صفقة «يونيكريديت» – «كوميرتس بنك» تشرّع الحدود المصرفية في أوروبا

ألمانيا مصدومة من طريقة الاستحواذ... وإيطاليا مؤيدة شرط بقاء المقر الرئيسي فيها

بطاقات ائتمان تابعة لـ«يونيكريديت» أمام شعار «كوميرتس بنك» (رويترز)
بطاقات ائتمان تابعة لـ«يونيكريديت» أمام شعار «كوميرتس بنك» (رويترز)
TT

صفقة «يونيكريديت» – «كوميرتس بنك» تشرّع الحدود المصرفية في أوروبا

بطاقات ائتمان تابعة لـ«يونيكريديت» أمام شعار «كوميرتس بنك» (رويترز)
بطاقات ائتمان تابعة لـ«يونيكريديت» أمام شعار «كوميرتس بنك» (رويترز)

منذ أيام، أعلن «يونيكريديت»، ثاني أكبر مصرف في إيطاليا، استحواذه على حصة نسبتها 9 في المائة في مصرف «كوميرتس بنك» الألماني ويسعى إلى الحصول على إذن من البنك المركزي الأوروبي لزيادة هذه الحصة إلى 29.9 في المائة، بينما قالت مصادر إن المصرف سيكون منفتحاً على الاستحواذ الكامل.

هذا التحرك أثار تساؤلات حول ما إذا كان الاندماج عبر الحدود الذي طال انتظاره يمكن أن يحفز المزيد من عمليات الاستحواذ أو أن يهز القطاع المصرفي الأوروبي. في وقت عبّرت برلين عن غضبها من الطريقة التي استحوذ بها البنك الإيطالي على حصته وسط تنامي المعارضة داخل الحكومة الألمانية بشأن المخاطر المحتملة على الاقتصاد الكلي التي قد يشكلها الاندماج على الاقتصاد الألماني.

إذ كانت بعض الشخصيات البارزة في الحكومة الألمانية «متشككة للغاية» بشأن مثل هذا الاستحواذ، وفق ما قال شخص مطلع على المناقشات الداخلية لصحيفة «فايننشال تايمز»، ويرجع ذلك جزئياً إلى ما اعتبرته برلين «الطريقة الخفية» التي جمعت بها «يونيكريديت» الحصة.

وقال شخص آخر على دراية مباشرة بالمسألة إن هجوم «يونيكريديت» على «كوميرتس بنك» كان يُنظر إليه في برلين على أنه «عمل غير ودي». وأضاف الشخص أنه من «غير المنطقي» أن يجادل الرئيس التنفيذي لـ«يونيكريديت» أندريا أورسيل بأن الحكومة الألمانية رحبت بعرضه.

الرئيس التنفيذي لـ«يونيكريديت» أندريا أورسيل أثناء مغادرته الجمعية السنوية للاتحاد النمساوي في روما (رويترز)

وقد تحدث كلاهما شرط عدم الكشف عن هويتهما لأن حكومة المستشار أولاف شولتس لم تبلور بعد موقفاً رسمياً بشأن الاندماج المحتمل.

وقالت متحدثة باسم وزارة المالية الألمانية إن الحكومة «تحلل الموقف»، ورفضت التعليق أكثر.

فيما قالت وكالة المالية الألمانية إن ألمانيا لن تبيع أي أسهم أخرى في «كوميرتس بنك» في الوقت الحالي وإن استراتيجية البنك «تتجه نحو الاستقلال»، وذلك في أوضح إشارة حتى الآن إلى أن الحكومة لا تفضل حالياً الاستحواذ على ثاني أكبر بنك في البلاد.

أصبح «يونيكريديت» ثاني أكبر مساهم في «كوميرتس بنك» الأسبوع الماضي بعد الكشف عن حصة 9 في المائة في المقرض، والذي اشترى نصفها في كتلة واحدة من الحكومة الألمانية.

هذه الخطوة، بحسب «فايننشال تايمز»، فاجأت كبار المسؤولين في برلين الذين لم يتوقعوا وجود مزايدين استراتيجيين في مزاد يستهدف المستثمرين الماليين، وفشلوا في تقدير حتى وقت متأخر من العملية أن «يونيكريديت» قد جمع بالفعل حصة 4.5 في المائة.

ويشير رد الفعل السلبي داخل الحكومة إلى أن نهج «يونيكريديت» ربما كانت له نتائج عكسية، مما أدى إلى خفض احتمالات أورسيل لتنفيذ عملية استحواذ كاملة.

المقر الرئيسي لـ«كوميرتس بنك» (رويترز)

وقال «يونيكريديت»: «لقد أجرت الحكومة (الألمانية) عملية مزاد شفافة تماماً لبيع حصتها... والتي تمت دعوتنا للمشاركة فيها».

وصرح أورسيل لصحيفة «هاندلسبلات» الألمانية في وقت سابق من هذا الأسبوع «ما كنا لنتحرك لو لم نكن موضع ترحيب».

وأعرب فريق «كوميرتس بنك» المكلف بالتعامل مع أورسيل عن قلقه أيضاً من أن «يونيكريديت» قد «يتعرض بشكل مفرط لإيطاليا»، وفقاً لما ذكره أربعة أشخاص مطلعون على المناقشات الداخلية. فإذا اشترى «يونيكريديت» «كوميرتس بنك»، قد تجد برلين نفسها في موقف يضطرها إلى إنقاذ المقرض الذي يتخذ من إيطاليا مقراً له في حالة حدوث أزمة مالية، وفقاً لأشخاص رئيسيين شاركوا في المناقشات في برلين وفرانكفورت للصحيفة البريطانية.

ويعتبر «كوميرتس بنك» أحد أهم المقرضين لصناعة التصدير الألمانية والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد البلاد. ويرأس المقرض الألماني رئيس البنك المركزي الألماني السابق ينس فايدمان، الذي حذر في وظيفته السابقة مراراً من ارتفاع مستويات الديون السيادية في دول منطقة اليورو.

ونسبة الدين العام في إيطاليا هي ثاني أعلى نسبة في منطقة اليورو، وأكثر من ضعف نسبة ألمانيا. وتصنف وكالة «موديز» الديون السيادية الألمانية عند «إيه إيه إيه»، وهو أعلى تصنيف ممكن، في حين تصنف الديون السيادية الإيطالية عند «بي إيه إيه3»، وهو ما يزيد درجة واحدة فقط عن الديون غير المرغوب فيها.

ويشعر المسؤولون في برلين بالقلق أيضاً من أن الاندماج، الذي تخشى النقابات العمالية أن يؤدي إلى فقدان الآلاف من الوظائف في «كوميرتس بنك» وفرع «يونيكريديت» الألماني في ميونيخ «هايبو فيرينس بنك»، قد يصبح قضية في حملة الانتخابات العام المقبل، على حساب ائتلاف شولتس غير الشعبي.

ومع ذلك، فإن الحكومة الألمانية، التي لم تتوصل بعد إلى موقف موحد بشأن اهتمام «يونيكريديت» بـ«كوميرتس بنك»، تدرك أنها بحاجة إلى توخي الحذر لأن ألمانيا كانت داعمة للتكامل الأوروبي واتحاد أسواق رأس المال، حسبما قال الأشخاص.

وتعهد اتحاد قطاع الخدمات القوي في ألمانيا بمحاربة أي صفقة بين المصرفين «بكل قوة»، في حين أعرب سياسيون معارضون من حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» من يمين الوسط وحزب «بي إس دبليو» الشعبوي اليساري عن مخاوفهم أيضاً. وقال ألكسندر لورز، وهو سياسي من حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» ووزير مالية ولاية هيسن الألمانية، لصحيفة «فايننشال تايمز» إن الولاية تتوقع من الحكومة الفيدرالية تعزيز مكانة فرانكفورت كمركز مالي. وقال: «نحن نركز على مصالح أهم مركز مالي في ألمانيا».

من جهتها، تدعم الحكومة الإيطالية الاستحواذ على «كوميرتس بنك» ــ شرط أن يظل المقر الرئيسي لبنك أوروبي موسع في إيطاليا، وفقاً لأشخاص مطلعين على تفكير روما لـ«رويترز».


مقالات ذات صلة

«القائمة الرمادية» تهدد لبنان

الاقتصاد بات الاقتصاد النقدي أساس التعاملات في لبنان (رويترز)

«القائمة الرمادية» تهدد لبنان

تتجه الأنظار إلى الاجتماعات المرتقبة لمجموعة العمل المالي في العاصمة الفرنسية، حيث ترتفع احتمالات إدراج لبنان ضمن «القائمة الرمادية».

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد شعار «بنك أوف أميركا» في مدينة نيويورك (رويترز)

أرباح «بنك أوف أميركا» تتفوّق على التوقعات

انخفضت أرباح «بنك أوف أميركا» في الربع الثالث مع دفعه مزيداً من الأموال إلى العملاء للاحتفاظ بودائعهم، رغم أن نتائجه فاقت التقديرات.

الاقتصاد «أوديا بنك» في تركيا (الشرق الأوسط)

«القابضة» الإماراتية تستحوذ على «أوديا بنك» التركي التابع لـ«عوده» اللبناني

أعلن كل من شركة «القابضة» الإماراتية، مقرّها أبوظبي، وبنك عوده اللبناني، الثلاثاء، عن توقيع اتفاقية نهائية تستحوذ بموجبها «القابضة» على حصة 96 في المائة في …

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (رويترز)

الائتمان المصرفي الممنوح من البنوك السعودية في أعلى مستوياته منذ 2021

ارتفع إجمالي الائتمان المصرفي الممنوح من البنوك السعودية بنسبة 12 في المائة بنهاية أغسطس (آب) الماضي، مسجلاً أعلى مستوياته منذ عام 2021.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (رويترز)

«ساما»: الاقتصاد السعودي أثبت متانته رغم التحديات العالمية

أظهر تقرير الاستقرار المالي في السعودية أنه رغم المخاطر التي تهدد الآفاق الاقتصادية العالمية، أثبت الاقتصاد المحلي متانته، حيث سجل تراجعاً طفيفاً في عام 2023.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مستشار ترمب الاقتصادي يدافع عن الخفض الكبير في الفائدة من قبل «الفيدرالي»

كيفن هاسيت المستشار الاقتصادي لترمب (أ.ب)
كيفن هاسيت المستشار الاقتصادي لترمب (أ.ب)
TT

مستشار ترمب الاقتصادي يدافع عن الخفض الكبير في الفائدة من قبل «الفيدرالي»

كيفن هاسيت المستشار الاقتصادي لترمب (أ.ب)
كيفن هاسيت المستشار الاقتصادي لترمب (أ.ب)

دافع المرشح المحتمل لدونالد ترمب لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن الخفض الكبير لأسعار الفائدة الذي أجراه البنك المركزي الشهر الماضي، على الرغم من اتهامات الرئيس السابق له بأنه كان بدوافع سياسية.

وفي حديثه لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، قال كيفن هاسيت - المستشار الاقتصادي لترمب الذي خدم في إدارته - إن تحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نصف نقطة مئوية بدلاً من ربع نقطة أكثر شيوعاً كان مبرراً بأرقام تُظهر ضعف سوق العمل.

وقال هاسيت في المقابلة: «إن أحدث خطوة لبدء خفض الأسعار هي شيء منطقي للغاية بناءً على البيانات التي كانت لديهم في ذلك الوقت. بدا الأمر وكأن هناك تباطؤاً حاداً يحدث».

وتعليقات هاسيت تجعله على تباين مع إدانة ترمب لإجراء بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال تصريحاته في نادي ديترويت الاقتصادي في وقت سابق من هذا الشهر. وقال ترمب: «الحقيقة هي أن بنك الاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة بسرعة كبيرة جداً». وأضاف: «لقد كان خفضاً كبيراً للغاية والجميع يعلم أن هذه كانت مناورة سياسية حاولوا القيام بها قبل الانتخابات»، مشيراً إلى أن البنك المركزي الأميركي كان يحاول خفض تكاليف الاقتراض لمساعدة منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.

هاسيت زميل في مؤسسة هوفر بجامعة ستانفورد، وشغل منصب رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين خلال فترة ترمب في البيت الأبيض بدءاً من عام 2017. وظل في مدار ترمب، ومن المقرر أن يتولى منصباً رفيع المستوى - بما في ذلك إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي المحتمل - إذا هزم المرشح الجمهوري هاريس الشهر المقبل.

مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (الموقع الرسمي للبنك المركزي)

التوقع هو أن يختار ترمب رئيساً جديداً لبنك الاحتياطي الفيدرالي بعد انتهاء ولاية جيروم باول، رئيس البنك المركزي الحالي، في عام 2026.

لقد كان ترمب منتقداً شديداً لباول في الماضي، بما في ذلك وصفه بأنه عدو أكبر لأميركا من الرئيس الصيني شي جينبينغ، لفشله في خفض أسعار الفائدة بقدر ما أراد في عام 2019. وفي وقت سابق من هذا العام، حذر باول من خفض أسعار الفائدة قبل الانتخابات الرئاسية.

واتفق هاسيت مع آراء ترمب بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي تصرّف سياسياً في السنوات الأخيرة. وقال: «أعتقد أن هناك حجة معقولة يمكن تقديمها بأن (بنك الاحتياطي الفيدرالي) لم يكن مستقلاً كما ينبغي». واستشهد بقرار البنك المركزي رفع أسعار الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) 2016، قبل تنصيب ترمب رئيساً، على الرغم من البيانات التي «لم تكن داعمة للرفع». وأضاف: «في وقت لاحق، عندما كان هناك انفجار في السياسة المالية مع حكومة ديمقراطية كاملة، لم يفعل بنك الاحتياطي الفيدرالي أي شيء لتعويض ذلك».

كان ترمب منتقداً شديداً لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في الماضي (الموقع الرسمي)

لكن هاسيت رفض المخاوف من أن ترمب قد يسعى إلى تقويض استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي في إدارة ثانية. وقال: «أنا متأكد من أن الرئيس ترمب يدعم استقلال البنوك المركزية، لكنه يريد أيضاً أن يُسمَع صوته، ويريد أن يكون هناك أشخاص مستقلون حقاً».

رفض بنك الاحتياطي الفيدرالي دائماً أي اقتراح بأن السياسة النقدية الأميركية يتم تحديدها على أسس سياسية. وبعد خفض أسعار الفائدة بنصف نقطة في الشهر الماضي، من المتوقع أن ينفذ «الاحتياطي الفيدرالي» تخفيضات أصغر بمقدار ربع نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، خاصة بعد علامات على تجدد القوة في سوق العمل. وقال هاسيت: «لن أعطيهم درجة سيئة لتحرك سبتمبر، على الرغم من أنه في الماضي، يبدو أنهم ربما يتمنون لو لم يفعلوا ذلك».