجاه نفسه، حيث يُعدّ ترمب أقل قابلية للتنبؤ، وقد يكون أكثر استعداداً للتصادم مع الاتحاد الأوروبي. بالنسبة لشركة «إيه إس إم إل»، المورّدة الهولندية لمعدات تصنيع الرقائق الدقيقة، فإن خطر الأضرار الجانبية من الجهود الأميركية لاحتواء الصين يبدو حقيقياً للغاية، فقد واجهت الشركة بالفعل حظر تصدير على نصف منتجاتها إلى الصين نتيجة حملة قادتها الولايات المتحدة.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، كريستوف فوكه، في مؤتمر الشهر الماضي: «هناك إرادة قوية في الولايات المتحدة لفرض المزيد من القيود - وهذا أمر واضح جداً ويحظى بدعم من الحزبين». ويُعتقد أن ما سيحدث في نوفمبر سيظل على حاله بغض النظر عن الفائز.

المزيد من التعريفات الجمركية؟

يشكّل نصف الناتج الأوروبي من التجارة، وهو ضعف النسبة في الولايات المتحدة؛ مما يجعل الاقتصاد الأوروبي عرضة لأي قيود تجارية. أما بالنسبة للرسوم الجمركية، فقد تلاشى الدعم للتجارة الحرة في واشنطن على مدى العقد الماضي. اختار جو بايدن عدم إلغاء التعريفات الجمركية المباشرة التي فُرضت في رئاسة ترمب الأولى وأضاف تركيزه الخاص على الوظائف في الولايات المتحدة من خلال إعانات قانون خفض التضخم. و يُنظر إلى هاريس على أنها ستتبع مساراً مشابهاً لبايدن، بينما هدّد ترمب بالذهاب أبعد من ذلك من خلال فرض رسوم عامة تتراوح بين 10 و20 في المائة على جميع الواردات، بما في ذلك تلك القادمة من أوروبا، حيث تظل التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا تتجاوز تريليون يورو سنوياً.

وشهد منتجو الزيتون الإسبان انخفاضاً بنسبة 70 في المائة في صادراتهم إلى الولايات المتحدة، التي كانت سابقاً سوقهم الخارجية الرئيسية، بعد أن فرض ترمب رسوماً لا تزال قائمة رغم أحكام منظمة التجارة العالمية ضدها. وقال رئيس «أسيميسا»، الهيئة التي تمثّل مصدّري الزيتون في إسبانيا، أنطونيو دي مورا: «إذا فاز ترمب، فقد تزداد الأمور سوءاً، ونعتقد أنه سيكون من الصعب حل ذلك من دون ضغط من أوروبا».

التأثير على الشركات الأوروبية

بالنسبة إلى تلك الشركات الأوروبية التي لديها وجود في الولايات المتحدة، فإن حالة عدم اليقين الإضافية تكمن فيما إذا كان ترمب سيتابع وعوده بإلغاء إعانات الطاقة الخضراء بموجب قانون خفض التضخم الخاص ببايدن.

شركة «ترامبف»، وهي شركة ألمانية تصنع آلات وتوظف 2000 موظف في الولايات المتحدة، أفادت بأنها لا توسّع أنشطتها في الولايات المتحدة بسبب عدم اليقين بشأن نتائج الانتخابات.

مثبط للنمو

قد تكون للانتخابات الأميركية أيضاً تداعيات كبيرة على موازنات الدفاع للحكومات الأوروبية التي تعاني مستويات ديون مرتفعة نتيجة إنفاق التعافي بعد الجائحة. وفي هذا السياق، يُعدّ السؤال الأكثر أهمية هو التوقيت وليس الوجهة: من المتوقع أن تسعى هاريس إلى الضغط على أوروبا لتحمّل المزيد من تكاليف الأمن الإقليمي، بينما يزيد عدم الوضوح حول التزام ترمب تجاه أوكرانيا من المخاطر.

وقال محللو «يو بي إس» في مذكرة لهم: «في رأينا، تزيد رئاسة ترمب من خطر الحاجة إلى زيادة الإنفاق في وقت مبكر، بينما قد تمنح رئاسة هاريس أوروبا مزيداً من الوقت». لذا؛ بينما قد يكون لولاية هاريس تأثير قليل يمكن قياسه على اقتصاد أوروبا، فإن المخاطر السلبية لفترة ثانية لترمب تبدو واضحة.

ويقدر اقتصاديون في «غولدمان ساكس» أنه إذا مضى ترمب قدماً في فرض رسومه، فإن تأثيرها المباشر بالإضافة إلى عدم اليقين التجاري الذي ستسببه قد يقلص الناتج بمقدار نقطة مئوية واحدة في 20 دولة من منطقة اليورو، وهو ما يتجاوز النمو الضعيف المتوقع بنسبة 0.8 في المائة لهذا العام.

أهمية التوافق الأوروبي

تشير اللجنة الأوروبية إلى أن أي فوائد اقتصادية قد تنجم عن إجبار أوروبا على زيادة الإنفاق الدفاعي بسبب تراجع الالتزام الأميركي تجاه أوكرانيا ستُلغى بسبب الضغوط التي سيتعرض لها الاقتصاد الإقليمي نتيجة المخاطر الجيوسياسية الناتجة. لدى المفوضية الأوروبية فريق مغلق من المسؤولين لدراسة كيفية تأثير نتائج الانتخابات على الاتحاد الأوروبي، لكن أي استنتاجات سياسية ستتطلب تأمين توافق داخل الاتحاد الأوروبي - وهو ما قد يكون صعباً، كما يتضح من انقسامات الكتلة حول كيفية التعامل مع واردات السيارات الكهربائية الصينية.

ويؤكد المتفائلون الأوروبيون أن الانتخابات الأميركية - خاصة في حال فوز ترمب - قد يكون لها تأثير صادم إيجابي يدفع المنطقة أخيراً إلى تبني نوع الإصلاحات العميقة التي اقترحها الرئيس السابق للمصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي الشهر الماضي.

ولاحظ مركز الإصلاح الأوروبي أن «احتمال تزايد التوتر في العلاقات عبر الأطلسي من شأنه أن يشجع الاتحاد الأوروبي على معالجة الأسباب التي أدت إلى انكماش حجمه الاقتصادي مقارنة بالاقتصاد الأميركي».


مقالات ذات صلة

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن وحفيده بو بايدن خلال مغادرة البيت الأبيض والتوجه للمروحية الرئاسية (إ.ب.أ)

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

أمام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، قائمة طويلة من التحركات على الجبهتين الخارجية والداخلية، مع تبقي شهر واحد فقط قبل تركه رئاسة الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

منع المدعية ويليس من مقاضاة ترمب في قضية التدخل بنتائج الانتخابات في جورجيا

قضت محكمة استئناف في جورجيا، الخميس، بمنع المدعية العامة لمقاطعة فولتون، فاني ويليس، من مقاضاة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والعديد من حلفائه.

«الشرق الأوسط» (أتلانتا)
المشرق العربي تصاعد الدخان عقب انفجار في قطاع غزة كما شوهد من جنوب إسرائيل (أ.ب)

بلينكن «متفائل» بإمكان التوصل لهدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن

أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أنّه ما زال «متفائلًا» بإمكان التوصّل خلال ولاية الرئيس جو بايدن إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ مؤيدون للرئيس المنتخب دونالد ترمب خلال الانتخابات الأخيرة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ترمب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي توقعتا فوز هاريس في الانتخابات

رفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب دعوى قضائية ضد صحيفة في ولاية أيوا وشركة استطلاعات رأي كانت وراء نشر توقع غير صحيح بفوز منافسته الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

جديد قضية شراء الصمت... محامو ترمب يتهمون أعضاء هيئة المحلفين بسوء السلوك

قال محامو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إن إدانته بدفع رشوة لشراء الصمت تخللها سوء سلوك أعضاء هيئة المحلفين، مما يفتح جبهة جديدة في معركتهم لإلغاء الحكم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل ستكون العملات المشفرة احتياطياً استراتيجياً مضارِباً في 2025؟

نموذج البتكوين أمام علامة 100 ألف (وكالة حماية البيئة)
نموذج البتكوين أمام علامة 100 ألف (وكالة حماية البيئة)
TT

هل ستكون العملات المشفرة احتياطياً استراتيجياً مضارِباً في 2025؟

نموذج البتكوين أمام علامة 100 ألف (وكالة حماية البيئة)
نموذج البتكوين أمام علامة 100 ألف (وكالة حماية البيئة)

مع اقتراب نهاية عام 2024، تبرز سوق العملات المشفرة كإحدى أكثر الأسواق المالية ديناميكية، حيث شهدت تحولاً جذرياً من شتاء قاسٍ في عامي 2022 و2023 إلى ازدهار ملحوظ. فقد تجاوزت القيمة السوقية الإجمالية لهذه العملات حاجز الـ3 تريليونات دولار هذا العام معززة بذلك دور هذه الأصول الرقمية في النظام المالي. ومع الانتعاش الكبير للعملة الرائدة «بتكوين» ووصولها إلى مستويات تاريخية جديدة، أصبح من الضروري استعراض أبرز التطورات التي أعادت تشكيل السوق، بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية.

امرأة تمر أمام نصب لعملة البتكوين بعد أن تجاوز سعرها 100 ألف دولار في إيلوبانغو السلفادور (رويترز)

ملامح عام 2024 في سوق العملات المشفرة

- «البتكوين» تتجاوز حاجز الـ100 ألف دولار: في إنجاز تاريخي لافت، كسرت «بتكوين» حاجز الـ100 ألف دولار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مسجلة محطة فارقة ليس فقط في العملات المشفرة بل في الاقتصاد العالمي ككل. فبعد أن اخترقت لأول مرة حاجز الـ90 ألف دولار في 14 نوفمبر، ارتفعت إلى 94800 دولار بحلول 20 نوفمبر، قبل أن تقفز إلى 99655.50 دولار في 22 نوفمبر. وفي نهاية الشهر، وصل سعر «البتكوين» إلى 103.449.70 دولار، قبل أن يصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند أكثر من 106 آلاف دولار في 16 ديسمبر (كانون الأول).

ويُنظر إلى هذا الاختراق المهم على أنه محفز قوي للمؤسسات والشركات وحتى الدول للتعامل مع «البتكوين» والعملات المشفرة بجدية أكبر. ومقارنةً بشهر يناير (كانون الثاني) 2024، حيث كان سعر «البتكوين» 44167 دولاراً، يتضح أن العملة قد شهدت زيادة ملحوظة في قيمتها بأكثر من الضعف.

- اعتماد صناديق تداول «البتكوين (ETF)»: شهدت سوق العملات المشفرة تحولاً نوعياً في يناير 2024 مع موافقة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على 12 صندوق تداول «بتكوين (ETF)» فوري، وهو قرار تاريخي يعكس خطوة كبيرة نحو تعزيز التنظيم وزيادة الثقة في السوق.

هذا التحول أسهم في جذب الاستثمارات المؤسسية بشكل قانوني ومنظم، مما عزز مكانة «البتكوين» كأصل مالي موثوق يمكن إدراجه ضمن المحافظ الاستثمارية المؤسسية الكبرى. وفي 5 ديسمبر 2024، سجلت صناديق «البتكوين» المتداولة في البورصة الأميركية حجم تداول استثنائياً بلغ 7.1 مليار دولار. كما أصبح صندوق الاستثمار المتداول للبتكوين من «بلاك روك» أسرع المنتجات الاستثمارية نمواً من نوعه، حيث جمع 13.5 مليار دولار من الأصول المدارة في غضون ثلاثة أشهر فقط. وأشار كريس كويبر، مدير البحث في «فيديليتي» للأصول الرقمية، إلى أن «البتكوين» حققت عوائد تفوق 150 في المائة في 2023، ثم أضافت 75 في المائة أخرى من العوائد حتى الآن في 2024.

- التنصيف الأخير لـ«البتكوين» (الهالفينغ): في أبريل (نيسان) 2024، شهدت «البتكوين» حدث التنصيف (الهالفينغ) الذي قلص مكافأة التعدين من 6.25 إلى 3.125 بتكوين لكل كتلة، وهو ما يُعد حدثاً محورياً في مسار العملة المشفرة. ورغم أن هذه الأحداث عادة ما تؤدي إلى زيادات سعرية ملحوظة نتيجة لتقليص العرض، فإن السوق لم تشهد الارتفاع الفوري المتوقع. ويعكس هذا التفاوت في الاستجابة نضج السوق وتزايد فهم المستثمرين لهذا الحدث، مما يشير إلى أن تأثيرات «الهالفينغ» أصبحت أكثر تدريجية وأقل تأثيراً مباشراً مقارنةً بالسنوات السابقة.

تأثير ترمب على سوق «البتكوين»

شهدت «البتكوين» ارتفاعاً ملحوظاً بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يعوّل مجتمع العملات الرقمية على إدارته الجديدة لتوفير بيئة تشريعية منظمة تعزز نمو القطاع. وفي مؤتمر «البتكوين» في ناشفيل في يوليو (تموز) 2024، أثنى ترمب على فكرة إنشاء «احتياطي فيدرالي» لـ«البتكوين»، وأكد على أهمية جذب عمليات التعدين إلى أميركا، وتعهد بجعلها «عاصمة العملات المشفرة». كما أطلق مشروع «وورلد ليبرتي فاينانشيال» بالتعاون مع عائلته لتداول العملات المشفرة. من جانبه، أعرب نجل الرئيس المنتخب، إيريك ترمب، نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترمب، عن تفاؤله بإمكانية أن تصبح الولايات المتحدة رائدة عالمية في مجال العملات المشفرة، من خلال وضع بعض المبادئ التوجيهية التنظيمية المدروسة. كما أعرب عن دعمه القوي لعمليات التمويل اللامركزي (DeFi)، مشيراً إلى أن النظام المصرفي التقليدي أصبح قديماً وأن العملات المشفرة مستعدة لتجاوزه وتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال.

نموذج لعملة البتكوين أمام صورة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (وكالة حماية البيئة)

وفي 5 ديسمبر 2024، أعلن ترمب أنه سيفي بوعده الانتخابي ويكون «رئيساً للعملات الرقمية»، حيث أقر تعيين ديفيد ساكس، المدير التنفيذي السابق في «باي بال» ومناصر العملات الرقمية، «مستشار البيت الأبيض للعملات الرقمية والذكاء الاصطناعي»، ليقود سياسة العملات الرقمية ويعمل على إطار قانوني يوفر وضوحاً لصناعة العملات الرقمية.

كما أعلن أنه سيعين المحامي المؤيد للعملات الرقمية بول أتكينز لقيادة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، والذي أبدى دعمه للابتكار في مجال العملات الرقمية ليكون وسيلة لتعزيز التنافس في قطاع الخدمات المالية، وساعد شركات العملات الرقمية في تعاملاتها مع المنظمين من خلال استشارته في شركته «باتوماك غلوبال بارتنرز».

«البتكوين» بين التحديات الاقتصادية والجيوسياسية

في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية وخفض أسعار الفائدة المتتالي من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد دورة تشديد نقدي صارمة في عام 2022، برزت العملات المشفرة، وعلى رأسها «البتكوين» على أنها ملاذ آمن في مواجهة المخاطر المالية التقليدية. فقد أثرت تخفيضات الفائدة في عام 2024 على سلوك سعر العملة المشفرة، حيث تعكس هذه السياسات الضائقة الاقتصادية التي قد تدفع المستثمرين إلى تجنب الأصول عالية المخاطر. ومع ذلك، لا تزال «البتكوين» تحتفظ بجاذبيتها بأنها شبكة نقدية لا مركزية وأصل بديل للتحوط ضد الضعف المالي النظامي. ومع تباطؤ الاقتصاد العالمي، يزداد دورها في أنها أصل بديل وسط توقعات بفترة اقتصادية مضطربة قد تكون في الوقت نفسه محورية ومؤثرة. ومن المرجح أن تؤدي زيادة السيولة في النظام المالي إلى تدفق الأموال نحو الأصول الرقمية، مما قد يعزز الطلب على «البتكوين» بشكل كبير.

على الجانب الجيوسياسي، من المتوقع أن تؤثر الأزمات في الشرق الأوسط والتوترات العالمية في 2025 على أسعار «البتكوين»، إذ أظهرت العملة المشفرة تاريخياً ارتفاعات بعد الأزمات الكبرى مثل النزاع التجاري بين أميركا والصين في 2019 والغزو الروسي لأوكرانيا. الطبيعة اللامركزية لـ«البتكوين» والعرض المحدود يجعلان منها وسيلة تحوط فعّالة، خاصة في ظل تخفيض قيمة العملات التقليدية. ومع ذلك، تبقى التقلبات الكبيرة في أسعار «البتكوين» قائمة، مما يستدعي الحذر من قبل المستثمرين عند التعامل مع هذه الأصول في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي.

إعلان عن بتكوين معروض على مبنى في هونغ كونغ (أ.ب)

عام 2025... إطار تنظيمي وسباق تسلح

من المتوقع أن يسهم التحول التنظيمي المؤيد للعملات المشفرة، إلى جانب إنشاء احتياطي استراتيجي لـ«البتكوين»، في انتعاش سوق العملات المشفرة في 2025. وبعد الاضطرابات التي شهدتها السوق في 2022، يظل المستثمرون يتطلعون إلى إطار تنظيمي شامل يعزز الاستقرار. وقد يؤدي تحول دور لجنة الأوراق المالية والبورصات لصالح لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC) إلى زيادة وضوح السوق.

وفي الأشهر الأخيرة من الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، برز قدر مفاجئ من النقاش حول ظهور العملات المشفرة بأنها أولوية استراتيجية وطنية جديدة. في هذا السياق، اقترح بعض مؤيدي العملات المشفرة إمكانية نشوء «سباق تسلح للبتكوين»، حيث قد تبدأ الحكومات السيادية في جميع أنحاء العالم في تنفيذ عمليات شراء ضخمة. وفي الولايات المتحدة، من المحتمل أن يبدأ هذا السباق الشرائي من خلال إنشاء احتياطي استراتيجي يمكنها من شراء مليون بتكوين خلال السنوات الخمس المقبلة. ومن المحتمل أن تضطر الدول الأخرى إلى اتباع نفس النهج. وقد أثار هذا الاحتمال تساؤلاً مثيراً يتمثل في أن الصين قد تضطر إلى التراجع عن حظرها المفروض على العملات المشفرة منذ أواخر عام 2021. وإذا قررت الصين الانغماس في سوق «البتكوين» وبدأت في تراكمها كما كانت تفعل مع احتياطياتها من الذهب، فقد يشهد السوق ارتفاعاً غير مسبوق في السعر. كما أن البرازيل وروسيا تدرسان حالياً استخدام «البتكوين» كاحتياطي استراتيجي، مما يعكس الدور المتزايد الذي تلعبه العملات المشفرة في الاقتصاد العالمي.

توقعات مشرقة

شهدت سوق العملات المشفرة، بقيادة «البتكوين»، مرحلة نضج وتحول خلال عام 2024، ومن المتوقع أن يستمر هذا الزخم في عام 2025 مدفوعاً بتطورات تنظيمية منتظرة واهتمام متزايد من الحكومات والمؤسسات. ويتوقع نايغل غرين، الرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفير»، إحدى كبرى شركات الاستشارات المالية في العالم، أن يرتفع سعر «البتكوين» إلى 120 ألف دولار بحلول نهاية الربع الأول من عام 2025، رغم الانخفاض المؤقت المحتمل بسبب تثبيت الأرباح من قبل بعض المستثمرين. من جهتها، رفعت «ستاندرد تشارترد» هدفها السعري لـ«بتكوين» بنهاية 2025 إلى 200 ألف دولار.

ومع هذه التوقعات المشرقة، يبقى السؤال: هل يشهد الاقتصاد العالمي ثورة مالية جديدة بقيادة العملات المشفرة رهن التطورات التنظيمية، والتقبل الواسع من الحكومات والمؤسسات الكبرى، فضلاً عن قدرة التكنولوجيا المالية على التغلب على التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تطرأ؟