عقبات الدفع تتزايد بين روسيا والصين وسط التهديدات الغربية

مليارات عالقة في المعاملات... ورسوم الوسطاء تقفز إلى 6 %

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة بكين في مايو الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة بكين في مايو الماضي (أ.ف.ب)
TT

عقبات الدفع تتزايد بين روسيا والصين وسط التهديدات الغربية

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة بكين في مايو الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة بكين في مايو الماضي (أ.ف.ب)

قالت مصادر روسية مطلعة على الأمر لـ«رويترز» إن بعض الشركات الروسية تواجه تأخيرات متزايدة وارتفاع التكاليف في المدفوعات مع الشركاء التجاريين في الصين؛ مما يترك معاملات قيمتها عشرات المليارات من اليوان في حالة من الغموض.

وأشارت شركات ومسؤولون روس إلى أشهر عدة من التأخيرات في المعاملات، بعد أن شددت البنوك الصينية الامتثال في أعقاب التهديدات الغربية بفرض عقوبات ثانوية للتعامل مع روسيا... وقالت المصادر إن المشكلة اشتدت هذا الشهر.

وقال مصدر مقرب من الحكومة الروسية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لـ«رويترز»، إن البنوك الحكومية الصينية تغلق المعاملات مع روسيا «بشكل جماعي» وتتعطل مدفوعات قيمتها مليارات اليوانات.

وتعدّ الصين أكبر شريك تجاري لروسيا، حيث تمثل ثلث التجارة الخارجية لروسيا العام الماضي وتوفر سلعاً مثل المعدات الصناعية الحيوية والسلع الاستهلاكية التي تساعد روسيا على تحمل العقوبات الغربية. كما توفر الصين سوقاً مربحة للكثير من الصادرات الروسية التي تعتمد عليها الصين، من النفط والغاز إلى المنتجات الزراعية.

بضائع معدّة للشحن في ميناء فلاديفوستوك الروسي (رويترز)

وبعد أن هددت وزارة الخزانة الأميركية في يونيو (حزيران) الماضي بفرض عقوبات ثانوية على البنوك في الصين ودول أخرى للتعامل مع روسيا، بدأت البنوك الصينية في اتخاذ موقف صارم للغاية بشأن المعاملات، وفقاً لمصدر في إحدى منصات التجارة الإلكترونية الرائدة في روسيا التي تبيع مجموعة واسعة من السلع الاستهلاكية المستوردة من الصين.

وقال المصدر: «في تلك اللحظة، توقفت جميع المدفوعات عبر الحدود إلى الصين. لقد وجدنا حلولاً، لكن الأمر استغرق نحو ثلاثة أسابيع، وهي فترة طويلة جداً، حيث انخفضت أحجام التجارة بشكل كبير خلال تلك الفترة».

وقال المصدر إن أحد الحلول العملية كان شراء الذهب ونقله إلى هونغ كونغ وبيعه هناك، وإيداع النقود في حساب مصرفي محلي.

وقالت مصادر لـ«رويترز» إن بعض الشركات الروسية تستخدم سلاسل من الوسطاء في دول ثالثة لإدارة معاملاتها والالتفاف على عمليات التحقق من الامتثال التي تديرها البنوك الصينية. ونتيجة لذلك؛ ارتفعت تكاليف معالجة المعاملات إلى ما يصل إلى 6 في المائة من مدفوعات المعاملات، مما يقرب من الصفر من قبل، كما قالوا. وتحدثت المصادر شريطة عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الأمر.

وقال مصدر آخر مقرب من الحكومة: «بالنسبة للكثير من الشركات الصغيرة، هذا يعني إغلاقاً كاملاً».

وأقرّ الكرملين بالمشكلة، لكنه قال إن التعاون الاقتصادي مهم لكلا البلدين وسيتم إيجاد الحلول. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في بيان لـ«رويترز»: «مع مثل هذه الأحجام وفي مثل هذه البيئة غير الودية، من المستحيل تجنب بعض المواقف الإشكالية». وأضاف: «ومع ذلك، فإن روح الشراكة الحقيقية لعلاقاتنا تسمح لنا بمناقشة وحل القضايا الحالية بشكل بنَّاء».

وقال مصدر مصرفي لـ«رويترز» إن المعاملات مع الصين ليست مصدر قلق خطير للقيادة الروسية العليا؛ لأن المدفوعات في المجالات ذات الأولوية لا تزال تسير بسلاسة، وهناك إرادة سياسية من الجانبين.

وقال مصدران إن الترتيبات الثنائية للشركات الكبرى، مثل مصدري السلع الأساسية في روسيا ومصدري التكنولوجيات الحيوية في الصين، لا تزال تعمل بشكل جيد، في حين تواجه الشركات الأصغر حجماً التي تتاجر في السلع الاستهلاكية مشاكل. وقال مصدر آخر مقرّب من الحكومة الروسية لـ«رويترز» إن المصدّرين الروس لم يواجهوا صعوبات في تلقي المدفوعات مقابل السلع التي تستوردها الصين، مثل النفط أو الحبوب.

ونمت التجارة الثنائية بين روسيا والصين بنسبة 1.6 في المائة إلى 137 مليار دولار في النصف الأول من عام 2024، وفقاً لبيانات الجمارك الرسمية في الصين، بعد أن بلغت مستوى قياسياً مرتفعاً بلغ 240 مليار دولار في عام 2023. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لـ«رويترز»: «التجارة العادية بين الصين وروسيا تتفق مع قواعد منظمة التجارة العالمية ومبادئ السوق، وليست موجّهة ضد أطراف ثالثة ولا تخضع للتدخل أو الإكراه من قِبل أطراف ثالثة». وأضاف المتحدث: «نحن نعارض بشدة أي عقوبات أحادية الجانب غير قانونية و(ولاية قضائية طويلة الأمد)، وسنتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية حقوقنا ومصالحنا المشروعة».

وانخفضت واردات روسيا من الصين بأكثر من 1 في المائة إلى 62 مليار دولار في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يوليو (تموز) 2024 بسبب مشاكل الدفع، وفقاً لإحصاءات رسمية صينية.

ويتوقع البنك المركزي الروسي أن تنخفض واردات البلاد الإجمالية من جميع أنحاء العالم بنسبة تصل إلى 3 في المائة هذا العام. وقال البنك المركزي: «ستنخفض الواردات في عام 2024 بسبب تعزيز حواجز العقوبات المتعلقة بالمدفوعات والخدمات اللوجيستية»، على الرغم من أنه توقع أن يتحسن الوضع في الأمد المتوسط، وفقاً لمسودة إرشادات السياسة النقدية المنشورة في 29 أغسطس (آب).

وبعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن للصين في مايو (أيار)، تدخلت بعض البنوك الصينية المحلية التي ليس لها أعمال عالمية للتعامل مع المدفوعات الثنائية، وستكون خارج نطاق العقوبات الغربية... لكن المصادر أشارت إلى أن هذه البنوك كانت في كثير من الأحيان تمتلك أنظمة تكنولوجيا معلومات قديمة وتفتقر إلى الموظفين ذوي المهارات اللازمة.

وقال المصدر المصرفي إن سعاة البريد عبر الحدود كانوا ينقلون أوراق التحويل عبر الحدود الروسية - الصينية للحصول على ختم وتوقيع فعليين من قِبل المصرفيين الصينيين.

وقال كيريل باباييف، رئيس معهد الصين في الأكاديمية الروسية للعلوم: «حتى يتم حل القضايا المتعلقة بالمدفوعات على مستوى الدولة، لا يمكننا أن نتوقع تدفقاً ديناميكياً للاستثمارات من الصين».

ويسلّط البحث الذي شارك باباييف في تأليفه، والذي صدر هذا الشهر، الضوء على المخاطر التي يواجهها القطاع الصناعي في روسيا، حيث أصبحت الصين مورداً رائداً. وقال البحث: «في الوضع الحالي، تؤدي مشاكل الدفع مع البنوك الصينية بشكل خاص إلى تفاقم هذا التحدي، حيث لا يوجد موردون رئيسيون آخرون للكثير من أنواع المعدات الصناعية إلى جانب الصين في الوقت الحاضر».

وقال دميتري بيريشيفسكي، رئيس الدائرة الاقتصادية بوزارة الخارجية الروسية، في مؤتمر عُقد في موسكو يوم 16 أغسطس، إن الشركات الكبرى في الصين والهند تعتمد بشكل كبير على الأسواق الأميركية والأوروبية. وأضاف: «ويقال لهم: إذا واصلتم العمل مع روسيا فإننا سنقطع وصولكم إلى سوقنا ونقطع إمدادات الأكسجين عنكم».


مقالات ذات صلة

بكين تستقبل وفد شركات أميركية كبرى... وتغازل أوروبا

مشاة في إحدى الطرقات بالحي المالي وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ب)

بكين تستقبل وفد شركات أميركية كبرى... وتغازل أوروبا

قالت غرفة التجارة الأميركية في الصين إن مجموعة من المسؤولين التنفيذيين من الشركات الأجنبية والصينية التقت رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، في بكين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد إحدى جولات الامتياز التجاري التابعة للهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (الشرق الأوسط)

866 % نمو الامتياز التجاري بالسعودية خلال 3 سنوات... والسياحة والمطاعم في الصدارة

نَمَت قيود الامتياز التجاري، خلال السنوات الثلاث الماضية 866 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الحالي، ليصل إجمالي تلك القيود إلى 1788.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال قمة «بريكس» في 23 أكتوبر 2024 (رويترز)

بعد إلغاء نظام «سويفت»... إيران تعلن استخدام العملات الوطنية مع أعضاء «بريكس»

أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، إلغاء استخدام نظام «سويفت» في التبادلات التجارية الإيرانية واستخدام العملات الوطنية في تسوية المعاملات مع دول «بريكس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ميناء جدة الإسلامي (الشرق الأوسط)

ارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية 16.8 % خلال الربع الثالث

أعلنت «الهيئة العامة للإحصاء» السعودية، اليوم، ارتفاع الصادرات غير النفطية بنسبة 16.8 في المائة خلال الربع الثالث من العام الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

أعرب وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، عن اعتقاده بأن ألمانيا على استعداد جيد للتعامل مع رئاسة دونالد ترمب، لكنه حذر من أن الرسوم الجمركية سلاح ذو حدين.

«الشرق الأوسط» (برلين)

السعودية تعلن الميزانية العامة للدولة لعام 2025

جلسة سابقة لمجلس الوزراء السعودي (واس)
جلسة سابقة لمجلس الوزراء السعودي (واس)
TT

السعودية تعلن الميزانية العامة للدولة لعام 2025

جلسة سابقة لمجلس الوزراء السعودي (واس)
جلسة سابقة لمجلس الوزراء السعودي (واس)

تعلن السعودية غداً (الثلاثاء) الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1446 / 1447هـ (2025م).

وسيعقد مجلس الوزراء السعودي، يوم غدٍ (الثلاثاء)، جلسة مخصصة للميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2025م.

ووفقاً للبيان التمهيدي لميزانية عام 2025 الصادر في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، توقعت حكومة المملكة تسجيل عجز عند 118 مليار ريال (31.4 مليار دولار) هذا العام، على أن يستمر للسنوات الثلاث المقبلة ليبلغ ذروته في 2027 عند 140 مليار ريال، بوصفه عجزاً مُقدّراً.

وتركز الحكومة على الإنفاق الاستراتيجي على برامج «رؤية 2030»، وهو ما أوضحه وزير المالية محمد الجدعان، عند الإفصاح عن البيان التمهيدي لميزانية العام المقبل، بتأكيده أن الحكومة ستواصل الإنفاق على المشاريع الكبرى ذات العائد الاقتصادي المستدام، إضافة إلى زيادة الصرف على البنية التحتية والخدمات العامة.

كما ارتفعت الإيرادات الحكومية بنسبة 20 في المائة في الربع الثالث مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، لتبلغ 309.21 مليار ريال (82.4 مليار دولار)، وارتفعت النفقات بنسبة 15 في المائة لتبلغ 339.44 مليار ريال في الفترة ذاتها.

وبلغت الإيرادات غير النفطية ما قيمته 118.3 مليار ريال بارتفاع 6 في المائة على أساس سنوي، لكنها كانت أقل بنحو 16 في المائة مقارنة بالربع الثاني من هذا العام. وفي المقابل، سجلت الإيرادات النفطية 190.8 مليار ريال، بنمو 30 في المائة على أساس سنوي، لكنها كانت أقل بنسبة 10 في المائة عن الربع الثاني من 2024.

وحتى الربع الثالث من العام الحالي، أظهرت الميزانية السعودية لـ2024 ارتفاع الإيرادات الفعلية لتصل إلى 956.233 مليار ريال (254.9 مليار دولار)، مقارنة بالفترة نفسها من 2023 عندما سجلت نحو 854.306 مليار ريال (227.8 مليار دولار)، بزيادة قدرها 12 في المائة.

وتجاوز حجم النفقات نحو التريليون ريال (266.6 مليار دولار) حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي، قياساً بالفصل الثالث من العام الماضي، حيث كان حجم النفقات 898.259 مليار ريال (239.5 مليار دولار)، بنسبة 13 في المائة. وبالتالي يصل حجم العجز في الميزانية خلال هذه الفترة إلى 57.962 مليار ريال (15.4 مليار دولار).

وتوقعت وزارة المالية السعودية في تقريرها الربعي، بلوغ حجم الإيرادات في العام الحالي 1.172 تريليون ريال (312.5 مليار دولار)، مقارنة بالنتائج الفعلية للميزانية في 2023 عند 1.212 تريليون ريال (323.2 مليار دولار)، وإجمالي مصروفات يصل إلى 1.251 تريليون ريال (333.6 مليار دولار)، قياساً بالعام الماضي عند 1.293 تريليون ريال (344.8 مليار دولار)، وبعجز يبلغ 79 مليار ريال (21 مليار دولار)، بعد أن سجل نحو 80.9 مليار ريال (21.5 مليار دولار) في السنة السابقة.

وكشفت بيانات وزارة المالية وصول رصيد الاحتياطي العام للدولة حتى نهاية الربع الثالث إلى 390.079 مليار ريال (104 مليارات دولار)، والحساب الجاري إلى 76.675 مليار ريال (20.4 مليار دولار)، وتسجيل الدين العام سواء الداخلي أو الخارجي لآخر الفترة نحو 1.157 تريليون ريال (308.7 مليار دولار).