«اليورو» تحت المراقبة: تقييم قدرات تحمله بوصفه ملاذاً آمناً للاستثمارات

تخوُّف من تأثير الاضطرابات وحالة عدم اليقين والتضخم واطمئنان بسبب العوامل الاقتصادية الأوسع

علامة عملة اليورو داخل مبنى المقر الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي (أ.ف.ب)
علامة عملة اليورو داخل مبنى المقر الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي (أ.ف.ب)
TT

«اليورو» تحت المراقبة: تقييم قدرات تحمله بوصفه ملاذاً آمناً للاستثمارات

علامة عملة اليورو داخل مبنى المقر الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي (أ.ف.ب)
علامة عملة اليورو داخل مبنى المقر الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي (أ.ف.ب)

تشهد العملة الأوروبية «اليورو» تدقيقاً متزايداً من قِبَل المستثمرين وخبراء الاقتصاد بوصفه ملاذاً للاستقرار في الأسواق المالية المضطربة، إلا أنه مع استمرار ازدياد حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، والمؤثرات الأخرى كالانتخابات في عدد من الدول الأوروبية تثار أسئلة حول قدرة العملة الأوروبية على العمل بوصفه ملاذاً آمناً يمكن الاعتماد عليه للاستثمارات في المستقبل.

وأدت التقلبات الأخيرة في قيمة اليورو، إلى جانب التحديات الاقتصادية داخل القارة العجوز، إلى ازدياد المخاوف بشأن استقراره وجاذبيته للمستثمرين الباحثين عن ملجأ يحميهم من التقلبات، في الوقت الذي يؤكد فيه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» حول مدى قدرات تحمله بوصفه ملاذاً آمناً للاستثمارات.

تحركات جديرة بالاهتمام

قال محمد حشاد، كبير استراتيجيي الأسواق في «نور كابيتال» إن اليورو شهد تحركات جديرة بالاهتمام في الفترة الأخيرة بسبب عوامل تنوعت بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي.

وأضاف حشاد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن البيانات الاقتصادية، خصوصاً بيانات التضخم، تأتي في مقدمة العوامل المؤثرة في حركة سعر اليورو؛ نظراً لتركيز البنك المركزي الأوروبي على تحقيق استقرار الأسعار في المنطقة باستخدام أدوات السياسة النقدية، وفي مقدمتها معدل الفائدة.

ولفت إلى أن بيانات التضخم في ألمانيا، أكبر اقتصادات منطقة اليورو، تعكس حالة من ثبات معدلات التضخم عند مستويات منخفضة دفعت بالبنك المركزي في اجتماع يونيو (حزيران) الماضي إلى البدء في خفض الفائدة بواقع 25 نقطة أساس إلى 4.25 في المائة مقابل 4.5 في المائة، ما يُعد تحولاً إلى التيسير الكمي بدلاً من التشديد الذي أدى إلى تراجع التضخم.

ويتوقع على نطاق واسع أن يبقي «المركزي الأوروبي» على معدل الفائدة دون تغيير في اجتماع يوليو (تموز) الذي ينعقد، الخميس المقبل، وأن يخلو بيان الفائدة من أي ذكر لخفض الفائدة في اجتماع سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو ما قد يساعد اليورو على البقاء في الاتجاه الصاعد.

انعدام يقين سياسي

أكد حشاد أن اليورو تعرض لهزة قوية في الفترة الأخيرة بسبب تطورات في المشهد السياسي الأوروبي؛ إذ سيطر اليمين المتشدد على البرلمان الأوروبي، مثيراً كثيراً من المخاوف حيال سياساته الاقتصادية سيئة السمعة التي قد تضر باقتصاد المنطقة.

ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى انتخابات برلمانية مبكرة أسفرت جولتها الأولى عن فوز اليمين المتشدد بعدد تاريخي من المقاعد في البرلمان الفرنسي؛ ما أثار مخاوف حيال سيطرة هذا التيار على الحكم.

لكن مع ظهور نتائج الجولة النهائية من الانتخابات تراجع اليمين المتشدد إلى المركز الثالث، وابتعد تماماً عن عملية تشكيل الائتلاف الحاكم لصالح تحالف اليسار الفرنسي الذي احتل المركز الأول، بينما حل ثانياً تحالف الوسط بقيادة رئيس البلاد إيمانويل ماكرون، وهو ما منح اليورو متنفساً بعد أن اطمأن المستثمرون في العملة والأصول الأوروبية على أن السياسات المقبلة سوف تكون صديقة للاستثمار والأعمال.

اليورو وعقوبات موسكو

وأكد كبير استراتيجيي الأسواق في «نور كابيتال» أن هناك آثاراً للعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب على العملة الأوروبية الموحدة، وهي العقوبات التي تتضمن فرض حظر على التعامل مع النظام المصرفي الروسي، وتجميد الأصول الروسية لدى البنوك ومؤسسات الاستثمار الأوروبية، علاوة على فرض عقوبات على مسؤولين روسيين.

وقال: «يكمن الخطر الأكبر على اليورو من العقوبات على موسكو في إمكانية أن تتقوض الثقة بالاقتصاد الأوروبي والجهات المعنية المسؤولة عنه بسبب تجميد الأصول الروسية لدى البنوك والمؤسسات المصرفية وغيرها من المؤسسات في منطقة اليورو؛ إذ من الممكن أن ينتاب القلق المستثمرين حيال إمكانية أن تُجمد أصولهم من قبل السلطات الأوروبية».

العملة الأوروبية وأسعار الطاقة

كشف حشاد أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على منتجات الطاقة الروسية بصفة أساسية، ومن ثم قد يواجه اليورو صعوبات حال حدوث اضطرابات في توافر تلك المنتجات، أو ارتفاع أسعارها إلى حدٍّ مبالغ فيه، وقال: «قد يكون ارتفاع أسعار منتجات الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا من العوامل التي تصب في صالح العملة الأوروبية الموحدة؛ إذ قد يدفع ارتفاع أسعار الطاقة معدل التضخم إلى أعلى، ومن ثم يبطئ البنك المركزي الأوروبي من وتيرة خفض الفائدة».

وشدد على أنه في الجانب الآخر، قد يؤدي اضطراب وصول إمدادات منتجات الطاقة الروسية إلى أوروبا ومزيد من العقوبات المحتملة على موسكو إلى تدهور الاقتصاد الأوروبي بسبب نقص الإمدادات، وهو ما قد يضر باليورو، إضافة إلى ذلك، قد تؤدي الاضطرابات الجيوسياسية إلى زيادة الطلب على عملات وأصول الملاذ الآمن، وهو ما من شأنه أن يضعف اليورو مقابل الدولار الأميركي.

تأثير الانتخابات

من جهته، بيَّن مارك بوسار، رئيس قسم إدارة المخاطر في «إيه بي إم كابيتال» أنه يمكن للانتخابات العامة في فرنسا أن تؤثر بشكل كبير على اليورو من خلال تأثيرها على معنويات المستثمرين، وتوقعات السياسة الاقتصادية، والإدراك الأوسع لاستقرار الاتحاد الأوروبي؛ حيث شهدت الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017 تأثيراً كبيراً على اليورو؛ فقد أدى فوز إيمانويل ماكرون، المرشح الوسطي والمؤيد للاتحاد الأوروبي، إلى ارتفاع مفاجئ في اليورو بسبب تجدد الثقة بوحدة الاتحاد الأوروبي، والإصلاح الاقتصادي في فرنسا. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «مع ذلك، أسفرت الجولة الثانية الأخيرة للانتخابات البرلمانية في فرنسا عن نتيجة مفاجئة. ففي الوقت الذي توقع فيه الكثيرون أن يفشل حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان في الحصول على الأغلبية في البرلمان، حقق تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) تقدماً مفاجئاً؛ حيث فاز بعدد مقاعد بلغ (182) مقعداً أي أكثر من أي حزب آخر. وحل تكتل ماكرون الوسطي في المركز الثاني بـ163 مقعداً، وحصل تحالف التجمع الوطني على 143 مقعداً. وهذا يعني أننا أمام برلمان معلق يضعنا أمام خيارين رئيسيين: إما محادثات صعبة لتشكيل ائتلاف وإما حكومة تكنوقراط. وحيث إن فرنسا تفتقد الخبرة في تشكيل حكومات ائتلافية، فقد يؤدي هذا إلى جمود سياسي».

الشعور بالراحة

تابع بوسار: «يشير رد فعل السوق الإيجابي بعد الجولة الأولى، والذي أدى إلى فوز التجمع الوطني، إلى أن المستثمرين يشعرون براحة أكبر تجاه اليمين المتطرف مقارنة باليسار المتطرف؛ حيث يُنظر إلى الأخير على أنه يشكل تهديداً أكبر للوضع المالي الفرنسي الذي يمر بفترة حرجة. وكان جان لوك ميلانشون، زعيم تحالف اليسار الجديد، قد صرح بأن التحالف ينوي تنفيذ أجندته بشكل صارم، وهي تشمل زيادة الإنفاق العام لدعم الإجراءات الاجتماعية؛ مثل زيادة الحد الأدنى للأجور، وإلغاء إصلاحات ماكرون التي رفعت سن التقاعد». وقال: «بما يتعلق باليورو، هناك مخاطر كامنة ناتجة عن هذا الغموض السياسي. يمكن أن يؤدي فوز حزب يُنظر إليه على أنه غير مسؤول مالياً إلى إضعاف اليورو بسبب المخاوف من عدم الاستقرار أو سياساته الاقتصادية السلبية، بالإضافة إلى موقف تحالف اليسار الجديد المشكك في الاتحاد الأوروبي. كما يتوقع العديد من المحللين أن يشهد اليورو تراجعاً مقارنة بالعملات الأخرى لمجموعة العشر».

مدعوم بعوامل اقتصادية أوسع

وزاد رئيس قسم إدارة المخاطر في «إيه بي إم كابيتال»: «على الرغم من المخاوف قصيرة المدى المتعلقة بالغموض السياسي في فرنسا، تظل قيمة اليورو على المدى الطويل مدعومة بعوامل اقتصادية أوسع. تلعب الأساسيات الاقتصادية القوية لمنطقة اليورو، مثل السياسة النقدية الحكيمة للبنك المركزي الأوروبي والاستقرار السياسي العام للاتحاد الأوروبي، دوراً هاماً في دعم مكانة اليورو بوصفه ملاذاً آمناً للمستثمرين».

وأضاف: «تظهر الدراسات الاستقصائية الثلاثية لبنك التسويات الدولية أن انخفاض حصة اليورو في تداول العملات الأجنبية العالمية من 38 في المائة في عام 2001 إلى 31 في المائة في عام 2022 لا ينفي أهميتها؛ فرغم احتلالها ثلث إجمالي السوق فإن اليورو لا يزال عملة رئيسية في النظام المالي العالمي، ولا ينبغي للمستثمرين القلق بشأن التداعيات السياسية لدولة واحدة».



أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
TT

أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

أعلنت الولايات المتحدة، أنها وسّعت مجدداً لائحتها السوداء التي تحظر استيراد منتجات من منطقة شينجيانغ الصينية، أو التي يُشتبه في أنها صُنعت بأيدي أويغور يعملون قسراً.

وقد اتُّهمت نحو 30 شركة صينية جديدة باستخدام مواد خام أو قطع صنِعَت أو جمِعَت بأيدي أويغور يعملون قسراً، أو بأنها استخدمت هي نفسها هذه العمالة لصنع منتجاتها.

وبهذه الإضافة، يرتفع إلى 107 عدد الشركات المحظورة الآن من التصدير إلى الولايات المتحدة، حسبما أعلنت وزارة الأمن الداخلي.

وقالت الممثلة التجارية الأميركية، كاثرين تاي، في بيان: «بإضافة هذه الكيانات، تواصل الإدارة (الأميركية) إظهار التزامها بضمان ألّا تدخل إلى الولايات المتحدة المنتجات المصنوعة بفعل العمل القسري للأويغور أو الأقليات العرقية أو الدينية الأخرى في شينجيانغ».

وفي بيان منفصل، قال أعضاء اللجنة البرلمانية المتخصصة في أنشطة «الحزب الشيوعي الصيني» إنهم «سعداء بهذه الخطوة الإضافية»، عادّين أن الشركات الأميركية «يجب أن تقطع علاقاتها تماماً مع الشركات المرتبطة بالحزب الشيوعي الصيني».

يحظر قانون المنع الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) 2021، كل واردات المنتجات من شينجيانغ ما لم تتمكّن الشركات في هذه المنطقة من إثبات أن إنتاجها لا ينطوي على عمل قسري.

ويبدو أن المنتجات الصينية ستجد سنوات صعبة من التصدير إلى الأسواق الأميركية، مع تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية تزيد على 60 في المائة على السلع الصينية جميعها، وهو ما أثار قلق الشركات الصينية وعجَّل بنقل المصانع إلى جنوب شرقي آسيا وأماكن أخرى.

كانت وزارة التجارة الصينية، قد أعلنت يوم الخميس، سلسلة من التدابير السياسية التي تهدف إلى تعزيز التجارة الخارجية للبلاد، بما في ذلك تعزيز الدعم المالي للشركات وتوسيع صادرات المنتجات الزراعية.

وكانت التجارة أحد المجالات النادرة التي أضاءت الاقتصاد الصيني في الآونة الأخيرة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضعف الطلب المحلي وتباطؤ قطاع العقارات، مما أثقل كاهل النمو.

وقالت الوزارة، في بيان نشرته على الإنترنت، إن الصين ستشجع المؤسسات المالية على تقديم مزيد من المنتجات المالية؛ لمساعدة الشركات على تحسين إدارة مخاطر العملة، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق بين السياسات الاقتصادية الكلية للحفاظ على استقرار اليوان «بشكل معقول».

وأضاف البيان أن الحكومة الصينية ستعمل على توسيع صادرات المنتجات الزراعية، ودعم استيراد المعدات الأساسية ومنتجات الطاقة.

ووفقاً للبيان، فإن الصين سوف «ترشد وتساعد الشركات على الاستجابة بشكل نشط للقيود التجارية غير المبررة التي تفرضها البلدان الأخرى، وتخلق بيئة خارجية مواتية لتعزيز الصادرات».

وأظهر استطلاع أجرته «رويترز»، يوم الخميس، أن الولايات المتحدة قد تفرض تعريفات جمركية تصل إلى 40 في المائة على وارداتها من الصين في بداية العام المقبل، مما قد يؤدي إلى تقليص نمو الاقتصاد الصيني بنسبة تصل إلى 1 نقطة مئوية.