تدهور «حلم الصين» يجبر الشركات الغربية على خفض التكاليف

بنوك الاستثمار تخفض الموظفين وسط توقعات قاتمة

رجل وسط الحي المالي بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
رجل وسط الحي المالي بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
TT

تدهور «حلم الصين» يجبر الشركات الغربية على خفض التكاليف

رجل وسط الحي المالي بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
رجل وسط الحي المالي بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

قبل بضع سنوات فقط، أدت آفاق الأعمال الرابحة في الصين على خلفية الاقتصاد المزدهر إلى تدافع الشركات المالية الغربية، من الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى إدارة الأصول، لتوسيع نطاق وجودها في البلاد، واستقطاب المواهب من جميع أنحاء العالم... ولكن مع ازدياد الشكوك حول التعافي الاقتصادي في الصين، وتخلف أسواقها عن نظيراتها العالمية، فإن كثيراً من الشركات المالية تتضرر من نتائج أرباحها، وتعمل على كبح طموحاتها فيما كان يشكل جزءاً رئيسياً من استراتيجية النمو العالمي الخاصة بها.

فمنذ بداية هذا العام، قامت قائمة متزايدة من الشركات المالية الغربية، بما في ذلك شركة «فيديليتي إنترناشيونال ليميتد»، و«مورغان ستانلي»، وشركة «ليغال آند جنرال» إما بخفض الوظائف التي تركز على الصين بشكل حاد، وإما بتأجيل خطط التوسع.

ومن المتوقع أن تحذو المزيد من الشركات حذوها قريباً، حيث يؤثر خط الصفقات الفاترة، وتوليد الأصول الباهت على النفقات والإيرادات، وفقاً لكبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات المالية الأجنبية وباحثي الكفاءات والمحللين.

ويأتي تدهور جاذبية الصين للشركات المالية الغربية في وقت تكثف فيه بكين جهودها لجذب مزيد من رأس المال الأجنبي؛ لإنعاش الاقتصاد المحلي وسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

على سبيل المثال، تتوقع شركة التمويل «فيديليتي إنترناشيونال ليميتد»، التي تخفض 16 في المائة من فريقها الصيني المكون من 120 فرداً، أن تتسع خسائرها في البلاد إلى 45 مليون دولار هذا العام، من 41 مليون دولار في العام الماضي، وفقاً لوثيقة داخلية اطلعت عليها «رويترز».

وقالت الوثيقة، التي تم توزيعها داخلياً في وقت سابق من هذا العام، إن خطة عدد الموظفين «تم تقليصها بشكل كبير» للسنوات الأربع إلى الخمس المقبلة مقارنة بخطة العمل التي تمت صياغتها في عام 2022.

ورداً على طلب من «رويترز» للتعليق، قالت الشركة في بيان إنها ما زالت تركز على تنمية أعمالها في صناديق الاستثمار المشتركة في الصين، وواصلت التخطيط «لمجموعة من السيناريوهات» في بيئة السوق الحالية. وأضافت: «في وقت سابق من عام 2024، قمنا أيضاً بتعزيز رأس مالنا المسجل وافتتحنا مكتباً فرعياً في بكين، بالإضافة إلى مكاتبنا في شنغهاي وداليان»، دون التعليق على وجه التحديد على توقعات أرباحها وخطط خفض عدد الموظفين.

وفي مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، يعد «مورغان ستانلي»، و«إتش إس بي سي» أحدث من قام بإلغاء العشرات من الوظائف المصرفية الاستثمارية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، معظمها يركز على الصفقات الصينية. ويتمركز في هونغ كونغ الجزء الأكبر من المصرفيين الاستثماريين في بنوك وول ستريت الذين يركزون على الصين.

وقال سيد سيبال، نائب رئيس منطقة الصين الكبرى وهونغ كونغ، في شركة «هدسون» للتوظيف: «نسمع أن مزيداً من البنوك الاستثمارية وشركات الأوراق المالية في هونغ كونغ تدرس بالفعل خفض عدد الموظفين».

وعلى مدار العام الماضي، قامت شركات «غولدمان ساكس»، و«جيه بي مورغان تشيس آند كو»، و«سيتي غروب»، و«بنك أوف أميركا»، من بين آخرين، بخفض وظائف الخدمات المصرفية الاستثمارية التي تركز على الصين.

وقال سيبال إنه على الرغم من أن بعض البنوك تدفع مكافآت سنوية منخفضة أو معدومة، فإن الاستنزاف الطوعي كان منخفضاً، مما يستلزم خفض عدد الموظفين هذا العام بما يتماشى مع التوقعات القاتمة للصفقات المتعلقة بالصين، وبالتالي الإيرادات.

وانخفض صافي إيرادات «مورغان ستانلي» من آسيا بنسبة 12 في المائة إلى 1.74 مليار دولار في الربع الأول مقارنة بالعام السابق. وانخفضت الأموال التي جمعتها الشركات الصينية من خلال الاكتتابات العامة الأولية، بما في ذلك البورصات المحلية والخارجية، بنسبة 80 في المائة في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي إلى 2.9 مليار دولار، وفقاً لبيانات بورصة لندن.

وانكمشت القيمة الإجمالية لصفقات الاندماج والاستحواذ بمشاركة الصين بنسبة 36 في المائة، وفقاً لبيانات بورصة لندن، مما يشير إلى الرسوم الأصغر التي يحصل عليها المصرفيون من العملاء من خلال تقديم المشورة بشأن مثل هذه المعاملات.

وشهدت سوق الصناديق الداخلية في الصين نمواً طفيفاً بنسبة 6 في المائة في الأصول العام الماضي، بعد ارتفاع بنسبة 1 في المائة في عام 2022، متباطئاً من قفزة سنوية تزيد على 27 في المائة في كل من عامي 2020 و2021.

وذكرت «رويترز» في مارس (آذار) الماضي نقلاً عن مصادر أن شركة «ليغال آند جنرال» البريطانية علقت خطة في فبراير (شباط) للحصول على رخصة أعمال استثمارية خارجية في الصين، وخفضت عدد موظفيها الداخليين بأكثر من النصف.

وقال يون نغ، المدير الاستشاري لإدارة الأصول العالمية في برودريدغ، إن الشركات العالمية التي تغزو السوق المحلية الصينية شهدت رحلة «من الذروة إلى القاع»، مدفوعة بصعوبة جمع الأموال والتوقعات الكلية في الصين. وتابع: «بما أن التوقعات بالنسبة لسوق الأوراق المالية والاقتصاد الصيني لا تزال بطيئة، فإن الشركات ستتخذ حتماً خطوات لتبسيط أعمالها، خاصة وأن معظمها كان سيشهد فورة توظيف في السنوات السابقة».

وفي حين أنه من المتوقع أن تستمر البنوك الاستثمارية الأجنبية ومديري الأصول في إجراءات خفض التكاليف على المدى القريب، فمن غير المتوقع أن ينسحب الكثير منها، مراهنة على انتعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقال مصدر مصرفي أميركي لـ«رويترز»: «نحن ندرك حقيقة أنه من منظور السياسة، كان هناك بالتأكيد تحول في السياسة بين الولايات المتحدة والصين، مما يؤثر على البصمة التي قد تكون لدينا من منظور الأعمال... ومع ذلك، فإن عملاءنا موجودون في الصين، وسنواصل العمل في الصين. نحن ملتزمون تجاه البلاد نظراً لأهمية اقتصادها».


مقالات ذات صلة

طائرات مقاتلة سويسرية لحماية المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس

أوروبا سويسرا تنشر آلاف الجنود لتأمين المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (د.ب.أ)

طائرات مقاتلة سويسرية لحماية المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس

تم نشر الآلاف من الجنود في منتجع دافوس السويسري للتزلج قبل أسبوع من بدء فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يضم قادة عالميين ومسؤولين اقتصاديين سنوياً.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد شعار منتدى «اكتفاء 2025» (الشرق الأوسط)

«أرامكو» توقِّع 145 اتفاقية بـ9 مليارات دولار لتعزيز سلاسل الإمداد المحلية

وقَّعت «أرامكو السعودية»، يوم الاثنين، 145 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تُقدر قيمتها بنحو 33.75 مليار ريال (9 مليارات دولار).

«الشرق الأوسط» (الدمام)
الاقتصاد وزيرا المالية السعودي والعماني بعد توقيعهما مذكرة التفاهم (وكالة الأنباء العمانية)

وزيرا المالية السعودي والعماني يوقِّعان مذكرة للتعاون في المجال المالي

وقّع وزيرا المالية السعودي محمد الجدعان والعماني سلطان الحبسي، يوم الاثنين، مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون في الشؤون المالية بين السعودية وعمان.

«الشرق الأوسط» (المدينة المنورة)
الاقتصاد أوراق نقدية من الجنيه الإسترليني والعملات المعدنية داخل صندوق في مقهى بمانشستر (رويترز)

عائدات السندات البريطانية لأجل 30 عاماً تبلغ أعلى مستوى منذ 27 عاماً

ارتفعت عائدات السندات الحكومية البريطانية لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوى لها في 27 عاماً، يوم الاثنين، مما أدى إلى تمديد موجة بيع بسوق السندات.

الاقتصاد رئيس «أرامكو السعودية» وكبير إدارييها التنفيذيين المهندس أمين الناصر (الشرق الأوسط)

رئيس «أرامكو»: السعودية تستهدف زيادة إنتاج الطاقة بنسبة 70 %

كشف رئيس «أرامكو السعودية» وكبير إدارييها التنفيذيين المهندس أمين الناصر أن الشركة تستهدف زيادة إنتاج الطاقة بنسبة 70 في المائة لخلق مزيد من الوظائف.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تراجعات أسهم «إنفيديا» تواصل الضغط على مؤشرات «وول ستريت»

متداول في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداول في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
TT

تراجعات أسهم «إنفيديا» تواصل الضغط على مؤشرات «وول ستريت»

متداول في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداول في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

تسببت التراجعات الكبيرة في أسهم «إنفيديا» وغيرها من الشركات الكبرى في الضغط على مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الاثنين، مما أبقى «وول ستريت» في حالة من الركود المستمر الذي دام لأسابيع.

وانخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.8 في المائة في التعاملات المبكرة، ليحقق رابع خسارة أسبوعية له في آخر 5 أسابيع. في المقابل، ارتفع مؤشر «داو جونز» الصناعي 52 نقطة أو 0.1 في المائة، بينما كان مؤشر «ناسداك» المركب يتصدر الخسائر بانخفاض نسبته 1.5 في المائة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وتراجعت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي و«البتكوين»، فضلاً عن الأسهم الأخرى التي كانت قد حققت مكاسب ضخمة في الفترة الأخيرة، تحت وطأة الضغط الناتج عن تزايد التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يقدم الدعم عبر خفض أسعار الفائدة كما كان متوقعاً. وكانت سوق الأسهم الأميركية قد ارتفعت بشكل كبير العام الماضي بفضل التوقعات بتخفيضات في الفائدة من الفيدرالي، لكن مع استمرار التضخم فوق الهدف المحدد له، فإن هذه التوقعات بدأت في التراجع.

وتأثرت أسهم «إنفيديا» بشكل كبير، حيث شهد سهم الشركة انخفاضاً حاداً بنسبة 4.4 في المائة، مما جعله يترك أكبر أثر سلبي في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500». ورغم ذلك، فإن هذا التراجع لا يعكس سوى جزء بسيط من المكاسب الضخمة التي حققتها الشركة في السنوات الأخيرة بفضل الإقبال الكبير على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت الشركة لضغوط نتيجة لمقترح الرئيس الأميركي جو بايدن الذي ينص على فرض قواعد جديدة لتصدير الرقائق الحاسوبية المتقدمة، وهو ما حذر العديد من المحللين من أنه قد يعيق سلاسل التوريد العالمية بشكل كبير ويؤثر سلباً على قدرة الشركات على تلبية الطلب المتزايد في هذا المجال الحيوي.

وفي مكان آخر، واصلت «البتكوين» انخفاضها، حيث هبطت إلى ما دون 91 ألف دولار بعد أن سجلت مستوى قياسياً جديداً فوق 100 ألف دولار الشهر الماضي. كما تراجعت أسهم الشركات المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، مثل «مايكروستراتيجي» و«كوين بيز غلوبال»، بنسبة 6.3 في المائة و5.1 في المائة على التوالي.

من ناحية أخرى، برزت شركات النفط والغاز كأبرز الرابحين في السوق بعد ارتفاع أسعار النفط الخام. وارتفع سعر برميل النفط الأميركي القياسي بنسبة 1.2 في المائة إلى 77.49 دولار، في حين زاد سعر خام برنت بنسبة 0.9 في المائة ليصل إلى 80.43 دولار. وقد شهدت أسهم شركات مثل «إكسون موبيل» و«شيفرون» ارتفاعاً بنسبة 1.7 في المائة و2.3 في المائة على التوالي.

أما في سوق السندات، فقد استقرت عوائد سندات الخزانة الأميركية نسبياً، حيث ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.77 في المائة من 4.76 في المائة في أواخر يوم الجمعة. وكان العائد قد شهد ارتفاعاً مستمراً طوال الشهر الماضي، بعد أن كان أقل من 3.65 في المائة خلال سبتمبر (أيلول).

وفيما يتعلق بالأسواق العالمية، تراجعت الأسهم في معظم الأسواق الأوروبية والآسيوية. فقد انخفضت الأسهم بنسبة 1 في المائة في هونغ كونغ و0.2 في المائة في شنغهاي، رغم الإعلان عن نمو صادرات الصين في ديسمبر (كانون الأول) بمعدل أسرع من المتوقع، وهو ما ساهم في تخفيف بعض المخاوف الاقتصادية.